أرض من تستخدم للعدوان على الآخر ؟

 
 

شبكة المنصور

نزار السامرائي / باحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية

بعد معاناة طويلة عاشتها الأسرة الدولية لوضع تعريف محدد للعدوان ، من أجل التصدي له أو إدانته من قبل الدول أو الأمم المتحدة ، وبعد ثلاثين عاما من عمر المنظمة العالمية ، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تعريفا له ، بموجب قرارها المرقم 3314 لعام 1974 ، والذي عرّفت فيه العدوان على أنه ( استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة اخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة تتناقض وميثاق الأمم المتحدة وفقا لنص هذا التعريف ) ، وحددت المادة 3 من القرار المذكور سبع حالات متى توفرت إحداها أو أكثر ، عد ّذلك عملا عدوانيا سواء تم ذلك بإعلان حالة الحرب أم بدون ذلك والحالات هي :-  

 

أ – قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة اخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتا ، ينجم عن هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم لإقليم دولة اخرى أو لجزء من جراء استخدام القوة  المسلحة .

 

ب – قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة بالقنابل أو باستخدام أية أسلحة ضد إقليم دولة اخرى .

 

ت – ضرب الحصار على موانئ أو سواحل دولة ما من قبل القوات المسلحة لدولة اخرى .

 

ث – قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البحرية أو الجوية أو الأساطيل التجارية البحرية أو الجوية لدولة اخرى .

 

ج – قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة على إقليم دولة اخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض والشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها على الإقليم المذكور .

 

ح – سماح دولة ما باستخدام إقليمها الذي وضعته تحت تصرف دولة اخرى للعدوان على دولة ثالثة .

 

خ – إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها وقيامهم بأعمال تنطوي على استخدام القوة ضد دولة اخرى وبمستوى الأعمال المذكورة أو مشاركة الدولة في ذلك على نحو ملموس .

 

ورغم أن هذا التعريف وكذلك الحالات التي عدّها من قبيل الأفعال العدوانية ، غير مستوف لشروط التعريف الجامع المانع ، لأنه وضع في ذروة الحرب الباردة بين القوتين الأعظم وخضوع الأمم المتحدة لمنطق التوازنات بينهما ، وربما على نحو ما هيمنة الولايات المتحدة على أعمال الكثير من اللجان والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ، رغم ذلك فإنه في واقع الحال وحتى صدور تعريف أكثر وضوحا وتحديدا من قبل المنظمة العالمية ، يمكن اعتماده ، معيارا مناسبا للتحاكم مع الأفعال الصادرة من بلد ما مما يمكن إطلاق وصف العدوان عليها .

 

إن الكثير من الأفعال التي تقدم عليها بعض الدول بصورة منفردة ، وتحت لافتة حماية مصالحها الوطنية أو دفاعا عن أمنها القومي ، أو كرد فعل غير متناسب مع ما يصدر من أفعال من طرف دول اخرى ، يمكن أن يكون سببا في إثارة نزاعات إقليمية تؤدي إلى نشوب حروب أخطر وأكبر من الحالات التي وردت في تعريف الجمعية العامة المار الذكر ، وهذا يقتضي تحركا جادا وسريعا على مستوى المنظمات الدولية للتوصل إلى تعريف جديد للعدوان يتخطى النواقص السابقة .

 

يواجه عالم اليوم أزمات بعضها ما تزال تحت الأرض ، وبعضها خرجت إلى السطح ولكنها ما تزال صامتة ، والأخير بدأ يضغط بشدة بحثا عن حلول متوازنة تضمن حقوق أطرافها دون إجحاف بحق أي منها ، وهي في كل الأحوال مرشحة للإنتقال من حالة السكون إلى حالة الحركة التي قد تمثل تهديدا جديا للأمن والاستقرار إقليميا ودوليا ، ولعل أزمة المياه من بين أكثر مشاكل العالم المعاصر تعقيدا وتعلقا بجوهر حياة الإنسان واستمرار حضارته على كوكب الأرض .

 

والمقصود بأزمة المياه ليس الجفاف الذي يضرب هذا الجزء من العالم أو ذاك لأسباب طبيعية ، وإنما المقصود بها ما تتعرض له حقوق الدول المتشاطئة على أنهار لها صفة الأنهار المشتركة أو الدولية ، نتيجة لتصرفات تقدم عليها دول تقع في أعلى مسارات تلك النهار وتلحق ضررا ملموسا وبصرف النظر عن حجمه ، بحقوق الدول الواقعة في أسفلها دون إجراء التنسيق والتشاور مع الأخيرة وخاصة في مجال إقامة السدود الإروائية الكبرى .

