حول خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق ..

حل سياسي بدل الحل العسكري
( المشكلة والحل )  

﴿ الجزء الثالث ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

غالبا وربما دائما..

 

عندما تعلو أصوات طبول الحرب وصخب الأناشيد والخطب الرنانة التي تتحدث عن مصير الأمة المهددة وخطط العدو التدميرية ..يتراجع المنطق والقدرة للإستعداد للقبول بحلول سياسية وتفاوضية وتكون الغلبة للبندقية التي إن إنطلقت أولى رصاصاتها فسيصعب وقف التصعيد في التلاحم الدموي إلا بعد مرور وقت طويل حيث تدخل في الحسابات عوامل جديدة ..وخاصة عندما يتولى المسؤولية قائد جديد ذو نظرة شمولية وكان له منذ البداية رؤية مختلفة لطبيعة الحل الناجح للموضوع!..

 

وفي الموضوع العراقي ..

ورغما عن الإرادة الدولية المعارضة بشدة ومظاهرات الإحتجاج والتنديد والمبادرات الدولية إلا إن قرار الإدارة الأمريكية بشن الحرب على العراق كان يبدو وكأنه قرار متخذ من وقت طويل ولا رجعة فيه مهما كانت الظروف..

ومهما كان حجم التضحيات المتوقعة..

 

وكان التبرير يحمل شعار ( القضاء على نظام يمتلك أسلحة تدمير شامل ويهدد الأمن القومي الأمريكي والعالمي لما له من علاقات وطيدة مع القاعدة)!..

 

وبشكل تدريجي أصبحت هذه الحرب وحتى قبل إندلاعها هي صفحة من صفحات (الحرب على الإرهاب)!

ويوم أعلن الرئيس الأمريكي السابق بوش بأنه (يمهل الرئيس العراقي صدام حسين هو وولديه مدة 48 ساعة لمغادرة السلطة وإلا سيشن الحرب على العراق ) وبغض النظر عن قرار القيادة العراقية في حينها فقد عاد الرئيس الأمريكي وتراجع مسرعا وأعلن جهارا وقبل مرور 24 ساعة على المهلة :

 

(إنه سيهاجم العراق حتى وإن خرج الرئيس العراقي وولديه من السلطة)!..

 

كان يومها الحديث عن حل سياسي هو ضرب من الخيال!..

 

اما إذا جرى الحديث عن عدم صحة التبرير لشن الحرب فذلك سيكون كفرا وجرما وإعترافا للإنتماء للخندق المعادي للولايات المتحدة!..وبرهانا لوضع المتحدث في خانة الإرهاب!..

 

كان الحق والمنطق مغيّبا  ..

 

وكان المدافعون عن هذا الغياب وضرورته كثيرون!..

 

بعضهم كان مساهما في وضع أسس هذا الغياب وديمومته ..

 

والبعض الآخر كان يدافع عن جهل ..

 

والبعض عن خوف..

 

والغالبية هم من وضع منهجا لإستغلال النتائج وإستثمارها..ولو حساب خسارة الطرفين المتقاتلين ..

 

ومهما كانت خسائر العراقيين ..وخسائر الأمريكيين!..وبالرغم من عدم وضوح الهدف وعدم دقة إختيار الوسائل وضبابية الغاية والأسباب الرئيسية فقد كان التفكير بالبحث عن حل سياسي للمشكلة العراقية موضوع (محرّم الحديث فيه)!..

 

واليوم وصل الى البيت الأبيض رئيس جديد كان منذ البداية معارضا لشن الحرب على العراق وعلى الرغم من (عدم الإشارة بوضوح لمجمل الأخطاء التي عصفت بشعب ووحدة العراق ودمرت دولته ومؤسساته وأنهت كل منظومة القيم والمباديء والسياقات التي كانت قائمة منذ تأسيس الدولة العراقية وأصبح العراق البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع أي قائد عسكري أمريكي أو سياسي فيه قادرا وبلا مساءلة أن يُهدم ويُلغي ويُنشيء أي منظومة جديدة وفي أي مجال من مجالات الحياة حتى يُخيل للمتابع من إن العراق اليوم ما هو إلا مزرعة صغيرة مسجلة بإسم عدد كبير من الشخصيات والأحزاب والتيارات  المتنافرة والتي تتقارب اليوم وتتباعد غدا!)..

 

نقول على الرغم من إن الحق العراقي لازال مُغيبا ومهملا وغير موضع نقاش ..إلا إن الرئيس الأمريكي الجديد الذي ورث ثقلا هائلا من القرارات والإجراءات الخاطئة والمركبة والمتفاعلة يقول في خطابه بشأن إستراتيجية الإنسحاب من العراق يوم 27 شباط 2009 مايلي:

 

(The long-term solution in Iraq must be political – not military).

 

(إن الحل الطويل الأمد في العراق يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا).

 

وعلينا ان نتوقف هنا أمام ثلاث مصطلحات تحتاج الى توضيح وربما حتى الى الإدارة الأمريكية الجديدة بكل مفاصلها وهي:

 

المصطلح الأول: الحل

 

والمصطلح الثاني :الحل الطويل الأمد

 

والمصطلح الثالث : حل سياسي وليس حلا عسكريا

 

بداية..ماهي المشكلة التي كانت في العراق وإستوجبت حلا؟..

 

من وجهة النظر الأمريكية ..(المشكلة ) هي إنه كان هناك نظام سياسي في العراق (كان منذ إستلامه للسلطة في عام 1968 نظاما معاديا للولايات المتحدة وبريطانيا ويهدد أمن جيرانه وأمن أصدقاء الولايات المتحدة الإستراتيجيين ..

