تكفيرعلماء الصفويين : لحظة تأمل

 
 
 

شبكة المنصور

علي الصراف
الضجة التي تثار حول ما قاله إمام الحرم المكي الشيخ عادل الكلباني في "تكفير علماء الشيعة" يبدو أنها لا ترحم. وما من طائفي في السعودية إلا وصار مدافعا عن "الوحدة الوطنية" في مواجهة "البغضاء" التي قيل أن الشيخ الكلباني يبثها. حتى لكأن الطائفيين لم يهددوا بانفصال المنطقة الشرقية قبل وقت قصير (من اجل الالتحاق بإيران، ربما). فهذا التهديد لم يكن "خطرا على الوحدة الوطنية" ولا نشرا للبغضاء!


في مقابلته مع تلفزيون "بي.بي.سي" العربي، بدا الكلباني حذرا ومتحفظا لكي لا يلقي الكلام على عواهنه، لاسيما وهو يعرف أن كل كلمة يقولها تُحسب عليه. فهو قال بأن تكفير "عامة الشيعة (مسألة) يمكن أن يكون فيها نظر، أما بخصوص علمائهم فأرى أنهم كفار، بدون تمييز".


وضعُ فارقٍ بين "عامة الشيعة" وبين "علمائهم" فيه حكمة. أولا، لأن هناك فارقا جوهريا بين الشيعة العرب والشيعة الصفويين. فبينما مذهب الشيعة العرب يقوم على موالاة البيت الهاشمي من بيوت العرب، فان مذهب الشيعة الصفويين يستخدم "حب آل بيت علي بن ابي طالب" كغطاء وتقية لتمزيق الدولة العربية وإعلاء شأن الهيمنة الفارسية. وثانيا، لأن القاعدة في "العلماء" هي انهم يعلمون الحقيقة، فاذا تعمدوا الانحراف عنها، فقد كفروا.


ولكي لا يخرج كلام الشيخ الكلباني عن سياقه فانه أوعز هذا الموقف من "علماء الشيعة" (وأغلبهم صفويون) الى سبب، قائلا أنهم يسبون اقرب صحابة رسول الله اليه. ولا يمكن أن يكون مسلما من يهين أولئك الصحابة ومنهم أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهم).


المناظرة الحقيقية مع الشيخ الكلباني كان يجب أن تنطلق من السؤال البسيط التالي: هل يهين علماء الشيعة (الصفويون) هؤلاء الصحابة فعلا؟ هل ينظرون إليهم بازدراء؟ هل يقولون فيهم ما لا يقال؟ هل يوجهون لهم اتهامات باطلة؟ هل يفترون على علاقتهم بعلي بن ابي طالب (ع) فيظهرونها وكأنها علاقة عداوة وبغضاء؟
الجواب البسيط على كل هذا: نعم. هم يفعلون ذلك وأكثر.


الآن،..
إذا كنت تؤمن أن القرآن الكريم أورد في أبي بكر الصديق ما يكفي من الأدلة على صحبته وصداقته للرسول، فلابد لك أن تشعر أن إهانته هي إهانة صريحة للقرآن.


وإذا كنت تعرف أن الإسلام صار دعوة علنية بفضل النصر الذي تحقق له بإسلام عمر بن الخطاب، إذ توجه الرسول بدعائه الى الله قائلا: "اللهم أنصر الإسلام بأحد العمرين"، فلا بد انك ستشعر أن أي كلمة سوء في هذا الفاروق، هي كلمة سوء بذلك الدعاء، بل وبمحمد (ص) نفسه.


وإذا كنت تعلم أن عثمان بن عفان تخلى عن كامل ثروته من اجل رفع راية الإسلام، وكان معروفا عنه انه كان يقرأ القرآن ويبلله بالدموع من خشية الله، وانه كان هو الذي جمع القرآن الذي بين يديك، فحفظه الله من خلاله، بأي قسط كان، فلابد انك ستجد في إهانته إهانة للإسلام.