 

ولما كانت منطقتنا تختزن الكثير من أسباب التوتر ، فإن إضافة عوامل جديدة لها سيعجل من دفعها نحو التفجر أو في أحسن الأحوال نحو عدم الاستقرار ، وربما تمثل إقامة السدود على الأنهار المشتركة من قبل دول أعالي تلك الأنهار دون الأخذ بنظر الاعتبار لمصالح دول الممر أو المصب ، تجسيدا بشكل أو بآخر للتعريف الذي وضعته الأمم المتحدة للعدوان ، فالإنسان لا يقتل فقط  بالرصاصة أو القذيفة أو الصاروخ ، بل يمكن أن يقتل وبشكل جماعي بقنبلة نووية ، أو بقطع متعمد لمصادر الحياة ، والماء يقع في طليعتها سواء لأغراض الشرب ، أو لأغراض الري وإنتاج الغذاء ، مع ما يترتب على ذلك من تهديد لمصادر الحياة أو في أحسن الأحوال تهديدا لمصادر الغذاء الذي يعتمد على الزراعة .

 

وبالنظر لأهمية المياه لكل الكائنات الحية من بشر وحيوان ونبات ، وارتباط ذلك بديمومة حياة الإنسان على سطح الأرض ، فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، قانونا لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية في 21 / 5 /1997 ، ومع أن هذه الخطوة جاءت متأخرة كثيرا ، إلا أن المنظمة الدولية وحينما بدأت تستشعر أن العالم سيشهد أزمات من نوع جديد يمكن أن تهدد استقراره ، وقد تنسب بسبب الصراع على مصادر المياه بحروب لا يمكن لها أن تنتهي ، لأن الأقوياء سيتمكنون من الاستحواذ على ما يقع في متناول قوتهم من مياه عذبة ، وتبقى حالة التململ حتى تحين الفرص لتغيير موازين القوى من طرف الذين شعروا بغبن الموقع الجغرافي الذي أدى إلى ذهاب حقوقهم نتيجة ضعفهم وبسبب موقعهم في الخارطة ، ليستردوا ما ذهب منها ، وهذا معناه استمرار الأزمات كنار تحت رماد قهر القوة العسكرية وليس قوة الحق والقانون .

 

إن القوانين بما فيها المحلية ، تحاول التوفيق جهد طاقتها بين الشرائح المختلفة المصالح ، ومن أجل هذا الهدف تشرّع القوانين الدولية للتوفيق بين مصالح الدول دون تغليب لمصلحة دولة على حساب اخرى ، أو هكذا يجب أن تكون مبررات وضع القوانين ، وعلى ذلك يمكن النظر إلى القانون الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 / 5 /1997 ، وربما سترى فيه دول كانت تأخذ أكثر من حقها الطبيعي من الأنهار المشتركة ، وكأنه موجه ضد مصالحها بشكل مباشر ، على حين ستنظر إليه دول اخرى وكأنه انتصاف لها من دول تجاوزت حقوق الانتفاع العادل من مصادر المياه ، وحرمت من حرمته الطبيعة من القدرة على التحكم في موارد تلك الأنهار ، فبات اللجوء إلى قوة القانون أمرا لا مناص منه للموازنة بين مصالح جميع الأطراف المنتفعة من حوض أو أحواض الأنهار الدولية .

 

وبقي قانون الأمم المتحدة المذكور في أدراج الأمانة العامة ، لا هي قادرة على فرضه لصالح الدول التي شرّع من أجلها بسبب الطبيعة غير الملزمة للقرارات والقوانين التي تصدر عن الجمعية العامة ، ولا الدول التي ترى في القوانين التي تحد من قدرتها على التحكم في مصادرها المائية مستعدة لتكبيل أيديها بقيود ترى في نفسها القدرة على تجاوزها أو الخروج عليها ، أو أنها تشعر بغبن أن مياهها الوطنية تذهب إلى دول اخرى كانت الجغرافية قد وضعتها في الموقع الذي يمكن أن يمنحها امتياز المشاركة في هذه المياه دون وجه حق ، ولأن العراق يقع في مركز التوترات المائية والسياسية الأقوى ، فإن حقوقه المائية تضيع وتتكرس عملية اغتصاب منظمة لحصص يرتبها له القانون الطبيعي على شركائه في دجلة والفرات  وروافدهما .

 

من المعروف أن دجلة والفرات لا ينبعان من داخل الأراضي العراقية ، فالفرات يتشكل من نهر ( مراد صو ) أي الماء المراد وينبع من بحيرة وان وجبال أرارات ثم يلتقي مع نهر ( قرة صو) أي الماء الأسود وينبع من شمال شرقي الأناضول ومن هناك تبدأ رحلة الفرات ليدخل الأراضي السورية عند مدينة جرابلس وينضم إليه نهر البلخ ثم نهر الخابور ، ويبلغ طول الفرات في تركيا 450 كيلو مترا ، وفي سوريا 680 كيلومترا وفي العراق يبلغ طوله 1200 كيلومتر أي ضعف طوله في كل من تركيا وسوريا معا ، وهذه الحقيقة تفرض على تركيا التزامات تجاه سوريا والعراق من مياه الفرات ضمنتها القوانين الدولية ، ولا يغير شيئا أن تركيا لم تلتزم بتلك القوانين أو أن النهر ينبع من أراضيها .

