لماذا رفضت شعوب العالم وتمردت على العدوان الأمريكي ضد العراق

 

 

شبكة المنصور

د. صابر العطية / باحث وسياسي عراقي
لقد اكتشفت شعوب العالم منذ عقود إن الدولة العظمى بريطانيا التي كانت لها السطوة في استعمار الدول والقارات قد تلاشى دورها بعد أن أصبحت الدولة العجوز وأعطت تلك المهمة إلى (الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت بسحب البساط من تحت قدم المستعمر البريطاني المريض.


لقد أصبح هذا الأمر واقعا بعد أن تهاوى الاتحاد السوفيتي وغاب عن لعب أي دور في الساحة الدولية كقوة منافسة للولايات المتحدة في العالم, من هنا بدأ الطموح الأمريكي بتحقيق حلمه في السيطرة على العالم والاستيلاء على ثروات الشعوب وتسخير المنظمات الدولية والأمم المتحدة لأجل تنفيذ مصالحة الخاصة في العالم واستثمار (بلطجته) وقوته في التدخل في شؤون الدول والشعوب الفقيرة و لم تجد الشعوب صعوبة في تفسير الحروب العدوانية على دولها وخاصة على العراق لكثرة الأكاذيب والتلفيقات غير المبررة التي استخدمتها الولايات المتحدة بشنها الحرب على العراق .


كما قامت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالتأمر على بعض الدول والتدخل في شؤونها الداخلية والخارجية وقامت بتمويل عمليات الاغتيالات في كثير من دول العالم وساهمت في انقلابات كثيرة ضد حكومات لم تتجاوب مع الطموحات الأمريكية للاستيلاء عليها وعلى سياستها , والقارئ يعرف المعاداة الطويلة للولايات المتحدة ضد فرنسا بشخص الرئيس شارل ديغول وعملها المستمر على عزل دول أوربا بعضها عن بعض وفي نفس الوقت وجدت الدول الأوربية ضرورة التوحد فيما بينها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وعدم أعطاء فرصة للولايات المتحدة للهيمنة على العالم خاصة أن آليات الوحدة متوفرة فيما بينهما عبر الحالة الاجتماعية والسياسية والتاريخية .. لقد أدخلت الولايات المتحدة وروجت العملة الأمريكية (الدولار) في أسواق أوربا بقصد اختراق السوق الأوربية والقضاء على اقتصادها وجعله تبع للدولار الأمريكي وفك شبكة الرعاية الاجتماعية في دول أوربا , وتيقنت الشعوب الأوربية لاحقا أن الحرب الأمريكية التي خاضتها على يوغسلافيا لم تكن لجلب الحرية والديمقراطية إلى يوغسلافيا بل جاءت بقواتها لتجعل من هذه الدولة محطة وقاعدة لقواتها كونها قلب أوربا النابض محاولة فصل الدول الأوربية بعضها عن البعض .كما أصبحت أوربا بعد التصالح ونسيان الماضي بين الدولتين ألمانيا وفرنسا والتوافق بينهما أكثر قدرة وقوة من ذي قبل وأصبحت أكثر تفهما لحقيقة الإطماع الأمريكية في أوربا في حين حصلت اشتباكات دبلوماسية بين الولايات المتحدة ودول أوربا بمسائل كثيرة منها المسالة العربية ومسالة صادرات الحديد الأوربي إلى أمريكا وحول المنتجات الزراعية والحيوانية قبل أن تنفجر العلاقات علنا بين أوربا والولايات المتحدة في قضية العراق وفلسطين وكان لتوتر العلاقات الخفية بينهما هو الموقف السلبي لأمريكا من الوحدة الأوربية ومن السوق الأوربية المشتركة ومن العملة الأوربية المستحدثة (اليورو) التي أعطت زخما وقوة للاقتصاد الأوربي , في حين حاولت الولايات المتحدة التأثير على الموقف الأوربي من أزمة العراق وأطلقت تسمية الدول ألهرمه على الدول التي لم تتحالف معها بالعدوان على العراق وكانت نتيجة لهذا الموقف خروج الملايين من الشعوب الأوربية بالتظاهرات ضد انفراد الولايات المتحدة واتخاذ القرارات التي تجعل العالم تبعا لها وهي سابقة خطيرة في العلاقات الدولية ,ومن المعروف أن دول أوربا لها تاريخ وثقافة وعلوم وحضارة وتاريخ مشرف منذ الآلاف السنيين في حين نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لديها أي ماضي وتاريخ مشرف بين الدول .


