مقاومة تهزم المشروع الأمريكي وسط صمت مريب من المنظمات الدولية

 
 

شبكة المنصور

نزار السامرائي /  باحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، وتفكك منظومة الدول الشيوعية ، وتحولها إلى أقمار في الفلك الأمريكي ، ولتناصب سيدها القديم ( روسيا باعتبارها وريثة العملاق القديم ) عداءا إستراتيجيا لم تنجح كل المحاولات لتخفيف غلوائه ، أطلقت الولايات المتحدة لنفسها اليد لتكون اللاعب الوحيد على الساحة الدولية ، ولتلغي دور المنظمة العالمية وتعطل ميثاقها وتجعل منها أداة طيعة تسير حيث توجهها وتقف عندما تأمرها بذلك ، كأنها إحدى دوائر وزارة الخارجية الأمريكية ، وبالمقابل لتفعّل دور القوة المسلحة لفض المنازعات الدولية ، وحتى الإقليمية على نحو يخدم مشروع الانتشار الأمريكي الجديد .

 

وربما اكتسب هذا الأمر بعدا خطيرا جدا بعد مجيء جورج بوش الابن لرئاسة الولايات المتحدة ووقوع حادثة ضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك ، هذا الحدث الدراماتيكي الذي وقع وكأنه ساعة الصفر المحددة لإطلاق يد الولايات المتحدة على الساحة الدولية ، لاسيما منطقة اختبار قدرة الأطراف الدولية على خوض صراع الإرادات وحسمه لصالح الطرف القادر على إيجاد مواطئ أقدام له على مقتربات المنطقة ، ومكمن الخطورة في تحول الرئاسة الأمريكية إلى بوش ، ما كشفه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عن مكالمة هاتفية بينه وبين بوش قبيل الغزو الأمريكي للعراق أشار فيها إلى أنه أصيب بالذهول والصدمة مما سمعه من بوش ، ومن إدارة قضايا السياسة المعاصرة في عالم اليوم استنادا إلى أساطير وخرافات ، إذ أن بوش أبلغ شيراك أنه تلقى وحيا إلهيا باحتلال العراق لمنع ظهور يأجوج ومأجوج ، ولما كان شيراك لا يعرف شيئا عن الاسمين اللذين قالهما الرئيس الأمريكي فقد طلب من مستشاريه تقديم شرح واف ، ولما علم أن الأمر ينطوي على أسطورة تقول إن نهاية إسرائيل ستقترن مع ظهور يأجوج ومأجوج ، فقد استنتج شيراك أن بوش يريد أن يهب لنجدة إسرائيل من فناء قادم من أرض العراق على ما تقول الأساطير اليهودية .

 

وبرغم أن للولايات المتحدة حلما إمبراطوريا بالتحكم بمصير العالم والهيمنة على موارده وثرواته استنادا إلى ما يتردد بقوة في الأوساط الرسمية الأمريكية من أن القرن الواحد والعشرين هو قرن أمريكا ، ولكن أمريكا وعلى ما يبدو كانت تمتلك من الزمن ما يكفي للتحكم بنوازعها كي تعطيها طابع الدفاع عن النفس والأمن القومي ، أو الدفاع عن الديمقراطية الغائبة وحقوق الإنسان المستلبة ، فميراثها السياسي المعلن والمستل من تاريخ قادتها التاريخيين الكبار ، وضعها في موضع المدافع وبصوت عال عن حرية الشعوب وقد حاولت أن تكرس نفسها زعيمة للعالم الحر ، دون أن تخطو خطوة عملية واحدة على طريق وضع تلك الشعارات موضع التطبيق .

