حول خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق ..

التحذيرات من تراجع الإهتمام .. أم خوفا من الحل الدائم !

﴿ الجزء السادس ﴾

 

شبكة المنصور

كــامــل المحمود

تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة ولهجة تصريحات العديد من الجهات الأمريكية والعراقية التي (تُحذّر من تراجع الإهتمام الأمريكي بالعراق ) والتركيز على إفغانستان وخاصة بعد إزدياد عدد العمليات الإنتحارية والهجمات ضد القوات الأمريكية وأجهزة الحكومة والمواطنين العراقيين العزّل حيث أظهرت أرقام الأمم المتحدة إن عدد الهجمات إرتفع في كافة المناطق العراقية في الإسبوع الأول من نيسان مقارنة بالإسبوع الأخير من شهر آذار ..

وتركّز هذه الجهات  على (إن تسريع وتيرة الإنسحاب الأمريكي من العراق ) هو المؤشر على هذا التراجع!..

 

وقد بدأ بالتطرق الى هذا الموضوع بعض القادة العسكريين الحاليين الأمريكان وتبعهم فورا تصريحات للعديد من أركان الإدارة الأمريكية السابقة وأولهم ديك تشيني نائب الرئيس السابق وعدد من السياسيين المخضرمين أو الذين عملوا في العراق خلال الفترة من عام 2003 بعد الإحتلال ولحد ولاية الرئيس الجديد أوباما وتلاهم في هذا النهج عدد من المسؤولين العراقيين في السلطة تحت غطاء ( إحتمال الطلب من القوات الأمريكية بالبقاء فترة أخرى بعد الموعد النهائي للإنسحاب الشامل ) ..

 

آخر المتحدثين المُحذرين كان نوا فيلدمان والذي عمل مستشارا كبيرا لسلطة الإئتلاف المؤقتة إبان حكم بول بريمر في العراق ..وفيلدمان يعمل الآن أستاذا للحقوق في جامعة هارفارد بقوله :

( من الأهمية بمكان ألا نعطي الإنطباع بأننا ننوي الإنسحاب من العراق ، وحتى الآن أختبر المتمردون دون إستثناء السياسة الأمريكية المتبعة.ولا أرى سببا لتكون الأمور مختلفة الآن)..

 

وقوله:

( إنني قلق ، علينا التركيز وضمان الأمن في آن واحد في العراق وهو امر أساسي ).

 

المتحدث الآخر هو مايكل أوهلنون المتخصص في سياسة الأمن القومي الأمريكي في معهد بروكينغز في واشنطن حيق قال :

 

( أنا قلق بشكل عام للوضع الأمني في العراق وليس بسبب التطورات الأمنية الأخيرة حيث تشكل مدينة الموصل تحديا ونحن على إستعداد لمساعدة العراقيين عند طلبهم)..

 

ليديا خليل ..المستشارة السياسية السابقة لسلطة الإئتلاف المؤقتة والمحللة في مجلس السياسة الخارجية ..قالت مؤخرا في حديث لها من مقرها في نيويورك:

 

(إن إهتمام واشنطن بالعراق يجب أن لا يتراجع..وعلينا أن نجد وسائل أخرى لمساعدة قوى الأمن العراقية في التصدي للهجمات الإرهابية  وخاصة في الموصل وكركوك )..

 

من جانبه قال الكولونيل غاري فلوليسكي  القائد العسكري الأمريكي في شمال العراق هذا الأسبوع : (إن القوات الأمريكية ستبقى على الأرض إذا طلبت السلطات العراقية منها ذلك)..وقد أيد كل من جلال الطلباني وعادل عبد المهدي (إتباع المرونة بذلك في مدينة الموصل بالتحديد)..

 

تربط جميع هذه التحذيرات (ببديهية ) لازالت دون إثبات وغير مؤكدة النجاح بعد أن تم تجربتها والدفاع عنها والسعي لبرهنتها مع توفير كافة الإمكانات والطاقات والقدرات العسكرية الضاربة والموغلة في الأذى غير المبرر والعقاب الجماعي لست سنوات متتالية وهي:

 

إن الحل الدائم لعراق آمن ومستقر ومزدهر وشريك إستراتيجي في الجانب السياسي والإقتصادي وعنصر فعال في التوازن الإقليمي والدولي يكون من خلال (الحل العسكري وزيادة عديد القوات الأمريكية الضاربة)!..و(عدم الإنسحاب من العراق)!..

