حول الإستثمار والإعمار في العراق

 
 
 

شبكة المنصور

كامل المحمود

( كثير من الدول والأشخاص ليس في مقدورهم وخلال مرحلة كاملة إستيعاب أكثر من درس واحد !).

منذ اليوم الأول للإحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003 تسارعت الأنباء عن (عزم إدارة بوش على إعادة إعمار العراق وبشكل يشبه خطط بناء وإعمار اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية).

 

وكان فندق فلسطين ميرديان في بغداد في حينها مركزا للجهات التي تم تكليفها بذلك جيث كان يمثل(موقع البث والإستلام والتوضيح والمؤتمرات لهذا المفهوم )..وتعددت النشرات واللوائح وبطاقات ونماذج التسجيل والمقابلات مع تصاعد (آمال وأحلام ) الكثير من العراقيين بخطط (إعمارتفوق في طموحاتها المتوقع والقدرات!) وتشغيل للعراقيين و(بدء مرحلة الرفاهية التي ستتجاوز دبي بمسافات!)..

 

وفي حينها (حيث كان جو تحقيق المهمة الأمريكية العسكرية في العراق قد تم على أحسن مايرام !) ..ولم يتوقع أحد (ماذا تحمل القادمات من الأيام!) ..لم يتطرق أحد من المسؤولين الأمريكان أو العراقيين أو المستثمرين والمقاولين العراقيين من (الأسماء التي كانت لامعة في حينه) الى أربع نقاط إختلاف أساسية وهي :

 

الأولى..إن ظرف الإحتلال الأمريكي للعراق ليس كظرف إحتلال الولايات المتحدة والحلفاء لليابان وألمانيا ..

والثانية ..إن العراق ليس كاليابان وألمانيا ..

والثالثة ..أن عام 2003 ليس كعام 1945

والرابعة..إن ظروف الحرب العالمية على اليابان وألمانيا ليست كظروف(الحرب الأمريكية العالمية على العراق!)..

 

عند نهاية الحرب العالمية الثانية في عام  1945 إحتلت الولايات المتحدة والحلفاء اليابان والمانيا وكان لهذه الحرب ظروفها التأريخية وتقييم العالم لها ..ولم نسمع أو نقرأ أنه جاء مع الولايات المتحدة (أشخاص وأحزاب ) إستلموا السلطة فورا وقاموا بمطاردة قادة الجيش ومسؤولي الدولة والمدرسين والمعلمين والمفكرين والمثقفين تحت حماية الدبابات الأمريكية ومدرعات الحلفاء..

 

وعلينا ان نكون صريحين أكثر..

لم يساند هذا العمل الإنتقامي الكبير والذي تجاوز حدود المنطق والعقل والمستمر لحد الآن نسبة لا يستهان بها من شعب ألمانيا واليابان كما حدث ويحدث في العراق!..

 

لقد كانت البنية الأهلية والإجتماعية والسكانية في كلا البلدين المحتلين  متجانسة ومتكاتفة ومتعاونة لتجاوز مصاب مشترك كبير !..

 

أما في العراق وفي عام 2003 لم يكن غزو وتدمير وإحتلال العراق مصابا مشتركا كبيرا لكل العراقيين على الإطلاق كما حدث في اليابان وألمانيا!..

 

كان هنالك عدوان أمريكي يفتقد للشرعية الدولية والإجماع العالمي في مجلس الأمن والأمم المتحدة ضده عدا بريطانيا ومَن شعر من الدول بان مصلحته تقتضي السكوت او المشاركة الرمزية!..

 

وفي العراق لم يكن الإحتلال مصابا جللا لجميع مكونات الشعب !..

وهذا ما روج له وإستغله الإحتلال وذكره بريمر في قراراته المتسرعة الأولى وصوّر وكأن كل الشعب العراقي كان يلح على إصدار قراراته المجحفة في حل مؤسسات الدولة وتقسيم العراق الى طوائف وقوميات!..

لقد فرزت سياسات الإحتلال ومنذ اليوم الأول الشعب الى فئتين ..

فئة(مجرمة وظالمة) وفئة ( مضطهدة ومظلومة ومُحرِرة) ..

وإنقسم الشارع العراقي فورا الى فئة (متضررة) من الإحتلال..وفئة (مستفيدة) منه وسعت إليه..

ويمكن لأي مطلع على الوضع العراقي أن يعرف كم تعداد الفئة (المتضررة) من الإحتلال وكم عدد أصدقائهم والمتعاطفين معهم !..