 

شهدت الأعوام الأخيرة جفافا لافتا ، ترافق مع جملة من الظواهر الاخرى ، لعل أهمها

 

1 -  اكتمال السدود التركية العملاقة مثل سد أتاتورك على حوض الفرات والذي يكوّن بحيرة تقرب مساحتها من 817 كيلومترا مربعا ويحجز 48 مليار متر مكعب من مياه النهر ، هذا غير أكثر من عشرين سدا آخر على النهر نفسه مثل سدود كيبان وقرة قابا وغيرهما كثير وقد بدأت خطوات ملأه من طرف الجانب التركي دون إقامة وزن لحقوق دول الحوض الاخرى أو التقييد بقواعد القانون الدولي المعترف بها .

 

2 -  إقامة سوريا لخمسة سدود إروائية ، يأتي في المقدمة منها سد الطبقة الذي يكوّن بحيرة الأسد والتي تحتجز حوالي 12 مليار متر مكعب ، إضافة إلى سد البعث وسد تشرين .

 

3– بروز مشكلات داخل العراق حول السياسة الاروائية ، بسبب صدور الدستور الجديد في العراق والذي أضاع البوصلة السليمة لرسم الموازنة المائية في البلد ، مما أدى إلى إنفراد إدارة الكيان الكردي في شمال العراق في التصرف بالسدود المقامة على روافد دجلة ، مثل دوكان ودربنديخان ، فالدستور الذي تم تمريره في عام 2005 ، أدى إلى فوضى في الصلاحيات وعجز الحكومة المركزية في بغداد عن رسم السياسة المائية للعراق ، ومع أن تعديلا كان قد أدخل على مسودة الدستور في هذا الجانب بالذات قبل إقراره ، بعد أن ووجهت المواد الخاصة بالري بردود فعل حادة من قبل رجال القانون والباحثين ، فإن التعديلات لم تأت بجديد في هذا الشأن ، وكنت قد دخلت في مناظرات تلفزيونية عديدة حول الموضوع وكتبت مقالا نشرته جريدة الوفاق الديمقراطي الأسبوعية التي كانت تصدر في بغداد ، على حلقتين بتاريخ 4/9/2005 ، وفي 11/9/2005 تحت عنوان ( الموازنة المائية والدستور الجديد ) ، عرضت فيها جميعا ما يمكن أن يجره الغموض المتعمد في النصوص الدستورية ، على العراق في مجال الري ، فقد أعطت القواعد الدستورية التي تم تثبيتها فيه حقوقا وامتيازات واسعة النطاق للأطراف ( وخاصة الكيان الكردي ) على حساب صلاحيات المركز ، فالسلطة المركزية تخلت عن حقوق كان يجب أن تبقى محصورة بيدها لإدارة الملف المائي ، وهذا بدوره كان بمثابة رسالة خاطئة تم توجيهها على الأطراف الخارجية ، بأن دولة غير قادرة على نزع ملف خطير وكبير بحجم ملف المياه من أيدي قوى محلية ، لهي أعجز تماما عن التعاطي مع هذا الملف بصفحته الخارجية ، وفي هذه الظروف المعقدة مضت تركيا لا تلوي على شيء في استكمال مشاريعها قيد الإنشاء من جهة ، وفي تسريع إملاء خزاناتها المنجزة وبزمن قياسي ، دون أن تلتفت إلى تأثيرات ذلك على الغير ، لاسيما إذا كان الغير غير قادر على تحريك الملفات المقابلة التي بيده .

 

لقد وقعت الحكومة العراقية في عام 1946 وفي عام  1947 اتفاقيات بشأن حقوق العراق المائية ، في حوض رسمت الطبيعة خارطته منذ بدء الخليقة ، وها هي الآن تتعرض لجرف سياسي هدفه إلحاق الضرر بالعراق أو هكذا ستكون نتيجته الأخيرة ، وحينما تحسبت الحكومة العراقية لاحتمالات المستقبل ، فلم تكن تركيا قد شرعت في إقامة سدودها ، حينها كان العراق أكثر البلدان الثلاثة تأثرا بالفيضانات المدمرة لكل دجلة والفرات ، حتى ينقل عن نوري السعيد رئيس الوزراء الدائم قوله ( إنني أواجه مشكلتين في العراق ، الشيوعية والفيضان ) ، فالعراق إذن سيكون متضررا من عدم تنظيم الانتفاع بدجلة والفرات ، وسيكون متضررا أكثر حينما تقام السدود على النهرين خارج حدود وخارج سيطرته .