 

لقد تفجر بئر من الغضب في الشارع الأمريكي بعد أحداث 11أيلول / سبتمبر 2001 ، ودخلت على خط تغذيته أصابع كانت تجد في هذا التوظيف الجسر الذي يؤمن العبور فوق المسافات البعيدة وأعالي البحار ، للبحث عن عدو أو اختلاق عدو بعد أن انسحب الاتحاد السوفيتي من المواجهة ، فوجدت أمريكا نفسها لأول مرة دون عدو يمنحها سببا مشروعا لزرع قواعدها العسكرية في مختلف القارات ، فتحركت ماكنة الإعلام المتواطئة مع أجهزة المخابرات ومراكز الدراسات ومصانع السلاح وشركات النفط العابرة للقارات وبيوت المال التي تلعب الصهيونية دورا حاسما في رسم سياساتها ، لتبشر بميلاد عدو جديد لزمن جديد قد يستغرق وقتا أطول بكثير مما استغرقه زمن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ، ومعادلات الحرب المقدسة الجديدة التي بدأها بوش غير محكومة بأرض أو زمان محددين ، وليس لها بلد يمثلها على سبيل الحصر ، فكل بلد إسلامي متهم بدعمها حتى يثبت العكس وكل الساحات هي ساحتها بما في ذلك الساحة الأمريكية وساحات الدول المستهدفة بشن الحرب فيها على العدو الجديد الذي أخذ اسما جديدا ، هو الإرهاب العربي الإسلامي ، وإذا كانت الشيوعية عدوا قابلا للهزيمة فإن الإسلام يحتاج لنوع جديد من الإعداد لمواجهته ، لأنه عدو يرتبط بالعقائد الغيبية التي تملك قوة دفع ضد أعدائها أكثر مما كانت الشيوعية تحمل من الحصانات الذاتية أو التحصينات الخارجية .

 

وجد اليمين الأمريكي المحافظ الذي صعد على المسرح السياسي في الولايات المتحدة في تزامن قريب مع أحداث أيلول / سبتمبر 2001 ، الفرصة التاريخية التي ساقتها العناية الإلهية لإدارة الرئيس بوش لينطلق بأقصى سرعة في قطار الحرب المتجه نحو منطقة الشرق الأوسط ، لينتقم من قتلة ضحايا برجي التجارة العالمية ، فكانت الحرب السريعة التي خاضتها القوات الأمريكية في أفغانستان والتي استكملت في زمن قياسي احتلال بلد رجل الثلج الذي تحطمت على أرضه إمبراطوريات كانت الشمس لا تغيب عن ممتلكاتها ، ويبدو أن إدارة بوش رأت في النصر السريع المتحقق في أفغانستان ، دافعا قويا بل وغلابا للانتشار في المنطقة ، وتنفيذ الحلم الأمريكي بشرق أوسط  جديد أو كبير على ما تسمح به ظروف ما بعد النصر .

 

ولأن طبول الحرب وجدت في النصر الذي حققه بوش سببا بارتفاع قرعها ، فقد وجدت السلطات التشريعية والتنفيذية في واشنطن أن الفرصة التاريخية لا يمكن تفويتها لأي سبب فأخذ الحديث عن الحرب على العراق بالتصاعد وعلى مستوى الساسة ومراكز الدراسات والصحافة ، وكانت مصانع السلاح وشركات النفط العابرة للقارات وبيوت المال في طليعة المطالبين بعدم تأجيل مشروع الحرب ، وطرحت الولايات المتحدة أسبابا وذرائع لا تستند على أي أساس لتسويغ هجومها على العراق ومن ثم احتلاله ، ورسمت لغزوها مسارات ظنت أنها لن تخرج عنها  .

 

