حول خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق ..
( إستبعاد الحل العسكري للمشكلة العراقية.. هل هو قرار أم خيار أمريكي فقط ؟ )

﴿ الجزء السابع ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

كانت الإدارة الأمريكية الجديدة واضحة في فهمها (الآن) لإسلوب حل طويل الأمد (للمشكلة العراقية) بترجيحها للحل السياسي بديلا عن الحل العسكري بعد أن أصرّ بوش على (تكفير كل من يطالب بحل سلمي وسياسي وسحب للقوات من العراق) وطيلة أكثر من خمس سنوات من العنف والقتل والعمليات العسكرية والحملات التجريفية المتعاقبة!..  

 

ومع ان الإدارة الأمريكية الحالية لها مفهومها الخاص لأصل المشكلة العراقية وتعريفها ولا تعترف لحد الآن بأسبابها الحقيقية ..

 

وهذا المفهوم فيه إختلاف كبير عن وجهة نظر أطراف عراقية مهمة يُفترض أن تشارك في هذا الحل كما أوضحنا سابقا..فالولايات المتحدة تريد حلا آنيا لظرف العراق الحالي للوصول للأمن والإستقرار والإزدهار الذي يمكنه من أن يكون شريكا إستراتيجيا ومساهما متميزا ومؤثرا وعامل توازن للمنطقة والعالم وبدون الرجوع الى أصل المشكلة ..

 

تماما كمَن جاء بجيش جرار  من خارج الحدود الى مساحة كبيرة من الأرض لا تعود إليه وإستولى عليها بالقوة ومارس القتل والإعتقال والتهجير وجاء بالمعدات والحفارات والشفلات وحرثها بعمق كبير وبدون دراسة وتهيئة وتحليل دقيق!..

 

و(هيّج) بذلك الملايين من أطنان الرمل والتراب والحصى والأحجار ورماها بدون تسوية وتعديل وموازنة غير متساوية للتربة بحيث أصبحت نسبة الأحجار والحصى فيها أكثر من التراب الطيني الأحمر وقام بزراعتها (بالثيل المستورد الغالي ) في أرض لم تكن مؤهلة بعد لزراعة هذا النوع الجمالي (كنموذج لحديقة كبيرة رائعة ومزدهرة ..جميلة ومُلهِمة للآخرين والجيران!) وعند ظهور (الثيل) وحين إكتست الأرض بخضار جميل أصبح (المزارع ومَن جاء معه!) وسيظلوا يصعب عليهم أن يستخدموها لأن الأرض لم يجرِِ عنايتها وترتيبها وتسويتها بدقة متناهية لتكن جاهزة لإعتبارها ( نموذجا يحتذى بها وإن كانت تبدو خضراء )!..

 

وترى الولايات المتحدة والحكومة أن يتم الإستمرار بمعالجة الحالة الحالية للإستفادة من (ست سنوات عدا ما سبقها من تخطيط وتهيئة ودراسات وتحاليل قضتها بالزراعة والعناية والري لهذه الأرض لمجرد أنها قررت لوحدها وقامت بذلك ولاتريد ان تعترف بانها أخطأت التقدير )!..

 

والحكومة ترى (أنها صاحبة الحق في هذه الأرض) وإن (المقاومة والمعارضة والنظام السابق) هي (الحجارة والحصى) وتنكر أنها كانت جزء من هذه التربة!..

 

و(المقاومة والنظام السابق ) يرون في قيام دولة أجنبية مستبدة بالإستيلاء على هذه الأرض والتلاعب بمكوناتها وفرض طبيعة زراعة هم لا يرونها مناسبة لخدمة العراق لأنها تخدم مصالح من دمّر الأرض وقتل الناس وشردهم ..وهو أمر جرى بشكل غير شرعي ومَن يساعدهم على ذلك ويأتمر بامرهم وينفذ منهجهم هم أيضا غير شرعيين ولايمثلون رغبة أهل الأرض الحقيقيين..

