متى يتم التطبيع الفضائي العربي مع  فضاء  المقاومة العراقيّة الواسع

﴿ الحلقة الاولى ﴾

 
 

شبكة المنصور

طلال الصالحي
من غير المعقول  ولا  من المقبول  , لا منطقيّاً ولا عقليّاً , أن  مجموعة من الأفراد يجلسون  على قارعة  طريق لا  يرون أو يسمعون  ضجيج ومشاهد  قطعان من الفيلة  والديناصورات  تمرّ من أمام أعينهم  ثم لا ينتبه لها  أحد منهم !  بينما يستمرّون في جلستهم  على طبيعتهم تتحرّك أعينهم بجميع الاتّجاهات  تسقط  ولا تسقط  بؤبؤاتها على زرافات من  هذه الفيلة والديناصورات  بل  تمضي من أمامهم  وكأنّها شيء  لم يكن  رغم استمرار القطعان  بالتدفّق من أمام أعينهم مباشرةً  مثيرةً  الكلاب والقطط والطيور والعصافير والحشرات  والضوضاء  والأتربة  من حولها ومثيرة عواصف  من الغبار على رؤوسهم , لكنهم ومع ذلك  لا يرونها بأعينهم  وكأنّ الغبار  المتساقط عليهم والضوضاء التي يسمعون أصواتها ومشاهد الحيوانات  والحشرات وهي  تتفازع من أمامهم  أمر عادي اعتادوا  سماعه ومشاهدته ولكنهم لا يعلمون لماذايحدث  ذلك !  ..

 

هل من المعقول  أن يحدث مثل هذا المشهد في عالم اليوم الرخو  إلاّ  من ومضات  برق هنا وهناك  ومن الممكن  أن  تحدث  فيه  مثل هذه  "التخريفات"  التي  هي أقرب ما  تكون من  تصوّرات  حالمة  ترى عالمنا  من منظور  رؤيّا  "سرياليّة"  تصوّر  الأشياء  , تشكيليّاً  وأدبيّاً  بهذا الشكل  ! ..  الجواب .. نعم ! , يحدث هذا الشيء  في عالمنا العجيب الغريب  الحالي  ( الأحادي الهيمنة "رحمه الله" )  الذي سبق وأن تنبّأ بقدومه , بشكل أو بآخر , مؤسّسوا  المدرسة السرياليّة في التعبير  منذ مطلع القرن  العشرين بما لامست رؤاهم أولئك المؤسّسون  جزء من  قناعات عالم اليوم الذي نعيشه  ! أيّ  أنّهم  كشفوا عن ما نراه  اليوم منذ ما يزيد  على الثمانين  عاماً  أو أكثر وأماطوا من حوله  الجزء الأكبر  من اللثام  ! أيّ  أنهم  اخترقوا  قناعات  تلك الأيّام وما  سبقها  ليصلوا  إلى قناعات اليوم  بتلك الرؤيا  "الشطط" !  أيّ أنّهم   قد  تنبّئوا بواقع  معرفي جديد سيسير على إيقاع  رؤية أخرى هم اكتشفوها قبل أوانها  وأطّروها  برؤية  عالميّة  فنّيّة  "كما الانطباعيّة عند ظهورها"  أثارت الإعجاب لدى المتلقّي عند عرض أعمالها وأثارت الاشمئزاز فيه في  نفس الوقت ! ...

 

ففي الوطن العربي مثلاً  ,  كان  الجميع في ذلك الزمن  من روّاد مثقّفون  وجمهور فضولي تتملّكهم الغرابة  والدهشة تصل حدّ الامتعاض  من رؤية , لوحة تشكيليّة مثلاً  , يتمركز موضوعها  وتتشكّل  عناصرها  وتتكوّن  من عين بشريّة  كبيرة مرسومة من وضع يكاد يكون أفقي  مفتّحة  مستلقية وسط  صحراء رمليّة  قاحلة  بؤبؤ  تلك العين يتّجه  نحو  جدار زجاجي مربّع الشكل أو مستطيل أو دائري , المهم  محدّد  بشكل  نمطي من الأضلاع ,  يفصل  ما بين المتلقّي  ونظرات العين المستفزّة ! ...


أو من مشهد  يمثّل رابعة ظهيرة يوم  يتوسّطه مع  شمسه المشرقة من جانبها المقابل  شمس أخرى ! 


فمثل تلك المشاهد المربكة وغيرها  والتي اشتهرت بها  مثل تلك المدارس الفنيّة من  التي كانت تخاطب ذلك  الجمهور بمختلف  فئاته شعريّاً  وروائيّاً  وفكريّاً وتشكيليّاً  ومسرحيّاً  وتصويراً وسيمائيّاً  , لا شكّ وإنّها  كانت حينها ستغربل  قناعات  المطّلعين من ذلك الجمهور في تلك الحقبة الزمنيّة  وستستفزّها , فما بالنا  بعامّة الناس فيها ! .هذه  مقدّمة بسيطة  لابدّ وأن تكون محسوبة على الموضوع الذي نحن بصدده ...

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٠١ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م