وتحركت جيوش الولايات المتحدة نحو الشرق الأوسط في أكبر عرض قوة منذ الحرب العالمية الثانية ، وتحت دوي المدافع وقصف الطائرات الإستراتيجية والصواريخ من كل المديات والأسماء والقنابل التي يتم التحكم بها الكترونيا ومن أحدث ما أنتجته مصانع السلاح ، وضعت دول الشرق الأوسط والوطن العربي والعالم الإسلامي يدها على قلبها خوفا وهلعا من أنها ستكون المحطة التالية ، وهي ترى ( على قلة ما كان يخرج من تقارير صحفية من ساحات الحرب ) حجم الدمار الذي لحق بالعراق ومن قبله بأفغانستان ، وكل بلد كان يظن أن الدور آت عليه في المرحلة القادمة ، ولم يخرج عن هذا الاحتمال بلد صديق للولايات المتحدة أو معاد لها أو ما بينهما ، ولذلك كانت أصوات التنديد بالحرب خافتة إلى حدود بعيدة ، بل أن المفارقة في التعبير عن رفض الحرب أن تظاهراتها الشعبية وعلى مستوى لم تشهد مثله مدن أوربا وأمريكا ، كان يحصل في المدن الكبرى للدول التي خططت للحرب أو أبدت استعدادها لإرسال جيوشها للمشاركة فيها ، كما حصل في نيويورك ولندن على سبيل المثال ، وكانت موجات الرفض تتكسر تباعا إلى أن انهارت تماما عند شواطئ الدول التي كانت تجاهر بالرفض أو تخفي جزء منه ، فالدول التي وقفت فعلا ضد العدوان لم تمتلك ما يكفي من الشجاعة للتعبير عن ذلك الرفض بحيث تنزله إلى مستوى الشارع  .

 

ولكن النصر الذي أعلنه الرئيس جورج بوش في الأول من أيار / مايو عام 2003 من على ظهر حاملة الطائرات إبراهام لنكولن ، سرعان ما تأكد تلاشيه تدريجيا تحت وقع ضربات أسرع مقاومة لأي احتلال في العالم ، فقد انطلقت أول قذيفة RBG7 لتدمر عجلة همر أمريكية وتقتل من فيها بعد 24 ساعة فقط من الاحتفال الذي أقامه الأمريكيون في ساحة الفردوس ونقلته فضائيات إلى مشاهديها في شتى أرجاء العالم في مشهد تم ترتيبه مسبقا ، وبتلك العملية التي نفذها مقاتل عراقي قرب نفق الشرطة في شارع الربيع غربي بغداد ، تم الإعلان عمليا عن ولادة المقاومة المسلحة في العراق والتي ستأخذ مسارا متصاعدا مع الزمن ، ولترفع أرقام الخسائر الأمريكية بوتائر متسارعة لم تحد منها كل التدابير والإجراءات الوقائية التي أضافت تدريعا إلى المركبات الأمريكية التي كانت تدمر وكأنها هياكل كارتونية واهنة ، وفي حديث لروبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي القديم الجديد  لشبكة BBS الأمريكية في 11/3/2009 أماط اللثام عن حقائق المأزق الأمريكي العميق في العراق ، حيث قال ( إن الإدارة الأمريكية في أي وقت ستجد أمامها المزيد من الحواجز والموانع قبل أن تخوض حربا جديدة ، وقال لقد تلقى الجيش الأمريكي درسا قاسيا في العراق ولم يتوقع أن الحرب ستطول كل هذا الزمن ، وأكد أن بلاده لن تتورط في حرب استباقية بعد تجربة الحرب في العراق وأن الرئيس سيطرح الكثير من الأسئلة الصعبة قبل أن يقرر المضي إلى الحرب ) ، وهذه شهادة من داخل المؤسسة التي تعرف حجم ما تكبدته الولايات المتحدة بشريا واقتصاديا ولتؤكد أن قرار الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما لم يأت بناء على معايير إنسانية أو أخلاقية بقدر ما كان إفصاحا عن هزيمة عسكرية مؤكدة أراد وقف تداعياتها قبل فوات الأوان ، ورغم ضراوة المقاومة العراقية التي قاتلت من أجل تحرير العراق وبالتالي أشغلت أمريكا في مأزق كبير منعها من مجرد التفكير للانتقال إلى الصفحة الثانية ، فإن تغطية فعلها أو التأييد لها أو تقديم المساعدة والإسناد لها ، لا يستحق الذكر ، باستثناء القليل مما كان يفلت من وراء الجدران الحديدية العالية التي حاول الأمريكيون إقامتها طوقا يمنع تسرب فعاليات الفعل المقاوم إلى الخارج .