 

لذلك فمَن يريد بناء العراق بشكل صحيح رحمة بشعبه وإجلالا وتقديرا لتأريخه وحضارته الموغلة بالقدم والتي نَهَلَت منها البشرية عليه أن يهدأ لفترة من الزمن ليعود الى ضميره وإنسانيته وينقد نفسه بكل صدق ليصل الجميع الى ثوابت وطنية تنقذ العراق من هذه الحالة الحرجة التي تعصف بوجوده.

 

نعود لأصل العنوان..

كان الغزو والتدمير والإحتلال وما رافقه من قتل وتدمير وإعتقال وإبعاد وتجريم وملاحقة وقطع أرزاق وهدم لمؤسسات الدولة قرارا أمريكيا خالصا ..ولم يكن طريق المواجهة العسكرية قرارا لطرفي النزاع ..

كانت الإدارة الأمريكية لاتريد مناقشة أي خيار آخر ..

 

واليوم بعد أن عرضت الإدارة الأمريكية الجديدة المؤمنة بالتغيير وجهة نظرها بان الحل السياسي هو الضمان الأكيد لحل طويل الأمد في العراق ..

وجرى الإعلان عن مفردات هذه السياسة الجديدة ..

واول خطواتها المباشرة بإنسحاب القوات الأمريكية من العراق..

لوحظ أنه بين الفينة والأخرى يظهر مسؤول حكومي ليتحدث عن (إنقلاب عسكري مزعوم ) يخطط له (البعث والنظام السابق والمقاومة)..ويتم إستغلال الإشارة الى ذلك للقول:

 

(بأن زمن الإنقلابات ذهب الى غير رجعة)!..

و(إن النظام الدستوري يمنع ذلك )!..

و(إن الدستور نص على كذا وكذا..!)..

و(ذََهَبَ البعض من المسؤولين للقول بأنه لايمكن لعاقل أن يتصور أن مسلحين يهجمون على مبنى الإذاعة والتلفزيون ويذيعون بيانا عسكريا للثورة أو الإنقلاب كما كان يحدث من زمان!..فمِن أين لهم الدبابات والطائرات وكيف سيتركهم حلفائنا وطائراتهم ودباباتهم في كل مكان! وعلى أي إذاعة يهجمون! )..

 

والبعض من المسؤولين(يحذرون من هذا العمل الخياني لأن الحكومة وقواتها المسلحة المدربة والمهيئة والقادرة على الرد ستضرب بيد من حديد من تخول له نفسه مجرد التفكير بذلك!)..

 

عموما ومن وجهة نظر محايدة نقول:

لم نسمع من أي جهة مقاومة أو معارضة او كانت جزءا أو كلا من النظام السابق من هدد للقيام بإنقلاب عسكري وكل التصريحات والبيانات تنص صراحة على تحرير العراق وإخراج المحتل وإحلال (الحق والشرعية )..

ويعلم الجميع إنه بوجود القوة العسكرية الأمريكية سيكون من المستحيل القيام بعمل عسكري للإطاحة بالحكومة التي يحميها (كما يقولون هم)..

فهل هذا التوجس والريبة والخوف سببه قرب الجلاء الأمريكي من العراق؟..

 

وهل الحديث عن إنقلاب عسكري تقوم به جهات محددة هو بداية لحملة جديدة لايمكن أن يفسرها الشارع العراقي إلا بتفسير واحد وهو (إن الحكومة الحالية مصرة بتعنت على منهج التصفيات والإقصاء والإجتثاث الغير مجدي) في حين يردد رئيس الوزراء الحالي تعريفات (غاية في الوضوح) عن مفاهيم المصالحة ومساهمة كل الأطراف في بناء العراق ..ثم يضع شروطا ومحددات يصعب تفسير عرضها إلا ضمن تفسير الشارع العراقي المذكور!..

 

هل هي خطوة لإستمرار مسلسل الهدم والحفر والتصفية والتجريم والإعتقالات والإقصاء الذي لا يخدم العراق ولا يساعد على حل دائم لمشكلته ؟..

