مع عودة بروزهذه المشكلة التي وُلدت من رحم الأمم المتحدة ومجلس أمنها

 

القصة الكاملة لترسيم الحدود الكويتية العراقية
إستنادا لخريطة .. الإنتداب البريطاني !!

 
 
 

شبكة المنصور

نبيل أبو جعفر

قامت الدنيا ولم تقعد بعد في إمارة الكويت العظمى ، على أثر تصريح لوكيل وزارة هوشار زيباري دعا فيه إلى فتح ملف ترسيم الحدود الكويتية ـ العراقية عن طريق الحوار الثنائي بين البلدين ، بدل استمرار وصاية مجلس الأمن الدولي الذي سبق له وأن فرض كيفية الترسيم بقرار ملزم من قبله ، مشيرا إلى أن أي حدود ثنائية تُحسَم وتُرسَم بالتباحث بين طرفيها ( وهذا هو الوضع الطبيعي فعلا ، حتى لو قاله أحد أتباع الإحتلال ) . لكن وكيل زيباري لم ينتبه وهو يستند في دعوته هذه الى تصوّر حتمية دعم الإحتلال  لمطالب حكام المنطقة الخضراء ، إلى أن الذين نصّبوهم في الحكم هم أنفسهم الذين حدّدوا كيفية سلق  ترسيم هذه الحدود مع حليفتهم بريطانيا ، بطريقة تعسفية ظالمة ولا سابق لها في التاريخ ، اعتمدها مجلس الأمن بقراره رقم 687 لسنة 1991 ، ثم أتبعها لاحقا بقرارات تنفيذية أكثر تعسفا .

 

الرد الكويتي السريع واللئيم على هذه الدعوة جاء على أعمدة صحف الإمارة الجالسة مع حكام بغداد المحتلة في حضن الأميركان ، فأعلنت كما لو حُرّكت بزرّ واحد أن الكويت  يستحيل أن  تقبل العودة لبحث هذا الموضوع  المحسوم أصلا من قبل مجلس الأمن والدولة الأكبر ، خصوصا وأن قرار هذا المجلس الدولي لم يأت بشيء جديد بل أكد بشكل نهائي على أمر واقع لا أكثر ولا أقل ! . أي بمعنى واضح أن الكويت كانت طوال عمرها "المديد" كويتية خالصة ، ولم تكن يوما جزءا من العراق !!

 

وبناء عليه ، فإنه " لا يحق لأي جهة كانت أن تشكك بعدالة وقانونية قرار المجلس الذي صدر تحت البند السابع الإلزامي ، حسبما نصّت الفقرة 5 من قرار مجلس الأمن لسنة 1993" التي قضت باعتماد طريقة ترسيم الحدود كما ارتأى التحالف الأميركي ـ البريطاني في القرار 687 لعام 1991 . ويعود ذلك  حسب الطرح الكويتي الى أن " هذا القرار الأممي ملزم للعراق وهو ـ وحده ـ الفيصل الوحيد الدائم بين الطرفين ، ولا مجال لتحكيم قاعدة التفاهم الثنائي بينهما "، وهذا يعني بالضرورة بقاء حليف حلفائهم العراق المحتل تحت سطوة مجلس الأمن وتهديداته إذا لم يواصل الإلتزام بما فُرض عليه ، ليس بالنسبة لموضوع ترسيم الحدود فحسب ، بل بالنسبة لموضوع التعويضات التي دفع العراق منها حتى اليوم 33 مليار دولار ، وما زال مطالبا بدفع 22 مليارا آخر ولو حتى آخر فلس عراقي ، إنطلاقا من مبدأ أميري ـ بوشّي يقول أنه لا يجوز للدول الأطراف في اتفاقية دولية التنصّل من الإلتزامات التي ترتبها معاهدات الحدود ، من خلال المطالبة بانتهاج اسلوب تراضي الطرفين ، لأن الشرعية الدولية التي صاغها  كل من بوش الأب والإبن أولى بالرعاية والتنفيذ الدقيق من إرادة الطرفين وسائر الدول والشعوب !

 

عراك التابعين

 

هذا النَفَس الكويتي المليء بالإستقواء الفارغ تجاهل عمدا أن الترسيم بالطريقة التي أقرّ فيها يُعتبر أسوأ من الإستعمار والوصاية معا ، ويمثّل أبشع أشكال الإذلال . تجاهل حكام الإمارة ذلك لتيقّنهم بأن حكام العراق المحتل لن يتجرأوا على فتح أفواههم إعتراضا أمام أولياء نعمتهم الذين أحضروهم من مزابل الغرب ونصّبوهم على كراسي الحكم . ولم يخطر ببالهم ـ أو تجاهلوا أيضا ـ أن الذين يخرسون أمام إرادة المحتل ، ليس من الضروري أن يخرسوا أمام أمثالهم من المرتهنين له ، وهذا ما حصل حتى الآن . والواضح أن كلا الطرفين يراهن على احتمال انحياز " الحليف الأميركي "  له . لكن الحقيقة أكبر من الإثنين ومن هذا الحليف ، وهي مسجّلة بالوثائق الرسمية في الأمم المتحدة . أما قصتها الواقعية ـ دون زيادة ولا نقصان ـ فتمثّل وصمة عار في جبين هيئة الأمم المتحدة والشرعية الدولية وكل رموز هذا العصر الأكثر من إمبريالي بامتياز . وهذه أبرز وأخطر تفاصيلها :