 

فماذا يقف وراء هذا الصمت المعيب ؟ ولماذا لا تحصل المقاومة العراقية من الدعم على جزء ضئيل مما كانت حركات التحرر في الجزائر وفيتنام وما تحصل عليه المقاومة الفلسطينية على الأقل في المجال الإعلامي ؟ خاصة أننا نلاحظ فعلا مضادا تجاه ما تقوم به المقاومة من قبيل وصفها بالإرهاب .

 

لقد حرصت قيادة القوات الأمريكية على خوض حرب إعلامية في خط متواز مع الحرب التي كانت تخوضها ضد المقاومة العراقية بكل فصائلها وأطيافها ، ومارست ضغوطا مختلفة تبدأ بتقديم كل الإغراءات المادية لمن كان على استعداد ليلتحق بقطار ناشري البخور على حركة المركبات الأمريكية في شوارع العراق وهي تسحق تحت عجلاتها مئات الآلاف من المواطنين ، وبغض النظر عما ترتكبه من جرائم ، وتأخذ صيغ الضغط بالتصاعد حتى تصل حد القتل أثناء تأدية الصحفيين لمهماتهم الإعلامية ، غير الاعتقالات دون توجيه تهمة أو التغييب في السجون السرية ، لذلك فقد كانت حركة الصحفيين العراقيين بمثابة سير وسط حقل ألغام ، وهذا أدى إلى خروج التقارير الخاصة بمجريات الحرب والمواجهة الساخنة بين المقاومة وقوات الاحتلال ، من قنوات معادية في معظم الأحيان ، باستثناء من كانت تتحرك في دواخلهم نوازع الوصول إلى الحقيقة مهما كان لونها ومن أي قناة يمكن الوصول إليها ، وقد لعبت الصحافة الأمريكية والأوربية - بما تمتلكه من حصانات معروفة – دورا مهما في كشف الكثير من الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية ضد المدنيين والتعذيب الذي شهدته أقبية سجن أبو غريب ، مما أدى إلى هزة قوية لصورة أمريكا في العالم وخسارتها لمصداقيتها على مستوى شعوب الأرض في ما كانت تزعمه عن دورها النزيه في مراقبة التزام الدول الاخرى في حقوق الإنسان .

 

وعلى العموم يمكن إجمال الأسباب التي وقفت حائلا دون التعامل المنصف مع المقاومة العراقية سواء من ناحية التغطية الإعلامية أو من حيث التأييد أو تقديم الدعم والإسناد لها : -

 

1 – هيمنة النفوذ الأمريكي على المجتمع الدولي ومنظماته السياسية الرسمية وغير الرسمية وقدرة الولايات المتحدة على التحكم في قرارات تلك المنظمات ، بحكم مساهماتها في ميزانياتها أو تأثيرها على الكثير من العاملين فيها .

 

2 – وعلى الصعيد العربي ، فقد شاع تفسير خاطئ روجت له الإدارة الأمريكية بأن دعم العملية السياسية التي جاء بها الاحتلال يمثل خيارا متناغما مع سياسة الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة ، وأن أي تأييد بما في ذلك المعنوي الذي يمكن أن تحصل عليه المقاومة إنما ينصب في دعم الإرهاب ، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج تتصل بتعريض مصالح الدول التي تقف مثل هذه المواقف إلى أخطار جسيمة .

 

3 – حاولت الولايات المتحدة التسويق لفكرة أن التعاطف – مجرد التعاطف – مع المقاومة المسلحة ، سيعني الصب في خدمة المشروع الإيراني ليس في العراق فقط وإنما في المنطقة ، وبرغم أن الفكرة لا تستند على أي أساس واقعي ، فإنها في واقع الحال تركت تأثيرات ملموسة على حجب الكثير من فرص الدعم والإسناد المفترضين من الوطن العربي .

