ملاحظات حول موقف البعث والمقاومة من الانظمة العربية

 
 

شبكة المنصور

صلاح المختار

من يطارد عصفورين يفقدهما معاً

مثل عالمي

 

من ابرز مظاهر الاضطراب الفكري والفقر السياسي ، في بعض الاوساط العراقية والعربية ، العجز عن تحديد الموقف المطلوب من الانظمة العربية والوقوع في مطبات ومقاتل الطفولة السياسية ، التي تحرم الانسان من القدرة على اختيار السياسة الصحيحة في ظرف ما معقد وصعب ، ويبدو ان احد اهم الاسباب هو عمليات التضليل المخطط بدقة لارباك العقل العام بتناقضات تحرم البعض من القدرة على التمييز . نعم هناك عناصر واشخاص يخدمون مباشرة جهات معادية للامة العربية والعراق ، منها امريكا والموساد ومخابرات اوربية وايران ، اعدوا بعناية لاختراق الحركة الوطنية والعمل من داخلها كمناجذ نائمة ( جواسيس ) لتخريبها او تشويه مواقفها واثارة المشاكل بين قواها ، تروج اكاذيب وسخة تعكس وساخة ضمائرها ، وتهاجم مواقف البعث والمقاومة العراقية ، لكن هؤلاء الافراد الهامشيين ليسوا موضع اهتمامنا على الاطلاق وتعاملنا معهم دائما باحتقار تام ، منذ كشفوا انفسهم كجواسيس ، تجلى في استنكافنا المعروف عن الرد على ما يروجون من تفاهات ، لذلك نناقش هنا فقط راي وطنيين عراقيين او عرب في الموقف من الانظمة العربية .

 

المحددات الثلاثة للموقف القومي والوطني

 

رغم ان البعث ونظامه الوطني في العراق كانا ضحايا تأمر دولي - اقليمي وعربي رسمي الا ان البعث قبل الغزو والبعث والمقاومة المسلحة بعد غزو العراق لم يضعا الانظمة العربية في نفس سلة امريكا وايران والكيان الصهيوني ، وبغض النظر عن طبيعة وهوية هذه الانظمة وطنية كانت او تابعة للغرب ، لعدة اسباب مبدأية وستراتيجية وتكتيكية تعد قواعد بداهة في العمل الوطني العربي .

 

المحدد المبدأي

 

مبدأيا الانظمة العربية كانت ومازالت تحكم اقطارا عربيا مستهدفة وليست ساحات هدوء واستقرار ، كما العراق وفلسطين ، بمخطط التقسيم والشرذمة الصهيو- امريكي - ايراني ، لذلك فان اي جهد معاد لها يخلط عمدا ، او خطئا ، بين طبيعة النظام والقطر الوطن الان يقوم على عدها عدوا رئيسيا تجب محاربته ، بكافة السبل وبالاتفاق مع اي طرف دولي او اقليمي ، يقود حتما الى التامر على وحدة وهوية القطر الذي تحكمه وليس على نظام الحكم فقط ، لان من يحرك هذه السياسات ضد انظمة عربية منذ مطلع الثمانينيات ليس القوى الوطنية العربية ، كما كان الحال قبل ذلك ، بل العدو المشترك ( امريكا وايران والكيان الصهيوني ) ، وهذه الاطراف لها اهداف معادية للامة العربية كلها وللهوية العربية بكاملها وليس لنظام معين بعينه سواء كان وطنيا او عميلا .

 

ان تجربة غزو العراق تثبت ان العمل ضد نظام معين لا يمكن فصله عن تدمير وحدة ذلك القطر ، لقد انتهت مرحلة اسقاط الانظمة والاكتفاء بذلك واقامة نظام سياسي بديل يؤمن الاستقرار في كافة مجالاته ، ودخلنا مرحلة تمزيق وتقسيم وشرذمة الاقطار العربية انطلاقا من اللغم الاخطر : اسقاط نظامها السياسي ، سواء تحت غطاء التخلص من قوى وطنية تقدمية تحكمها كالعراق ، او التخلص من انظمة فاسدة وعميلة للغرب كتلك التي تتعرض لمخاطر التفتيت الداخلي الطائفي بشكل خاص ، بتشجيع ودعم امريكا التي تعد حاميتها ، وتلك مفارقة يجب ان لا تغيب عن بال احد على الاطلاق !

