المد الفارسي والارتكازات الواهنة

 
 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

على امتداد حكم الشاه العميل لامريكا علنا والمدعوم منها على رؤوس الاشهاد حاول النظام الفارسي وجرب وفشل في اعتماد قدرات ايران الذاتية على ضخامتها ودرجات جاهزيتها للاستخدام ضد العرب، غير انه لم ينجح وخاصة بعد ان امتلك العراق, وهو دولة الحدود التي اراد لها الله ان تكون جغرافيا وتاريخيا مصدر الراية العربية المسلمة التي اطاحت بالامبراطورية الفارسية، ومن ثم ظلت قبل هذا وبعده المصد الاول بوجه اطماع دولة فارس بالعراق والامة العربية, اقول لم تنجح بعد ان امتلك العراق قراره السياسي واسس قدراته العسكرية والاقتصادية واستقطب بهذا القدر او ذاك جزءا من ارادة العرب ودولهم وانظمتهم الرسمية.

 

التمعن في النجاح الاكبر الذي حققه النظام الفارسي وتحليله كمنطلقات وكنتائج سيضعنا امام الحقائق الاتية:

 

1- انه نجاح تحقق على انقاض الدولة القومية في العراق بعد ان اغتالها الغزو الامريكي المجرم والاحتلال الغاشم عام 2003.

 

2-  ان النظام الفارسي قد علا صوته واعلن عن وجهه السافر في التمدد والعنجهية والعدوانية بعد ان ضمن سقوط حصن الدفاع الاكبر عن الامة ...

 

3-   ان النظام الفارسي قد استخدم الورقة الطائفية في محاولته لاختراق الامة العربية.

 

4-  التعكز على الدعم المادي لافراد ومجاميع عربية محتاجة لهذا الدعم.

 

5- النفوذ او محاولة النفوذ من خلال الضعف البنيوي العام للانظمة العربية وتبعيتها المقيتة، وعدم تمثيلها لارادة العرب في الحرية والتحرر والعمران والتطور في شتى مناحي الحياة.

 

وبعد ست سنوات من احتلال العراق نرى ان المرتكز الاول للتوغل والاحتلال والنفوذ الفارسي، ألا وهو الاحتلال الامريكي قد قوضته المقاومة العراقية الباسلة واعلنت اميركا رسميا عن فشلها في تحقيق النجاح العسكري في السيطرة على العراق، واعلنت عن تكبدها خسائر باهضة في ادوات الاحتلال وقدرات الاسناد واستبدلت الادارة الامريكية المعتدية بادارة جديدة، أُنتخبت على اساس وعود الانسحاب والتي باشرت عمليا بتنفيذها وسط ارهاصات اعلامية تحاول اضفاء عوامل ايجابية ومسؤولة للانسحاب، لا تشي الاّ بأمر واحد هو محاولة امريكية بائسة لحفظ بعض ماء الوجه .. المهم ان الغزو فشل والاحتلال يرحل وتفريخاته كلها تعصف بها رياح الفشل وتاكل بعضها البعض بما في ذلك عمليته السياسية التي تحتضر بخناجر مكوناتها العاهرة، وما افصح بيان عن احتضارها اكثر من هذا السيل العارم من الكذب والتزوير والتدليس والتخبط لرموزها الدنيئة من اشخاص واحزاب ومليشيات.

 

ومع اليقين ان ايران شريكة فعلية في خطة الغزو والاحتلال فان الاحتلال زائل ومعه سيزول النفوذ الفارسي، بغض النظر عن مسمياته واشكاله ويخطئ من يعتقد ان للفرس موطئ قدم في وسط وجنوب العراق، لان عرب العراق في هذه المناطق لم يرفعوا لافتات موت ابناءهم بأيدي الفرس منذ عام 1979 والى اللحظة. اضافة الى ادراكهم العميق والمؤطر بالتجارب والاحداث ان العجم فوق ارضنا، هم غرباء واهل مصالح شخصية وقومية لا يمكن ان تتحقق الا على حساب شرف وكرامة ومصالح العراقيين. وعلى هذا فان تاسيس المد الفارسي على عكازة الاحتلال هو الخطأ  الفارسي الاكبر الذي اسقط والى الابد زيف الصلة المذهبية مع الفرس.

