متى يتم  التطبيع الفضائي العربي مع  فضاء  المقاومة العراقيّة الواسع

﴿ الحلقة الثانية ﴾

 
 

شبكة المنصور

طلال الصالحي

المشهد الإعلامي  الحالي , محلّيّاً  ودوليّاً ,  هو أشبه ما يكون  بتلك المفارقات التي ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا الموضوع ,  أو بصحيح العبارة  هو  أشبه ما يكون  "بالحالة"  السرياليّة  التي كان حتى  بعض المثقّفين  آنذاك  يتّهم  منظّريّها  بتعاطي الأفيون قبل  عرضهم رؤاهم  تلك !  , إلاّ أنّه  ومع ذلك  قد  تطبّع عليها  الناس بغالبيّتهم  فيما بعد  مع مرور الوقت  وبالتزامن مع انتشار واستشراء عادة التدخين  بينهم !  , ففي  المشهد  الإعلامي العربي  الحالي  تتكرّر تلك الرؤى ,

 

ولكن  بشكلها المقلوب  هذه المرّة !  فبينما   غالبية  الشعوب المعنيّة , سواء العربيّة منها  أو الغير عربيّة ,  وفي حالات كثيرة , تتلمّس يوميّاً  التفاعل الإعلامي في جانبه الغير  مرئي  , أي المقاومة العراقيّة  , عبر الكثير من المراصد  المقروءة أو بالتسجيل الشريطي الإلكتروني  وتستنفر كافة السبل للوصول إلى  أخبار صولاتها المجيدة  المهينة للطاغوت الأميركي  وتوابعه , نرى  أن مؤسّسي المدارس الإعلاميّة  الحديثة  على العكس من هذا الجمهور الهائل , فهم لا يرون  هذه المشاهد !   فهم , أي منظّروا  الإعلام المهيمن , يريدون إقناع الجمهور  بأنّهم لا يرون  شيئاً  من ذلك!   يعني  لا يرون هذه المشاهد  التي بات يراها المواطن العادي  يوميّاً  ويدركها ببصيرته وإن لم يشاهدها بعينه  ويتلمّس  تأثيراتها  على حياته اليوميّة  دون الحاجة إلى بصره  المحجوب  عن  الرؤية  المباشرة  "أي المحجوب بفعل  فاعل!"  ,

 

أي بفعل الإعلام الصهيوني المركزي !  ولكي تتّضح الصورة  المزرية لمدارس إعلام اليوم  المهيمن عليه صهيو أميركيّاً ولكي نفترب من الصورة  أكثر  عزيزي القارئ , وعلى اعتبار أن الصورة المرئيّة  الثابتة  منها أو المتحرّكة  لهما التأثير الأوّل والمباشر على جماهير العالم وشعوبه ولكلٍّ طريقته في المخاطبة ,  لنتخيّل  معاً لو أن لوحة تشكيليّة  عرضت على جمهور  المشاهدين , وهذه اللوحة تتكوّن  أو تعتمد  في بناء فكرتها على كتلتان  تشكيليّتان  تقتسمان  مساحة اللوحة  , نصفها  الأوّل يعبّر عن  رمزيّة  الحركة  اليوميّة وتفاعلاتها ,  مدرسة  "البعد الواحد"  مثلاً  أي  في أسلوبها المنشطر عنها , أي  المدرسة التي تتخذ من الآثار المتراكمة زمنيّاً على الجدران , والتي تطلق على تسميتها  شعبيّاً بـ" الشخابيط!"  كلغة مخاطبة بينها وبين الجمهور المتلقّي  حشدت  عناصرها  من  إضافات  مختلفة  ومستمرّة لأكثر من ستّة أعوام  وما مرّ  خلالها من أهوال  على الشعب العراقي وما  مرّ  على الشعب الأميركي أيضاً  , وكتلة تشكيليّة أخرى تشغل مساحة  نصف اللوحة الثاني  تشير برمزيّة معيّنه إلى أنّها نتاج  تفاعل موضوع  النصف الأوّل من اللوحة , وهذا النتاج  عبارة عن كتل مزدحمة  بأنواع  من الآليّات العسكريّة الأميركيّة  المدمّرة والمتفحّمة  والمنصهرة يسودها  أجواء ألوان تعبّر عن بقايا  تلال  من جماجم وهياكل عظميّة وخوذ  وجعب  وبساطيل ممزقة مهترئة  وبكمّيّات هائلة  تخرج تصوّرات أعدادها  عن الحيّز المناط  لها  عبر عمق لوني  يتلاشى  مع عمق زمني يقترب طلائه  مع  طلاء لون المساحة  في نصفها الثاني , ثم  بعد  ذلك  نرى  ضوء المصباح "البلوجكتر"  مسلّط  على  نصف اللوحة الأوّل فقط !, حاجباً الظلام الناتج  من الضوء المسلّط  نصف اللوحة الثاني ! ..