 

كان معدل ما يدخل للعراق من دجلة الذي يبلغ طوله من المنبع في مرتفعات جنوب شرقي الأناضول إلى التقائه بالفرات وتكوينهما شط العرب 1900 كيلومتر ، في الظروف الطبيعية يزيد على 1500 متر مكعب في الثانية ، وفي ثمانينات القرن الماضي ومع اتساع المشاريع الزراعية والإروائية في تركيا ، أخذت كميات المياه الداخلة إلى الأراضي العراقية بالتقلص ، حتى وصلت إلى 1200 متر مكعب ، ثم تواصل التراجع حتى وصل أخيرا إلى حوالي 250 مترا مكعبا ، وقد خلفت هذه الكمية حالة من الجفاف في حوض دجلة سوف تتفاقم كثيرا حين إنجاز تركيا لسدها على دجلة والمسمى سد ( ليسو) والذي يبعد عن الحدود العراقية بحوالي 50 كيلو مترا .

 

في الحديث عن أزمة المياه في العراق ، تطرح بعض الجهات التي تحاول صرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للأزمة ، وجهات نظر لا تستند على وقائع ، فهي تحمل حكم الرئيس الراحل صدام حسين المسؤولية في عدم إقامة السدود في العراق ، وهذه الجهات إما أنها طارئة على الموضوع أو أنها مغرضة في ذلك ، فمعروف أن سدي الموصل وحديثة وهما من السدود الكبرى في العراق ، قد تم إنجازهما في حقبة الثمانينات من القرن الماضي وأثناء اشتداد لهيب الحرب العراقية الإيرانية ، مرغم أن السدين كانا مدرجين على خطة الإعمار التي وضعتها مؤسسة كلودس يادس ، بداية خمسينات القرن الماضي إلا أن أيا من نظم الحكم السابقة لم تتمكن من تحويلهما من مشاريع على الورق إلى شواهد على الأرض ، ومن المعروف أن سد الموصل يخزن حوالي 12 مليار متر مكعب ، أما سد حديثة فيخزن 11 مليار متر مكعب من المياه ، كما تم إنجاز سد حمرين الذي ضمن السيطرة على مناسيب نهر ديالى ليكون مكملا لسد دربنديخان ، ويخزن أربعة مليارات ونصف المليار من الأمتار المكعبة ، كما تم استبدال سد الصدور الغاطس بسد كبير ليرفع مناسيب نهر ديالى أثناء موسم الذروة في الحاجة لمياه سقي المزروعات في محافظة ديالى الزراعية ، أما سد بخمة على الزاب الأعلى فكان قيد الإنشاء ، ولكن حركة التمرد الكردية التي يتزعمها مسعود البرزاني تارة وجلال الطالباني تارة اخرى ، دمرت موقع العمل وهربت المعدات الثقيلة التي كان فيه إلى إيران مقابل ثمن بخس ، وهناك سدود اخرى أقل شأنا منها ما تمت إقامته على حوض نهر العظيم ، الذي يعتمد على مياه الأمطار فيفيض على نحو يهدد المناطق التي يمر بها أو قربها ، في حين يتحول إلى أرض يابسة صيفا ، ورغم طاقته الخزنية المحدودة فقد أصبح نهرا جاريا على مدار السنة ، كما أن الخطط وضعت لإنجاز سد بادوش ، وكذلك الحال بالنسبة لسدود وادي حوران والتي حولت المنطقة إلى أراض مضمونة المياه وخاصة بالنسبة لسقي الماشية التي تكثر في المنطقة ، ولعل تحويل خزان الثرثار من حالة الخزن الميت لأكثر من 14 مليار متر مكعب من المياه عن طريق شق ذراع الثرثار – الفرات ومن ثم ذراع الثرثار – دجلة ما يجسد الخطط الطموحة للقيادة العراقية في تحويل الزراعة إلى نفط دائم من شعار على الأفواه إلى واقع ملموس على الأرض ، فتلك الكمية الهائلة من المياه كانت تهدد البيئة الزراعية بأفدح الأخطار بحكم ما تتعرض له من تبخر وتراكم الأملاح وما ينعكس ذلك على الأراضي المجاورة والمياه الجوفية ، أما مشاريع الري والبزل فقد تحولت في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي من أحلام تداعب مخيلة العراقيين والمهندسين الذين رسموها ، إلى شرايين تتلوى من شمال بغداد حتى تلتقي عند المصب العام ( نهر القائد ) ومن هناك تجري حاملة الملوحة من أرض العراق لتلقي بها في شط البصرة ولتصب في نهاية المطاف في الخليج العربي ، ومع ذلك فهناك من يمتلك القدرة على المغالطة والكذب وليفتري على تاريخ لم يدون بكامله حتى الآن لأنه ما يزال طريا .

