هل الوطنية مزاج وطيف ألوان ..؟

 
 
 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

جاء الغزو الامريكي واحتل العراق وجلب معه احزاب ومليشيات واسس احزاب وميليشيات وفرق وتيارات على مدار ست سنوات خلت. وافتتح الاحتلال مشاريع اعلامية بالعشرات من قنوات الفضاء التلفازية ومحطات الاذاعات ومئات الصحف والمجلات, وكتب رجال العهد الجديد أطنان الورق وصفحات الشبكة وبُثت آلاف المقابلات المتلفزة ولم نسمع من أي منهم تعريفا للوطنية يمكننا من خلاله ان نعتمده مرجعية اخلاقية او شرعية او وضعية نجبر بها أنفسنا لقبول وطنيتهم او نرغم انوفنا على التعامل مع هذا النمط من الوطنية.

 

هل الوطنية التي يرتكزون عليها في تعاملهم مع قوة الغزو قبل الغزو ومن ثم مع قوة الاحتلال بعد حصول الاحتلال, هي القناعات الشخصية والحزبية التي جعلتهم يستقوون بالغزو لاسقاط النظام الوطني ومن ثم التصدي للعملية السياسية الاحتلالية؟ لقد كان تعاونهم مع قوات الغزو سافرا وعلنيا وتعاونهم مع قوات الاحتلال سافرا وعلنيا ... فهل هكذا فعل يوصف على انه وطني؟ واذا كان وطنيا من وجهة نظر المعنيين فهل هو وطني من وجهة نظر الاحتلال والاطراف الساندة له مثلا؟ ثم هل هو وطني من وجهة نظر ابناء الشعب العراقي والعرب الشرفاء وحكام امتنا عموما والذين كانت نسبة مَن يعرفون اسماء واشخاص المعارضين والمعارضة العراقية التي ادخلت الاحتلال وأدخلها هو معه لا تزيد عن واحد الى اثنين بالمئة في احسن الاحوال؟

 

السادة رجال الاحتلال يُدخلون تعريفا جديدا للوطنية لايكتبونه لنقرأه ولا يتلفظونه لنسمعه ويتركون لنا الافق رحبا لقبوله وقبولهم كوطنيين على اساسه. هل تعرفون منطلقهم في املاء وطنيتهم المفترضة؟ انا اظن انه الاتي:

 

وطنيتهم يعرّفونها بمحاولة اقناع شعبنا بانه كان تحت حكم دكتاتوري .. واقناعه بان الحكم الشمولي حكم اجرامي ... واقناع الناس بان دفاع النظام الوطني في القادسية الثانية المجيدة عن العراق هو جريمة حرب ضد البلدان الاخرى .. واقناعهم بان اعادة الامن الى محافظات شهدت اعمال عنف، ودخول قوات اجنبية عام 1991 هو اجرام بحق انتفاضة شعبية .. وطنيتهم يعرّفونها بانهم كانوا مظلومون لان النظام السابق قد تعامل معهم على انهم قتلة وجواسيس وسراق وارباب سوابق وطابور خامس وانفصاليين .. والى غير ذلك من الحديث عن الاستبداد والطغيان والقتل والضغط الامني ... الخ .. وعليه فان الوطنية بمفهومها الجديد المتجدد المتمدن المتحضر هي التعاون مع الاجنبي المعتدي والركوب على آلياته الغازية لغرض الوصول الى السلطة .. هذه هي وطنيتهم التي يريدون منّا ومن شعبنا ان نهضمها وان نضيفها كابتكار جديد لمفهوم الوطنية ليس الاّ.

 

حسنا .. هذا التعريف للوطنية لا صلة له بالوطنية المتداولة عالميا, ليس من وجهة نظرنا فقط كمقاومين للاحتلال، بل هو يتعارض مع مفهوم الامريكان والبريطانيين والروس والصينيين والنايجيريين والافغان والجورجيين والبنغلاديشيين والفنزوليين والبرازيليين والارجنتيينين بما فيهم سكان جزيرة الفوكلاند التي تقاتلت عليها بريطانيا العظمى لانها مستعمرة استراتيجية مع الارجنتينيين العارفين بمعنى الوطنية. فمواجهة الخصم السياسي يمكن ان تأخذ طابعا وطنيا فقط ان هي ارتكزت على ارادة الشعب وتطلعاته واستخدمت قدرات الشعب فقط لا غير لتحقيق التغيير الذي تسعى لاحداثه .. هذا التعريف للوطنية الذي يجهدون انفسهم واسيادهم ووسائط اعلامهم لتعميمه وقبوله يمكن ان يضمن معاني وطنية لو ان المعارضة قد اسقطت النظام القائم على كل هذا الكم الذي يدعونه من الكارثية و من السلبيات باستخدام قدراتها الذاتية التي يجب ان تكون هائلة ان كان النظام حقا مصابا بكل هذه العاهات ... غير ان التعكز على الاجنبي ومساعداته التي تأخذ صيغة غزو واحتلال تسقط تماما كل هذه الادعاءات وترميها في سلة مهملات مثقبة وتجعل من الوطنية المشتقة عبر هذا السبيل الدوني محض مزحة. ان ثمة معضلة حقيقية تواجه تعريفهم للوطنية يرفع لافتتها العراقيون بلا استثناء.

