حول خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق ..

حل سياسي بدل الحل العسكري

( التداعيات .. حل مؤقت وحل طويل الأمد ! )

﴿ الجزء الرابع ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

قلنا إنه بالرغم من عدم وضوح الهدف من شن الحرب على العراق وعدم دقة إختيار الوسائل وضبابية الغاية والأسباب الرئيسية فقد كان التفكير بالبحث عن حل سياسي للمشكلة العراقية في حينها موضوع (محرّم الحديث فيه)!..

 

وإنه على الرغم من إن الحق العراقي لازال مُغيبا ومهملا وغير موضع نقاش ..إلا إن الرئيس الأمريكي الجديد الذي ورث ثقلا هائلا من القرارات والإجراءات الخاطئة والمركبة والمتفاعلة قال في خطابه بشأن إستراتيجية الإنسحاب من العراق يوم 27 شباط 2009 مايلي:

 

(The long-term solution in Iraq must be political – not military).

 

(إن الحل الطويل الأمد في العراق يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا).

 

وتطرقنا في هذا المجال الى ثلاث مصطلحات تحتاج الى توضيح وربما حتى الى الإدارة الأمريكية الجديدة بكل مفاصلها وهي:

 

المصطلح الأول: الحل

والمصطلح الثاني :الحل الطويل الأمد

والمصطلح الثالث : حل سياسي وليس حلا عسكريا

وناقشنا المشكلة والحل في الجزء الثالث..

واليوم نتفق معاعلى حقيقة جديدة وهي  :

إن المشكلة العراقية لها حل مؤقت وحل دائم وطويل الأمد!..

 

من وجهة نظرنا ..نحن نؤمن بان الحلول المؤقتة عليها أن تخدم الحل الدائمي ولا تتعارض مع خطه العام أو تكون  بديلا عنه..

والحل المؤقت يُستخدم لمعالجة ظرف معين للتهيئة لحل شامل ودائم ويخدم هدفا محددا ..

وهو ليس خيارا يبتعد من حيث المضمون والوسائل عن الخط العام الذي يخدم تأمين الظروف لحل دائم ..

وفي الحالة العراقية ..

سيكون كل حل مؤقت لايؤمّن أرضية صلبة لحل دائم هو إسهام متعمد في إشاعة الفوضى وإدخال العراق في أكثر منعطفات النفق الذي دخل فيه ظلمة !..

 

ونعود مرة أخرى لتعريف المشكلة التي إستوجبت حلا !..

من وجهة النظر الأمريكية ..(المشكلة المعلنة اليوم) هي :

 

(كيفية الخروج بالعراق اليوم ليكون بلدا مستقرا وآمنا ومزدهرا وعنصرا فاعلا في المحيط الإقليمي والدولي وشريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة )ويكون ذلك ( دون العودة للماضي ودون الخوض بمسائلة او محاسبة مَن أوصل الأمر الى هذه الدرجة من السوء ودون الخوض بأسباب الحرب وما نتج عنها من مآسي وظلم)!..

 

والإدارة الأمريكية المنصرفة والحالية ولحد الآن تنيط مسؤولية تحقيق هدفها للحكومة العراقية الحالية فقط !..

 

ومنهج الحكومة ووجهة نظرها تعتمد على السياسة المعروفة لها وخلاصتها :

(ما قامت به الولايات المتحدة في غزوها وتدميرها للعراق هو تحرير وليس إحتلال وإن الحكومة الحالية هي الحكومة الشرعية المنتخبة من قبل الشعب العراقي ومن خلال عملية سياسية ديمقراطية أفرزتها إنتخابات شاملة لكل الشعب العراقي ..ولا يحق لأي جهة أن تكون بديلة عنها ..ومَن يعارضها عليه أن يلجأ الى الوسائل السياسية والديمقراطية ..أما حزب البعث والنظام السابق والمقاومة الوطنية فهي  جهات خارجة عن القانون وعليها التخلي عن الفكر والسلاح ليسمح لها بالمشاركة بالعملية السياسية وتكون المشاركة بصفة الأشخاص لا بصفة التنظيمات ووفقا للدستور )..

 

وهناك طرف مهم مُغيب ..