 

ان التغيير ليس هدفا بحد ذاته بل هو وسيلة من وسائل الانتقال الى وضع افضل بكافة المعايير ، ولذلك فان التغيير حينما يصبح انتقالا من سيء ، يقوم على سياسات تبعية او استغلال ولكن الوطن او القطر مستقر وبقيت فيه الهوية الوطنية والحقوق القومية الاساسية ، الى كارثة شاملة تحرق الاخضر واليابس خصوصا حرق الهوية العربية فانه ليس التغيير المطلوب عربيا بل هو التغيير المطلوب استعماريا ، والذي يخدم فقط من خطط له ويقف خلفه ويحرك اتجاهاته كامريكا وايران والكيان الصهيوني . الان كل من ساهم في غزو العراق ، بما في ذلك بعض الاوساط الامريكية والعملاء الذين جاءوا محتمين بالدبابات الامريكية ، يقول ، بكذب او بصدق ، انه لم يكن يتخيل ان يؤدي اسقاط النظام الوطني الى هذه الكوارث التي حلت بالعراق شعبا ووطنا وعمرانا منذ عام 2003 وان الزمن لو عاد الى الوراء لما دعم الغزو !

 

ان هذا المنطق ، حتى لو كان نتاج سذاجة سياسية ، منطق تدميري لا مجال لقبوله لان غزو وطن بحد ذاته يعد ام الجرائم السياسية وليس ممكنا لاي وطني ان يقبل بغزو وطنه لمجرد التخلص من نظام سياسي ، وبما انه  منطق القاصرين فان تقرير مصير الوطن والامم لا يجوز ان يكون من مسؤولية القاصر والمتخلف بل يجب عزلهما بحزم كامل كما تفرض دروس تجربة غزو العراق .

 

من هنا فان من يعمل على التغيير عليه ان يكون مؤهلا لفهم الاطارات الستراتيجية المتحكمة بالوضع الاقليمي والدولي والقوى المحركة له والاهداف والسترايجيات المتبعة . حينما كنا نناضل ضد الانظمة العربية المتعاونة مع الاستعمار والصهيونية كانت هذه الانظمة محمية من قبل امريكا والكيان الصهيوني صراحة ومباشرة ، لان المطلوب كان تغييرها لصالح الجماهير العربية ، لذلك كانت امريكا بشكل خاص تعلن انها لن تسمح بتغيير هذه الانظمة حتى لو تطلب ذلك التدخل العسكري ضد القوى الوطنية العربية ، وبالفعل تدخلت امريكا بصورة مباشرة وغير مباشرة لحماية الانظمة من التغيير لصالح الجماهير ، لنتذكر كيف ان المرحوم جمال عبدالناصر قد تعرض للتأمر المتتابع والمتعدد الجهات بسبب سياساته القومية والوطنية التي قامت على رفض اعوان الغرب .

 

كانت تلك المرحلة مرحلة صراعات عربية – عربية هدفها الاساس هو تغيير الانظمة من اجل تحقيق التحرر العام والوحدة العربية ، اي بتعبير دقيق تاكيد وتعزيز الهوية العربية وليس تغييرها اومحوها . اما بعد ان بدأ تطبيق سايكس بيكو الثانية ، والتي جوهرها تقسيم الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية ، منذ وصول خميني للسلطة وبفضل سياساته الاستعمارية التوسعية ، فقد دخلنا مرحلة جديدة وخطيرة وهي مرحلة العمل الجاد على تغيير الهوية العربية وتحطيم كافة الكيانات القطرية العربية واقامة كيانات جديدة على انقاضها اساسها الطائفة او العرق او المصلحة العائلية الضيقة انطلاقا من اسقاط النظام السياسي ، وتلك خطة مناقضة لاهداف حركة التحرر القومي العربية كليا وناسفة لها من الجذور .

