حول خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق ..
حل سياسي بدل الحل العسكري (
مباديء أم شروط ؟ )

﴿ الجزء الخامس ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

قلنا إنه بالرغم من عدم وضوح الهدف من شن الحرب على العراق وعدم دقة إختيار الوسائل وضبابية الغاية والأسباب الرئيسية فقد كان التفكير بالبحث عن حل سياسي للمشكلة العراقية في حينها موضوع (محرّم الحديث فيه)!..

 

وإنه على الرغم من إن الحق العراقي لازال مُغيبا ومهملا وغير موضع نقاش ..إلا إن الرئيس الأمريكي الجديد الذي ورث ثقلا هائلا من القرارات والإجراءات الخاطئة والمركبة والمتفاعلة قال في خطابه بشأن إستراتيجية الإنسحاب من العراق يوم 27 شباط 2009 مايلي:

 

( The long-term solution in Iraq must be political – not military ).

 

(إن الحل الطويل الأمد في العراق يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا).

 

وتطرقنا في هذا المجال الى ثلاث مصطلحات تحتاج الى توضيح وربما حتى الى الإدارة الأمريكية الجديدة بكل مفاصلها وهي:

 

المصطلح الأول: الحل

والمصطلح الثاني :الحل الطويل الأمد

والمصطلح الثالث : حل سياسي وليس حلا عسكريا

وناقشنا المشكلة والحل في الجزء الثالث..

وتحدثنا عن التداعيات والحل المؤقت والحل الطويل الأمد في الجزء الرابع ..

 

واليوم علينا أن نتعرف على الملامح الأساسية لكل الأطراف للوصول الى حل سياسي طويل الأمد للمشكلة العراقية ..

 

وللأطراف المعنية وجهات نظر مختلفة لأصل وتعريف وأسباب (المشكلة)..

المقاومة الوطنية العراقية والمعارضة الوطنية ترى إن أصل المشكلة التي عصفت بالعراق وحطمته كدولة ونظام ومؤسسات وشعب وجيش وتأريخ وحضارة ومباديء وقيم هو الغزو والتدمير والإحتلال الأمريكي العدواني والغير شرعي للعراق وما أفرزه هذا الإحتلال من عملية سياسية غير شرعية بكل صفحاتها ومنها الحكومة العراقية الحالية..وبذلك فإن ما يحصل الآن من تردّي وتمزق وتقسيم وضعف وعدم إستقرار ليس هو المشكلة الواجب حلها بقدر ما هي نتيجة لهذه المشكلة الأساسية .

 

والحكومة الحالية ترى إن ( ما قد جرى من غزو وإحتلال وتدمير) ليس هو المشكلة لأن (هذا الموضوع أصبح من الماضي) والشعب العراقي إختار عبر صناديق الإقتراع حكومة منتخبة ودستور بعد الإحتلال وإن الإحتلال أعلن خطة لإنسحابه من العراق ولا حاجة اليوم لرفع السلاح!..وتكمن المشكلة في المعارضين للعملية السياسية والذين يرفعون السلاح بوجه القوات الأمريكية والحكومية ومنتسبي مؤسسات (النظام السابق) وحزب البعث (الممنوع دستوريا من العمل ) هي التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق هذا الحل الدائم .

 

وكان للولايات المتحدة الأمريكية في زمن الإدارات السابقة وخاصة ولاية بوش الإبن مفهو آخر!..إذ كانت المشكلة الرئيسية تتمثل في (حيازة نظام الرئيس صدام حسين لإسلحة التدمير الشامل وعلاقته مع القاعدة!)..وإختارت لوحدها ورغم كل الإعتراضات طريق الحرب لحل (هذه المشكلة) ورفضت خلال الفترة من عام 1991 حلا غير الحل العسكري!..

 

وبعد الحرب تبين لها إنه لم تكن هناك مشكلة بالأصل (وفقا لهدف الحرب!) فتحول الساسة الأمريكان الى من هدف الى هدف آخر الى ان وصلوا الى هدف حل مشكلة جديدة في العراق وهي (محاربة الإرهاب وإحلال الديمقراطية وبناء نموذج الدولة الحديثة في المنطقة)..

 

و(اليوم ) وبعد مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة أصبحت المشكلة هي: ( كيف نصنع مما تبقى من العراق وبوضعه الحالي دولة مستقرة وآمنة ومزدهرة وتكون شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة وتلعب دورا مؤثرا في التوازن الإقليمي والدولي )

 

وترى الولايات المتحدة اليوم غن الوصول لحل دائم لهذه المشكلة يكمن في إخفاق (القادة السياسيين العراقيين الحاليين) في معالجة (خلافاتهم) وتوحيد جهودهم للبدء بمصالحة وطنية تفضي الى الحل الدائم!.

