أسرار محبة البعثيين

 

 

شبكة المنصور

حديد العربي

[ إن الله يسر لكم ألوان خصوصياتكم لتكونوا فيها نموذجا يحتذى بالمحبة والعفو والتسامح والتعايش الأخوي فيما بينكم ]،

 

بهذا الفيض من المحبة كان الشهيد يودع الدنيا الفانية، يوصي شعبه وأمته، وهو يستعد للرحيل إلى ربه جلَّ في علاه، فهل كانت هذه الكلمات محض كلمات مودع، أم أنها حقيقة الوجدان وهداية الرحمن تعالى؟


بل هي الأخرى، فمما يميز البعثيين أن صدورهم أوسع من معدة الجبل، تستوعب أهلهم وأمتهم بمحبة ليس كمثلها محبة، إلا محبة المؤمن الصادق لربه جلّت قدرته ولنبيه وللمؤمنين، وقد أمتُحن هذا الحب مرات ومرات، ففي عام 1963م تعرض رجال البعث إثر ردة تشرين إلى حملة شعواء كادت تمزق أوصالهم، لكنهم خرجوا منها وقد ازدادت محبتهم وتعاظمت دلائلها، وقبلها وفي خضمّ أحداث الأعوام 1958- 1963م كان رجال البعث عرضة لجرائم بشعة، كانت إحداها سحل قسم منهم بحبال الحقد في شوارع مدن العراق، لكن البعث ورجاله خرجوا منها يجللهم الحب الغامر لشعبهم وأمتهم بما فيهم الذين أمسكت أياديهم بحبال السحل أو سياط الجلد والتنكيل.


منذ الأيام الأولى لثورة تموز عام 1968م أخذ رجال البعث يعبرون عن ذلك الحب الفياض والعميق والمتأصل في جذورهم تجاه شعبهم وأمتهم، فكان أول ما فعلوا إعادة جميع المفصولين السياسيين إلى وظائفهم، وقُلبت صفحات الماضي المليئة بالآلام والدماء، فسعى الرجال المؤمنين يبحثون عن أية فرصة تتيح لمن آذاهم فيما مضى وارتكب بحقهم الجرائم، ليلتحق بركب البناء والنهوض الحضاري، لتكون لكل عراقي في البناء حصة وذكريات، فكانت الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، التي عاش العراق خلالها أجمل وأصدق حقب التنافس الشريف على البناء وخدمة الشعب والأمة، والتسابق على طريق تزكية الشعب بكل شرائحه الاجتماعية لتلك الجهود الجبارة، وللتاريخ نقول أن الخلل الذي حصل فيما بعد فانفرطت عرى هذه الجبهة، لم يكن أساسه فكريا أو تناقضا على صعيد الأهداف، فبناء الأوطان لا يشذّ فيه إلا من جعل من نفسه عدوا لها، بل كان مرده الأساس أن الصليبيين والصهاينة والفرس المجوس قد توحدت نواياهم على تجنيد قيادتي الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني في مسار النهج المعادي لثورة تموز التحررية، وهذا ما اتضح للقاصي والداني خلال سني العدوان العسكري المتواصل منذ عام 1980 وحتى اليوم، ثم جاءت براهينه قاطعة أثناء اجتياح الحلف الصليبي الصهيوني المجوسي لأرض العراق عام 2003م، فقد جاءت ذات القيادات الشيوعية التي تأمرت فيما مضى على الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، تمتطي ظهور الدبابات الأمريكية والبريطانية وجيوبهم متخمة بدولارات الفرس والأمريكان، مجللة وجوههم بالعار والشنار، ودهشة واستنكار الكوادر الشيوعية التي كانت مستغفلة بقياداتها العميلة طيلة عقود من الزمن، فأبت على نفسها أن تكون الأداة التي تجزّ بها رقاب شعبهم، وكذلك كان دور الحزب الديمقراطي الكردستاني على الدوام، بحكم تجذر عمالتهم للصهيونية والفرس المجوس منذ نشوئه وحتى يوما هذا، فقد كانوا مرتزقة أوغاد للغزاة وفي صف عدوانهم على شعب العراق وأرضه على الدوام.