 

*  في عددها الصادر يوم  16حزيران 1992، كشفت صحيفة النيويورك تايمز مضمون تقرير للمخابرات المركزية الأميركية يقول أن الرئيس صدام حسين قد أصبح أكثر قوة مما كان عليه قبل سنة ( أي مباشرة بعد الإنسحاب من الكويت ! )، وأنه على الرغم من العقوبات الإقتصادية المفروضة عليه استطاع إعادة بناء جيشه وتقوية قاعدته العسكرية , وكل ذلك تمّ ـ على ذمة تقرير المخابرات ـ عن طريق الأردن ، ومن خلال عمليات تهريب واسعة النطاق تحدّث عنها التقرير بشيء من الإسهاب ، وبأسلوب يوحي أن كلا من العراق والأردن يخالف قرارات الحظر الصادرة عن الأمم المتحدة ، مما يفتح الباب أمام محاسبتهما في أي وقت يريد التحالف الغربي ذلك !

 

*    بعد ذلك بيومين إثنين ، وقبل أن يُطوى الحديث عن هذا الموضوع ، أصدر مجلس الأمن الدولي بيانا رسميا بتاريخ 18 حزيران أدان فيه موقف العراق من القرار المتعلق بموضوع ترسيم الحدود ( وقد قضى بسلخ 6 آبار نفطية في حقل الرميلة ، وجزء من القاعدة البحرية في أم قصر ، على اعتبار أنها داخلة ضمن الأراضي الكويتية ).

 

وجاء على لسان رئيس المجلس بول نوثرويمي ـ الكندي الجنسية ـ وبصيغة تهديدية أن الحدود العراقية ـ الكويتية غير قابلة للإنتهاك ، ملفتا الإنتباه الى أن لجنة ترسيم الحدود لم تُعد تحديد مواقع الأراضي بين البلدين ، بل عملت على " ترسيم معالم الحدود للمرة الأولى " ! ( أي التي تضم الجزر وجزءا من القاعدة) . وفوق ذلك ، ارتأى المجلس بلسان نوثرويمي أن اعتراض العراق على ذلك يبدو وكأنه يُعيد المطالبة بالكويت مرة أخرى ، ولهذا يؤكد المجلس بحزم رفضه للمحاولات التي تستهدف التشكيك في وجود الكويت المؤكد .

 

*   في المقابل ، كان من الطبيعي أن تُهلّل الكويت لقرار الترسيم ، كما تهلل لبيان الإدانة أكثر . ولكن السؤال الذي لم يطرحه الكثيرون وقتها ، ولا عرفوا الإجابة عليه .. هو : كيف توصّلت اللجنة المذكورة الى مثل هذا القرار ؟ ثم ، ما هي قصة ترسيم الحدود ، وعلى ماذا اعترض العراق ؟  

 

خبث اللئام في الثوب الأممي

 

من حيث المبدأ ، كان موقف العراق يتلخص في أن مسألة أي حدود بين أي دولتين تعالجها دوما اتفاقات الدول ( وهو ما اضطر الى تكراره حرفيا وكيل وزارة زيباري في تصريحه الأخير ) ، وفي هذا السياق كان هناك قرار سابق لمجلس الأمن حمل الرقم 660 ، دعا الطرفين في فقرته الثالثة الى حل الخلافات بينهما عن طريق التفاوض ، وقد قبله العراق وأبلغ المجلس بذلك . لكن ما حصل بعده  على الفور جاء مخالفا لهذا المنحى ، حيث تضمّن القرار 687 لعام 1991 بندا حول ترسيم الحدود يقول بالنص : إدراكا من المجلس بضرورة ترسيم الحدود يطلب بأن يحترم العراق والكويت حرمة الحدود الدولية ، وخصوصا الجزر ، على نحو محدد في المحضر المتفق عليه بينهما بتاريخ 4 تشرين الأول 1963 والمسجّل لدى الأمم المتحدة في الوثيقة 7062،بالإضافة الى مجموعة المعاهدات عام 1964 ، ويطلب من الأمين العام المساعد اتخاذ التدابير اللازمة لترسيم الحدود بين البلدين مستعينا بالأجواء المناسبة ، بما في ذلك الخريطة الواردة في وثيقة مجلس الأمن ( الخريطة المقدمة من بريطانيا )  !

