زيارة الرئيس عباس لإقليم كردستان في ميزان الإستراتيجيا والتكتيك

 

عندما نصبح نحن والإنفصاليون الأكراد : ( قضية واحدة ) !!

 

 

شبكة المنصور

نبيل أبو جعفر

تنشر صحيفة " البيادر السياسي " الصادرة في القدس المحتلةهذا المقال في عددها المقبل   الذي سيصدر يوم السبت  61 أيار / مايو

 

أتحفَنا راديو "نوا" نقلاً عن وكالة كونا للأنباء أن نائب رئيس الجمهورية العراقية طارق الهاشمي أجرى يوم الأربعاء 6 أيّار الجاري مباحثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في العاصمة الأردنية عمّان. وعن الزيارة التي قام بها إلى إقليم كردستان ألمح الهاشمي الى وجود عتب عراقي على الرئيس عبّاس لقيامه بهذه الخطوة والإلتقاء برئيس الإقليم مسعود البرزاني دون التشاور مع الحكومة المركزية. وجاء في سياق الخبر أن المتحدّث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، صرّح قائلاً عقب اللقاء أن الجانبين بحثا " آخر المستجدّات السياسية على الساحتين العراقية والفلسطينية "... ونقطة على السطر!

 

مع محبتنا للأخ نبيل ، يبدو لنا أنه وُرّط بالسؤال عن تفاصيل ما جرى، لذلك لم يَرَ طريقاً للفرار من الإحراج غير الاستعانة في جوابه بأكثر الجُمَل اهتراءً من كثرة الإستعمال، وحشواً لكلام يعتقد هو قبل غيره أنه بديهي لا لزوم له. فغني عن الذكر أنه لا يمكن لأي مسؤوليْن في الدنيا أن يكون اجتماعهما لبحث موضوع ارتفاع سعر الطماطم أو أجور السكن، أو حتى تفشّي ظاهرة المثليين والشواذ التي أصبحت تأخذ حيّزاً من اهتمام بعض "طوال العمر" وفي مقدمتهم بوقهم موقع "إيلاف" السعودي ـ الليبرالي الجديد .. والمتأمرك ، الذي يُدار من عاصمة الضباب.

 

هذا أمر مفهوم، ومفهوم أيضاً أن وضع أبناء شعبنا الفلسطيني المعذّب في العراق المحتلّ وعلى حدوده مع الجيران، يفرض التحرك وركوب الصعب لأجل حلّه أو التقليل من عذاباته غير المحتملة منذ وقوع الإحتلال. ومن هذا المنطلق جاء تبرير المدافعين عن سلبيات السلطة لزيارة الرئيس أواسط نيسان المنصرم الى بغداد المحتلّة، المنبوذ نظامها حتى من قبل العملاء العرب خشية أن يُدافعوا أكثر وأكثر بالعمالة العلنية المثبّتة بالجرم المشهود، تماماً كما جاء تبرير زيارته الى إقليم كردستان المحكوم من قبل "خلطة" عملاء يتصرّفون منذ زمن على أنه دولة كاملة السيادة، منفصلة عن الوطن الأم ، في الوقت الذي تسوده ــ حسب قول صحيفة "الواشنطن بوست" ــ أوضاع مريعة في مجال إنتهاك حقوق الإنسان، تتناقض مئة بالمئة مع ما تدّعيه خلطة قياداته الإنفصالية من أنها بَنَتْ تجربة ديمقراطية، مع أن الذين يحكمون هذا الإقليم وبعضهم في أرذل العمر، ما زالوا على رأس تنظيماتهم وميليشياتهم منذ أكثر من ثلاثين عاماً يسومون الناس – وأتباعهم أيضاً – سوء العذاب، ويحرّمون عليهم حرية الكلمة والتعبير، والكلام دوماً للصحيفة الأميركية ، نزيد عليه : .. وتتنافس زوجاتهم على أعمال السمسرة والمقاولات، الى جانب القيام بعمليات تبييض الأموال .