لقد كان رجال البعث يملكون من الأدلة والوثائق ما يجعل قناعاتهم بدور هؤلاء في سياق المخطط العدواني مؤكدا وحقيقة لا غبار عليها، لكنهم ضلوا طيلة العقود الماضية يبحثون عن أي وسيلة يمكنهم بها من أن يعيدوا هؤلاء إلى جادة الصواب، وهذا من فرط الحب، وليس من سبب أخر له.


فالحزب الشيوعي وقيادته كانت في متناول اليد بعد خروجها من الجبهة، وعملية تدمير هياكله التنظيمية ما كانت لتكلف القيادة، لو أرادت، أكثر من يوم واحد، فقد كان الحزب الشيوعي خلال السنوات التي أعقبت إعلان الجبهة يمارس نشاطه السياسي بعلنية تامة، وكل هياكله التنظيمية كانت مكشوفة بالكامل للأجهزة الأمنية، لكنه لم يفعل هذا، وفتح الباب على مصراعيه لمن يريد البقاء أو الخروج وبكل حرية، إلا الذين ورطتهم قيادة الحزب الشيوعي في مسار عمالتها للأعداء، فقاموا بتكوين خلايا تنظيمية داخل القوات المسلحة، الأمر الذي أوقهم تحت طائلة القانون الذي وافقت عليه تلك القيادة وألزمت به نفسها، والقاضي بمنع أي تنظيم حزبي داخل القوات المسلحة.


أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فكان هو الأخر أهون على قيادة البعث من أن تفكر مليا قبل اجتياح أوكاره واستئصالها، وقد برهنت على تلك الحقيقة أحداث آب المتوكل على الله يوم 31/8/1996م حينما كانت القوات العراقية الباسلة قد أنجزت اجتياحها لشمال العراق بثلاث ساعات ليس إلا، فعصفت بأوكار الصهاينة وجواسيسهم، رغم إن العراق في ذلك الوقت كان محظورا عليه استخدام القوة الجوية في تلك المنطقة بحكم خطوط العرض الأمريكية، لكنه لم يفعل هذا، فقد كان الحب والأمل بشعب العراق بكل مكوناته يدفع بقيادة البعث دائما إلى إتاحة الفرصة تلو الأخرى وتهيئة أجوائها على أمل أن يعود الضال والمضلل عن غيه فينتصر على هوى نفسه ويعود إلى حضن أمٍّ ليس كمثلها أم، وليس كمثل حضنها حضن، لكن هيهات هيهات، فالحب لا يعود بمن سارت أقدامه على خطى الشيطان، وتدنست نفسه وخبثت سريرته فأعلن حربه على الله.


واليوم وبعد الاحتلال والجرائم البشعة التي ارتُكبت خلاله بحق شعب العراق وطلائعه رجال البعث، والمجازر التي نفذها المحتل وأحلافه وأذنابه بحقهم وحق عوائلهم، فإنك لتعجب كلّ العجب، أن حب البعثيين لشعبهم وأمتهم قد فاضت جنباته فعلت شواطئه وغمرت أرض العراق والعروبة بمزيد حبهم وعشقهم، يريدون بذلك أنَّ الحب قادر على الوقوف بوجه الأحقاد والانتقام، وقادر على هزيمتها وملاحقتها إلى حيث جحور ظلامها وضلالها.


فعندهم المحبة شرط الإيمان وأساس اختطه الله تعالى لعباده المؤمنين، وعندهم لا إيمان بلا محبة، ولا توحد بلا أيمان، ولا نصر بلا توحد.


فهل يمكن لأحد أو حزب أو كائن ما كان أن يمتلك بحجم هذا الحب، فنقول أن على هذا الكوكب من يكافئنا أو يصلح ليكون ندا لنا؟


نسأل الله تعالى أن يعين عباده فتفيض أرواحهم حباً كحبنا، الذي جسده خطاب الرفيق المجاهد الأمين عزة إبراهيم بذكرى تأسيس الحزب الثانية والستين والذكرى السادسة للغزو، وحينها فقط سنقترب كثيرا من أهدافنا، لأن القلوب ستتحد قبل فصائل جهادها، وسيندحر الغزاة.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٩ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٥ / نـيســان / ٢٠٠٩ م