المقاومة العراقية : النفاق افة الحكم

 
 
 

شبكة المنصور

الوليد العراقي
والله ما قام حكم واستعدل واستقام الا بالصدق وما اصابه الخور والتعب والخراب والذهاب الا بالنفاق..عندما تراجع تاريخ الدول من خلال قوة السلطة فيها وتوفر شكيمتها ترى ان القيمين عليها هم  النخبة المؤمنة  بمبدأ الحكم الذي هي مسؤولة عنه والذي تعتمده كعقيدة والذين يقاتلون من اجل استقرار الحكم وضبط امور الدولة بكل تفاصيلها بالصدق وبالروح وبالدم الزكي الغالي..

 

الحكم حكم أي دولة لا يقوم ولا يستمر ويثمر وتتوغل جذوره في اعماق البلد الذي يحكم فيه الا من خلال سقيه بعرق ودم الرجال المؤمنين به والطاردين لهواجس الذات والانانية من كل تخوم وتلافيف عقولهم التي دربت وربت بفكر الدولة لكي تثبت اركانها وتجعل من مؤسساتها عناوين بناء وتارخ للرجال الذين هم المسؤولون عنها حين تجدهم يتبارون دون كلل او ملل طاردين كل سفاسف الدنيا ليصبح ديدنهم وقلقهم  المشروع الذي يعيش معهم هو كيف نصنع تاريخا لانفسنا من خلال بناء اروع واجمل واقوى المؤسسات التي تعطي اكلها للناس ويذكرها الجمهور يوما ما بأن فلان ابان الحكم الفلاني استطاع بكفاحه وبقدرته الخلاقة وبالتعاون مع من هو بمعيته من خلق هذه المؤسسة التي تنفع الناس والراسية في تاريخ الدولة مدى الدهر..

 

هؤلاء النمط من المسؤولين في أي دولة هم سراتها وهم بناتها وهم صمامات الامان فيها.الدول والاحكام والفرائض والقوانين والاعراف الاصيلة لا يمكن لها ان تعيش وتستمر وتنتقل من جيل الى جيل بكل اصالتها ونصعها وقيمها  بالرجال الذين هم انصاف المسؤولين وهم الذين يبحثون عن ملذات وكراسي الحكم والمواقع الدافئة الجاذبة حتى وان كان ذلك بالطرق غير الشريفة من خلال الكذب والنفاق وقلب الحقائق امام قيادة أي دولة تحكم أي بلد.

 

الرجال الذين يكونون دول التاريخ هم هؤلاء الذين سقوا عقولهم بافكار الدولة أي بعقيدتها لتكون اللازمة  الوحيدة والاساسية التي لا تغيب عن بالهم في مزاولة المسؤولية وهم على منصات وكراسي الحكم فيها.
 
ان اخطر امراض الدول والتي تذهب بريحها رغم  توفر كل مستلزمات الدولة البشرية والمادية هو الدجل السلطوي وخاصة اذا دب الى حاشية قائد او رجل الدولة الاول واخترقها كون الحاشية هي المسؤولة اولا وهي الخط الاول الذي على تماس بقائد الدولة وعليه أي نقل او تصوير او تغذية بالمعلومات غير امينة لشؤون دولة هو نوع من انتحار الدولة برمتها وبالتالي نخرها رويدا رويدا الى ان تصل مرحلة التحلل والضعف والاعودة وبالتالي انقضاض الاعداء عليها ونسفها من جذورها وبابسط الطرق وباقل الخسائر التي يوليها العدو من اجل الاجهاز عليها وانهاء السلطة فيها وبالتالي ترى كل البشر الذي كان تحت رعايتها من اعلى مسؤول الى ابسط الرعية هم خاسرين .

 
ما ابشع المسؤول الذي يقول للوالي ان كل الجمهور راض عنك ويهتف باسمك سيدي وهو بمجمله ليس كذلك بدل ان يقول للوالي ان هناك تململ من بعض رعيتك وللاسباب التالية وعليه سيدي علينا تلافي ذلك قبل ان يستفحل وقبل ان يحل بنا الطوفان طالما ان هناك حلول يمكن لنا ان نعتمدها في حل ما لا يرغب فيه ويململ منه جمهورنا وهذه هي الصحة السلطوية بما يخص الوالي ومن حوله من المسؤولين.