 

بالطبع، لا يمكننا أن نتجاهل الوضع المأساوي لأهلنا المحجوزين على الحدود العراقية، ووضعهم الضاغط إلى أقصى حد بعد أن اضطرتهم الظروف الى المغادرة للنجاة بجلودهم من ميليشيات الغدر والقتل على الهوية. كما لا يمكننا تجاهل علاقات بعض دول الجوار مع حكام بغداد، التي تتراوح بين الظاهر المرضي عنه بين الحين والآخر، والمخفي المغضوب عليه من قبل حكام المنطقة الخضراء الذين وإن كانوا يرحّبون ويستقبلون المسؤول الآتي إليهم منها، إلاّ أنهم يذهبون للأميركان ويشتكون زورا من أن هذا الجار يحتضن "جماعة النظام السابق"، وذاك يدعم هذا الفصيل "الإرهابي" المقاوم أو ذاك، ويسهّل تنقلات مسؤولية... الخ !

 

إذا كنا نفهم أن هذه الحالة المغطّاة بالضباب الرسمي تستلزمها – في رأي أصحابها على الأقل – ضرورة التعامل بأسلوب باطني مع النظام الباطني في المنطقة الخضراء، وأن أسبابها ودوافعها ستُكشف مع الأيام، إلاّ أننا لا نفهم الحكمة من وراء أن تَتْبَع زيارة رئيسنا لبغداد المحتلة زيارة أخرى مفاجئة لكردستان المنفصلة عملياً عن أرض الوطن بالدعم الأميركي – الصهيوني، والمزايدة على شخوصه الحاكمة – مثلهم – بالتبعية والإخلاص للأجنبي المحتل، الأمر الذي دفع هيئة علماء المسلمين الى اعتبار هذه الزيارة بالسابقة الخطيرة، فهل حصل ذلك بناءً على "نصيحة" لم يكن مطلعاً عليها الهاشمي لذلك لم يخفِ عتبه، أم حصل رداً على فشل زيارة بغداد المحتلة؟

 

أيّاً كان الجواب فإن المؤكد والمؤسف في آن أن هذه الزيارة قد أفرزت نتائج في منتهى الخطورة لسببين أساسيين، كان على أي سياسي إدراكهما بالحد المتوجّب من الحنكة مهما كانت المبّررات التي دفعت اليها.

 

أولهما: إصغاء جوّ من الرضى وحتى "الشرعنة" على تاريخية العلاقات السرية بين قادة الأكراد والكيان الصهيوني، على الرغم من أن هذه العلاقات بطبيعتها الخاصة والقديمة أعمق من خصوصية وقدم علاقات الأنظمة التي تعترف بهذا الكيان، وتُشكّل سكيناً في ظهر شعبنا وأمتنا.

 

وثانيهما: ما طرحه قادة الإنفصال في إقليم كردستان بأسلوب إستغلالي خبيث وملغوم من أن "هذه الزيارة تخدم التوجّه المطروح لحل القضيّتين الكردية والفلسطينية"، مع الإشارة الملغومة أيضاً إلى أن استقرار المنطقة يتمثّل بتطبيق هذا الحل (الثنائي!).

 

لا ريب أن مجرّد تشبيه قضية انفصال الأكراد – التي ترفع رايتها قياداتهم المرتبطة – بالقضية الفلسطينية، واعتبار حلّهما معاً شرط لاستقرار المنطقة يُعتبر ضرباً من الجنوب وتجاوزاً للمنطق، وهو إجرام بحق شعبنا وقوافل شهدائه وأصالة قضيته وشرعيتها القانونية والتاريخية في آن، لا يجوز السكوت عنه تحت أي ظرف ضاغط. فخلق "إسرائيل" قبل ستّين عاماً في قلب وطننا ككيان دخيل والإعتراف بها وتكريس وجودها وإجرامها شيء، وجنوح قيادات الأحزاب الكردية المرتبطة نحو الإنفصال وسلخ إقليمهم عن الوطن الأم لخلق إسرائيل ثانية شيء آخر.

 

بكل الوضوح، وبكلام مباشرن لا بدّ من القول أن هذه "الهلوسة" البرزانية – الطالبانية ما كان من الممكن سماع نغمتها النشاز بهذه النبرة القوية لولا استغلال دعاة الانفصال الكردي زيارة الرئيس عباس إلى إقليم كردستان التي نفهم دوافعها الإضطرارية جداً من منطلق "لا يدفعك إلى المرّ إلاّ الأمرّ منه". وما كان من الممكن في الأساس الخلط بين جوهر هاتين القضيتين: قضية تحرّر وطني تحتل المرتبة الأولى والملحّة على طريق الحل، بعد ان كانت الثورة الأولى في العالم، وقضية إنفصال مرتبطة تاريخياً بالاستعمار الأجنبي، وبالرموز الأولى لقادة الكيان الصهيوني.