لقد انعكس رأي الشارع الفرنسي والألماني والايطالي من خلال المظاهرات المليونية التي قاموا بها ضد الولايات المتحدة وضد حربها على العراق واعتبرت أمريكا ذلك خطرا على مصالحها في أوربا وهكذا تطورت العلاقات بشكل نوعي بين هذه الدول وتجمعت تحت أراده واحدة ومصالح مشتركة وتفاعلت لتكون وحدة واحدة ضد المشروع الأمريكي على العالم الذي قام بتهميش مجلس الأمن وإقالة دور الدول الخمس لجعلها دمية بيد الولايات المتحدة وهكذا توحدت الدول الأوربية فكان ذلك الصراع المحموم في مجلس الأمن وبين الولايات المتحدة ودول أوربا قد أخذ دورا للصراع الأمريكي على العالم ومن هنا جاء قرار (1441) الذي صدر عن مجلس الأمن والذي عطل قدرة الولايات المتحدة على استخدامه لتغطية الحرب على العراق ووقفت الدول الأوربية في منع الولايات المتحدة وبريطانيا واسبانيا من طرح مشروع لتبرير الحرب على العراق بالرغم من التهديد والوعيد ولغة الترهيب التي مارستها أمريكا ضد الدول الأوربية المتمثلة بفرنسا وألمانيا .

 

كما إن استفاقت روسيا وتحررها من التبعية الأمريكية كان له ألأثر في أن تلعب دورا موازيا لدور الدول الأوربية بل بالتنسيق بينها وبين الدول الأوربية وكان لذلك صدى كبير ودعم للموقف الأوربي بمجلس الأمن و بالمحافل الدولية الأخرى وكان لنهوض الدب الأبيض من بين الجليد أثرا فعالا بين شعوب العالم ودولها وأعاد لروسيا هيبتها ودورها التاريخي والحازم الذي تعودنا علية في مجلس الأمن أو في المحافل الدولية الأخرى ورجعت إلى المعادلة التسليحية كدوله عظمى نووية تدافع عن مصالحها بكل الوسائل حتى التهديد وشن الحروب من اجل نصرة قضيتها وقضية الشعوب المستضعفة ..


لقد تحررت دولة روسيا من تبعيتها لواشنطن ومن فرض هيمنتها وقراراتها عليها وقد انكوت من التصرفات الأمريكية ومن الأزمات التي أدخلت روسيا فيها من مسألة الشيشان والجمهوريات السوفيتية الأخرى إلى إغلاق الأبواب أمام تصدير السلاح الروسي إلى دول العالم وبالتالي كان لذلك أثر مباشر على الاقتصاد الروسي كما إنها تأثرت بقرار الحرب على العراق وغزة ومس مصالح روسيا بالصميم حيث أصبحت اتفاقياتها وديونها البالغة قيمتها ما يقارب (30 مليار دولار ) على العراق في مهب الريح كذلك تعرضت العقود الروسية معه في مجال النفط التي تقدر (40 مليار دولار ) إلى نفس المصير مما اثر مباشرة على وضع الاقتصاد الروسي واثر من جهة ثانية على تفاعل دور روسيا /ألمانيا/فرنسا /والصين /ضد الحرب على العراق والسعي لمنع وقوعها حرصا على مصالح هذه الدول والخوف على مستقبل العالم .


وكان لهذا التفاعل بين الدول في مجلس الأمن اثر كبير في منع الولايات المتحدة من استخدام مجلس الأمن لتنفيذ مطامعها ومصالحها وتمكن هذا التحالف في مجلس الأمن من تغير الكثير من القرارات التي كانت تصب لصالح الولايات المتحدة التي وقفت مجتمعنا ضد تدخلها السافر وغزوها العراق لكن الولايات المتحدة استمرت في غيها وعنجهيتها بالرغم من سقوط ذريعتها بامتلاك العراق للأسلحة الدمار الشامل وتعاونه مع القاعدة .


لقد نجحت الولايات المتحدة بجيشها الغازي وأسلحتها المتطورة وصواريخ كروز وآلاف الأطنان من القنابل المشبعة باليورانيوم التي أسقطتها على العراق من غزوه العراق واحتلاله وتصورت امريكابانها انتصرت على العراق ولوت ذراع البلدان الأوربية وروسيا التي لم تشاركها العدوان على العراق حيث ابعدتعا من المشاركة في أكل الكعكة العراقية . ومن المعلوم أن دول أوربا تتمتع بقدره اقتصادية بفعل ما تملكه من رصيد في مجتمع مثقف أكثر وعيا من المجتمع الأمريكي وأكثر انفتاحا على العالم في التجارة والصناعة والزراعة يرافقها أنتاج قومي يفوق الولايات المتحدة ولذلك تعتبر أوربا أكثر البلدان تنافسا للولايات المتحدة وستعمل أوربا مستقبلا على البلوغ كقوة عسكرية تأخذ دورا رئيسيا في استقرار العالم .


أن حرب الولايات المتحدة على العراق قد جعلت من الدول والشعوب الوقوف منتفضة على نفسها من التبعية الأمريكية وسوف يولد ذلك نظاما عالميا جديدا متعدد الأقطاب وهذا ما يحصل الآن فروسيا استعادة هيبتها كذلك الصين تسير في نقس الاتجاه بالرغم من العلاقات الاقتصادية والمصالح الكثيرة التي تربطها مع أمريكا وتعتبر الصين الدائن الأول لأمريكا ولها التأثير المباشر على الدولار ودوره كعملة دولية .


