حقائق لابد من ذكرها حول المأزق الأمريكي في العراق

 
 
 

شبكة المنصور

كامل المحمود

لم يكد يمضي عام على بدء العدوان الأمريكي على العراق وإحتلاله في نيسان 2003 حتى تحولت وبشكل ملفت للنظر وجهات نظر الإستراتيجيين الأمريكان حول مستقبل العراق (بعد الحرب) من (تحول العراق..هذا البلد النفطي والغني الى نموذج لواحة ديمقراطية في المنطقة وبما يسهم بتغيير خارطة المنطقة الى شرق أوسط جديد ) الى ( شعور عام يصعب التكهن فيه بالنتائج التي ستترتّب على المغامرة الأميركية في العراق!)..

 

الجميع إقتنع بعد شهور من بدء العدوان  أن ماحصل في العراق كان حدثاً أستثنائياً وفريدا ..وقد أعطوا لأنفسهم الحق بتوصيف الحالة في المنطقة بوضع لا يمكن مقارنته ألاّ بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وأنهيار الدولة العثمانية وعندما سمحت الظروف في حينها برسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط ..

 

إلا أن ظرف العراق لم يكن ولم يعد يشبه واقع المنطقة في حينها وما تزامن معه من تداعيات على دولة إنهارت لتفتح الأبواب على مصراعيها أمام واقع التقسيم والتفتت والضياع بدل التوحد والإزدهار!..

 

وهكذا تبقى المقارنات عقيمة عندما يتعلق الموضوع بالعراق!..

 

والكثير من السياسيين الأمريكان يقولون اليوم علانية إنه (بعد ست سنوات من بدء العملية العسكرية الأميركية، يبدو المشهد العراقي مخيفاً)!..

 

والذي يدعو هؤلاء للفزع والخوف سببان :

 

أحدهما عراقي يخص الحالة العراقية وما آلت إليها الأوضاع في (النموذج العراقي المرتقب) من فوضى وفساد وطائفية وإقصاء وتراجع الخدمات وضياع للأمن وفقدان للهوية وتردي عام في كل جوانب الحياة ..

 

والآخر أمريكي ..حيث أخفق الجانب الأمريكي في إقناع العالم بمبرراته وأهدافه وعدم قدرته على تحديد (هدف واحد بسيط )يمكن التوجه نحوه وتحقيقه ليثبتوا للعالم أن هناك غاية ومهمة قد تحققت ..وقد ضاعت في خضم الخسائر الأمريكية وخطأ حسابات الإدارة الأمريكية بعض التطورات (بعضها مختلق والآخر وهمي ) تم تحقيقها دون معرفة وزنها الإستراتيجي وتأثيرات الوصول لها وحجمها بالقياس لما تكبدته الولايات المتحدة من خسائر مادية وبشرية وعسكرية وأخلاقية .

 

ومن هذه التطورات (التي تحققت) والتي يرددها الساسة والقادة العسكريين الأمريكيين دائما ولحد اليوم موضوع : ( تغيير النظام العراقي وإسقاط السلطة في نيسان 2003)!..

 

حتى تحول الحديث اليوم وكأن هدف الحملة العسكرية على العراق بكل خسائرها كان (لتغيير النظام فقط )!..

نحن متأكدين من أن هذا العمل كان هدفا لهم!..

 

ولكن الشعب الأمريكي وجزء من الشعب العراقي (المبهور بالشعارات) ينتظر ما بعد ذلك!..

لأن المفروض في فهمهم أن هذا الذي (تحقق وتم فيه إسقاط النظام) لم يكن (إنتقاما ولا عداءا شخصيا !) بل المفروض ان يكون (صفحة  ووسيلة) لتحقيق (هدف كبير) وهو:

 

(بناء عراق متحرر ديمقراطي تعددي مزدهر وآمن خال من الفساد والطائفية والمحسوبية والقانون فيه هو الحكم والفيصل ولكل مواطن عراقي حقه في العيش والتملك والعمل والفكر والتصرف بلا قيود او ملاحقة او متابعة وفيه نظام يوزع الثروة الوطنية على كل العراقيين بالتساوي ليصبح العراق نموذجا في المنطقة والعالم)!..

