حول خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق .. تأمين وتقويض أمن العراق

﴿ الجزء الثامن ﴾

 

شبكة المنصور

كــامــل المحمــود

في خطاب الرئيس أوباما الذي شرح فيه تصورات الإدارة الجديدة لخطة الإنسحاب من العراق والذي ألقاه يوم 27 شباط 2009  قال :

 

(Not all of Iraq’s neighbors are contributing to its security. Some are working at times to undermine it).

 

) ليست كل الدول المجاورة للعراق تساهم في تأمين أمنه وبعضها يعمل أحيانا على تقويضه).

 

يحيط بالعراق كل من تركيا وإيران والكويت والسعودية والأردن وسوريا..

 

الكويت تعتبر ولحد الآن من الدول التي تساعد الولايات المتحدة لوجستيا وعسكريا وإعلاميا وبالتأكيد هي غير مشمولة بوصف الرئيس الأمريكي ..

 

ولم يجري الحديث سابقا أو اليوم عن دور أردني في تقويض أمن وإستقرار العراق لأن الأردن يرى في إستقرار العراق إستقرارا له .

 

ويجري الحديث في وسط الحكومة العراقية ليس عن دور للسعودية في تغذية حالة عدم الإستقرار في العراق ولكن غالبا ما تتم الإشارة بشكل غير مباشر الى (مقاتلين سعوديين محسوبين على القاعدة ) والذين يدخلون العراق عبر طرق حدودية مع دول مجاورة اخرى غير تلك التي تربط العراق بالسعودية ..

 

عمليا ووفق التصريحات الرسمية للقادة العسكرين الأمريكان والمتحدثين الرسميين بإسم الخارجية والدفاع الأمريكية والبيت الأبيض تتهم الولايات المتحدة سوريا بأنها لاتعير أهمية لضبط حدودها مع العراق مما يسبب سهولة تسلل الإرهابيين وعناصر المقاومة العراقية الى العراق عبر سوريا  وبالعكس ..

 

ومواقف الإدارة الأمريكية حول هذا الموضوع معروفة وآخرها ما قامت به بعض الطائرات الأمريكية من تجاوز للمجال الجوي السوري وقصف موقع كان يشتبه بوجود خلايا مقاومة فيه وأثبتت التحقيقات خلو الموقع إلا من عائلة فقيرة راحت ضحية القصف الجوي وعملية الإنزال الأمريكية التي ودّع فيها بوش البيت الأبيض بعد الكثير من العمليات التي جوبهت بالإنتقاد والشجب بسبب عدم دقة المعلومات وهشاشة الدوافع!.

 

والعلاقة بين القيادة السورية والحكومة العراقية حكمتها منذ ست سنوات الكثير من المتغيرات وتخللتها بعض الخلافات الجوهرية التي كانت ولاتزال تتركز بموضوع (رعاية سوريا للمعارضة العراقية للإحتلال والعملية السياسية ) وخاصة بعض قيادات البعث ورموز النظام السابق ..وقد دخلت الحكومة والأحزاب العراقية الحالية في سجالات عديدة للتفريق بين (البعث الصدامي ) و(البعث السوري) حيث تركز الفرق بين التعريفين على كل شيء عدا عنوان واهداف وشعار وفكر حزب البعث الواحد!..

 

وتركيا لها حديث خاص ..

فالدور التركي مكمل للدور الأمريكي وبما يؤمن المصلحة التركية وفي كثير من الأحيان عندما تتعارض الإرادتين تغلب لدى الأتراك إرادة الدولة التركية العلمانية وحتى لو تطلب الأمر مواجهة سياسية او عسكرية  من قبلها ..

وتركيا أيضا حريصة على أن يكون العراق موحدا وآمنا ومستقرا وهذا يخدمها اكثر من ان يصبح العراق بلدا مجزءا وضعيفا وهش أمنيا!..

 

إذا فالمقصود  الحقيقي بهذا التوصيف الذي عناه الرئيس الأمريكي الجديد أوباما هي (الجارة إيران)!..

 

والرئيس الأمريكي أراد أن يستخدم لفظ أكثر دبلوماسية من كبار مستشاريه والقادة العسكريين الميدانيين داخل العراق الذين يؤكدون يوميا وبالأدلة الدامغة وجود هذا التقويض حيث قال إنهم يعملون على ذلك (أحيانا)!..أو (من وقت لآخر)!..

 

ولعل الخبر الذي أوردته وكالات الأنباء يوم 15 نيسان 2009 بقيام القوات الحكومية بإلقاء القبض على متسللين إيرانيين داخل زورق محمل بالأسلحة الإيرانية في الأهوار العراقية في ميسان وهو يتجه للعراق دليل واحد جديد على ذلك.

