قبل الهويّات الفرعيّة وفوقها .. العروبة هويّتنا الجامعة

 

 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة
الحفاظ على الهويّة والتصدّي للعوامل التي تهدّد الانتماء العربي ّ.. كانت تلك أهم قضية تباحث في شأنها أكاديميون ومسؤولون وبرلمانيون ورجال دين في مؤتمر "الهوية في الخليج العربي". وبالتأكيد فإن الخوض في مثل هذه المواضيع يُعَدّ أمرا في غاية الأهمية لا سيما بالنظر إلى حجم المخاطر والتحديات التي تواجهها الأقطار العربية مشرقا ومغربا.


وإذا كان المجتمعون قد تباحثوا بالأساس في الهويّة ضمن إطار خليجي فذلك لا يعني أن بقية أقطار الوطن العربي بمنأى عن المخاطر.. أو أنها نجحت في تجذير الانتماء لدى شعوبها..


كلا.. فالخطر يطال الجميع بلا استثناء.. ولا أحد بمأمن من التحديات التي يواجهها العرب والتي تستهدف بالدرجة الأولى زعزعة مفاهيم الانتماء.. واستبدال الولاء للوطن بولاءات أخرى.


في الخليج العربي يتحدثون كثيرا عن العمالة الأجنبية، وما تمثله هذه اليد العاملة -لا سيما الآسيوية- من تحديات تتعلق باللباس ونظام الغذاء واللغة ونمط التفكير وكل العناصر التي تشكل مجتمعة هوية الفرد والمجموعة. بل يذهب بعضهم إلى حد التحذير من كثافة العمال الوافدين التي تمثل قنبلة موقوتة، إذ أن هؤلاء العمال قد يشكلون مستقبلا ضغطا على الحكومات في الخليج لإشراكهم في الحياة السياسية.


قد تكون المشاكل المتصلة بتزايد العمالة الآسيوية خاصة بدول الخليج العربي. بل لعل ما يترتب عن الاختلال الحاصل في التركيبة السكانيّة بين الوافدين والمواطنين يُعَدّ أمرا هيّنا إذا ما قورن بتصاعد هويّات بديلة لانتمائنا العربي خصوصا في السنوات الأخيرة... وهو أمر ليس خاصا بأقطار الخليج وحدها، بل يشمل الوطن العربي كله.


عرب نحن أم بربر أم تركمان أم أكراد أم..؟ شيعة نحن أم سنّة أم إباضية أم..؟
ولغتنا.. أهي العربية أم الفرنسية أم الانجليزية.. أم هي لهجات شتى بعضها من إفريقيا وبعضها من الهند..؟ ما الذي يعزّز أوطاننا ويُكسبها حصانة من داخلها؟ هل هو الحفاظ على القواسم المشتركة بيننا في اتجاه مزيد التوحيد والقوة أم البحث عن عوامل الفرقة العرقية والمذهبية والطائفية واللغوية.. و..و..؟


إن أخطر مظاهر أزمة الهوية،لا في الخليج فحسب بل على امتداد خريطة الوطن الكبير، إنما هو ما نشهده من عمل سياسي لتصعيد الهويات الطائفية أو العرقية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وهذا يعني أننا نعاني من أزمة ولاء وطني تَراجَع بمقتضاها الشعور بالانتماء إلى الوطن، وحل محله إحساس بالانتماء إلى مذهب أو طائفة أو قبيلة أو جهة..


ومع إدراكنا أن هذه الولاءات -التي كان يفترض أن تكون فرعية وهامشية- تغذّيها أطراف خارجية يسوءها أن تكون العروبة هويّة جامعة للعرب، فإن من الإنصاف أن نفحص بوضوح وعمق ودقة عن الأسباب الكامنة فينا.. تلك الأسباب التي دفعت المواطن إلى البحث عن درع يتقي به أخطار الداخل والخارج معا حتى إن كان يدرك أن هذا الدرع لن يقيه غوائل الزمان.


لا وقت للبكاء.. ولا وقت للتحسّر..
إن تشخيص العلة وتحديد أسبابها ضروريان لبيان الوصفة السليمة الناجعة.
من عوامل الاختلال في كثير من الأقطار العربية سوء توزيع الثروة الذي يدفع المرء إلى الشعور بالحيف والقهر والحرمان، وغياب المشاركة السياسية الفاعلة التي تُشعر المواطن بأنه شريك فاعل في صياغة سياسة بلاده، وغياب أو ضبابية خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية،  وسيطرة السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وممارسة التمييز على أساس الدين أو العرق...


إن من الضروري الاعتراف بتنوع التركيبة السكانية داخل أقطار كثيرة. والتنوع في ذاته ليس مشكلة.. بالعكس يجب أن يتحول إلى عامل قوة عبر تعزيز الهوية الوطنية وصياغة رؤية واضحة بشأن الإصلاح السياسي ومأسسة قنوات المشاركة السياسية وتطويرها.


ودون ذلك فإننا نترك المواطن فريسة سهلة لهويات مصطنعة.. وأيد تتسلل من خارج حدودنا.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٢٨ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٤ / نـيســان / ٢٠٠٩ م