 

بمثل هذه  الصور التمهيديّة  وبمثل هذه المشاهد التي عرضنا  يمكننا  أن  نقترب   بدرجة مرضيّة من رؤية  المشهد التصادمي الجاري الآن  على أرض العراق  ومنذ  ست  سنوات وإلى الآن  والمغيّب إعلاميّاً عربيّاً ودوليّاً ,  بين  القوّات الأميركيّة وذيولها وأتباعها  من جهة , وبين الشعب العراقي  الصابر  الصبور  ومقاومته  الكونيّة العظيمة  من جهة أخرى ,  أي  محاولة رؤيتها  من زاوية  مستقرّة  , العين ,  ربّما  تستطيع  هذه الرؤيا من هذه الزاوية  أن  تلخّص مجمل المشهد الإعلامي  العربي الذي تسيطره عليه  دولة الإعلام الصهيو ـ أميركي المركزي المجنّد فكريّاً  واستعماريّاً  منذ أكثر من ستّة أعوام  لتغطية فعّاليّات  القطب الأوحد  على أرض العراق  والتي  يجب أن  لا تشوبها   "شائبة"  أو يزعجها  "مزعج"  أثناء  عمليّات  نقل البشائر  والخير  الديمقراطي  للشعب العراقي  عن طريق  بشائر خير  جنود الربّ  المجنّدة بأحدث أساليب وتكنولوجيا أسلحة  الهدي  والرشاد  وعبر  صحف  بوش وألواحه ! 

 

أمّا  مشاهد القتل  والنحر والصهر  والتقطيع  الجارية  بجنود  بشائر الخير  المارينز  والجارية  على قدم  وساق من قبل رجال المقاومة العراقيّة  وبتذويب  وتدمير  "دروعه"  من شرطة وجيش عميلين , أمّا  مشاهد  آليّات المارينز وجيوش قوّات الحمايات  "الأمنيّة "  وطائراتهم ودبّاباتهم وقواعدهم  وأماكن  مهجعهم  , أمّا  الأربعة آلاف والخمسمائة   للقتلى المارينز المعلن  عنهم  بالكاد  من قبل قادة جنود  "الربّ"  ,  أمّا  هذه  العمليّات  جميعها  التي تثخن  بجراح  الشيطان الأكبر وببشائره  وبفراخه  ؛ فإن  هذا الإعلام  لا يشاهدها  ولا يراها  تمرّ من أمام  عينيه  رغم أنّها  تمرّ  من أمامها مباشرةً  لا تفصلها عنه  سوى أمتار قليلة   من حشود  ضخمة لا تنقطع من أنواع العمليّات  المقاومة المدمّرة لجهد العدو المستكين  لها ولسكّينها  , بينما بؤبؤة عينيه  تسقط  شاخصةً عليها  ولكنّها  لا تستطيع أن توصلها  إلى شبكيّتها  الإعلاميّة ! ...

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٠٤ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣٠ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م