 

وتعبير (من حين لآخر)  يعني أن هنالك (إشارات إيرانية) تبعثها القيادة الإيرانية للمنطقة والعالم وبالتحديد للولايات المتحدة فحواها :

 

( إن إيران موجودة ومؤثرة وفاعلة في الشأن العراقي) ..

وهذه الإشارات تقوى في بعض الأحيان لتؤثر بشكل مباشر على حالة الأمن داخل العراق ..

 

وهذه الإشارات العملية في الميدان العراقي وحتى التدخلات الإيرانية تحتاجها إيران للمحافظة على مصالحها التي يهددها الوجود الأمريكي المجاور لحدودها ..

 

وإيران من حقها أن تختار الزمان والمكان لهذه الإشارات والذي يناسب هدفها الآني والطويل الأمد!..

 

فإذا كان للولايات المتحدة الحق بالدفاع عن مصالحها(داخل الأرض الأمريكية) وخارجها وخاصة في العراق فلماذا يكون ذلك ممنوعا و(حراما) على إيران التي تهددها الولايات المتحدة بإستمرار؟!..

 

لقد خلقت السياسة الأمريكية على الأرض العراقية مبررا لإيران وغيرها من أن تتدخل بالشان العراقي خوفا على شعبها ومصالحها وحتى طمعا بالعراق!..وهذا ما جعل تركيا تقرر لوحدها متى تتدخل عسكريا في العراق ومتى تتوقف في عملياتها..

 

وجعلت الإستراتيجية الأمريكية بمقاتلة أعدائها خارج (الوطن) سياسة يمكن لغيرها من الدول وكذلك إيران ودول أخرى مجاورة للعراق من إتباعها (إسوة بالدولة العظمى) التي ترغب (بنشر الديمقراطية والحرية والأمن )خارج حدودها!..

 

والولايات المتحدة تجاهر بعداء عميق مع إيران..

وتصريحات الإدارة الأمريكية السابقة التي أعتبرت إيران جزءا من محور الشر العالمي في عهد الرئيس بوش مثال على ذلك!..على الرغم من الخدمة الإيرانية للولايات المتحدة والتي لاتقدر بثمن في دعم حملتها (لإسقاط النظام العراقي الذي كان يحتل موقع الصدارة في قائمة المطلوبين في السياسة الإيرانية)!..

 

ولكن أن تلتقي المصالح اليوم فهذا لايعني أنها ستلتقي غدا!..

 

وبغض النظر عن تلاقي مصالح إيران والولايات المتحدة وإحتمالات تحالفهما السابق والحالي ..العراق كدولة وشعب وثروات وتاريخ غير قابل للهضم وفيه من المقومات التي تعجز القوة العسكرية والمالية والطائفية والعرقية من أن تنال منه..

 

وسيختلف المتحالفون للنيل من  العراق أرضا وشعبا وثروات غدا إن لم يختلفوا اليوم!..

 

وستطاردهم وتطارد ذريتهم اللعنة!..

 

وسيكون من المناسب أن نشير الى إن منع الدول المجاورة للعراق للتدخل في شؤونه وتقويض أمنه وإستقراره يحتاج الى نموذج عراقي خاص غير ذلك النموذج الذي رسمته الولايات المتحدة وأرادت تطبيقه على الأرض العراقية ..

هذا النموذج يجب أن يكون قوي ذاتيا..

ووطني ..

ومُحب لكل العراق وغير خاضع لإرادة أي جهة ..

ويجب أن يكون هذا النموذج مثال إعجاب الجميع في التسامح والتآخي والإيثار ونكران الذات وقبول الآخر وإشاعة ثقافة نبذ الإنتقام والحقد ..

 

وهذا النموذج يحتاج الى حكومة عراقية وطنية لا تستثني أحد وترفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله وصوره وأنواعه ومصادره..

وتعارضه ..وتحتضن رموز معارضته..

ولها القدرة على منع هذا التدخل..

ومحاربته ..

والتضحية من أجله..

وأن تكون مؤمنة بذلك..بلا غرور وعدوانية ..

وان تؤمن بقدسية الدفاع عن تربة وماء وسماء وشعب ومقدرات العراق..

ولها القوة والقدرة على ذلك ..

وسيكون ذلك ممكنا من خلال جيش قوي وأمن داخلي وطني لا يعرف الطائفية والعرقية والمناطقية والولاءات للأشخاص والجماعات ..

 

وأن لا تكون هذه القدرة العسكرية والأمنية مكرسة وتم تدريبها ليكون همها الأول والكبير وشغلها الشاغل مكرسا لمتابعة وملاحقة ومداهمة وإعتقال البعض من العراقيين وحسب التقسيم والتوصيف والتفسير الذي يسوده الحقد والإنتقام والإنتقائية!..

وأمننا نحن الذي نبنيه..

ويُدافع عنه كل شعب العراق ..

ويقطع يد من يفكر بتقويضه..

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٢٥ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢١ / نـيســان / ٢٠٠٩ م