إزدحام سير عربي رسمي على أبواب محمية المنطقة الخضراء في بغداد

 
 
 

شبكة المنصور

حسن خليل غريب
أطلق المثل على كل من يدخل لعبة في الوقت الضائع، وليس له أمل في النجاح، عبارة تقول (الله يطعمك الحج والناس راجعة)، فهل ازدحام السير الذي يعيق حركة الوفود العربية الناشطة إلى العراق المحتل إلاَّ نوعاً من الحج في غير أوقاته؟ وإلاَّ نوعاً من الحج إلى غير وجهته الصحيحة؟


لقد أعلن أوباما، الرئيس الأميركي الذي نجح بفعل أصوات الأميركيين الضاغطين للانسحاب من العراق، انه سينسحب من العراق، ونظَّم جدولة لانسحابه، وزار المنطقة الخضراء في بغداد خلسة ليس إلاَّ ليضع عملاء إدارة جورج بوش أمام مصيرهم القادم الذي سيحاسبهم فيه شعب العراق على ما اقترفت أياديهم من خيانة لوطنهم وما ألحقوه من جرائم مشينة بحقهم. فتكون زيارة أوباما لإعلان طلاق بين الولايات المتحدة الأميركية وبين الاحتلال، راضياً بأقل ما يمكن من المساكنة مع حكومته العميلة، وما يوفره له حلفاؤه من العرب والإقليم من شروط الحد الأدنى بالعلاقة مع طليقته.


وإنه في الوقت الذي رضيت أميركا بالطلاق القسري مع حكومة الاحتلال، تزداد حركة بعض الرسميين العرب إلى المنطقة الخضراء طلباً لود حكومة المالكي، طمعاً ببعض فتات من المصالح التي لن تدوم، والتي ما تكاد تواقيعهم تنزل على اتفاقيات معها، ستكون طليقة الاحتلال هاربة مع القوات المحتلة الهاربة. وهنا لا بدَّ من رفع علامات التعجب أقلها وصولهم إلى تصديق أوهام يتخيلونها بأنهم سيفوزون برهاناتهم.


ولقد عرفت أبواب المنطقة الخضراء ازدحاماً في السير أمام المواكب العربية، ذات الصفة الرسمية، قبل تسلل أوباما وبعده، افتتحها أمين عام جامعة الدول العربية. الذي على الرغم من إعلانه الخيبة من نتائج زيارته راحت بعض الأنظمة الرسمية الملتحقة أميركياً تقتفي خطاه، الأمر الذي أثار دهشة من يراقب تلك الحركة وأبعادها خاصة وأن الإدارة الأميركية أعلنت الطلاق بالثلاث من أجل الخروج بشكل تزعم أنه سيكون مشرفاً، بينما الوفود الرسمية العربية تتوهم أنها تدخل إلى العراق دخولاً مشرفاً.


إنه بمنطق المصالح، وحتى بمنطق الانتهازية، لا يجوز للانتهازي أن يكون حريصاً أكثر على مصلحة من يقدم له الولاء أكثر من (وليه)، فإذا اختار الأميركي، صاحب المصلحة الأولى، الخروج من العراق، فلحساب من ينتهز بعض الرسميين العرب فرصة زيارة حكومة العمالة للاحتلال، ولمن يقدمون فروض الطاعة والإذعان؟


إنه بمنطق المصالح مع العراق أن ينتظر الانتهازيون ما سترسو عليه أمور العراق بعد الانسحاب الأميركي، لأن السبب الواضح أن العامل الذي أرغم أكبر جيش على تجرع الهزيمة لن يحتاج إلى جهد كبير في دفع العملاء الصغار على تجرعها أيضاً.