 

وعلينا ان لاننسى ابدا ان الكيان الصهيوني تبنى منذ تأسيسه خططا لتقسيم الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية ، وهو امرمعروف جدا حتى لابسط الناس ، لكن الخطر المميت في هذا التوجه كان بروز تلاق امريكي - ايراني - صهيوني حول هذه الخطة ، فحالما استلم خميني السلطة في ايران ، وبدعم امريكي - اوربي - صهيوني واضح تجلى في تزويد خميني بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخبارية عن العراق ، اعترف به واكده اول رئيس لجمهورية ايران ابو الحسن بني صدر ونائب خميني اية الله حسين منتظري ، نشأ وضع جديد ، فمن جهة دعا خميني ليس لاسقاط الانظمة العربية فقط بل شرع يكّفر القومية العربية ويختلق تناقضا مفتعلا بينها وبين الاسلام واراد احلال الرابطة الطائفية محل الرابطتين الوطنية والقومية ، باسم اسلام مزيف وتقسيمي جسده الشعار الصهيوني بامتياز ( نشر الثورة الاسلامية ) ، ومن جهة ثانية نشّط الكيان الصهيوني جهده لاجل تنفيذ ستراتيجية الشرذمة للاقطار العربية من خلال دعم التيارات الطائفية والعرقية الانفصالية في الوطن العربي ، ومن جهة ثالثة ، وهي الاخطر ، اخذت الولايات المتحدة الامريكية تشهد صعود تيارات قوية تتبنى الخطة الاسرائيلية الايرانية لتقسيم الاقطار العربية ، وكان المحافظون الجدد ابرز هؤلاء .

 

اذن لم تعد مسالة اسقاط الانظمة العربية تشكل مقدمة للتغيير والتقدم والعدالة الاجتماعية والسير نحو التحرر والوحدة العربية بل اصبحت الممهد الصريح والواضح لنشر فوضى طائفية عنصرية عامة لا تتوقف مفاعيلها واثارها عند حدود اسقاط الانظمة العربية بل تستمر اليات التغيير لتشمل تغيير الهوية الوطنية القطرية والهوية القومية العربية وتقسيم الاقطار العربية كلها ودون اي استثناء وتقاسم اشلاءها .

 

ان ما حصل في العراق تحت شعار اسقاط النظام الوطني التقدمي ، من فوضى مخططة وتدمير منهجي للوحدة الوطنية والهوية الوطنية والقومية للعراق ولتاريخ وتراث وثروات القطر ، والذي قامت به اساسا امريكا وايران ، يقدم لنا الدليل الحاسم على ان التغييرات المطلوبة الان لن تكون تغيير انظمة فقط ، من اجل انظمة افضل في ظل استقرار قطري لاحق ، بل هي في الواقع تغييرات هدفها الجوهري ، والاهم والاخطر ، هو محو هوية الاقطار العربية القومية والوطنية واحلال هويات ما قبل الامة والوطن محلها ، وتقسيمها الى كيانات قزمة ومقزمة ، وربط كل جزء قزم ومقزم  بهذا الطرف الاقليمي او الدولي او ذاك ، في اطار خطة تقاسم النفوذ والمغانم بين امريكا والكيان الصهيوني وايران وتركيا ليكون ذلك هو قاعدة ما يسمى ب ( النظام الشرق اوسطي ) الجديد او الموسع . من لا ياخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار لن يفهم ما يجري ابدا وان فهمه فهو فهم اعور يدخل في اطار مفاهيم ( الاعور الدجال ) المعاصر .