وهو الطرف الذي سيبقى غيابه واضحا ومؤثرا في ديمومة المشكلة ومهما طال الزمن الذي راهن عليه الأمريكان والسلطة الحالية ..

لذلك على الإدارة الأمريكية والحكومة الحالية أن تبحث بجدية عن هذا الطرف وتُغريه بالقبول للبحث المشترك في أصل المشكلة وإيجاد الحل الدائم لها  .

 

علما إن الوطنية العراقية ترى (المشكلة ) أنها :

( مشاكل مركبة ومعقدة أفرزها الإحتلال الأمريكي العدواني وغير الشرعي للعراق وهذه المشاكل غير قابلة للتجزئة والتقسيم ولايمكن بأي حال من الأحوال الوصول الى حل مؤقت صحيح أو حل دائم ونهائي بطي صفحات الماضي وما رافقه من فعاليات أمريكية وحكومية أوصلت العراق لما عليه الآن والقفز على تأمين إستحقاقات المتضررين والإقرار بالحق والباطل ..وستنتهي المشكلة العراقية فقط عندما تفتح كل الملفات ويحق الحق ويُبطل الباطل ).

 

مع العلم ان هنالك جهات معروفة ترى:

( إن الغزو التدميري الهمجي والإحتلال الأمريكي للعراق عمل عدواني وغير شرعي وكل مانتج عن هذا العمل الغير شرعي يفتقد الى الشرعية بحكم القانون..فلا العملية السياسية شرعية ولا القرارات والإجراءات والقوانين التي صدرت عنها وعن الإحتلال شرعية ..والحكومة المنصبة من قبل الإحتلال وتحت حرابه والمؤتمرة بأمره والمنفذة لأجندته لا تمثل الشعب ولا تتحدث بإسمه وهي غير مخولة بطرح حلول لمشاكل العراق التي خلقتها ورعتها ووسعتها وإستفادت منها تحت رعاية وتوجيه المحتل الذي خوّلها صلاحيات واسعة لإدارة العراق والتي أستخدمت لتنفيذ أجندات خارجية معادية لشعب العراق بحيث وصل الأمر الى تسليمه بالكامل الى إيران!..إضافة الى شيوع الفساد والنهب للمال العام ورعاية وتوجيه فرق الموت والإغتيال والإعتقال والتهجير والإقصاء والتهميش والملاحقة وقطع الأرزاق والإيغال بالإنتقام والحقد ..وبناء مؤسسات الدولة على أسس طائفية ومحاصصة عرقية وغياب الحس الوطني وشيوع حالات الولاء المزدوج بعيدا عن مصلحة العراق ..وإن هذه الحكومة غير قادرة وغير مؤهلة لرعاية أي نشاط لحل المشكلة العراقية لأنها جزء أساسي وجوهري في المشكلة  )..

 

ومِن حديث الرئيس الأمريكي أوباما نستنتج أن الحل المؤقت (للمشكلة العراقية ) كان قد تم عسكريا !..

بل تم إستنفاذه بكل مداه !..

 

وتم إستخدام القوة العسكرية المتفوقة والمتطورة في كل مكان وزمان وكانت آلاف الحملات والعمليات العسكرية مستمرة يوميا لست سنوات متتالية مع تغيير في عناوينها فقط من ( المطرقة) و(زئير الأسد)و(البرق) وغيرها من التسميات التي توحي بان السلام والأمن والإستقرار سيحل بمجرد إنتهائها ..وكانت البيوت الآمنة بما تحويها من أطفال ونساء وشيوخ في مدن وقرى العراق النائية أهدافا لصواريخ القاذفات الأمريكية التي يتم توجيهها بالليزر والأقمار الصناعية بمجرد وصول خبر من مخبر أو واشي بوجود عناصر مسلحة في هذا البيت أو ذاك .. وإمتلئت السجون الأمريكية بمئات الآلاف من المشتبه بهم عدا سجون الحكومة العلنية والسرية ..

 

لقد عَجزت القوة العسكرية والإيغال بإستخدامها في جعل العراق بلدا( آمنا ومستقرا ومرفها ويلعب دورا مؤثرا في المنطقة والعالم )!..

 

بل عَجزت هذه القوة حتى في تهيئة الأرضية السليمة لذلك!..

ولابأس ان نفترض أن هذه السياسة  قد تم تنفيذها منذ كانون ثاني 1991 ..وما رافقه من حصار دام الى يوم 20آذار 2003!