إن هذا الأمر يعني أن حكومة المالكي العميلة، ورئاسة الطالباني الكاريكاتورية، لن تصمد بعد الانسحاب الأميركي، مما يعني أن أهداف الراحلين إلى بغداد في هذه المرحلة هي أهداف عبثية، والمصالح التي يريدون ضمانها ويعقدون الاتفاقات حولها، فهل تساءلوا عن مصير من سيوقعها؟ أوَ لم يتساءلوا أن من يوقع الآن من العملاء سيكون توقيعه شيكاً من دون رصيد، ولن يستطيع الالتزام به. وهذا يعني بالتالي أن ضمان المصالح هو وهم من دون شك. فهل لم يتساءلوا أن هذا النوع من التجار لن يجني إلاَّ الخسائر المؤكدة؟


فأي اتفاقات ستكون قابلة للحياة خاصة وأن من سيوقع عليها هو هارب مع الاحتلال بالقوة؟
وأي ثمن ينتظره من يراهن للحصول على مصالح ممن لا يستطيعون ضمان أنفسهم وحمايتها؟


كنا ننتظر من بعض الرسميين العرب أن يقلدوا (ولي نعمتهم) بالانسحاب من العراق المحتل بعد أن ساعدوه على احتلاله. وإن كان عليهم الرجوع بشكل مشرَّف أن يعودوا إلى العراق المحرر من أجل ترسيخ قواعد التحرير. ولكنهم أصروا على أن يكونوا أميركيين أكثر من أوباما المنسحب، كما كانوا أكثر أمركة من جورج بوش المحتل. فهم، بحساب المصالح، لم يحسبوا مصالحهم جيداً كما حسبها جورج بوش عندما احتل العراق، وكما يحسبها أوباما وهو يعلن الانسحاب من العراق. وإذا حُوكموا بحساب المبادئ فسوف يرسبون من دون شك، ولكن لم يفتهم حتى الآن قطار مساءلة أنفسهم عما فعلوه، بل هو بانتظارهم حتى ولو جاءوا متأخرين من أجل درء مخاطر ما بعد الانسحاب الأميركي، وهي مخاطر كثيرة ليس على وحدة العراق وعروبته فحسب، بل هي مخاطر على وحدة أقطارهم وعروبتها أيضاً.


لقد أعلن أوباما أنه سيترك العراق لأهله. فهل اتعظ الرسميون العرب بترك العراق لأهله؟
من يقصد أوباما بـ(أهل العراق)؟
من البديهي أنه لا يعني أياً من عملائه لأنهم فشلوا في حكم العراق كنتيجة لفشل الاحتلال نفسه. وإلاَّ لو كانوا قد نجحوا لما كان قد فكر بتركه. فأهل العراق، الذي يعنيهم أوباما هم غير هؤلاء العملاء حكماً.


ودعوة أوباما للمصالحة العراقية لا تعني مصالحة العملاء بعضهم للبعض الآخر لأنهم اتفقوا على احتلال العراق وتقسيم ثرواته بينهم. فالمصالحة إذاً ستكون مع طرف آخر، وهذا الطرف لم تحجم إدارة أوباما، وقبله جورج بوش، عن تسميته بالإسم. فقد جاء الإسم واضحاً لا لبس فيه وحوله، إذ جاء في الإعلان عن إلغاء قرار (اجتثاث حزب البعث).


فإذا كان (ولي نعمة) بعض الرسميين العرب قد اتخذ هذا القرار، وراح يسعى جاهداً للحصول على موافقة حزب البعث للتفاوض بشتى الطرق والوسائل، فلماذا لا يلجأ هؤلاء إلى طرق بوابة الحزب، كأحد أكبر فصائل المقاومة الوطنية العراقية، من أجل عقد مصالحة معه لترسيم خارطة طريق (إعادة إعمار) عروبة العراق واستعادة وحدته الوطنية بعد تحريره من الاحتلال الأميركي؟


أوَ ليس تلك هي أقصر الطرق وأكثرها أمناً وسلاماً، وأكثرها أمانة للمبادئ القومية العربية؟

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٠٣ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٩ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م