 

ويجب ان نكرر طرح السؤال الجوهري التالي : ما طبيعة هذا التغيير الخطير الذي تعمل من اجله كل من امريكا والكيان الصهيوني وايران بالتلاقي ستراتيجيا وبالتنسيق المباشر ؟ انه محاولة خطيرة جدا لتغيير الكينونة والهوية العربية وفرض كينونات مصطنعة كالكينونة الصهيونية معادية ومتصارعة في كل قطر عربي وانها الامة العربية ، ومن يريد ان ينكر ، وهو يرى ما يجري في العراق من كوارث وما يجري في الاقطار العربية من فتن مصطنعة ، لا يمكن ان يكون منتميا لهذه الامة وللهوية العربية . واذ كنا عربا مهمتنا الاساسية الدفاع عن عروبتنا وهويتنا فان الواجب الرئيسي يتجسد في المحافظة على الهوية العربية للاقطار العربية كلها ، وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي ، مادام الوجود اسبق واهم من مظاهره السياسية والاقتصادية ، وعدم السماح بشرذمتها على اسس عرقية او طائفية او دينية او مصلحية ضيقة ، لان انهاء الوجود العربي سوف لن يبقي لنا مكانا تحت الشمس ويجعلنا عبيدا للقوى الاقليمية والدولية الطامعة في ارضنا وثرواتنا .

 

ان الرد الوطني ، والقومي والعقلاني ، على مخطط شرذمة الاقطار العربية  هو الدفاع عن الهوية العربية والوجود العربي ووضع سلم اولويات يقوم على التمييز الحازم بين خيارين : خيار اسقاط نظام من قبل قوى وطنية عربية لديها مشروع بديل ، وطني تقدمي تحرري وحدوي تبقى فيه هويتنا ووجودنا القومي ، وبين خيار اسقاط الانظمة من قبل العدو المشترك ( امريكا والكيان الصهيوني وايران ) ، في اطار خطة سايكس – بيكو الثانية لشرذمة الاقطار العربية حيث تختفي الهوية ويتعرض الوجود القومي لخطر مميت .

 

الخيار الاول مهم ، لكنه مؤجل ومشروط بحسم صراع الوجود والهوية ، لان الصراع الحالي مع العدو المشترك صراع وجود وهوية وليس صراع ايديولوجيات اوسياسات متناقضة بين العرب انفسهم ، او صراع حدود مع جيران غير عرب . لذلك فان الموقف المطلوب والحتمي تجاه الخيار الثاني ، هو الدفاع متحدين كعرب ضد العدو المشترك وتأجيل الصراعات العربية – العربية ، وهذا موقف يقوم على تحقيق هدف غريزي مشروع وهو المحافظة على الوجود القومي ، حتى بشكله الحالي القطري المتخلف والظالم ، كي نستمر في الحياة والنضال ، وعدم السماح بطغيان الفوضى الطائفية - العرقية وشرذمة اقطار الامة ، وتركيز النضال ، بكافة اشكاله ، ضد الخطر الاعظم والكارثة الاشد فتكا وهي الاحتلال الامريكي - الايراني - الصهيوني لاقطار عربية ، خصوصا العراق حيث تدور المعركة الرئيسية للامة العربية الان وفيه سيتقرر مصير الامة وحل كافة قضاياها ، بما في ذلك مصير فلسطين ، بعد اسقاط مخططات هذا التحالف الشرير ودحرها الى الابد .

 

فقط بالتخلص من الاحتلال المشترك ( الامريكي الصهيوني الفارسي ) ومخاطره المميتة يمكننا المحافظة على هويتنا ووجودنا العربي ويسقط مخطط تطبيق سايكس بيكو الثانية ، وعندها يكون من حق المظلوم من قبل نظام قطره ان يناضل من اجل تغيير نظام سياسي وليس محو الهوية الوطنية او القومية لقطره . هذا مافعلته كل الشعوب الحرة وكل القيادات التاريخية مثل شعوب الصين وفيتنام والجزائر وغيرها اثناء حروب التحرير الوطنية العظمى .

 