 

لقد كان من الطبيعي أن يعتبر العراق هذا القرار سابقة لا نظير لها في تاريخ المنظمة الدولية التي أعطت لنفسها حق ترسيم الحدود " حسب الأجواء المناسبة .. "، فضلا عن أنها لم تأخذ بعين الإعتبار وجهة نظره التي ذكر المجلس أنها محددة في محضر العام 1963  ، مع أن تجاوزها شكّل السبب الأساس لعدم استكمال إجراءات التصديق على قرار الترسيم من قبل المراجع الرسمية العراقية . ولم يكن هذا موقف العراق وحده من موضوع الترسيم وطريقته ، فقد أكد عدد من أعضاء المجلس أن القرار يشكّل سابقة خطيرة قد تمسّ سيادة الدول ، خصوصا وأن الولايات المتحدة ـ صاحبة مشروع القرار ـ ترفض فرض أية حدود على حليفتها إسرائيل بموجب ميثاق الأمم التحدة نفسه ، وقد وجه يومها مندوب كوبا في الأمم المتحدة رسالة بهذا المعنى  الى مجلس الأمن قال فيها : " ليس للمجلس أية سلطة بخصوص ترسيم الحدود بين الدول ، أو تقرير ماهيّة الحدود المشتركة في أي منطقة بالعالم ، ولهذا سيُذكر في المستقبل أن المجلس كان إنتقائيا في تعامله مع هذا الموضوع " .

 

بؤس الحقيقة و"عودة حليمة" !

 

ومع ذلك ، لم يستجب المجلس لا لاعتراض العراق ، ولا لوجهات نظره وأنظار الآخرين ،وأبلغ الوفد العراقي في المنظمة الدولية بتاريخ 11/4/1994 أنه قد تقرر تشكيل لجنة للترسيم من خمسة أعضاء ، يمثّل إثنان منهم كلا من العراق والكويت، الى جانب ثلاثة خبراء مستقلين يعيّنهم الأمين العام ، ويختار أحدهم رئيسا للجنة ، على أن تبدأ اللجنة أعمالها ـ كما ذُكر آنفا ـ إعتمادا على " المواد المناسبة بما فيها الخريطة البريطانية الوارد ذكرها في قرار المجلس "

 

مرة أخرى قام العراق بالإعتراض على تشكيل اللجنة ، لأنه سيكون في هذه الحالة ممثلا بعضو واحد    في مقابل أربعة ، طالما أن الخبراء الثلاثة سيكونون حتما من المرضيّ عنهم من قبل التحالف الغربي  ، واعترض كذلك على عدم وجود أساس قانوني للإعتداد بالخريطة البريطانية ، لا سيما وأن المحضر

 

المتفق عليه في العام 1963 لم يُشر الى أي خريطة ، مما يعطيها أية قوة كمرجع . ومع ذلك أكد مجلس الأمن بدفع من الولايات المتحدة والتحالف الغربي على حتمية بدء اللجنة أعمالها فورا ، وقام العراق بتسمية رياض القيسي / من وزارة الخارجية ممثلا له  فيها .

 

في شهادته أمام المجلس الوطني العراقي تحدّث القيسي عن أعمال هذه اللجنة وكيف اتخذت قرارها بترسيم الحدود بالتصويت . وبيّن كيف أن القرار 687 قد فرض صيغة إجبارية لتحديد الحدود ورسم الطريق الذي يجب أن يُنتهج لتحقيق هذه الغاية ، وبما أن تعبير " المواد المناسبة "غامض ومطاطي ، فلم يبق غير الفقرة الوحيدة الواضحة في قرار المجلس وهي الإعتماد على الخريطة التي يعود إعدادها لفترة الإنتداب البريطاني على العراق ، وقد قام الوفد البريطاني في الأمم المتحدة تمهيدا لذلك   بتوزيعها على وفود الدول الأخرى قبل ثلاثة أسابيع من صدور القرار 687  !  وهكذا أصبحت هذه الخريطة أساس عمل اللجنة ، وأساس القرارالذي إتخذته. مع أن العراق لم يعترف بهذه الخريطة على امتداد السنوات الطويلة التي مضت !!  

 

من كل ما سبق ، تكون خلفية قضية ترسيم الحدود قد اتضحت ، واتضح معها أسباب رفض العراق وتهليل الكويت قبل ثمانية عشر عاما من اليوم . وها هي " حليمة " الكويتية تعود الى عادتها القديمة في زمن الإحتلال وأتباعه ، فتلعب نفس الدور المبالغ في اللؤم بحق الشعب والأرض العراقيين ، فهل يصطدم حكام الأصل المحتل مع شيوخ الفرع الجالس في حضن هذا المحتل وتحت حماية قواته ، فتتحقق بذلك المقولة الشعبية : " فخّار يكسّر بعضه " ؟

 

يـــا قدرة اللـــه .. الأكبـــر من الجميـــع 

 

 

النص العربي لقرار مجلس الأمن رقم ٦٨٧

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٠٤ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣٠ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م