 

من يجلب الاحتلال لبلده او يتعاون مع الاحتلال في ادارة شؤون البلاد سياسيا وحكوميا وفق كل الاعراف والقوانين والشرائع بما فيها شرائع القوة المحتلة ذاتها وشركاءها المغروسة في دساتيرها وقوانينها وانظمتها وتعليماتها وفي عقيدة جيشها ومخابراتها وامنها, هو خائن للوطن .. والخائن للوطن يفقد خصلة الوطنية بالبديهة والاستنتاج العلمي.

 

اذن .. الافراد والاحزاب والمليشيات بغض النظر عن انتماءهم العرقي او الديني او الطائفي من الذين دخلوا مع المحتل او الذين تعاونوا معه لتثبيت اركان عمليته وتفريخاته الاحتلالية هم خونة ولا يمكن باي حال من الاحوال ان يصوغوا نظرية جديدة مزاجية للوطنية.

 

هذا من جانب .. ومن جانب آخر .. فان السلوك السياسي المؤسس على انتهاز الفرصة اوالاستجابة الملزمة لمقتضيات الامر الواقع كما يطلق عليه في ادبيات الافلاس الاخلاقي. يمكن ان تؤطر بغايات واهداف شخصية او فئوية او عرقية او طائفية، غير ان من غير المعقول ولا المقبول ان تحمل بمزاج وطني او وطنية مزاجية لان مثل هذا التحميل مثقل بالعاهات والامراض والوهن والدناءة السياسية، إن لم نقل انه سقوط سياسي تام. ومن البديهي ان يكون هناك في أي شعب من شعوب العالم اشخاص من طراز المقامرين في السياسة وفي انتهاز الفرص مثلهم كمثل المرتزقة في الحروب وهؤلاء جل همهم تحقيق مكاسب محددة يمكن ان تعرف باي تعريف وان توضع في اية خانة الا ان المقرف حقا ان توسم بالوطنية.

 

وغير هذا .. فالوطنية من المفاهيم التي لا تمتلك قدرا واسعا من المرونة كما هو حال طيف الضوء المرئي مثلا والذي يمتاز بوجود فتنة وسحر في أي لون من ألوانه يجعل من المقبول تماما تعدد الامزجة فيه وتعدد عمليات التغني والتمجيد في أي من الوان هذا الطيف طبقا للمزاج الشعري او النثر بغناءا او حداءا او رثاء, وحال الوطنية ايضا ليس كحال تنوع اطباق اكل تتوزع عليها الامزجة والاذواق .. وحيث يكون تنوع الرواد هنا لا يضر الاطعمة ولا الآكلين بل على العكس يفتح آفاقا رحبة لتنوع مطلوب.

 

اذن فالوطنية التي يحاول تعميمها مرتزقة الاحتلال هي الخيانة بعينها وهي العمالة بأعمق مدلولاتها، حتى لو وفروا لها مئات اخرى من الفضائيات والكتاب والصحف والاذاعات ومواقع النت.

 

وحيث ان كل احرار العالم متفقون على هذه المبادئ بل وحتى ارباب الغزو والاحتلال ليس بوسعهم تزييف الوطنية بمعانيها ومدلولاتها وتطبيقاتها فان بوسعنا ان نعلن على العالم وانطلاقا من قرار شعبنا العظيم ان أذناب المحتل هم عملاء وأُجراء ومرتزقة حتى لو تبجحوا بما يحلوا لهم لطرد هذه الفجيعة والكارثة عن ذواتهم كأشخاص وعن كياناتهم السياسية المتساقطة.

 

بناءا على هذا  اليقين الثابت فان مَن يلتحق بهؤلاء وبعمليتـهم السياسية الاحتلاليـة تحت اية يافطة وتحت اية ذريعة فهو منهم ولا يختلف عنهم الاّ في انه لم يسرق بعد بالقدر الذي سرقوا ولم يُجرم بعد بالقدر الذي اجرموا ولم يُفسد بعد بالقدر الذي افسدوا ..غير انه وهم في الجحيم دنيا وآخرة وفي ذات صفحات السقوط التاريخي المهين حتى لو كان فيهم ومنهم مَن ينظم الشعر ويؤلف كتب وينشر المقالات الزاخرة بلغة ترفة .. غير مأ سوف عليهم فعلى نفسها جنت براقش وعلى انفسهم جنى الطائفيون والفيدراليون و يساريوا المنطقة الجوفاء تحت قيادة كلاب المارينز وعلمانيوا زمن الصدفة التاريخية وفرصة العمر الامريكية الصهيونية فباؤوا بغضب من الله الى يوم الدين ....

 

فالله سبحانه والاسلام الحنيف والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم واهل بيته وصحبه كلهم شرفاء ولا يمدون ايديهم يوم القيامة للملوثة ايديهم بمصافحة مَن نهى الله سبحانه وحرم في كتابه العزيز عن موالاتهم  ... ويبقى احسن القول واصدقه ان الوطنية هي التي تحمل السلاح وتقاتل الاحتلال وهي الطريق الامثل لاخراج المحتل الذي لن يخرج ابدا الاّ بضغط البندقية وما عدا ذلك هراء رث حتى لو ألبس أثواب الوسامة.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٢٣ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م