وهذا ما يفعله صفويو الديانة الفارسية. فهم يتخذون من الإسلام غطاء مزيفا لتفتيت الإسلام. وهم يتعمدون إهانة هذا الدين وتشويهه في أعز وأرفع ما عرف من رجال. وهم يبتنون تاريخا مزيفا، وينسجون أساطير، ويختلقون بدعا، ويضيفون على الإسلام ما ليس فيه، ويؤلهون علي بن ابي طالب، ويقدمونه على الرسول، ويذكرونه ويذكرون أبناءه أكثر مما يذكرون الرسول نفسه.


وهم يفعلون كل ذلك ليس من اجل أن يجعلوا من "إسلامهم" المزيف مذهبا، بل بالأحرى من اجل أن يبدو دينا آخر لا علاقة له بالإسلام لا فقها، ولا تاريخا، ولا حتى أصولا.


فالقرآن نفسه أصبح ضحية للتأويل الغنوصي، المجوسي، من اجل أن يُستخرج منه ما ليس فيه.
وهم يقرأون كتابا آخر، ليس القرآن سوى ظاهر له، أما باطنه فهو ذلك التأويل الذي يجعل منه كتابا مختلفا تماما، لا علاقة له بما أنزل على محمد (ص).


هل الذين يفعلون ذلك، جهارا نهارا، أمس واليوم وكل يوم، يمكن أن يكونوا مسلمين حقا؟
فكّر في الأمر. وستجد أن أولئك "العلماء" كفار، بدون تمييز. وإسلامهم إسلام زور ونفاق. ودينهم الصفوي نشأ كمشروع قومي فارسي للإنتقام من الدولة العربية الإسلامية. وهم دمروها بالفعل. وعادوا بحرسهم الثوري ومليشياتهم، برفقة دبابات العم سام، ليدمروها من جديد.


المدخل الذي يلج منه الصفويون في نشر البغضاء بين المسلمين يحيل "الخلاف" بين الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل وبين علي بن أبي طالب الى "صراع على السلطة". فعلي، من وجهة نظرهم، كان أولى بها من الجميع، رغم أن عمره عند وفاة الرسول كان 33 عاما فقط وسط شيوخ أجلاء (ابو بكر كان عمره عند وفاة الرسول 60 عاما، وعمر بن الخطاب 49 عاما، عثمان بن عفان 57 عاما). وأكثر من ذلك فإنهم يرون انه أُوصي لذريته بالخلافة، وحده دون سائر المسلمين، ويتغاضون عن أن ابنه الحسن قطع الشك باليقين عندما تخلى عنها لمعاوية بن أبي سفيان.


وكان العباس بن عبد المطلب قد أشار على علي بن أبي طالب أن يدخل على رسول اللَّه (ص) وهو مريض فيسأله عن الخلافة بعده، فإن كانت فيهم أوصى بهم. فامتنع علي قائلاً: إنه إن منعنا إياها لا ننالها أبداً.
ولو كان الرسول أوصى بالخلافة لعلي ولذريته بالفعل لما كان العباس طلب ذلك الطلب أصلا، ولكان من الأولى بعلي أن يرد عليه قائلا "انه أوصى بها لي ولذريتي من بعدي".


وتولى علي الخلافة بالفعل، ولكنه لم يورثها ولم يوص بها لأي من أبنائه. ولئن بقي الأمر مستحبا لمحبيه، فلأنهم محبون، وهو حق مشروع لهم (وكاتب هذه السطور واحد منهم)، ولكنه غير ملزم بالضرورة لعامة المسلمين، ولا يفترض أن يرقى الى مصاف العداوة ونشر الشقاق بين المسلمين، ولا إهانة الخلفاء الراشدين السابقين.


وما يزال الأمر يتطلب بحثا في حقيقة هذا الخلاف، خاصة إذا أخذ في عين الاعتبار أن حصة بني هاشم التاريخية في قريش كانت الدين لا التجارة ولا السلطة.


وقد يخضع هذا الأمر للجدل الفقهي والتاريخي، ولكن هناك ما لا سبيل للجدل فيه، ويكفي بحد ذاته لتقديم البرهان على أن الخلفاء الأربعة كانوا شركاء في كل أمر تقريبا، وظلوا يسندون بعضهم بعضا ويتشاورون في كل أمر. لا بل أنهم كانوا أقارب لبعضهم البعض، حتى لكأنهم من أسرة واحدة، وعلى طول الوقت.