 
ان اهم عنصر من عناصر استقرار الحكم في أي بلد من بلدان الدنيا هو الشعب.عليه فوا جب المسؤولين من المراتب العليا في الدولة هي الرقابة المشددة على حاجات الشعب وردود افعاله تجاه أي ضرف تمر به الدولة  وتجاه أي قرار تتخذه السلطة وهذا ما يسمى بنظام الحكم  بالتغذية الارتدادية للسلطةfeed-back)).كيف لي ان اعرف اخطائي وانا على هرم السلطة وكيف لي ان اقيم مسيرة الحكم الذي انا اقوده سواءا على مستوى الدولة او وزاراتها او أي دائرة فيها دون التغذية الارتدادية التي يلهمني اياها الجمهور الذي هو مادة الحكم وبدونه لا توجد دولة ولا يوجد حكم ولا سلطان.

 
لقد استطاعت الدول المتقدمة ذات الاستقرارية في منهج الحكم من تلافي حالتين سيئتين في مسيرة الحكم وصحته وهما نفاق المسؤولين في الدولة  وكذلك خوف الشعب من قول الحق او مما يجول بخاطر المواطن..نعم استطاعت هذه الدول تخطي هذه العيوب في الحكم من خلال اسلوب الاستبيان الذي يوزع على شرائح المجتمع وبطريقة عشوائية ودون ذكر الاسم ولا حتى العنوان ومن ثم ترك الناس يدلون بارائهم بشكل حر وطليق حول أي منحى من مناحي الحكم والقوانين  من اجل اختبار صحتها وصلاحيتها للتطبيق من زمن الى اخر  وذلك بهدف منع تراكم الاخطاء الادارية  وما يتمخض عن قوانين الدولة وقراراتها .لقد انشئت لدراسة مثل هذه الاستبيانات مؤسسات على اعلى مستوى من التخصصات والخبراء المبرهنين بالنزاهة واستخلاص ما يهم الدولة من خلال اقتراح ما ينفع الناس وما يرضيهم من ما هو حقهم الذي قد يفوت على السلطة بين فترة واخرى ولكن بالمراجعة  المستمرة بتواريخ مناسبة محسوبة الزمن يمكن تلافي كل اخطاء السلطة او قل تلافي مواطن الضعف بالقرارات وبالتالي ايجاد الحلول الناجعة لها من خلال الاخذ المباشر برأي الخبراء المعتمد على استبياناتهم التي مادتها عقول الشعب كل الشعب وافكارهم وامزجتهم وحاجاتهم المختلفة.

 
ان اخطر ما يواجه أي حكم يقود شعب بكل حاجات العصر الحديث وسرعة تطورها وسرعة تبدلها هو ان يأتي مواطن ما ليطرح حاجته ومن ثم يذهب بين طوابير المسؤولين في دولة ما ومن واحد ليقذفه الى الاخر وهكذا يتدحرج في سلسلة طويلة من المراجعات والعطايا وبالتالي يرجع خالي الوفاض ولا من حل ولا من مستمع ومثله ملايين المواطنين وبالتالي يخلق جمهور من المتمردين والمعارضين الخفيين للدولة وبسبب الدولة نفسها ومن خلال مسؤوليها الذين غادروا شرف المسؤولية وشرف المواطنة بل وقدسية الواجب امام الدولة من ناحية ومن ناحية اخرى امام الرعية.هنا تكمن الطامة الكبرى  والتي يتبرعم عنها الاف الامراض التي تصيب الدولة ومن ثم تبدأ اركانها بالتهاوي والانحدار ومن ثم الزلزال الذي يصيبها وينتهي بفشلها وغيابها ومن ثم  سيطرة البديل.