 

4 – انتهاء الحرب الباردة ، بعد أن ظلت ردحا من الزمن سببا في بحث معسكريها عن الحلفاء والأصدقاء على مستوى العالم وتقديم كل أشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي  لينهض في التصدي للطرف المضاد ، ومن أجل تقليص هامش الحركة للطرف الآخر وملاحقة برامجه ومحاربة القوى المرتبطة به ، ولا شك في أن الاحتلال ما كان له أن يتم لو أن الاتحاد السوفيتي كان في الطرف الآخر من معادلة التوازن الدولي ، وحتى لو تم هذا الاحتلال فإن الدعم كان سيتدفق على المقاومة العراقية ، كنوع من الحرب الوقائية التي يشنها كل معسكر ضد المعسكر الآخر ، ولعل ما قاله رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أثناء الحرب الأخيرة في جورجيا ، ما يلخص بوضوح حالة الاستقطاب المتقابل ، حينما قال ( إذا استمرت الولايات المتحدة بالتقرب من الحدود الروسية ، فإن روسيا قد تحول أفغانستان إلى فيتنام جديدة ) ، وهذا يؤكد أن تقديم الدعم من عدمه لا يرتبط بنظرة أخلاقية أو إنسانية ، وإنما بمصالح الكبار وعلى حساب الشعوب الصغيرة .

 

5 – وقوع الكثير من دول الشرق الأوسط في حالة انعدام الوزن بعد بدء العدوان الأمريكي بما يسمى ب ( ضربة الصدمة والترويع ) والتي أحدثت صدمة مؤكدة لدى النظام الرسمي فيها وترويعا على مستوى الشارع ، واعتقد كل بلد أنه الهدف التالي بعد العراق وأن المطرقة الأمريكية توشك أن تهوي عليه في أي ساعة .

 

6- انحسار ظاهرة القومي العربي الثوري الذي طبع مرحلة الخمسينات وما بعدها من القرن الماضي وبروز زعامات مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين ، وهذا الانحسار هو الذي أفقد كل فعل مقاوم على الساحة العربية من أي إسناد أو دعم مفتوح كما حصل مع الثورة الجزائرية على سبيل المثال ، وحتى النظم ( المعتدلة ) لم تكن لتجرؤ على المجاهرة بالوقوف ضد موجة التيار الثوري ، حتى وهي تتآمر عليها ، وبعد انطلاقة المشروع الأمريكي كانت النظم ( المعتدلة ) تحتل واجهة المسرح السياسي ، أما نظم (الممانعة) فقد تم فتح أكثر من جبهة لها بهدف إشغالها بالدفاع عن نفسها    .

 

7– أما جامعة الدول العربية وهي المؤسسة الرسمية للنظام العربي ، فقد وقعت منذ زمن طويل تحت تأثير دولة المقر بل ربما لم تستطع هذه المؤسسة التي يراد لها أن تدافع عن المصالح العربية ، الخروج عن دائرة التأثير المصري منذ تأسيسها حتى يومنا هذا ، وكان لموقف دولة المقر ( مصر ) من الخطط الأمريكية للغزو معروفا ، ولذا فقد انسحب على شكل صمت يمكن تفسيره على أنه تأييد ضمني للعدوان ، بل أن جامعة الدول العربية سارعت للاعتراف بمجلس الحكم الذي شكله الحاكم الأمريكي بول بريمر .

 

8– أما المنظمات الدولية فقد تعاملت بمنتهى الحذر مع أحداث العراق وما نجم عنه من نتائج كارثية ، ولم تتقدم هذه المنظمات خطوة واحدة على طريق إعطاء موقف واضح برفض أو إدانة جرائم المحتلين ، وكما تحرك الكثير من الأطراف الساكنة في التعامل مع الاحتلال كأمر واقع فقد كان مجلس الأمن الدولي هو الذي شرعن الاحتلال في سلسلة من القرارات اللاحقة للغزو .