ويجب ان نتذكر دائما حقيقة منطقية وهي ان الانظمة زائلة ، وبغض النظر عن طبيعتها السياسية والايديولوجية ، اما الوطن والشعب فباقيان ويجب المحافظة على وجودهما وهويتهما واعتبار ذلك المهمة المركزية لنا في مرحلة تكالب الاعداء على امتنا العربية ، هذه حقيقة كانت صحيحة في الماضي وهي صحيحة الان وستبقى صحيحة في المستقبل . وفي هذا الاطار فان الدفاع عن الكيانات القطرية العربية الحالية واجب قومي ووطني عربي يطغى على ما عداه ، ويجب ان يتفوق بلا تردد على واجب خوض صراعات مع الانظمة العربية مع ان هذا المطلب ، المرحلي والاستثنائي ، ضد مبادئنا القومية الوحدوية ، لاننا مناضلون من اجل توحيد الامة بكافة اقطارها وانهاء الكيانات القطرية وليس تكريسها ، والسبب في دفاعنا عن الكيانات القطرية العربية الان هو انها الوحدات الاساسية لبناء الوحدة العربية فاذا تجزءت هذه الوحدات الصغيرة وزالت الاقطار العربية الحالية فان قيام الوحدة العربية يصبح بديهيا لاغيا ومستحيلا .

 

ما يريده العدو المشترك هو ان نصنع مأسي الشرذمة بايدينا نحن ، تحت غطاء اسقاط هذا النظام او ذاك ، وما يؤدي اليه ذلك من فتح ابواب جهنم علينا والسماح لكل انواع التشرذم بالظهور ، ومرة اخرى واخرى : ما حصل في العراق تحت غطاء اسقاط النظام قاد الى الشرذمة وصراعات لم تكن تخطر ببال بعض الادوات التي استخدمتها امريكا وايران في تنفيذ خطة غزو العراق ، وهذا ما سيحدث حتما لباقي الاقطار العربية اذا تعرضت للغزو الخارجي بمساعدة داخلية . فهل نمتلك الوعي والبصيرة والبصر وردع الضمير الحي لادراك ان ما حصل في العراق تحت غطاء اسقاط النظام سيتكرر في كل قطر عربي تتكالب عليه الاطراف الثلاثة امريكا وايران والكيان الصهيوني لانه مخطط موجود ومقصود وجاهز للتنفيذ ؟

 

ولكي لا نقع في الفخ الامريكي الايراني الصهيوني علينا ان نسأل انفسنا سؤالا كبيرا وموحيا وهو : لم تشترك امريكا مع ايران في نشر الفوضى والفتن الطائفية في الاقطار العربية ، بما في ذلك الصديقة لامريكا والتي عدت داعمة لامريكا في سياساتها خصوصا تجاه العراق ، ولم تتدخل ، اي امريكا ، لمنع التداعي السريع في تلك الاقطار ؟ هل من مصلحة امريكا تعريض الانظمة التابعة لها للخطر ؟ ولم تعرضها للخطر ؟ ان الجواب نجده في العراق .

 

باختصار نحن نتصارع مع الانظمة العربية التي تخلت عن المصالح العربية العليا ، لكننا لانحارب الاقطار العربية ولا نساهم في تقسيمها بحجة اسقاط انظمتها ، ولا ندعم الاجانب الذين يريدون غزونا تحت شعارات انكشفت . ان المطروح الان ، من قبل امريكا والكيان الصهيوني وايران ، هو تقسيم وتقاسم الاقطار العربية وليس اسقاط الانظمة فيها ، كما اكدت  تجربة العراق المحتل ، فتحت شعار اسقاط النظام الوطني تمت اخطر عملية لتدمير العراق في كل تاريخه الطويل ، والان كل محاولة لتحشيد دولي واقليمي ضد اي قطر عربي تحت ستار اسقاط نظامه ماهي الا محاولة لتكرار تجربة العراق الماساوية ، التي نرى اثارها امام نواظرنا بكل بشاعتها واثارها المفزعة .

 

ومما يعزز التوجه نحو تقسيم الاقطار العربية وليس اسقاط انظمتها فقط هو النشر المتعمد لفتن طائفية وعرقية واقتصادية لم تكن موجودة حتى الثمانينيات ، لكنها الان موجودة واذا اشعلت شرارة حرب على ، او في داخل ، قطر عربي ، فان شراراتها ستشعل حروبا طائفية وعرقية ومصلحية لن تنتهي الا بتقسيم تلك الاقطار .  