فماالذي تحقق؟..وأين هو هذا النموذج الذي سيغير الشرق الأوسط برمته؟..ومَن مِن شعوب المنطقة يرغب اليوم بتقليد النموذج العراقي؟..

 

لقد أفرز النموذج العراقي الحالي  حقيقة مهمة بدأ الساسة الأمريكان يدركونها بشكل واضح ويرددونها اليوم وهي :

(إن الحرب الأميركية على العراق أنتهت بخسارة أمريكية وبفوضى داخل العراق وبأنتصار تاريخي لأيران غيّر كلّ الموازين في المنطقة بشكل جذري)!.

 

واليوم أيضا يتحدث المؤرخون الأمريكيون عن مفهوم جديد وهو:

 

(إن الأنتصار الأيراني في العراق حطّم ما كان يعتبره الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران الحدود القديمة التي تفصل بين حضارتين كبيرتين (الحضارة العربية والحضارة الفارسية))!..

 

وبعضهم يشير صراحة الى أنه :

(لولا الأنتصار الذي وفّرته اميركا لأيران في العراق، لما كان النظام الأيراني لاعباً أساسياً في لبنان)!..

و(لما تحدّت إيران المجتمع الدولي حول برنامجها النووي)!..

 

ولولا المغامرة الأمريكية في العراق :

(لما كانت إيران لاعباً أساسيا في فلسطين)!..

 

واليوم أصبحت إيران بفضل الولايات المتحدة قادرة على :

(إحكام سيطرتها على أجزاء مهمة من مناطق وسياسة وإرادة وقرارات العراق)!.


والفشل الأميركي كبير في العراق!..

كبير الى مستوى أرعب (الإستراتيجيين الأمريكان!)..

 

اللهم ألاّ إذا كان المطلوب تفتيت العراق وتمزيقه ونهبه وإضعافه وقتله تمهيداً لتقسيم جديد للمنطقة ولتوزيع مختلف لموازين القوى فيها.

 

ولو إن هذا يتعارض مع الأهداف المعلنة للإدارة الأمريكية الجديدة التي تريد عراقا آمنا ومتطورا ومزدهرا ومؤثرا بشكل إيجابي كعامل توازن في المنطقة والعالم !..

 

والمنطق يقول رغما عن كل الذين لايرغبون بتصديقه :

 

أن الفشل الأميركي في العراق أكبر بكثير من الفشل الفيتنامي حيث خرجت الولايات المتحدة من فيتنام في عام 1975 ولكنها ما لبثت أن إستجمعت قواها وأنتصرت في الحرب الباردة على الأتحاد السوفياتي..واليوم أذا إنسحب الأميركيون من العراق وتركوه لأيران فهل في إستطاعة العالم الصناعي الممتد من اليابان، ألى الهند، ألى الصين، الى جنوب آسيا بنمورها الأقتصادية، الى أوروبا كلّها ..ألى الولايات المتحدة نفسها أن يواجه هذا الوضع الجديد في العراق ؟

 

وحينها ..

أين سيكون (وضع وموقع وحقيقة!) النموذج العراقي الذي حاربت من أجله الولايات المتحدة وذبحت من أجله مليون ونصف المليون عراقي وأكثر من ربع مليون أمريكي بين قتيل وجريح ومعوق ومجنون ؟وهجّرت ستة ملايين عراقي آخر داخل وخارج العراق بينما يعيش من بقي في العراق بلا أمن وبلا خدمات وبلا ضمان للحياة؟..

 

وهنالك حقيقة مهمة أخرى وهي :

 

إن الذي يُعبّر أكثر من غيره عن عمق المأزق الأميركي هو:

أن الأنسحاب من فيتنام كان خياراً ممكنا ومتاحاًً. أما الأنسحاب من العراق، فأنّه الشر الذي لابد منه !..

 

وإذا لم تعيد الإدارة الأمريكية الجديدة حساباتها وتحالفاتها وتنظر بجدية لخيارات حل المشكلة العراقية بموضوعية وعقلانية إستنادا الى جملة الحقائق التي أفرزها الميدان العراقي ..

 

وإذا بقيت الإدارة الأمريكية مصرّة على المضي بنفس خياراتها الماضية!..

 

فسيبقى السؤال المهم :

ألى أين ستهرب أميركا من العراق؟

ولحين تطبيق ذلك..

فليس هناك من جواب واضح ألى الآن!..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٠١ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م