 

أم هو سبق نظر لما سيحدث مستقبلا؟..

 

علما إن (الإطاحة بالنظام السابق لم تتم وفقا لعملية سياسية وطنية وإرادة شعبية وإنما تمت فعلا ليس بإنقلاب عسكري تقليدي وإنما بتدمير وغزو وحرب وحملة عسكرية اجنبية لأكبر قوة عسكرية في العالم وخلعت نظاما بالقوة لتضع مكانه نظاما آخر!)..

 

فالنظام الحالي جاء بإنقلاب عسكري أجنبي خططت له المخابرات الأمريكية ونفذه الجيشان الأمريكي والبريطاني وعدد من الجيوش الغربية وساعدتهم العديد من الدول العربية وبعض العراقيين!..

 

وقامت هذه القوة الأجنبية بإعتقال القيادة السابقة وأعدمت العديد منهم ولازال البقية في السجون الأمريكية والعراقية  أو مطلوبين للعدالة..

 

لذلك ..

 

يعرف الجميع من الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة والمعنيين بالمصالحة والأحزاب الحاكمة والمشاركين في العملية السياسية والمناوئين لها والمقاومة بكل تشكيلاتها بان العراق لن يستعيد عافيته بإنقلاب عسكري كان مَن يكون الذي ينفذه لأن مَن يريد عراقا آمنا ومستقرا ومزدهرا (كحديقة غّنّاء تشبه الهايد بارك أوالحدائق المحيطة بالبيت الأبيض ) وتشترك في بناءه كل الأطياف والقوى الوطنية المحبة للعراق والحريصة عليه عليه أن لا يبقى مصرا على تشييد هذا (النموذج) فوق أنقاض البيوت والطرق المدمرة والعوائل الحزينة وشعب مقسم وإرادات متعددة وشيوع الحقد والرغبة المستعرة والمتجددة بالإنتقام ونفوس لازالت تعيش على مواقف ماضي سحيق وهي تتطلع اليه بإستمرار وحسرة وحقد (عندما ترغب بذلك ولجزء زمني منه فقط ) وتضع المستقبل الى الخلف منها وأيضا عندما تريد ذلك فقط وحسب إختياراتها الآنية ..وإلا فإن الحديث عن مصالحة وطنية وعودة العراق ليقف شامخا من جديد موضوع بعيد المنال وصعب التحقيق..

 

وعندما لا يجري الإلتزام بقرار نهائي بالإستغناء تماما عن القوة العسكرية الغاشمة طريقا لفرض الحل ..وجعله خيارا أمريكيا أو حكوميا يستخدم عند الحاجة فسوف لن يجدِ في العراق نفعا غير عاصفة من (الإنقلابات العسكرية المدمرة التي لاتنتهي )!..

 

إن مَن يريد حلا للعراق ..عليه أن يؤمن بأن حدود الجرائم التي حدثت في العراق وتوصيفها ومعاقبة مرتكبيها حق وواجب وفرض على الجميع بدون إستثناء..

ويجب أن لا يقتصر تنفيذ ذلك على زمان ومكان تضعه السلطة أو صاحب البندقية (التي يدعي أنها عادلة)!..

 

لأن السلاح يكون وسيلة حماية الشعب فقط إذا كانت اليد التي تحمله والتي يأتمر باوامرها عادلة..

 

وعلى الولايات المتحدة ان لا تكون بعيدة عن (أعمال الهدم والبناء العشوائي او المنظم والتنقيب والردم والحفر الذي تحركه العواطف وردود الأفعال التي تقوم بها الحكومة !) لأن الولايات المتحدة هي التي خلقت هذه الفوضى وعليها تحمل مسؤولياتها في المعالجة بشكل كامل ..

 

وأن لا تكون إستشاراتها ورعايتها ودعمها مقتصرة على من يقوم بالهدم والحفر والردم فقط!..

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٤ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٠ / نـيســان / ٢٠٠٩ م