 

وبمرور الزمن يعرف هذا المتابع كم إتسعت أعداد هذه الفئة أو تقلصت بفعل الإخفاق والأخطاء وإشاعة روح الإنتقام والحقد وظهور ممارسات أسوأ بكثير من تلك التي كانت سببا ومبررا (للتعاون مع الأجنبي ومخابراته) لتصحيحها وإشاعة مفاهيم العدل والمساواة والحرية والتسامح التي تبخرت مع وصولهم للسلطة!..

واليابان وألمانيا في بداية الحرب لم تتعرضا لحصار دام 13 عام قبلها مثلما تعرض له العراق ..

وفي العراق لم يثبت إنه كان يمتلك أسلحة دمار شامل كمبرر للحرب عليه بينما اليابان وألمانيا كان قد ثبت أنهما دولتان معتديتان وغزتا وضربتا دول مجاورة !..

 

في العراق واليابان والمانيا كان الحق واضح جدا والباطل أكثر وضوحا!..

ولهذا ظهرت مقاومة الشعب للإحتلال منذ اليوم الأول كواجب وطني وشرعي وفرض أملاه الضمير والمواطنة والعقل ..

ونتذكر جيدا إن الولايات المتحدة ومؤسساتها وخاصة (مكتب إعمار العراق) تعاملت مع موضوع العراق كغنيمة !..ووضعت شروطا لتقاسم هذه الغنيمة مع من شاركها في العدوان عندما منعت الشركات الفرنسية والالمانية والروسية من الاستثمار في البنى التحتية والانشاءات والمقاولات وخطط الإعمار التي لم ترى النور لحد هذا اليوم!..

 

وفي الوقت الذي كانت الإدارة الأمريكية تحلل الأمور في الحالة العراقية (على مزاجها ووفق تصوراتها ) ظهرت أربعة إتجهات عراقية متخالفة تتعارض مع التحليل الأمريكي وما رفعته من شعار لإعادة الإعمار والإستثمار وما تؤمن به كرؤية مهنية لذلك وهي :

 

- إتجاه المقاومة العراقية والقوى الرافضة للإحتلال وكل ماترتب ويترتب عليه.

- إتجاه الحزبين الكرديين والذي يتمثل بالرغبة بالإعمار بأسبقية المحافظات الشمالية وإستغلال السلطة المركزية والعلاقة مع الأمريكان لتحقيق ذلك.

- إتجاه أحزاب الإئتلاف الشيعي والتي ترى بضرورة البدء أولا بتطبيق الخطط في المحافظات الجنوبية من العراق .

- إتجاه يطالب بالدفاع عن وحدة العراق ويعارض التوجه نحو تقسيمه أو تشكيل فيدراليات فيه .

 

وكان على الإدارة الأمريكية والقوات المسلحة التي تحتل العراق أن تتعامل مع هذه الإتجاهات بثلاث محاور مهمة في آن واحد وهي :

 

محور الأمن والسيطرة ..محور العملية السياسية ..ومحور الإعمار !..

وأعقد ما في الحالة العراقية التي واجهتها وتواجهها الولايات المتحدة هي العمل في هذه المحاور في ظل ظرف عدم تعاون دول الجوار العراقي وتضارب مصالحها من جراء الإستفراد الأمريكي والتعنت في المضي بالخيارات التي تخطط لها وتنفذها لوحدها دون الرجوع الى مصالح هذه الدول ثم تطالب بتأييد إجراءاتها!..

 

وفي الوقت الذي غزت الولايات المتحدة إفغانستان ساندتها باكستان وإيران وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان ..

بينما في غزوها للعراق أصبحت الدول المحيطة بالعراق عامل قلق للقوات الأمريكية أكثر من إعتبارها قوى إسناد!..

خاصة وإن العراق في كل تأريخه كان وسيبقى عاملا مؤثرا وفاعلا في المجتمع العربي والإسلامي!..

 

والإستثمار والإعمار في العراق لايمكن تحقيقه بالتصريحات أو المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية ولا بالمحاضرات في محافل الإقتصاد والتعاون الدولي ولا بتحليلات وتشريعات بدون تأمين القواعد الأساسية لها..

وتجربة الست سنوات الماضية كافية لنأخذ منها العبر والدروس ..ولابأس ان نستلهم منها درس واحد فقط ..

 

وهو إن الإعمار والإستثمار تتطلب بيئة آمنة ومستقرة وراسخة وسيكون من الصعب المضي بخطوة واحدة في هذا الطريق بدون تأمين مستلزمات هذه البيئة وضمان ديمومتها ..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٧ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م