 
مرض اخر وهو من اهم امراض الدول وسلطاتها وهو الابتعاد والجفوة التي تحصل بين الدولة من خلال مسؤوليها وعلى مختلف المستويات وبين الرعية .ان هذا البون الشاسع بينهما يعني ضياع حاجات الناس  وما الحياة والقناعة بها والرضى بمن يقودها الا عبارة عن تلبية حاجات الناس وخاصة الاساسية  التي تلزمها حاجات العيش وبطريقة مقبولة تظمن راحة الناس وتخلق عندهم القناعة بالسلطان حتى يحس المواطن انه شريك بخيرات الدولة التي هو العامل من اجل توفيرها للسلطة  كي تستثمرها في تمشية دفة الحكم والصرف على مؤسساتها واشباع الجمهور من تلك الخيرات التي هي ملك مشاع للجميع شرعا وقانونا وعرفا.

 
ربما احد يقول ما هي الحاجات الاساسية للمواطن في دولة ما تحت حكم ما؟هناك حاجتين اساسيتين لا مجال للاجتهاد بهما ابدا وهما على قمة قائمة حقوق البشر وهما الغذاء والدواء وتوفرهما بابخس الاسعار من قبل الدولة وبنوعية عالية الجودة وتحت السيطرة النوعية الدورية الكفوءة.ثم هناك حاجات اساسية لا يمكن تجاهلها وخاصة اليوم من العصر الحديث سريع الحركة والتطور وهما ما يكفي من الدخل ليعيش الانسان بكرامته امام نفسه ذاته وامام عائلته اولا ومن ثم امام الاخرين وبشكل محترم.كما ان توفر السكن المحترم والمقبول اجتماعيا وحضاريا  وكذلك توفر المركبة أي السيارة لم يعودا من الترف وحاجاته بل من اساسيات الحياة  الحديثة والتي يمتاز بها اليوم المواطن في الدول المتحضرة الاخرى.ترى ماذا يقول أي مسؤول في أي دولة من الدول عندما يدخل بيت من بيوت مواطنيه ليشتكي له من عدم توفر جهاز تلفاز ولا ثلاجة ولا مجمدة  ولا طباخ حديث ولا مصادر والات طاقة حرارية توقي من البرد هل سيقول لهم انها ليست حاجات اساسية فلماذا تطالبون بها.ثم يرفع تقريرا الى من هو اعلى بوجود عوائل تتبطر على الدولة وعلينا لجم مثل هذه الطلبات؟لكن ما النتيجة ؟غير اضافة وقود الى المرجل الشعبي كي يسرع بانفجاره بوجه الدولة وعلى غير هدى ولا معرفة بالنتائج الوخيمة...

 
ان المسؤول الوطني وهنا نقصد غير المنافق عليه ان ينظر الى محتويات منزله وما تتشكل منه من حاجات العيش والراحة ومن هنا يستطيع ان يقرر مشروعية من عدمها حاجات الناس وطلباتهم.عندما توفر للمواطن حاجاته الاساسية المشروعة وظمن مستوى العيش الحديث وتراه بعد ذلك غير راضيا عنك أي عن الدولة عندها يحل القصاص العادل به ليعزر ويؤدب ليعرف معنى المواطنة بحقوقها وواجباتها.

 
الافة الاخرى التي تعاني منها السلطات في الحكم أي حكم واي دولة هي غياب مركزية القرار ومركزية الحل والربط.يأتي المواطن ليجد نفسه بين اكثر من مسؤول وخاصة في عهد التداخل الحزبي والاداري حيث ينشطر المواطن الى نصفين .نصف يذهب ليدلي بدلوه امام المسؤول الاداري والثاني يذهب الى طلب اجازة طلبه من المسؤول الحزبي في منطقة ادارية ما في بلد ما . بعد ذلك يرجع المواطن وبعد ان يستجمع قواه ويرضي الطرفين يرجع ليرمم القرارين بعملية جراحية  يجريها المجلس الاداري لتلك المنطقة وهكذا دواليك في حين كل القضية وما فيها ومن اجل ان اريح المواطن واطبق عليه القانون والتعليمات فهناك رئيس وحدة ادارية منتدب بقرار دولة لادارة شؤون وحدة ادارية وعليه اليس من صلاحيته البت في طلب المواطن واليس من واجب السلطة وواجب المواطن ان يثقوا به وبقراره الرسمي.