 

وهذا يعني إن حل المشكلة العراقية من وجهة النظر الأمريكية هو (قرار وإرادة عراقية خالصة)! وليس (شأنا أمريكيا أيضا)!..

 

وكأن الولايات المتحدة لم تكن سببا في ما وصل اليه حال العراق اليوم !..

وبذلك..

(وبحيادية كاملة) نلاحظ أن هنالك إتجاهين مختلفين..

 

إتجاه يربط كل أوليات المشكلة العراقية وكيف ولماذا حدثت وتطورت تداعياتها لتصل الى ما وصل اليه الحال اليوم من فرقة ودمار وغياب للمباديء والقيم والسيادة والذي يستوجب الوقوف بجدية ومسؤولية للبحث عن حل دائم يزيل الغشاوة ويحق الحق ويُبطل الباطل أينما كان وفي أي لحظة ومكان ..وهذا الإتجاه تتبناه المقاومة العراقية والقوى الوطنية الرافضة للإحتلال والعملية السياسية ..

 

والإتجاه الثاني الذي يؤمن (بطي صفحة الماضي !)..وان يكون الوضع السياسي الحالي أمر مفروغ منه والتعامل معهم وفق القوانين والإجراءات التي وردت في الدستور او تلك التي أصدرها الحاكم المدني والحكومات المتعاقبة والتي تشمل الإجتثاث والمحاكمات والملاحقات عدا عمليات الإغتيال والإعتقال والتهجير . وهذا الإتجاه تتبناه الولايات المتحدة والحكومة الحالية.

 

والغريب إن هذا الإيمان لا يشمل كل الماضي بل (الماضي الخاص بإحتلال العراق غير الشرعي من يوم 9 نيسان 2003 ولحد الآن ) وليس هنالك أي إستعداد للعودة لمناقشة إستحقاقات من كان في السلطة قبل 9 نيسان 2003 في حين لازالت الولايات المتحدة (إعلاميا وعسكريا وسياسيا) والحكومة العراقية تتشدد في مراجعة كل صغيرة وكبيرة للفترة من 17 تموز 1968 الى 9 نيسان 2003 وتصر في البحث بين الملفات والسطور عمن تعتقله وتحاكمه وتلاحقه عدا مالحق بهم من إغتيالات وقتل وتشريد!..وجرى تضمين كل ذلك في نصوص قانونية وفي الدستور!..

 

ويكمن جوهر (وسائل الحكومة والأمريكان ) في معالجة المشكلة العراقية   (بعد طي تلك الصفحة فقط من الماضي!) بما يعرف (بالمصالحة الوطنية)!..

 

وترى الحكومة واحزابها بأن مفهوم المصالحة الوطنية يعني المصالحة مع:

(المشاركين في العملية السياسية والمختلفين حول البعض من إجراءاتها )

ومع ( من لم يشترك في العملية السياسية وله الرغبة بالمشاركة بها)

ومع (فصائل المقاومة بشرط إلقاء السلاح عندها سيسمح لها بالإلتحاق  بالعملية السياسية )

ومع ( البعثيين الذين تثبت المحاكم والقوانين عدم وجود شكوى موثقة ضدهم بشرط ان يأتوا بشكل شخصي وليس بإسم الحزب )..

 

وترى الحكومة بان المصالحة يجب أن تستبعد كل من :

(تلطخت أيديهم بدماء العراقيين )

و(القاعدة)

و(حزب البعث)

و(من يحمل السلاح بوجه الأمريكان والسلطة)

و(من يرفض العملية السياسية الحالية ولا يؤمن بها)

 

لذلك فإن الذي يبحث عن حل جذري دائم وطويل الأمد للمشكلة العراقية عليه ان يؤمن بأن مثل هذا الحل يستوجب :

 

-         تفهّم كامل للمشكلة من أولياتها..وبدون القفز على أي من ظروفها وتطورها ..وإحقاق الحق أينما كان وإبطال الباطل أينما وُجد وعلى أي جهة وقَع.

 

-         وعليه أن يعرف بان حل هذه المشكلة المعقدة لايأتي من خلال قيام (الساسة العراقيين في السلطة اليوم بحل خلافاتهم فيما بينهم وتوحيد جهودهم ). 

 

-         ومَن يريد ان يتجاوز الماضي عليه أن لا يُجزأه ويستقطع منه المساحة التي تخدمه فيأخذ حقه فيها ويلغي حقوق الآخرين وخاصة إذا كان في موقع المسؤولية وله القدرة على تامين الأغطية القانونية لمايريد..والمفروض أن يجري كشف كل الملفات او تجاوزها من خلال إتفاق الأطراف المعنية وليس بقرارات حكومية أو بالتمسك بفقرات الدستورالذي وُضع ليكرس حالة اللاحل..

