تأملات / المقاومة العراقية .. فكر وجهاد وسياسة

﴿ الجزء الحادي عشر

 
 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي
واعود لاذكر, بان حرية الرأي لا تعني الترويج بطريقة مباشرة او غير مباشرة لاي فكر او اجتهاد ومهما كان يحتوي من مضامين تؤذي القيم الروحية او الوضعية, وايظا وبنفس القياس لايمكن ان يسمح لاي كافر ان يجدف على اسم الله سبحانه وتعالى ونحن نتفرج بحجة ان الحرية تتيح لكل الاراء ان تطرح. واي مجابهة لها او عدم سماعها او عدم الترويج هو صورة من صور الاستعباد او اللا ديمقراطية(وحسب المفاهيم الغربية).

 

والذي اريد ان اقوله عتبي على جريدة القدس العربي عندما سمحت لاراء تطعن بمقدسات ورموز عراقية وعربية من على منبرها وخاصة مقالة لاحد المغتربين عن العروبة وهو عبد الامير الركابي,ارجو ان تحافضوا على نظافة صفحاتكم وان تديموا الصلة مع قرائكم.

 

وبعد ذلك ان المعاني والغايات التي حملتها الاجزاء العشرة من الجهد المتواضع لم يكن للرد على مقالة حملت مضمون بشعا ومشوها ( لصورة النقد) وتبرجها باصباغ رديئة و زائفة,ولكني اردت ان اردعلى كل العقول الذي مثلها هذاالمسكين ولكي الخص ما اردت ان اقوله و من خلال الحقائق التالية:  


1- الحقيقة الاولى
ان  الضرف التاريخي سواء كان ظاهرة او حاجة تاريخية او شكل من اشكال الضرورات التاريخية هي الكفيلة بانجاب فكر يمثل تلك الحالة , على الاقل هذا يصح في المنطق الثوري,وصيغ التعبير عن الضرف التاريخي تختلف باختلاف التركيب القيمي او الاجتماعي او السياسي بالفعل و بصيغ التعبير .ان النقد لاي ظاهرة بتنوع صورها الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية هي حالة صحية بقدر كونها تضيف رأيا او وجهة نظر معها او مخالفة لها, ولكن طموحنا ان تتجاوز حدود النقد وتتخطاها الى الحد الذي تصبح فيه اضافة ايجابية في التحليل والاستنتاج وتخدم الشكل النقدي بالعمومية او الخصوصية ,لاان تنحصر في ضيق النقد فقط وبذلك تتحول الىنقد جاف لا ثمر فيه الا لغرض المشاركات البسيطة او الطعن وبحكم الاغراض المسبقة, ويبقى هذا الفعل عائما على سطح الحركة اليومية ومغتربا عما يجري في العمق من تفاعلات واختلاجات وولادات للفكر والانسان.

 

فالذي يعيش حالة المقاومة وبالتخصيص المقاومة العراقية البطلة من خلال كتابات ونشرياتها فقط ,دون تثوير الحالة الشخصية له وليتسامى بروحه مع الفعل ورمز المقاومة لا يستطيع ان يفهم او يستوعب الفعل المقاوم بل لايمكنه ان يرتقي الى اوليات الوطنية .

 

ان من المأخذ التي تثبت على بعض الذين يروجون للمفاهيم الدينية وخاصة السماوية هي في مستوى تعاملهم مع الدين لا ترتقي الى فهمهم لحقيقة الدين  وتعاليمه فيكون هم متدينين وليس مؤمنين وهذه احدى التشويهات التي تتعرض لها الاديان في عكس الصورة الحقيقية للدين ,اي اصدق حالة التبشير بالدين هي في حجم وكمية الايمان التي تملاء صدور الذين يتعاملون بالدين وليس اشباه الصدق  الذي يظهر في كافرين لا يعرفون عن الدين الابقدر اثمهم الذي يؤنب ضمائرهم ,وكذلك هم الذين ينتقدون المقاومة فبمقدار جبنهم والخوف في داخلهم من الفعل الجبار للمقاومة البطلة,يكون ترصدهم للفكر و المفكرين والفعل المقاوم ومحاولتهم البائسة في تسويف هذه الظواهر الجبارة والذي لا يفهمها الا من ذاق و احس بفعلها المقتدر .وهذا مرض كبير ممزوج بعقد التكوين الاجتماعي والسياسي لهذا النوع من اصحاب الاقلام.


2_الحقيقة الثانية
هل الاستاذ عبد الامير الركابي في موضوعه المنشور في صحيفة القدس العربي بتاريخ 22-4-2009 وبعنوان(الراديكالية الرثةوالمفهوم التاريخي للمقاومة العراقية).