لقد كان لخروج روسيا ودول أوربا والصين بشكلها الخجول من تحت العبائة الأمريكية تاثيرأ كبيرا على الساحة الدولية مما سبب في تراجع السيطرة الأمريكية على مجلس الأمن والمنظمات الدولية أبان الحرب على العراق وسرعان ما تغيرت المعطيات حيث تمت بعض الاتفاقيات بين الولايات المتحدة وأوربا تجسدت بالقرار الدولي رقم (1559) الذي استهدف لبنان وسوريا ثم القرار (1595) الذي شكلت بموجبه لجنة التحقيق الدولية (رفيق الحريري ) .


ومن خلال ذلك نرى أن روسيا قد اندفعت باتجاه دول الكومنولث من ناحية الأمن والاقتصاد والعمل على دعم العملة الروسية وتقويتها كما نجحت المفاوضات بين روسيا وفرنسا وألمانيا على بناء منظومة لدرع صاروخي مشترك ., أما دول أوربا فقد عملت على بناء قوة عسكريا مشتركة ومن هنا نرى أن السياسة العالمية للدول أخذت منحى أخر غير ما كانت عليه , ومن خلال هذه التغيرات على الساحة الدولية ظهرت معارضة شعبية لمناهضة العدوان على العراق ومشروع النظام العالمي الجديد ورفض قوانين منظمة التجارة العالمية ورفض إلغاء شبكات الضمان الاجتماعي وإلغاء الدعم للمزارعين والعاطلين عن العمل , كما كانت من نتائج هذه التغيرات رفض المجتمعات ظاهرة الغزو الأمريكي الإعلامي والثقافي والتربوي للعادات والتقاليد والقيم الوطنية للشعوب وقد تفاعلت المعارضة الشعبية بالمظاهرات والاحتجاجات شملت العديد من بلدان العالم حيث بدأت من ايطاليا والبرازيل ولبنان وفلسطين وجنوب إفريقيا وقد ذهب ضحية تلك المظاهرات عدد من الشهداء في كل من ايطاليا وفلسطين وفي الوقت نفسه خرجت مظاهرات تضم عشرات الملايين في (141) عاصمة في العالم بوقت واحد ويحمل الجميع العلم العراقي والفلسطيني ويرددون شعارا واحدا (كلا للحرب من اجل النفط ) (بوش قاتل الشعوب ) و(اتركوا العراق أيها الطامعون )(أوقفوا الحرب الصليبية ضد العراق) كما أن المظاهرات شملت حتى المدن الأمريكية بجامعاتها وجمعياتها ومنظماتها وقد لعبت دورا رئيسيا في قلب الشارع الأمريكي ضد الحرب ,.لقد كانت هذه المظاهرات الكونية غير مسبوقة في تاريخ البشرية حيث كانت هذه الظاهرة قد أسست لعصر أنساني واجتماعي جديد كما حصل سابقا ولظروف عالمية متعددة منذ القرن التاسع عشر حيث لعبت أفكار ماركس وانجليز بتشكيلهم عصبة الشيوعيين الدوليين وثم الأحزاب الاشتراكية الدولية ثم الأممية الثالثة بمبادرة لينين وروزا وليبكنخت ثم محاولة ترو تسكي تشكيل الأممية الرابعة وبعدها سعي الصين والاتحاد السوفيتي وكوبا تنظيم تحالفات وحركات ومنظمات موازية للحلف الأطلسي ,ولكن بقيت هذه المنظمات والحركات والتجمعات غير شاملة لظروف متعددة خالية من التأثير المباشر سياسيا واقتصاديا .


لازالت القوى المحبة للسلام تعمل من اجل نصرة الشعوب في العراق وفلسطين والصومال وأفغانستان واسيا وبعض من دول أمريكا الاتينيية .


أن خروج هذه الظاهرة بصفتها الإنسانية البعيدة عن المصالح والمطامع الشخصية ضد ظاهرة العولمة والمشروع الأمريكي الكبير الذي يريد تقسيم الأمم والشعوب وفق الأعراق والقوميات قد يرى نجاحا وزخما لعالم متعدد الرؤوس قائم على نصرة قضايا الشعوب ودعم ومساعدة مئات الملايين من الشعوب الفقيرة والمغلوبة على أمرها .


أن خروج عشرات الملايين من شعوب العالم ضد بوش وسياسته العدوانية وضد تفرد أمريكا بالعالم قد أعطى جرعة من الأمل للشعوب بان المستقبل آت لأريب فيه لعالم يسوده الاستقرار والمحبة وغدا مشرق مشبع بالأمل .

 

مع تحيات
الباحث والسياسي العراقي
د.صابر العطية
20/4/209

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٤ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٠ / نـيســان / ٢٠٠٩ م