 

لا أحد يُنكر أن "قضية الساعة" هذه محرجة جداً لنا ولفصائلنا وتاريخنا النضالي. فمن جهة لا يمكن القبول باستمرار عذابات إخواننا على الحدود العربية طوال السنين الماضية، والتي كان من المأمول أن يجري تحرّك سلطتنا الفاعل منذ سنين نحوها لوضع حدّ لها، وإبلاغ شعبنا بكل صراحة بما تم التوصّل إليه وما هي العقبات، حتى لا نبقى في قمقم الأسرار التي لا داعي للتستّر عليها، طالما أن وضع العراق المحتلّ من قبل الأجنبي والميليشيات والأحزاب المتعدّدة الإنتماءات محكوم بعقدة الفلسطيني الذي كان "مميزاً في العهد السابق".

 

وهذا الكلام يدفعنا الى التساؤل: ألم يخطر ببال الأخ الرئيس أن حلّ اشكال إخواننا المعذبين عبر هذا الطريق المحفوف بالأخطار والمرارة، فيه نكران لجميل الذين كانوا قد احتضنوهم في العراق وعاملوهم بشهامة وحتى بتميّز عن الآخرين، وكانت هذه المعاملة – لسوء حظهم – سبب تعذيبهم والإنتقام منهم بتهمة أنهم كانوا يتمتّعون بوضع خاص؟!

ثم، هل يضمن الرئيس عباس وطاقم إدارته المحاصر هو الآخر من قبل الإحتلال الصهيوني أن لا يُوعز الاحتلال الأميركي لبيادقه الكردية أن ينقلبوا على قرار قبول وجود إخواننا على أرض "دولتهم" إذا لم يعجبه الموقف الفلسطيني من أي جزئية في مسيرتنا الوطنية، أو حتى التسووية، كالتمسّك بحق العودة على سبيل المثال بدل التنازل عنه، وهو الحقّ الذي كان ينوي البعض نسفه من أساسه داخل اجتماعات وزراء الخارجية العرب الأخير، في موقف يتناقض بالكامل مع ما صوّره لنا الوزراء بإعلانهم – خوفاً من الفضيحة التي كشفت خيوطها – سلفاً – التمسك بهذا الحق.

 

بناءً على ما تقدّم، لا نبالغ إذا قلنا أن زيارة إقليم كردستان التي استهدفت حل اشكالات إخواننا ولو بصورة مؤقتة قد وضعتهم، من حيث ندري أو لا ندري، كرهائن تحت أيدي قادة الإنفصاليين الأكراد، وهذا يجرّنا إلى سؤال آخر: ألم يُفكّر الاخ الرئيس باحتمال تغيير الوضع في هذا البلد المحتل بين يوم وآخر، أم لم تخطر بباله إمكانية العودة إلى "السابق أو ما يُشبهه"؟ ألم يلحظ أو يسمع بأولى تباشير ذلك وهو ما بدأ يحصل كل يوم، ويتمثّل بقيام رجال المقاومة العراقية بقطع بعض الطرق هنا وهناك لساعات طويلة، وإقامة حواجز للتفتيش عن المشتبه فيهم، وفي صحبتهم قوائم بأسماء مطلوبين لها من الجواسيس وعملاء الأميركان؟

 

أيّاً كان الحال والجواب فإن المؤسف أن الخطوة التي تمت أتت بقرار فردي غير مؤسسي ولا ديمقراطي في جوّ كان يُطلق عليه يوماً "ديمقراطية غابة البنادق".

 

رحم الله "أبو عمار"، فقد كان أكثر حنكة وحكمة من أن يُقدم على خطوة كهذه في أصعب الظروف وأحرج المنعطفات. ولكل من له اعتراض على هذا "الرأي" أن ينتظر الغد... والله على ما أقول شهيد.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٧ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م