 

في عقد السبعينات وضعت كليتا الهندسة والزراعة في جامعة البصرة دراسة مشتركة لمشروع عملاق آخر كان له أن يكون نقطة البداية للعراق المتنوع الموارد ، ولكن التكاليف الباهظة لهذا المشروع مع ضعف موارد الدولة ، وقربه من الحدود الإيرانية التي كانت حكوماتها تتحين الفرص لإشغاله بالمشاكل السياسية والأمنية ومنعه من السير على طريق التنمية الكبرى ، كل تلك العوامل حالت دون تنفيذه حينذاك ، وتتلخص فكرة المشروع بإقامة حاجز صناعي كبير في بداية شط العرب ، لمنع مياهه من الذهاب إلى الخليج العربي ، وإقامة نهرين معلقين بمحاذاة شط العرب يتم رفع المياه إليهما بواسطة مضخات عملاقة ، الأول على الضفة اليسرى وهو الأقل كلفة والأصغر حجما ، ويؤمن المياه للمناطق الزراعية الواقعة شرق شط العرب بواسطة قنوات تفتح وتغلق آليا ، وقدرت كلفة المشروع حينها بمليار دولار ، والثاني ويبدأ من شمال شط العرب ويغذي وبنفس الطريقة الأراضي الزراعية الواقعة غرب شط العرب حتى يتلاشى عند الفاو ، أما المياه الفائضة عن الحاجة فيتم تخصيصها لري المناطق الواقعة شمال محافظة البصرة ، أما موضوع الملاحة في شط العرب فكانت الخطة تقتضي تعميق غاطس النهر لتأمين مرور السفن فيه ، وقدرت كلفة هذا الجزء بأحد عشر مليار دولار .

 

من المعروف أن الزراعة في العراق تعاني من أزمات كبيرة وخاصة في الضائعات المائية نتيجة عدم توفر ما يكفي من وعي زراعي لدي الفلاح العراقي ، أو نتيجة الحرص على زراعة الرز والمحاصيل الاخرى التي يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ، إضافة إلى درجات الحرارة العالية التي تؤدي إلى تبخر عالى المستوى ، مما يترك الأرض عرضة للملوحة ( السبخ ) ولا شك أن هناك من الأساليب العلمية التي يمكن أن تساعد على تقليص الهدر في عمليات السقي ، ولكن ذلك ليس هو الحقيقة الوحيدة التي تؤدي إلى النقص في مياه الري ، إذ يأتي السبب الجوهري في نقص الكميات الداخلة إلى العراق من مياه دجلة والفرات وروافدهما ، ومن يراقب خزانات السدود الكبرى في العراق ستصيبه الصدمة نتيجة انخفاض مناسيبها على نحو يهدد استمرار الحياة بكوارث جدية .

 

من المعروف أن كميات الخزن التي تضمها السدود بالإضافة إلى الأهوار في الوسط والجنوب ، كانت تصل إلى حوالي 150 مليار متر مكعب خزنا مدورا ، ولكن الجفاف الذي ضرب العراق في السنوات الأخيرة قلص الخزين إلى أقل من 77 مليار متر مكعب فقط .

 

فهل تستقيم هذه المعادلات مع القوانين الدولية ومع الاتفاقيات الثنائية ؟

لقد ظلت تركيا تركز في علاقاتها مع العراق على تصفية وجود حزب العمال الكردي التركي فوق الأراضي العراقية المتاخمة للحدود التركية بل ربما سربت أنباء عن ربط ذلك بدفع كميات معينة من المياه إلى العراق ، وتباينت مواقف الكيان الكردي مع مواقف حكومة بغداد بشأن هذه القضية ، ففي الوقت الذي يحظى فيه الحزب المذكور بدعم جماعة مسعود البرزاني ، من منطلق تقوية الأوراق الداخلة في لعبة مشروع دولة كردستان الكبرى ، ضد كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا ، فإن حكومة بغداد لم تجد سببا يدعوها إلى أن تلجأ إلى هذه اللعبة الخطرة التي يمكن أن تهدد الوحدة العراقية بالصميم ، ويبدو أن مجرد التفكير بالمستقبل الغامض لوضع المياه في العراق ، كان من بين الأسباب الجدية التي دفعت بمشروع فدرالية الوسط والجنوب إلى التراجع في سلم الأولويات ، خاصة وأن إيران فضلا عن كونها لا تستطيع معالجة النقص في كميات المياه التي تحتاجها منطقة الإقليم المقترح ، فإنها في واقع الحال مضت بعيدا في حرب مياه مبكرة ضد حقوق العراق في الأنهار الحدودية وخاصة في أنهار الكرخة ودويريج والطيب وغيرها ، والتي غيرت إيران مسارها وحرمت مناطق في جنوب العراق ظلت تتبجح بأنها تدافع عن حقوقها ، ولما كانت المنطقة المقترحة كإقليم للوسط والجنوب وتحت ولاية ( المجلس الإسلامي الأعلى ) ذات طابع طائفي شيعي في جانبه الديني ، ومرتبطة بإيران في جانبه السياسي ، ويمكن أن يطرح مطالب حدودية مع المحافظات   الاخرى ، فكان على المنطقة أن تأخذ في حسابها احتمال استخدام المياه كأداة لممارسة الضغط عليها من قبل المحافظات الواقعة على أعلى حوض دجلة والفرات من التي تمتلك القدرة على التحكم بما لديها من سدود في كميات المياه النازلة لأسفل الحوض لاسيما مع شحة ما يرد في النهرين بسبب السدود التركية خاصة وبدرجة أقل السدود السورية ، ويبدو أن هذا من بين أسباب انحسار ظاهرة الدعوة للفدرالية في الجنوب .