 

وضمنا ترى الإدارة الأمريكية الحالية والإدارة السابقة إن (إسقاط النظام العراقي السابق) بالوسائل العسكرية كان ( من المفروض ان يكون حلا ناجحا لتحقيق كل الأهداف الأمريكية مرة واحدة ..!)..

 

ولكن الذي (حدث من تداعيات ) بعد (إسقاط النظام ) وفرض (الإحتلال) أعاق تحقيق ذلك!..

 

فما هي هذه التداعيات التي ظهرت (فجأة) على الساحة العراقية وعجزت القدرة الأمريكية وحلفائها عن إيجاد معالجة لها؟..

 

وكيف ظهرت هذه التداعيا فجأة بالرغم من إن الإستعدادات الأمريكية التفصيلية للحرب كانت قد بدأت منذ سنوات طويلة؟..

 

ويفترض بأن ماحدث فعلا كان أحد السيناريوهات المحتملة للقيادات والمخططين الذين ناقشوا الخطط المتعددة للحرب على العراق وما يعقبها!..

 

وهل إن هذه التداعيات سياسية أم عسكرية وميدانية ؟..

هل هي سلسلة القرارات المتسرعة التي إتخذها الديكتاتور بريمر بحل الجيش والمؤسسات الأمنية وإجتثاث البعث وتكريس المحاصصة الطائفية والعرقية؟..

 

أم هي حالة عدم التنسيق بين مصادر القرار الأمريكي المختلفة (كما ذكرتها المصادر الأمريكية وكتابات المسؤولين السابقين في الإدارة الأمريكية العسكرية الميدانية والسياسية في العراق) ؟..

 

هل هذه التداعيات ناتجة عن سلسلة الممارسات الغير منضبطة أو المتعمدة التي قامت بها القوات الأمريكية في حملاتها التفتيشية أو الهجومية على المساكن والمرافق العامة وطريقة تعاملها مع الشخصية العراقية؟..

 

ام إن هذه التداعيات ناشئة من طبيعة التيارات والأحزاب التي إستلمت السلطة بعد الإحتلال وما قامت به من عمليات إنتقام ثأرية واسعة أخذت طابعا طائفيا وعنصريا وشموليا وشيوع حالة الفساد في كل مرافق الدولة وإعتماد سياسات الإقصاء والتهميش والملاحقة وقطع الأرزاق ولم تعطي نموذجا ولو بسيطا للشكل الذي كانت تنادي بضرورة تحقيقه خلافا لما كان سائدا..بل طرحت نموذجا متخلفا بنسبة كبيرة عن النموذج السابق.

 

هل هو الشعور الوطني بضرورة مقاومة المحتل مهما كان يحمل من أهداف وخطط وما يروج له من شعارات ؟..

هل هي السرعة في الرد على حالة الغزو والإحتلال؟..

أم هي ردة فعل لإستهداف وتحطيم نظام ودولة ومؤسسات وأفراد وحزب كان قائما ومتغلغلا في المجتمع العراقي بكل أطيافه وقومياته ؟..

وإذا كانت هذه التداعيات بهذا الحجم والتأثير الذي إستمر ست سنوات متتالية ..

 

وإن هذه التداعيات المذكورة ( قد أرغمت مَن فكّر وخطط ونفذ وعَبَرَ المحيط ليغزو ويحتل العراق ) الى إعادة النظر (متأخرا) بكل خططه ومشاريعه التي لم تنقذه  من الهزيمة في الإنتخابات الأمريكية !..

 

وإن هذه التداعيات هي التي ساهمت بوصول من يؤمن بالتغيير وكان معارضا لهذا النهج الى سدة الحكم الأمريكية..

 

وإذا كانت الولايات المتحدة والحكومة غير قادرة على(إستئصال) الجهات التي تقف وراء هذه التداعيات!..

 

وإن الرئيس أوباما يقول إن الحل العسكري غير مفيد في هذا الموضوع!..

 

فكيف يجري التفكير بإستبعاد الجهات التي تقف وراء هذه التداعيات  من المشاركة في صنع الحل المؤقت ..

 

او الحل الطويل الأمد ؟..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ١٦ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٢ / نـيســان / ٢٠٠٩ م