فلئن كانت فاطمة الزهراء زوجة علي بن أبي طالب تبدو "أعز" لدى الصفويين من شقيقتيها، لأغراض النفاق، فالحقيقة هي أن رقية كانت زوجة لعثمان بن عفان، وبعد وفاتها بثلاث سنوات صارت أم كلثوم زوجة له.
وكانت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب زوجة لعمر بن الخطاب في خلافته، بل وزوجها أبوها له.
وكانت عائشة بنت ابي بكر زوجة للرسول، بل وقيل أنها كانت أحب زوجاته اليه بعد خديجة.


وكانت حفصة بنت عبد الرحمن بن ابي بكر زوجة للحسين بن علي. وكان ابو بكر جدّا لجعفر الصادق من جهة أمه، وهي أم فروة بنت أسماء بنت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.


وفي كل زيجة من هذه الزيجات كان هناك أبناء وبنات ينتسبون الى آل هذا البيت بينما هم ينتسبون في الوقت نفسه الى ذاك.


ولو كانت هناك كراهة او بغضاء بين علي بن ابي طالب وبين أبي بكر، لما كان سمى إثنين من إبنائه باسمه. ولو كان ثمة صراع في الخلافة مع عثمان لما كان علي سمى اثنين آخرين من أبنائه باسم عثمان أيضا، ولا كان سمى إثنين آخرين بإسم عمر. وعلى سيرة أبيه سمى الحسن بن علي بن ابي طالب اثنين من إبنائه تيمنا بأبي بكر وعمر، كما سمى الحسين بن علي بن ابي طالب واحدا من أبنائه تيمنا بأبي بكر.


أبو بكر وعمر وعثمان بالنسبة لأحفاد علي اجدادٌ من جهتي الأب والأم معا، في خليط نسجه الإيمان برسالة الإسلام والحب لرسوله.


هذا هو الواقع. وهذا هو التاريخ. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
ولكن الصفويين ينسجون عداوة بين آل البيت الواحد، ويألبون على الكراهية ضد الخلفاء الثلاثة الأوائل من أجل يتسللوا الى الإسلام بالبغضاء.


وهم كفار، طولا وعرضا. ليس لأنهم يكرهون خليفة ويزعمون حبا لآخر، بل لأنهم ينسجون حول بؤرة الكراهية و"الحب" دينا آخر، حتى حولوه الى "فرق موت" تتحالف مع دبابات العم سام، ضد المسلمين.
واليوم، أنظر الى قنواتهم الفضائية، وستجد انها تؤسس لدين يدور حول أبناء وأحفاد علي، أكثر مما يدور حول محمد (ص) الذي يكاد لا يُذكر أصلا. والغاية من ذلك هي نشر الشقاق والبغضاء بين أهل الدين الواحد.


والشيعة العرب براءٌ من بغضائهم. فهؤلاء يدركون أن لهم مع السنة قرابةً ونسبا وصلاتِ رحمٍ لم تنقطع منذ تلك الأيام الى يومنا هذا. وهم ظلوا يتزاوجون ويتناسبون ويسمون أبناءهم تيمنا بابي بكر وعمر وعثمان وعلي من دون حساب. فالعروبة هي ما يجعلهم منزلا واحدا لدين واحد.


علماء الصفوية الفارسية، الذين يغلبون اليوم على "المذهب"، لا يستحقون أن يُنظر إليهم على أنهم مسلمون. هذا اللقب يجب أن يُسحب. فإذا اقتضت الضرورة حوارا بين المسلمين وبينهم، فليس في إطار الحوار بين "المذاهب" وإنما في إطار الحوار بين الأديان، لأن دينهم ليس من الإسلام في شيء، إلا في بعض المظاهر. وحتى هذه المظاهر فقد عبثوا بها وأضافوا عليها ما لم يكن فيها ساعة قال الرسول (ص) "اليوم أكملت لكم دينكم".


ضع ما قاله الشيخ الكلباني في سياقه وستجد انه كان على حق . فهو لم يكفّر أحدا إلا من كفّر أعز رجال الإسلام وأقربهم الى رسول الله.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٢ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٨ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م