 

وإعتمد هذا النظام خطط مبرمجة لتطوير قدراته العسكرية والعلمية ليكون قوة إقليمية كبيرة ..

 

ثم أصبح العراق أكبر قوة ضاربة في المنطقة بعد خروجه من الحرب عام 1988 ثم دخوله الكويت عام 1990..الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تدخل حلبة الصراع بشكل مباشر وبكل إمكاناتها ..

 

وتطور الأمر الى أبعد من ذلك ليُتهم النظام العراقي بأنه يمتلك ويصنع ويخفي أسلحة دمار شامل ..ويتعاون مع القاعدة ..وهناك شكوك من إنه ساهم باحداث 11 أيلول 2001 وهو نظام معادي لا يتورع عن ضرب أوربا وأمريكا حتى إن معلومات المخابرات كانت تفيد بانه يستطيع قصف لندن بالصواريخ الحاملة لأسلحة الدمار الشامل وخلال 20 دقيقة! ..ثم إنه نظام ديكتاتوري وقمعي ويعتمد في حكمه على حزب واحد هو حزب البعث ..والمفروض أن يكون في العراق نظام ديمقراطي وقادر على بناء هذا البلد المهم ليكون نموذجا مثاليا للديمقراطية والرفاهية لكل الشرق الأوسط بكل تسمياته سواءا أكان جديدا أم كبيرا)..

 

لقد كان (النظام العراقي) في ذهن وتفكير قادة الولايات المتحدة!..

 

وبالتدريج (حوّلت الولايات المتحدة ) هذا النظام الى مشكلة!..

 

وهذه المشكلة إختارتها الإدارات الأمريكية المتلاحقة لتكون ( قضية أمريكية) بكل ما تعني هذه المسألة من مفاهيم وتستوجب من متطلبات وتضحيات!..

 

والقضايا الأمريكية الحيوية والكبيرة تحتاج الى إسناد دولي وغطاء شرعي..

 

وقد مثّلت قضية الكويت عام 1990 المدخل المثالي والحلم القديم لتدويل هذه المشكلة حيث زجّت الولايات المتحدة وبريطانيا بكل قدراتها لتوظيف المجتمع الدولي ومنظماته وإستخدمتها وفقا لهدفها في (حل هذه المشكلة)!..

 

وهكذا تحولت (مشكلة النظام العراقي ) من (قضية أمريكية ) الى شأن عالمي!..

 

وتوالت الأحداث (بقيادة شكلية وتنظيمية وقرارات !) من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن و(بقيادة ميدانية ومواجهة مباشرة ) من قبل الولايات المتحدة!..ويذكر العالم عدد المرات التي قامت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف العراق بكثافة بالصواريخ والطائرات مستهدفة المصانع والمؤسسات والوحدات العسكرية والمجمعات السكنية ودور المواطنين ومخازن المواد الغذائية والملاجيء المخصصة للسكان ..

 

ثم تطور الأمر بوضع خطوط العرض والطول وكيف قسّموا العراق الى مناطق كانت الطائرات الحربية الأمريكية القاذفة والمقاتلة وطائرات الإستطلاع تجوب هذه الأجواء في كل جنوب العراق وكل شماله على مدار الساعة!..

ومع إن المتابع يفسر الأمر بأن هذا الموضوع كان (شأنا عالميا) إلا أنه في الحقيقة كان وإستمر كقضية أمريكية ..وكانت وإستمرت الولايات المتحدة وحدها هي التي تقرر كيف تتعامل معها !..

في 11 أيلول 2001 تطور الموضوع بشكل سريع ..

 

وتقول التقارير والمعلومات التي أدلى بها المسؤولون الأمريكان بأن قرار شن الحرب على العراق وإسقاط النظام و(حل) المشكلة قد أُتخذ في نفس اليوم وقبل أن تهدأ عاصفة الأتربة التي رافقت سقوط البرجين العملاقين ذلك اليوم!..

 

وإن (المشكلة) العراقية ظهرت بوضوح لا يقبل الجدل بانه (قضية أمريكية ) ولا شأن لأحد بإقتراح أي (حل) لها!..

وحدها الإدارة الأمريكية هي التي تقرر ما هو (الحل)!..

 

ومن الصعب والإجحاف والسذاجة أن نختزل ماجرى بعد ذلك من مآسي وقتل وتشريد وإعتقال الملايين من العراقيين وما حدث من تدمير وهدم ونهب ومحو لهوية العراق بإستنتاج واحد  كأن نقول:

 

( وهكذا شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق لإسقاط نظامه السياسي بحملة مدمرة لم تبق على شيء..وتبين بعد أشهر من الغزو والتدمير والقتل والتشريد والنهب من إن النظام العراقي لم يكن يمتلك أو يصنع أو يخفي أسلحة دمار شامل وليس له علاقة بالقاعدة ولا يمثل خطرا على الأمن القومي الأمريكي والعالمي أو يهدد جيرانه ..ثم تبين إن المشكلة التي تبحث الولايات المتحدة عن حل لها كانت شبحا تم نسجه من الخيال)!..

 

وسيكون من عدم الوفاء لمن ضحّى من اجل العراق ودفاعا عنه أن نقول:

 

( إن مَن قاتل مع الأمريكان كان مُحررا ومناضلا ..ومن قاتلهم دفاعا عن العراق كان وسيبقى إرهابيا)!..

 

وسيكون من العيب على دولة عظمى أن تبحث يوميا بين أنقاض العراق المهدم والمحطم والمقطعة أوصاله والمشتت شعبه بسبب غزوها وإحتلالها له عن بقايا أدلة لتصيغ منها (مشكلة جديدة ) ولتبحث عن (حل جديد) لها!..

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١١ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / نـيســان / ٢٠٠٩ م