 

المحدد الستراتيجي

 

اما ستراتيجيا فان الموقف من الانظمة العربية يتحدد في ضوء طبيعة الصراع ولقد وضحنا انه صراع هوية ووجود بين الامة العربية كامة وبين العدو المشترك امريكا وايران والكيان الصهيوني ، وصراع الهوية هذا شامل لكل شيء ولا يستثنى منه شيء ، فانتصار العدو المشترك يعني ذبح الامة كلها من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي ، واخضاعها للاستعمار الدولي الامريكي والاستعمار الاقليمي الايراني الصهيوني ، ونظرة واحدة لحالة الاقطار العربية تؤكد ذلك ، اذ اننا حتى الثمانينيات لم نسمع بوجود فتنة قبطية اسلامية او فتنة شيعية سنية في مصر ، ولم نسمع بفتن طائفية سنية شيعية في المغرب العربي والسودان ، ولم نسمع بوجود دعوة انفصالية للبربر في المغرب العربي ، ولم يكن انفصال شمال العراق موجودا قبل التسعينيات ، ولم تظهر دعوة لاقامة كيان شيعي طائفي في جنوب العراق ولا اقليم طائفي سني في وسط وغرب العراق ، ولم نسمع بتغيير الولاء من ولاء للوطن والوطنية والقومية وجعله ولاء للطائفة وللمركز الذي يوجه الطائفة كما يحصل في لبنان والعراق والبحرين والكويت والامارات والسعودية ، ولم تتضاعف التهديدات لوحدة السودان الا في التسعينيات والقرن الجديد ، بعدم الاكتفاء بمحاولات فصل جنوبه واضافة مشاكل مفتعلة في الشرق والشمال كدرافور ، في مسعى واضح لتقسيمه ، ولم نسمع بمحاولات اعادة اليمن لعهد التشطير قبل الوحدة والعمل على استبدال الوحدة اليمنية بجمهوريات وامارات في كل محافظة ...الخ ، ان هذا الوضع الخطير جدا والمصيري يفرض ، غصبا عنا وعن اي طرف اخر ، التوحد خلف شعار ( العروبة اولا ) وتغليبه على كل شعار اخر ، ولذلك فان حماية الهوية العربية لكل قطر عربي تتفوق على ، وتتجاوز ، كل واجب اخر ومهمة اخرى .

 

ويجب ان لا نهمل حقيقة خطيرة جدا وهي انه في كل هذه الفتن الطائفية المصطنعة يطل راس الافعى الفارسية بارزا وكبيرا وانشط من الراسين الامريكي والصهيوني اللذان يعتمدان كليا على ايران في اشعالها ونشرها وادامتها .

 

ان الضرورات الستراتيجية العقلانية ، وليس نزعات الثأر العاطفية واتجاهات الانتقام وتصفية الحسابات العربية الحمقاء ، تفرض علينا تبني ستراتيجية توحيدية عربية شاملة تقوم على الدفاع عن الهوية العربية ، اولا وقبل كل شيء ، وحماية المصالح العربية العليا واحباط  مخطط التقسيم واسقاطه الى الابد . وهذه الستراتيجية تفرض حل او تأجيل او تجميد الصراعات العربية – العربية دون نسيان طبيعة التناقضات بين الانظمة العربية على مستوى اجتماعي وسياسي وايديولوجي ، فالمطلوب ان نكون احياء ولدينا هوية راسخة كي نصارع الانظمة الفاسدة من اجل العدالة الاجتماعية ، اما ان نكون امواتا في قبورنا فان العدالة الاجتماعية لن تتحقق ابدا لان الموتى لاحقوق لهم سوى الدفن والترحم على ارواحهم .

 

فقط بعد انهاء صراع الهوية والوجود لصالحنا يمكننا فتح الابواب امام الصراعات العربية - العربية ، والا فاننا جميعا سنذبح انفسنا بايدينا منتحرين بغباء لا نظير له . تلك هي اوليات الستراتيجية في العالم وكل الشعوب التزمت بها وتكاتفت لمواجهة العدو الخارجي من الصين الى اوربا ، ولم نجد تجربة واحدة كبيرة تصارعت فيها القوى السياسية فيما بينها اثناء حروب التحرير الوطنية ، فلماذا يريد البعض منا ان نخوض حربا شاملة ضد العدو المشترك الامريكي الايراني الصهيوني وحربا اخرى شاملة ضد الانظمة العربية ؟ هل نستطيع عمليا كسب حروب متعددة في جبهات متعددة ؟ ام يجب غلق جبهات تعد ثانوية الان والتركيز على الجبهة الرئيسية ؟      