 

يضاف إلى ذلك أن الموقف التفاوضي العراقي كان في أضعف حالاته ، نتيجة انشغال العراق أو إشغاله بحزم لا حصر لها من المشاكل السياسية ، لعل أكثرها اتصالا القضية الكردية ، والتي كانت تحرك بأيد خارجية ، لاستنزافه اقتصاديا وبشريا وإشغاله عسكريا ، وصرف انتباهه عن القضايا الأساسية التي على حكوماته التعامل معها وإيجاد الحلول لها ، ونتيجة لتحالفات الحركة الكردية مع القوى الإقليمية والدولية ، فقد تم توظيف ما يسمى بالقضية الكردية من قبل دول كانت تسحق حقوق الأكراد دون رحمة ولا تعترف بوجودهم أصلا ، ضد بلد وفر لهم مناخا سياسيا غير مسبوق لدى جميع الدول التي تتواجد فيه أقليات كردية ، وذلك لإدامة انشغاله بفرض الأمن في جزء من أراضيه ، مع ما يحمل ذلك من بروز حالات سلبية في صيغ المعالجات التي تفرضها الظروف الميدانية الساخنة ، ولما لم تجد القيادة العراقية بدّا من توقيع اتفاقية الجزائر لعام 1975 لحل المشاكل المركبة مع إيران ، فقد اضطرت إلى المضي في هذا الخيار ، مما أعطى العراق فسحة من الاسترخاء السياسي مكنته من الإنصراف للبناء الاقتصادي وخاصة في الاستثمار البشري في مجال التعليم ، كما تم وضع الخطط لبناء السدود التي كان العراق بحاجة إليها على دجلة والفرات وروافدهما والتي كان البدء بتنفيذها قد تأخر كثيرا ، وهكذا فقد شهد النصف الثاني من عقد السبعينات من القرن الماضي أسرع خطوات للتنمية ليس في العراق وحده وإنما على صعيد الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط  ، ومع ذلك فإن اتفاقية الجزائر سلبت العراق جزء من حقوقه المائية في شط العرب .

 