 

اما التعامل مع العراق بعد الاحتلال على اساس الفرصة التاريخية لانهاء الهوية القومية، وان ذبح هذه الهوية على يد الاحتلال وادواته الفارسية المتمثلة بالاحزاب الطائفية والكردية قد فتح الطريق امام التمدد، فانه خطأ تاريخي آخر سقطت فيه الادارة الفارسية. فبعد ست سنوات من الجهاد البطولي للعراقيين تحت لواء المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية فان أي مراقب محايد يجد ان الروح الوطنية والقومية العروبية المسلمة العراقية قد مسكت الجراح وانطلقت تسقط الغزو والاحتلال واذنابه في مستنقعات الخسران والمهانة وهي تؤسس خطوها الرصين والمنتصر بعون الله على نجاحها عبر السنوات الست فكريا وثقافيا وعسكريا، ليس فقط في تدمير المشروع الاحتلالي الامريكي الصهيوني الفارسي بل وفي اعادة مزاج الكبرياء العراقي الى سابق عهده والوعي العراقي الى مساراته النيرة.

 

ان ذبح النظام الوطني القومي العروبي المسلم في العراق قد تحول في زمن قصير بعد الغزو والاحتلال الى مهماز وطني وقومي لان ايران الفارسية والطائفية قد تصرفت بغباء مطبق ووفق حسابات التاثير لاحزابها وتوجهاتها الفارسية المغطاة بغطاء المذهبية وبما اثبت للقاصي والداني ان الحكم الوطني في العراق بقيادة الشهيد الخالد صدام حسين قد كان محقا في تصديه للغزو الطائفي الفارسي، بل ان الفرس قد قدموا الف دليل ودليل على انهم اصحاب مشروع تمددي على حساب العراق، الامر الذي جعل شيعة العراق يتصدون قبل غيرهم للنفوذ الفارسي او بكلمة ادق واصح للاحتلال الفارسي ... فعلى نفسها جنت ايران الفارسية المعتدية واسقطت من عقول البعض حتى لمحات التعاطف الانساني المؤسَّس على التعاطف الطائفي. وها هم عملاء ايران من مليشيات واحزاب طائفية يعلنون انهم قد غادروا الطائفية ويتسابقون في محاولة الاحتماء بخيمة الوطنية التي هم بايديهم حاولوا تمزيقها باعتى خناجر وسكاكين الغدر، ولكن هيهات لهم ذلك فلقد ادرك ابناء العراق عموما والشيعة منهم بشكل خاص ان لعبة تغييب وطنيتهم قد كانت هي بيت القصيد الفارسي وان عملية التغييب قد اسقطت وسماسرة الطائفية يتدحرجون.

 

اما الرهان على دعم بعض الاطراف والضعف البنيوي لانظمة الامة فان المراقب للوضع الشعبي العام للعرب يستطيع ان يلاحظ بسهولة ان هناك تعاظم في الوعي لدى قطاعات واسعة من العرب وتصاعدا في الخطاب المثقف العربي يتصدى لعمليات بيع الذمم والضمائر لحفنة المال الفارسي القذرة واستخدام هذا المال ضد وحدة الامة وتجانس مكوناتها الاثنية والعرقية.

 

لكي لا نظل بلا بعد رؤيا .. لكي لا نبقى قصيري بصر وبصيرة ... يجب ان نؤسس الحراك العربي, المجاهد المقاوم بالبندقية او بالفكر والقلم ... على ان المد الفارسي تحت أي من عناوينه المعروفة هو مد آني ومنقطع لا محال عن أي مستقبل لانه ببساطة قد تاسس على عوامل وظروف آنية بما فيها المد الطائفي، لان العقل العربي والحكمة العربية ارثا وحاضرا تعلو وتتسامى على الطائفية وان العرب في النهاية هم حملة رسالة الاسلام وليس الطوائف, فضلا على ان الطائفية الفارسية قد استقوت بالغزو والاحتلال وتلكم خطيئتها الاخطر والاكبر ومنبع افلاسها الابدي.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٠ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م