 

وجرى تطبيق ذلك في خطط عسكرية واسعة إستهدفت محافظات عراقية كاملة من مدن وقرى وبساتين وأنهار وأرض قاحلة ووديان وهضاب مستخدمة أحدث التكنولوجيا العسكرية لمحاربة من يسميهم (السياسي الخبير والتأريخي الكبير فيلدمان ..بالمتمردين دون إستثناء!) وثبت من خلال نتائج هذه العمليات وزيادة عدد القوات بأن (تشكيلات الصحوة وحدها كانت القادرة على إنهاء القاعدة )..

 

بينما أثبتت العمليات أنه لم تستطيع لا القوات الأمريكية بمخابراتها وبطائراتها ودباباتها وجنود المارينز مع تشكيلات الصحوة والقوات الحكومية العراقية من شرطة ومغاوير داخلية وميليشيات من القضاء على المقاومة الوطنية العراقية (وهو الجزء الباقي من تسمية فيلدمان بالمتمردين بعد إخراج القاعدة والإرهابيين)!..

 

لقد ثبت بان الحل الدائم للعراق هو الحل السياسي وليس الحل العسكري ..

وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي الجديد أوباما وما ينادي به الحزب الديمقراطي الحاكم اليوم.

إن الذي يراجع خطاب أوباما يرى بوضوح حجم الهوة الواضحة بين مفرداته وبين ما ينادي به تشيني وفيلدمان وليديا وغيرهم والذين يحذرون من مجرد (الإعلان عن الإنسحاب من العراق ) بشكل يوحي للشعب العراقي بانه غير قادر على حل مشاكله وضبط حدوده وعدم قدرة الحكومة وأجهزتها على إشاعة الأمن والإستقرار للمباشرة بعمليات الإعمار والبناء والنهوض بالإقتصاد العراقي إلا من خلال الوجود الأمريكي العسكري!.

 

أما أن يقولوا إن قوات الأمن العراقية لازالت دون المستوى المطلوب وإن الحكومة الحالية لازالت  تستبعد وتقصي الكثيرين في العملية السياسية وهنالك قوانين مجحفة لازالت تمثل حجر عثرة أمام مساهمة أغلب كفاءات العراق في إشاعة أمن وإستقرار العراق وبناء قدرته الذاتية لكي يتفرغ الجميع لبناء إقتصاد متين ومزدهر تساهم فيه كل الخبرات الوطنية العلمية والمهنية والكفاءات التي تدرجت في المعرفة والتجربة بدون تمييز او تفضيل أوإقصاء أوإستبعاد فهذا صحيح ..

 

ومعالجة هذه الثغرات لايمكن أن تكون بزيادة عديد القوات الأجنبية العاملة بالعراق!..

ولا بالدعوة لبقاء الإحتلال لقرون!..

 

ولايمكن نشر وإشاعة روح التسامح والمحبة ونكران الذات والتآخي والتغاضي عن كل الماضي وعدم تجزئته او محاسبة المسيئين والمجرمين بحق الشعب العراق في أي زمان ومكان من خلال نشر الدبابات الأمريكية ودوريات المارينز في شوارع بغداد!..

 

ومن غير المعقول ان يفكر محللي السياسة الأمريكية وخاصة بالشؤون العراقية ومع الأسف انهم عملوا مع بريمر في العراق في الفترة التي هدمت الدولة وأشاعت ورسخت الطائفية والمحاصصة وشرعنت القتل على الهوية والملاحقة على المنصب والوظيفة وشجعت إعتقال الموظفين والكفاءات بحجة كونهم من مسؤولي الدوائر والوزارات في النظام السابق ..نقول من غير المعقول أن يفكر هؤلاء اليوم بأن لغة تصنيف كل المقاومة والمعارضة الشرعية العراقية التي أجازتها قوانين السماء والأرض بأنهم (متمردون) ولايمكن أن نسمح لهم بالتفكير للحظة واحدة أن قوات الإحتلال راحلة من العراق!..

 

ونسأل هؤلاء الذين يقدمون الإستشارات السياسية والإستراتيجية من مراكز الدراسات والتحاليل والجامعات الأمريكية العريقة والذين يخافون من حل دائم لمشكلة العراق ويعرضون زيادة الحطب للنار العراقية :

 

لو إن هولندا ودول (الفايكنغ) مثلا أبحرت الى الولايات المتحدة وإحتلتها فهل سيكون من واجبكم حث الأمريكيين على محاربة كل أنواع المقاومة لأنهم جميعا(متمردون)!..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٣ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / نـيســان / ٢٠٠٩ م