لكن فسحة الأمن لم تأخذ زمنا طويلا إذ سرعان ما اجتاح الشرق الأوسط  ، إعصار سياسي كبير حمل معه توترات ما تزال تترك ظلالا قاتمة فوقه ، وذلك بوصول أية الله الخميني إلى الحكم في إيران ، وبصرف النظر عن حقائق الوصول وما رافقها من ملابسات وأسرار ، فإن الحكم الجديد في طهران كان معبئا بكل أسباب النقمة على العراق ، ولم يمض على طهران في عهدها الجمهوري سوى عشرين شهرا ، إلا وكانت الحدود بين البلدين تشتعل بحرب ستكون الأطول في تاريخ الحروب النظامية في القرن العشرين ، وانصرف العراق بكل طاقته البشرية والعسكرية وموارده الاقتصادية لتأمين مستلزمات الدفاع عن حدوده أمام قوة تستند على قناعات دينية لا تريد الإعتراف بأية حدود تفصلها عن العراق ، فانشغل عن برامج التنمية ، وضعف موقفه التفاوضي بشأن القضايا الملحة مع الدول الاخرى ، التي ستجد في مطالبات العراق بحقه سببا لممارسة الضغط عليه وربما الانحياز إلى جانب عدوه ، وتركيا لم تكن لتتردد في مساومة العراق في أية قضية فيما لو طرح موضوع حقوقه الطبيعية والقانونية في مياه الفرات ، التي كانت حينذاك تتعرض لأكبر عملية سطو في تاريخ الأنهار الدولية   المشتركة ، وخاصة أن للعراق خطا لتصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي ، كان يؤمن موردا أساسيا لميزانيته الحربية ، وبالمقابل كانت خطوات تركيا متسارعة على نحو لم يسبق له مثيل لإنجاز سدودها العملاقة ، دون أن يتمكن العراق من التعامل مع هذا الملف الساخن بقوة الحق والقانون ، وتعامل معه بمرونة المضطر ظنا منه أن الوقت الذي ستذعن تركيا لحقوق العراق سيأتي طال الزمن أم قصر ، ولكنه هذه الظنون لم تكن في محلها أبدا بل أن تركيا توسعت وانتقلت خططها من الفرات إلى دجلة ، وبدأ الهمس يرتفع عن برميل ماء مقابل برميل نفط ، مع ما في هذه المقايضة من خيال مريض لعدم تطابقه مع حقائق الأشياء ، حتى طرحا رسميا لهذه المقايضة لم يتم تداوله من قبل أي رسمي تركي ، ولكنه يبقى عامل تحريك لكوامن لا تستطيع أن تطل برأسها صراحة ، لأن سؤالا سيتم طرحه على الفور وماذا بعد نضوب النفط ؟ وربما السؤال الأهم هو ماذا لو أن العراق لم يكن يمتلك النفط أصلا ؟ فأية سلعة على العراق أن يقدمها كي يحصل على حقوقه الطبيعية ؟ وهل يحق لأية دولة في العالم أن تخرق ما رسمته الطبيعة من مسارات للأنهار في أقاليم لم تكن حدودها السياسية على ما هي عليه ، وهل أن العالم لا يمتلك الأدوات الأخلاقية والقانونية المانعة لتصرفات الدول التي وضعتها الجغرافية في الموضع الذي يمكنها من إلحاق الضرر بالآخرين ؟ أم أن على العراق أن يبقى قويا ومتحفزا بصورة دائمية للدفاع عن حقوق ليست القوة هي طريق الحصول عليها ، ومن دول الإقليم الذي يمكنه رؤية العراق قويا ولا تتحرك فيه كل النوازع لمنع استمرار قوته؟ ولنأخذ تركيا مثلا في مثل هذه المعادلة ، إذ أن توركوت أوزال الذي حكم تركيا مرة رئيسا للوزراء ومرة رئيسا للجمهورية ، ومن أجل ألحاق الأذى بعراق صدام حسين ، وفي صفحة من صفحات العمل الدولي الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق ، لم يتورع عن استخدام أخطر ورقة يمكن أن تحرق الوضع التركي الداخلي وهي الورقة الكردية ، حينما لعب دورا خطيرا في تحريك الملف الكردي ضد الرئيس صدام حسين ، معتقدا أن عدوى هذه القضية سيبقى محجوزا وراء سد الحدود المشتركة بين البلدين ، ولكنه مضى وبقيت القضية الكردية أخطر تهديد تواجهه وحدة الأراضي التركية ، لم تنفع لقمعها لا العمليات الحربية وتشدد القادة العسكريين الأوفياء لتراث كمال أتاتورك ، ولا المرونة المستحدثة في التقاليد السياسية التركية التي اختطها حزب العدالة والتنمية .

أما إيران فقد باشرت مشاريعها لإقامة السدود على الأنهار المشتركة ، أو لتغيير مسار الأنهار نفسها منذ مطلع ستينات القرن الماضي ، وربما بقي أثر ذلك أقل ظهورا أمام الرأي العام ، كون الأنهار صغيرة الحجم وليست مثل دجلة أو الفرات ، ولكن الواقع يؤشر تأثيرات مدمرة على المناطق الحدودية بدء من خانقين ومحاولات تغيير مسار نهر الوند وقد تمت معالجة آثار ذلك برفع مستوى المياه في سد الصدور الغاطس وفتح جدول صناعي لتغذية المناطق المتضررة ، أو إقامة سد كنجام جم في منطقة وهران والذي أدى إلى إلحاق دمار في المزارع والبساتين في منطقة بدرة وجصان ، وأخذت مساعي إيران قوة دفع أكبر بعد مجيء أية الله الخميني إلى الحكم في إيران ، وربما توقع البعض أن الاحتلال الأمريكي للعراق كان سيوفر ضمانة له أمام برامج جيرانه ، أو أن وجود حكومات مرتبطة بإيران بشكل أو بآخر يمكن أن يمنع الأخيرة من مواصلة خططها الإروائية الخارجة على القوانين الدولية ، لكن إيران واصلت مساعيها بقوة دفع أكبر في هذا الخصوص ، إذ تعرض نهر سيروان الذي يغذي نهر ديالى إلى أكبر عملية سطو على حصص العراق حينما تم تغيير مساره ، وكذلك الحال بالنسبة لأنهار الكرخة والطيب ودويريج ، مما أدى إلى عرقلة عملية إحياء أهوار المناطق الحدودية مع إيران مثل هور الحويزة ونتيجة الخطوات الإيرانية فقد برزت مشاكل وأزمات بين عشائر المنطقة الحدودية في محافظة ميسان والتي تعتمد على الزراعة وتربية الماشية ، ربما ستجر إلى نزاعات مسلحة فيما بينها  .