 

9- طول أمد الصراع وما يمكن أن ينتج عنه من تداعيات على تماسك العمل المقاوم ، وما يطرح ذلك من تساؤلات بحسن نية أو بسوء قصد ، عن وجهة الدعم الذي يجب توجيهه للمقاومة ، فأية مقاومة هي التي يجب أن تحصل على الدعم ، وأية قوة فقدت بوصلتها مما يقضي بوقف الدعم عنها ؟ وهذا سيقود إلى تساؤل عما إذا كانت المقاومة تمتلك إستراتيجية عمل وإطارا واضحا وقادرا على النهوض بأعباء المرحلة ، وتجميع فصائل المقاومة كلها ، أو على الأقل المتقاربة في توجهاتها تحت قيادة واحدة ، كي تتصدى لمهمات العمل العسكري ، والاستعداد لرسم المسار السياسي لاحقا .

 

وما ينطبق على نشاط حركة المقاومة العراقية ، فقد انسحب على مجمل المشهد العراقي الذي افرزه الاحتلال ، فسقوط مليون ونصف مليون قتيل عراقي ، وترّمل حوالي مليوني امرأة عراقية ، ووجود أكثر من خمسة ملايين طفل يتيم وآلاف من المعتقلين في سجون أمريكية أو تابعة للسلطات التي أسستها ، وما يلاقونه من معاملة سيئة وتعذيب من قبيل ما شهدته سجون أبو غريب والجادرية والكاظمية وغيرها من تعذيب منهجي ، وأربعة ملايين مهجّر عراقي داخل العراق وخارجه ، وتراجع الخدمات الأساسية مثل التعليم والخدمات الصحية ، وتراجع حصص الفرد من المياه الصالحة للشرب والكهرباء نتيجة انهيار منظومة الدولة العراقية ، وكذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى أعلى مستوياتها في تاريخ العراق بحيث تجاوزت الستين بالمائة ، وسقوط أكثر من نصف الشعب العراقي تحت خط الفقر ، وتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري بحيث يتربع العراقي على عرش الفساد في العالم ، كل ذلك كان يجري وسط صمت خطير من طرف أجهزة الإعلام والصحافة العالمية والعربية ، لو كان يحصل جزء يسير منه لحظي بتغطية واسعة النطاق ، فما هو السبب الحقيقي الكامن وراء مثل تلك اللامبالاة ؟

 

من المعروف أن الولايات المتحدة التي نصبت نفسها قيما على التزام دول العالم بالقوانين والمواثيق الدولية ، ومنحت نفسها حق مراقبة الحريات العامة وخاصة الصحفية ، ومدى التزام الدول بحقوق الإنسان ، فإنها وبحكم مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية كونها البلد الذي احتل العراق ، فإنها لو سمحت بخروج هذه الصور المأساوية عن الواقع العراقي الجديد زمن الاحتلال الأمريكي ، فإنها ستسقط كل الإدعاءات التي جاءت بها عن عراق تسعى لتشييد أسسه بعد الاحتلال ، وسوف تتداعى كل شعاراتها العريضة عن الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ، ولهذا فقد فرضت قيودا صارمة على حرية نقل الأخبار والتقارير الصحفية ، مما أدى إلى استمرار كل تلك الممارسات في دائرة العتمة ووراء جدران مغلقة أو دهاليز معتمة . 

 

فهل ينسجم هذا الواقع المؤسف مع المطروح من صور لعالم القرن الواحد والعشرين ؟

وهل يمتلك العالم وحدة قياس مشتركة للتعاطي مع قضايا الشعوب ؟

لقد تم تسييس القانون الدولي وتم وضعه في خدمة الأقوياء لقهر الشعوب وسلب إرادتها وانتهاك سيادتها ووحدة أراضيها ونهب خيراتها ، وتعاملت المنظمات الحقوقية بمكاييل مزدوجة ، فتغاضت عن جرائم كبرى للدول الكبرى ، ولاحقت أصغر الأعمال التي تخرج من داخل دول العالم المسمى بالثالث .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٠٦ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م