 

ان التحليل الواقعي والعملي يقول بان جبهة الصراع الرئيسية هي جبهة الصراع مع امريكا والكيان الصهيوني وايران ، لان هذه الاطراف الثلاثة هي التي تحاربنا في العراق وفلسطين ، وتزرع الفتن في كل الاقطار العربية ، لذلك لابد من الاصطفاف عربيا في جبهة موحدة شاملة ضد العدو المشترك .

 

المحدد التكتيكي

 

تكتكيا ، واذا افترضنا ان صراعاتنا مع الانظمة العربية ضرورية ، فان الحكمة تفرض تأجيل صراعات معينة من اجل كسب صراعات اخرى اهم واخطر ، لان فتح جبهات متعددة ليس سياسة حكيمة ولا واعية وتدل على جهل بابسط متطلبات خوض الحروب المعقدة ، فاذا كنا الان نريد محاربة الكويت والسعودية ومصر والاردن وغيرها فهل نستطيع محاربة امريكا والكيان الصهيوني وايران ونحن غارقون في دم صراعاتنا العربية – العربية ومستنزفون حتى العظم ؟ ومن سيحمي عروبة هذه الاقطار الي ستجد نفسها هدفا لنيران امريكا والكيان الصهيوني وايران ؟ هل تستطيع الانظمة وحدها حماية الوحدة الوطنية والكيان القطري من الفتن التقسيمية ؟ بالتاكيد كلا ، ان العدو المشترك يزج بكل قواه الرئيسية في معركة تذويب الهوية العربية لكافة الاقطار العربية ، لذلك وبناء على هذه الحقيقة يجب ان نزج بكل قوانا في معركة حماية عروبتنا وهويتنا من اجل دحر القوى الظلامية الاكثر خطورة وهي امريكا وايران والكيان الصهيوني .

وهنا يجب التذكير بان الانظمة العربية ، بغالبيتها ، عاجزة عن خوض صراع رئيسي دفاعا عن عروبة الامة ، الامر الذي يفرض على القوى الوطنية التقدمية ان تبادر هي الى قيادة المعركة وتغذيتها وادامتها والتمسك بمسار تحرري لها ، يضمن في ان واحد المحافظة على الوجود والهوية العربية ودحر العدو المشترك من جهة ، وتهيئة البيئة الصحية لقيام وضع عربي تقدمي وحدوي عام من جهة ثانية  .

 

لامجال للطفولة السياسية والافتاء بسذاجة طفل غر لوطننا من عواصم اوربا في حين ان وطننا العربي يمر باخطر مرحلة واعقد صراع ويحتاج لعين تقاتل العدو في الداخل وتقرر ما يحتاجه شعبنا وما تفرضه تطورات المعركة . والبعث والمقاومة المسلحة في العراق كانا ومازالا يتجنبان مهاجمة اي نظام عربي انطلاقا مما سبق ذكره ، وهنا يجب ان نذكر بحقيقة معروفة يتم تجاهلها عمدا وهي انه لا يوجد فصيل عراقي مسلح مقاوم واحد يهاجم الانظمة العربية ، رغم وجود قناعات سلبية كثيرة خاصة بدور بعض الانظمة العربية في احتلال فلسطين وقمع مقاومة شعبها وتدمير العراق منذ فرض الحصار وحتى الان .

 

اننا اذا طاردنا عصفورين بنفس الوقت لاصطيادهما معا نفقدهما معا ، كما يقول مثل عالمي كان نتاج تجارب طويلة ،   و(عصفورنا ) الذي يجب ان نطارده الان هو الاحتلال وليس غير الاحتلال ، وعلينا ان نصطاده بكافة السبل وان نترك العصافير الاخرى من اجل النجاح في اصطياد عصفور الاحتلال .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٠٩ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٥ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م