 

وهكذا يمكن القول أن من يتصرف على هذا النحو إنما يقتبس أساليب العصابات ، ولكنه يطالب بحقوق الدول ، وإلا كيف يمكن أن نفسر الزيارات المتكررة لمسؤولين أتراك وإيرانيين للعراق وإلحاحهم بمناسبة وبدون مناسبة على المطالبة بعدم استخدام الأراضي العراقية للعدوان عليهما أو جعلها ملاذا آمنا لقوى معارضة لهما ، تركيا تطرح حزب العمال الكردي التركي الذي يتحرك في شمال العراق ويلقى الدعم من حزب مسعود البرزاني وتحشد الدعم الدولي ضده وتعتبره قوة إرهابية تهدد أمنها ، وإيران تطرح وجود معسكر أشرف الذي يضم بضعة آلاف من المدنيين من أعضاء حركة مجاهدي خلق الإيرانية وجندت لهذا الغرض موفق الربيعي لإخلائه من سكانه إما بنقلهم خارج العراق أو إبعادهم عن الحدود مع إيران .

 

في حين أننا لم نسمع أن موظفا حكوميا من وزارة الخارجة أو من وزارة الزراعة أو وزارة الموارد المائية ، قد كلف نفسه عناء المطالبة بوقف عدوانهما المستمر منذ سنوات طويلة ويهدد حياة الملايين من العراقيين ، فلماذا يكون مطلوبا من العراق إبعاد حزب العمال الكردي ومنظمة مجاهدي خلق من أراضيه ؟ ولا يكون مطلوبا من تركيا وإيران ( إطلاق سراح مياه العراق المحتجزة في سجون السدود التركية والإيرانية ) ؟ ألا تعد أعمال التغيير التي تجريها كل تركيا وإيران في الأنهار المشتركة ، أكثر خطورة من وجود حزب العمال التركي أو من وجود مجاهدي خلق ؟

 

إن عدم اكتراث حكومات الاحتلال الأربع بمصالح العراق ، وعدم التزام الولايات المتحدة بالقوانين والمواثيق الدولية التي تفرض عليها حماية مصالح العراق كدولة محتلة ، شجع كلا من تركيا وإيران على تجاهل مصالح العراق في الشأن المائي خاصة ، إضافة إلى الملفات الاخرى التي كان الدور الإيراني أكثر وضوحا فيها وخاصة الملف الأمني .

 

إن الحديث عن عراق موحد من قبل أي طرف لم يعد كافيا ما لم يقترن بجدية في موضوع المياه بالدرجة الأولى ، وليس من الحكمة أن تلقي أية حكومة عراقية أي سلاح من يدها إذا كان صالحا للتلويح به عند الضرورة بوجه من لا يريد الركون إلى منطق القانون الدولي في علاقاته الثنائية ، وربما لا تكون الظروف ملائمة لاستخدام مثل هذا السلاح ، ولكن الحكمة لا تقضي بنزعه فالفرق بين امتلاك السلاح أو الضغط على الزناد فرق كبير ، وربما يستطيع العراق التأثير في دواخل الجوار عبر مداخلها ، إن عزم على ذلك أكثر بكثير من تأثير أي بلد مجاور له على دواخله ، وليس من الحكمة الركون إلى منطق العلاقات الدولية أو الحوار إذا تجاهلها الطرف الآخر ، كما أنه ليس من المنطقي الركون إلى حكمة الدول ذات التقاليد العريقة في علاقاتها مع الدول الاخرى ، مع أطراف تتصرف تصرف العصابات ، وإلا فأن ذلك سيعد ضعفا معيبا من جهة ، وتفريطا بحقوق البلد من جهة اخرى ، خاصة إذا استكملت مشاريع السطو على حقوق العراق المائية .

 

صحيح أن هذه الأفكار لا ينبغي أن تجد طريقها إلى العلن بل ستبقى ضمن الخطط السرية لأي بلد يعتمدها ، وربما سيتم نفيها بشكل قاطع من قبل الدولة التي تعتمدها منهاجا ، ولا توجد دولتان متجاورتان ، لا توظفان كل ما لديهما الواحدة ضد الاخرى من  ملفات ، إلا أن إسقاط هذا النمط من التعاطي السياسي تحت أية ذريعة ، سواء منها بزعم الالتزام بالمواثيق الدولية أو الاتفاقيات الثنائية ، إنما يعد غفلة وسذاجة لا تنسجم وأنماط السلوك المعتمد من قبل الكثير من الدول ، ولا تعبر عن روح العصر ولا آليات تحركه .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٠٦ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م