 

-         يجب أن يتم التفريق بين المباديء والشروط ..والمباديء والقيم يجب أن لا تكون وليدة الحالة الإنفعالية والإنتقامية ونابعة من الحقد على الطرف الآخر وكل مبدأ سياسي أو عقائدي سيفقد وطنيته إذا إرتبط بأي شكل من الأشكال بالمنهج الخارجي ..وأي حل للمشكلة العراقية يعتمد على إملاء شروط الجانب القوي سيكون مصيره الفشل وسوف لن يكون حلا دائما وطويل الأمد..وهذه ليست فرضية بل نظرية جرى إثبات صحتها عبر كل مراحل ودروس وتجارب التأريخ ..

 

-         من غير الممكن وضع (القبول بالعملية السياسية الحالية ) كشرط للدخول بالمناقشة مع الأطراف المعارضة لها سعيا للمصالحة الوطنية لأن غاية المناقشات أن تفضي (للعملية السياسية) وقبول الجهة المعترضة على هذا الشرط من البداية لا يستوجب بعدها الدخول بمناقشات ومفاوضات أخرى..

 

-          إن الوصول لهذا الهدف لن يتحقق لا بإقرار طرف واحد به (كالولايات المتحدة والحكومة التي طرحت الحل السياسي بديلا عن الحل العسكري) ولا بالإعلان عن ذلك فقط ..بل عند القيام بإجراءات فعلية على الأرض لإثبات صحة النوايا لأنه من الناحية العملية لازالت القوات العسكرية والأمنية الأمريكية والحكومية تمارس نشاطها بكل حرية في إختيار الزمان والمكان ونوع الضربات والعمليات والحملات التي تستهدف من يحمل السلاح ومَن يعارضها في الرأي ..

 

-         إن الذي يحدد ضرورة إشراك الجهة الفلانية في المصالحة أو إبعادها هو ثقل ووجود هذه الجهة والمصلحة الوطنية العليا للعراق ..ولا يجوز أن يجري ذلك وفقا للرغبة الشخصية والإنتقامية ( حتى وإن تضمنها الدستور الذي كُتب وأقر ونُفّذ على عجل) ..لأن مصلحة العراق الوطنية تتقدم على كل شيء وهي التي تُغير القوانين والأنظمة والدساتير.

 

-         يجب أن يجري إعتماد معايير دقيقة في إستبعاد أي جهة من الحل وعلى أن تسري هذه المعايير على الجميع بما فيها الجهات المشاركة في العملية السياسية ومجلس النواب والحكومة..وإذا قامت الحكومة بتطبيق شرط إستثناء من (تلطخت أياديهم بدماء العراقيين) من المصالحة فعليها أن تدقق بالجهات المشاركة في السلطة التشريعية والتنفيذية الحالية والتي تلطخت أيدي منتسبيها بدماء العراقيين منذ 9 نيسان 2003 ولحد الان..أما أن يَرفض الذي ذبح العراقيين اليوم ومن موقع السلطة والقوة وبوجود المباركة الأمريكية بمصالحة (مَن ذبح العراقيين بالأمس ولفترة محددة من الماضي) فهذا أمر مثير للدهشة والعجب !..والإصرار عليه ضروري لكل الأطراف ومَن إقترف جرما فعلى القانون أن يأخذ مجراه بحقه ..وعلى أن يجري تطبيق القانون بحيادية وعلى الجميع!..

 

-         ليس هنالك مكان للأجندات الخارجية المتطرفة والطائفية والإرهابية للمساهمة في حل دائم للمشكلة العراقية.

 

-         المقاومة الوطنية العراقية وحمل السلاح بوجه المحتل ومَن ينتهج منهجه ويساعده حق مشروع لايحق لأي جهة مهما كانت أن تمنع  العراقيين منه كوسيلة للدفاع عن العراق وتحريره ..ولو كان العراق بلا مقاومة لما إختارت الولايات المتحدة حلا سياسيا بدل حملتها العسكرية التي هدّمت ودمرت كل شيء إلا الإرادة العراقية.

 

وأخيرا تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية أخلاقية وتأريخية وإنسانية وشرعية عن كل الذي جرى للعراق وعليها اليوم ووفق ما أعلنته الإدارة الأمريكية الجديدة من رغبة بالتغيير وإيجاد حل سياسي دائم للمشكلة العراقية أن تنهض بمسؤولية تأمين ظروف هذا الحل الذي يعتمد على كل الجهات العراقية بدون إستثناء او إقصاء أو تهميش ووفق ما ورد آنفا من حقائق وثوابت وطنية وسيكون هذا الحل بديلا عن الإنهيار الشامل المحتمل للعراق ..

 

هذا الإنهيار الذي إن حدث  سيكون مركز التصدع والهاوية التي ستبتلع كل المنطقة والعالم

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٠ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / نـيســان / ٢٠٠٩ م