 

هل يعني بالراديكالية نسبة الى الاصولية او ماتعنيه في السياسة بالتطرف والتغير الجذري , فان كان الاستاذ الركابي يحاول ان ينسب بالاصولية الرثة لمفهوم تاريخي للمقاومة العراقية ,فان هذا يجرناالى الحديث الى ثورة العشرين وانتفاضات شعبنا العراقي في مقاومته للاحتلال الانكليزي والتي تجلت في ثورة الرابع عشرولحد هذا التاريخ هل تصنف هذه الثورات والانتفاضات بالرثة؟وهل ما انجزته في مستقبل العراق من حالة تحرر من الاحتلال والاستعمار لا يعني شئ,في الوقت الذي قدم شعبنا البطل وطلائعه في الحركة الوطنية من شهداء وتضحيات يصطف هذا الفعل الى المستوى النضالي للشعوب التي ناضلت من اجل الحرية.

 

وامااذا كانت حسابات الاستاذ الركابي بتوجه المقاومة في التغير الجذري ونعتها بالرثة فهل يريد الاستاذ الركابي ان ترضى المقاومة العراقية بالاتفاق مع الاستعمار البريطاني بتقاسم السلطة والمشاركة باتخاذ القرارات مع الانكليز! وتحويل اهداف المقاومة من تحقيقا لطموحات وتطلعات الشعب العراقي الى الرضى بهبات شخصية ولعدد من المقاومين من قبل الاستعمار الانكليزي وحكومات الاحتلال وهذا الذي لم يحصل لاصالة الثوار المقاومين .ومن حقائق الحركة الوطنية العراقية قبل 1958كانت تمتاز باهدافها الراديكالية الحقيقية في تغير واقع العراق من بلد محتل الى بلد مستقل وحر..واعتقد ان منطق الوطنية يقول ان كل من يؤيد هذا الموقف هو وطني وحر وشريف ولن يكون مقبولا اي موقف غير ذلك ابدا .وبهذا القدر يمكن ان نتحرز في استخدام التعاير او المصطلحات , وان نجعل من المصطلحات الرنانة او النارية ان صح التعبير مكملة وممشوقة في رسم الافكار و الغايات ..


3_الحقيقة الثالثة  
ان القول بان المقاومة العراقية لم تنجب منظرين يواكبون تبلورها هو استناج غير دقيق ومتجني(مع تقديري لصاحب هذا الرأي).واستطيع ان اقول ومن خلال الحقائق التالية وهي بالتاكيد غائبة عن صاحب هذا الرأي بمايلي:


اولا-ان فكر المقاومة العراقية هو الذي ولد فعل المقاومة ونهجها الوطني القومي الاسلامي.وهذا الفكر نشاء في نفس المقاوم الوطني من خلال ايمانه بحرية ووحدة وسيادة العراق ومن تطلعه لبناء العراق علميا واقتصاديا وقيميا وحضاريا ,وكذلك نشاء في نفس القومي الذي يريد بالاضافة للتطلعات الوطنية الى عراق شقيق صحيح وسليم وواحد وعربي وقوي بامته العربية وفي نفس الوقت يكون هو مصدر قوة للامة وكما كان قبل الاحتلال ,وبنفس التطلعات الوطنية القومية نشاء فكر اسلامي مقاوم يتطلع لترسيخ مرجعية الدين في قيمه و مفاهيمه وليس بمرجعيات شخصيةدينية لتمزق الامة والشعب وتسئ للدين ومفاهيمه ولا تعطي الصورة الحقيقية للدين وهذا بالضبط ما تدين به وتفعله الحركات الدينية السياسية ,نحن نريد دينا يشكل ضميرا للانسان ويعزز علاقة الانسان بخالقه احتراما وتبجيلا وتقديسا اولا لفضل الخالق على مخلوقه في هذه الحياة وثانيا لتتوحد كل البشرية ويتقاربوا فيه ويتجانسوا ويتعارفوا و يتحابوا وكما تقول الاية الكريمة(يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)(الحجرات :الاية13).هذا هو الاسلام في روحه ومنهجه وليس كما يصورونه المتشددين.


ثانيا-ان عقلية المقاومة لم تنشاء في العراق بعد تاريخ الاحتلال.ومن السذاجة تماما ان الذي يتبنى رأيا مفاده بان اية مقاومة لاي احتلال ستهزم المحتل بالطريقة الدرامايتيكية التي يقول عنها الاستاذعبد الامير واصحابه,فالمقاومة تكون اهدافها باتجاه هزيمة المحتل من خلال ايقاف مخططاته التوسعية و تثوير الشعب وكذلك باتجاه اضعافه وصولا لهزيمته, اي فهم النصر عند المقاومة العراقية البطلة تختلف عند المنهزمين والمتذبذبين ومن يروج لفكر الانهزامية ويثقف بثقافة الاستسلام في حين المقاومة العراقية البطلة تفهم ان احد اوليات النصر هي في احتواء التوسع الامريكي والايراني في العراق والمنطقة وايقاف تمددهم نحو الامة والتغلل في جسد المجتمع العراقي لتشويه وافقاده لهويته العربية,وكل المراقبين للشأن العراقي يقرون ان ثورة 14 تموز هي حصيلة ونتيجة مقاومة الشعب العراقي لكل المعاهدات والمواقف التي وقعت في ظل الاستعمار الانكليزي للعراق,وان ثورة 14 رمضان كان حصيلة مقاومة القوميين والاسلامين ويقودهم البعث ,وثورة 17تموز كانت نتيجة المقاومة الشعب العراقي بقيادة البعث الخالد,وكل المؤمرات التي واجهتها ثورة البعث كانت مقاومةثورية,ومقاومة الشعب والجيش للاحتلال الايراني في الثمانينات وفي ام المعارك الخالدة في 1991 وكذلك مقاومة الشعب و الجيش للاحتلال الاجنبي في عام 2003هي القاعدة الرصينة لانطلاقة المقاومة العراقية بهذه القوة الفعالة في حياة شعبنا العراقي وفي المنطقة ايظا.    