 
ان خلق مراكز سلطة وسيادات زائدة مصممة ليجلس على كراسيها اكبر عدد من المسؤولين يعتبر مرضا من الامراض القاتلة التي تعاني منها الكثير من دول العالم وخاصة دول العالم الثالث والتي تعتبر نوع من الترهل الاداري لمرافق الدولة وخلق استطالات يدفع ثمنها المواطن وبالتالي يرفضها سواءا افصح ام لم يفصح عن ذلك.اما ما يقوله الكثير من المسؤولين وخاصة منافقي السلطان من ضرورة هذا النمط من الادارة بحجة ضبط القرارات والدقة  فما هم الا من يزيد الطين بلة ويزيد من الزيت على نار الدولة الكاوية من حيث يدرون ولا يدرون وهم بالتالي من الضحايا وربما اكثر من المواطنين.انظروا الى الفن الاداري الرائع الجميل الذي توصلت اليه دول العالم المتقدمة حيث نجد ان كل معاملات المواطن تجرى بالبريد وتروح وترجع دون فقدان أي شئ وبالوقت المناسب.ان هذه الطريقة فوتت على ضعاف النفوس الواسطة والرشوة والفساد الاداري وترهله وخلق ادارات ومنفذين زائدين كاستطالات السلطة التي حلها بالبتر انفع واجدى للدولة وللمواطن.ولا نقول ان هذا الامر الذي تقوم به الدول المتقدمة غير ممكن في بلادنا ونبقى نبكي على انفسنا نشتكي قلة حيلتنا وبالتالي لن ولم نتطور ابدا..

 
كما ان من المظاهر السلبية التي تعاني منها الكثير من الدول وخاصة دول العالم الثالث هو اعتماد البشر في غير حاجته ولا مكان الاستفادة منه لتوفر المكننة وبالتالي خلقت تلك الدول جيوش من المعاقين الموظفين والتي تسمى بالبطالة المقنعة في حين يمكن الاستفادة من تلك الالاف والملايين في مشاريع اخرى كالزراعة وما اكثر صحارى الدول وترحيل المياه العذبة الى حيث مثواها البحار والمحيطات في زمن الحاجة الى المياة وحروب المياة وحروب الغذاء؟!ان هذا النوع من البطالة المقنعة يشمل الكثير من مؤسسات الدولة المدنية وكذلك الجيوش وقوى الامن الداخلي الخ...وما زال الكثير من تجار السلطة على مختلف سلالمها من المنافقين يقولون ان على دول العالم الثالث ان تحذوا حذو الصناعة  واما الزراعة فلها الله ...لقد نسوا ان الكثير من دول العالم المتقدمة تعيش على الزراعة وما يتبع ذلك من ثروة حيوانية ومثال على ذلك استراليا وهولندا وغيرهما الكثير...

 
واخيرا وليس اخرا نقول ان الوقفة الجادة لمجمل المسؤولين في أي حكم وفي أي دولة والحوار الصريح والنظرة الوطنية الصادقة حول ما يمكن فعله للدولة ومن ثم للشعب يتطلب ادارات يقودها اشخاص مدربين على الصدق اولا ومعروف عنهم بالنزاهة ونكران الذات وحبهم المطلق لعملهم الذي يجدون من خلاله وجودهم وتاريخهم ومجدهم التليد.نخبة من البشر ذات الصراحة والجرأة  امام الوالي وبما هو خير له وخير لبلاده  ومستقبل شعبه وكذلك سلطته هم الذين يجرون البلاد بحاكمها الى بر الامان والى القوة  وبناء دولة محترمة  يهابها داخلها وخارجها وتجد لها مكان تحت الشمس مميز بالعمر المديد.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ١٨ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م