المقاومة بين وحدة الموقف .. ومطبات الأحتواء الإقليمي

 
 
 

شبكة المنصور

هداج جبر
منذ أن احتلت أمريكا العراق، في العام 2003,وقيامها بحل الجيش العراقي، وقوى الأمن، وإلغاء أجهزة الدولة ،ضمن مسعاها الشرير، لتدمير كيان البلد ،وتذويب وجوده، وإشاعة الفوضى فيه، زورا وبهتانا، بالفوضى الخلاقة، بإثارة النزاعات الطائفية والعرقية، لتفكيك نسيج شعبه الواحد، وترسيخ مبدأ المحاصصة المقيت، وحصول ما سموه بالفراغ الأمني... سارعت بعض القوى الإقليمية، مدفوعة بأجندة مصالحها الخاصة، أو بإيماءة من المحتل، للتدخل في العراق، ووضع موطئ قدم لها فيه، بصيغة الحضور المباشر، أو بامتدادات، داخل الساحة العراقية، متواطئة مع مشروع المحتل، إمعانا في إنهاك البلد، وتمزيق وحدته، باعتباره قد أصبح فريسة، وبالتالي فان على ضباع مضبعة الإقليم،أن لاتفوتها فرصة الحصول على نصيبها من الفريسة، بحسب ما تتيحه لها ،عوامل التوازن في إطار الصراع، للتواجد داخل الساحة العراقية المضطربة. 

 

ويأتي ذلك المسلك المنحرف، في إطار ادعاءاتهم الزائفة، في المعاونة على مليء الفراغ، في البلد الجار، للحفاظ على الأمن، والحد من آثار التدمير، التي أشاعها المحتل، واهلك بموبقاته، الحرث والنسل.

 

ولعل تربص كل من إيران وتركيا ،وتدافعهما لملء الفراغ في العراق ، عند رحيل قوات الاحتلال الأمريكي، باختلال توازن القوى في المنطقة، نتيجة تدمير الكيان العراقي،كل وفق الدور المرسوم له، وطبقا لمل تمليه عليه حسابات مصالحه،  تؤكد بما لا يقبل الشك، أن المشهد، سيكون أمام حالة من الصراع الإقليمي،والتنافس على اقتسام النفوذ للحصول على دور محدد في الساحة العراقية .

 

فالمحتل جراء تورطه في المستنقع العراقي ، وفي إطار سعيه لتخفيض خسائره  البشرية الباهضة، وإيقاف الاستنزاف المادي،وعمق الازمة المالية التي تفتك باقتصاده، يجد نفسه مضطرا في هذه المرحلة من الصراع، إلى اعتماد مبدأ اناطة أدارة الأمن بالنيابة إلى الغير من الوكلاء.. وذلك بإحالة ملف المنطقة العراقي الساخن الى الوكلاء الاقليميين، حيث يبدو أن قدر المحتل الأمريكي، سيكون الهزيمة المرة، في العراق، وانه يستعد للرحيل، في إطار إستراتيجية الخروج الذكي، من الورطة الغبية ،كما دأبوا على وصف   الحال.         

 

إن الفراغ الأمني، الحاصل في العراق، بعد احتلاله، وفشل المحتل الذريع بحفظه ،يغري قوى الإقليم المجاورة ،المتمثلة بإيران وتركيا، بالتنافس لملئه، بحسب الفرصة المتاحة لأي طرف منهما. وحيث يبدو أن قدر المحتل الأمريكي، سيكون الهزيمة المرة، في العراق، وانه يستعد للرحيل،فان الوهم، بحصول فراغ مزعوم ،قد يسوغ للضباع النمسة الإقليمية، التصور، بان رحيل المحتل الآثم،  سيكون فرصة سانحة لهم، للتدخل المباشر، لملئ الفراغ المزعوم، من وحي الظن الخاطئ، بان العراق، فريسة مرهقة، يسهل الإجهاز عليها، وبالتالي.. فان تأخرهم ،عن الحضور في ساحته، سيفوت عليهم نصيبهم من الفريسة.


والذي يلوح في الأفق، وفي إطار الكثير من التحليلات المطروحة للتداول حاليا ،ومن خلال تتابع التصريحات الإقليمية، والتركية الأخيرة منها، بشكل خاص، انه ربما تسعى تركيا، لأستمالة فصائل المقاومة للتفاوض، خاصة وإنها الطرف الإقليمي ،الأكثر مقبولية ،في الوسط الإقليمي، من نظيره المنافس الإيراني، رغم حضوره المكثف، في الداخل العراقي، المباشر وبالامتداد .وهنا ينبغي، أن تنتبه المقاومة، لمثل هذه المحاولات، وان تطل من الآن، بوعي تام على المستقبل،بكل تداعياته، بحيث لاتنجر الفصائل، إلى مطب الانفراد بالتفاوض، مع كل فصيل على حدة،  وان تنتبه، إلى ضرورة ان تكون استرتيجية التفاوض، إذا تطلب الأمر منها ذلك،بموقف موحد، وبتصور موحد.. بما يمنحها قوة تساٍومية، بالسقف الأعلى من شروطها. وبعكس ذلك، فان القوة التفاوضية ،لأي فصيل، بالاستفراد، ستكون ضعيفة وواهنة، مما يفقدها  ميزة القوة في التفاوض، بثقل جمعي ،فيما لو كانت موحدة الموقف، وبرؤية مشتركة،ناهيك عما يثيره اعتماد الأسلوب المنفرد في التفاوض، من إشاعة أجواء الشكوك والريبة، بين أطراف المقاومة ،عند التوصل إلى عقد هذا الطرف أو ذاك، صفقات، يراها نظيره مريبة..مما يثير بلبلة، بين صفوفٍ فصائل المقاومة ،وربما يقود إلى تجاذبات جانبية، لا تخدم منجزات الجهد المقاوم، الذي أوصل المحتل، والوكلاء بالنيابة، إلى مأزق طلب التفاوض.
ولعل من نافلة القول، الإشارة، إلى أن التدخلات الإقليمية، في أتون الصراع الراهن، داخل الساحة العراقية، تختلف طبيعة، وأهدافا، ومصالحا، من طرف إقليمي، إلى طرف آخر،تبعا لأجندة كل طرف، وإستراتيجيته للتدخل، التي لابد لها ،أن تتساوق مع مشروع المحتل وأجندته ،لاحتلال العراق، مما يجب التحسب له بعناية فائقة، وأخذه بعين الاعتبار.

 

ولكن لابد من الإشارة، من جهة أخرى وبثقة تامة، واطمئنان كامل، إلى أن الشعب العراقي الأبي ومقاومته البطلة، وفي إطار نتائج الصراع ،بين المشروع الوطني المقاوم والرافض للاحتلال، وبين أجندة المحتل المنهكة، وبين مشاريع الافتراس الإقليمية، بذريعة ملئ الفراغ، بعد خروج المحتل، تؤشر حقيقة واضحة، هي أن الكيان العراقي، رغم كل ما لحق به، من دمار وأذى ، فهو وان كان جريحا حقا،ومثخنا بالآلام، ولكنه كيان حي ناهض، وينبض بكل مقومات الحياة، وبالتالي.. فانه قادر على ملئ الفراغ بنفسه، وانه سوف لن يسمح للضباع الإقليمية النمسة، أن تنهشه وتفترسه أطلاقا، تحت أي ذريعة.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٦ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / حزيران / ٢٠٠٩ م