ثالثا-ان حاضنة المقاومة كفكر وفعل متحققة في تنظيم حزب ثوري وهو حزب البعث العربي الاشتراكي,و ان هذه الحاضنة (الحزب)مضى على تكوينه الفكري اكثر من ثمانين سنة وتنظيما اكثر من ستين سنة وهو ركيزة اساسية للمقاومة العراقية ويمارس دورا قياديا فيها.ويظهر في ديناميكية المقاومة وكذلك فيصياغة فكرها , فالحزب حاضنة متطورة في الفكر والممارسة ويظهر ذلك من المساهمات الجادة والاضافات الفكرية التي تنضح من الحركة اليومية ليوميات المقاومة وكذلك في تطوير اساليب القتال من خلال الرفاق العسكرين الموجودين في مؤسسة الحزب التنظمية.فهو رافد اساسي في فعل المقاومة الجبار.


4-الحقيقة الرابعة  
النفس المهزومة في داخل الاستاذ عبد الامير الركابي واضحة تماما من خلال تنضيره بان شعبنا العراقي لم يحقق اي انتصارات وطنية حاسمة وكبرى في حياته ولم يعرف الاتحاد الوطني الشامل خلف قيادة قامت بطرد الاحتلال !اي نفس هذه ؟واي سفسطة هذه؟ واي استنتاجات توصل اليها من صف نفسه الى جانب كتاب كبار في صحيفة نكن لها الحب والتقدير, الله يسامح ( صحيفةالقدس العربي ) على هذه الاقلام التي نشف حبرها فاستعانت بقئ الاجنبي وانكسرت انصال اقلامها فاستخدمت اسنان افعى اما تكون امريكية او صهيونية او ايرانية وباع اصحابها شرف منهتهم واشتروا بدلا عنها بدلة رقص اجنبية.كيف يمكن ان يكون هذا استنتاج لكاتب ؟اولا_هل نتائج الصمود والمقاومة تنحصر بخروج فوري للمحتل ؟وثانيا_هل يعتير صاحب المقالة ان انتقال مركز الحضارة من بغداد الى مدينة اخرى وبحكم قانون ارضي يقر بتناوب و انتقال مراكز الحضارات دلالة على ضعف العراقين في ذلك الوقت وغياب روح المقاومة,وهل وحسب تحليله ان دمشق غابت بعد انتقال مركز الخلافة منها الى بغداد .ان هذا تفسير ساذج و ان منتوج المقاومة وكما ذكرنا سابقا ليس في التحصيل الاني بخروجه من البلاد ولكن في تثوير النفس وتأصل روح المجابهة والمقاومة لكل انواع الاستغلال و الاستعباد في نفوس الشعوب ,والميدان القتالي بين المحتل و الشعب المقاوم ليس هو الذي يحدد حالة النصر فقط ,بل ما تخلقه هذه المجابهة و المقاومة في نفس الشعب المقاوم وكذلك تاثيراتها ما هو حول الشعب المجاهد من  كيانات او موسسات اجتماعية وسياسية.

 

اما سوألك من اين نأتي بهذه المفاهيم والقياسات ننسبها للعراق,فالذي مصاب بعمى الالوان لا يميز الالوان عن بعضها واما المصيبة عند الذين مصابين بعمى المواقف التأريخية ,والتي لاتتيح للمسكين المريض بها ان يقراء التاريخ والحاضر والمستقبل قراءة صحيحة وواقعية ,وبالتالي لا يستطيع ان يميز البطولة من الخنوعة وبين الاستسلام والصمود والمقاومة ,ونحن لا ننسب للعراق المواقف الكبيرة بل العراق يفرض نفسه في المواقف البطولية ولم يستطيع بما فيهم انا ان نرتقي بالكتابة الى مستوى وصف واحد لمواقف العراقين الاجداد والابناء ويكفي ايها الغريب ان تعرف ان العراق كان مركزحضاري من سومر الى بابل واشور ولالاف السنين والحيرة الحضر وبغداد وكربلاء والبصرة والنجف وسامراء وحتى القادسية الثانية ,وهل هذه البؤر الحضارية لمدن العراق هي مفتعلة وهل المواقف البطولية لشعب العراق على مدى التاريخ مصطنعة وكأنني اخاطب عجميا .. ولحد الان بدء قلمي يخجل مني في ان احادث من ينكر على اهله بطولاتهم ويتجرأ ويتدنى لان يشوهه تاريخهم وكفى..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١٦ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٢ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م