ديمقراطية ما بعد النكبة والمثقفين

 
 
 

شبكة المنصور

فؤاد الحاج
منذ أن تعرضت فلسطين إلى الاحتلال ومن ثم إعلان الكيان الصهيوني تأسيسه في الخامس عشر من أيار/مايو 1948 بالحديد والنار وقتل الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، كنا ولازلنا نطالع مئات البيانات والكتابات سنوياً في هذه المناسبة التي ألمت بشعب فلسطين، ومع انقضاء الأيام وازدياد النكبات وسنواتها يزداد عدد كتاب البيانات ومعهم يزداد عدد الروايات والأفلام التي تحكي قصة شعب فلسطين العربي ومقاومته للاحتلال الغاصب. وهكذا تمضي السنين ونحن نطالع تلك البيانات والروايات ومعها نطالع الإدانات والشجب والاستنكار لمواقف أنظمة الهوان العربية التي ساعدت ولازالت على تثبيت الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، بدءاً من الاعتراف السري منذ ما قبل إعلان الكيان الصهيوني ككيان قائم بذاته وصولاً إلى العمل العلني المشترك بين أنظمة الاستبداد الناطقة بالعربية - ما بين المحيط الأطلسي والخليج العربي - والمحتلين الذين ترعاهم وتحميهم قوى الشر العالمية منذ عهد (بريطانيا العظمى) التي كانت تتستر برمز الصليب الذي تفننوا بألوانه وشكله وزواياه وأضلعه، وندّها فرنسا التي كان ولازال الديك رمزاً لها، وصولاً إلى خليفتهما اليوم إدارات الشر الأمريكية المتعاقبة على حد سواء الجمهوريين الذين جعلوا الفيل رمزاً لهم، والديمقراطيين الذين اتخذوا الحمار رمزاً لهم.. ومع اندثار شمس الإمبراطورية البريطانية نجد أن فرنسا لازالت تحلم بعودتها وتحقيق حلمها الإمبراطوري ومشاركة إدارات الشر الأمريكية بالسيطرة على البلدان العربية مع توسع حلمها بالسيطرة على بلدان الخليج العربي النفطية، وهذا ما برز خلال العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 حيث لم تؤيد فرنسا هذا العدوان وعارضته بشدة معتبرة أنه ضد إرادة ما يسمونه المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي، بينما بريطانيا ساهمت فيه بمختلف أنواع وصنوف الأسلحة والقوات العسكرية إضافة للدول التابعة للتاج البريطاني من دول الكومنولث وفي مقدمتهم استراليا، وبعض الدول التي ترزح تحت سيطرة صندوق النقد والبنك الدوليين، وكذلك المستفيدين من تدمير العراق ومنهم إيران، بمساندة من بعض أنظمة العار الناطقة بالعربية ومنهم دول الخليج العربي دون استثناء والنظام الحاكم في بلاد نجد والحجاز.


وفي المقابل نجد أن الأمة العربية بكل ملوكها وأمرائها ورؤسائها وزعمائها ودون استثناء يتخبطون بين ولاؤهم لبريطانيا وصليبها وأشكاله وألوانه المتعددة الذي يجده الباحث ضمن بعض الأعلام الرسمية لدول المصالحات في الخليج العربي، وبين الولاء لخليفة الاستعمارين البريطاني والفرنسي الذين أفل نجمهما دون أن تذره الرياح أو تعصف به الذاريات، لأنهما خلّفا جيلاً جديداً من المستعمرين الجدد الذين أبادوا الملايين من سكان أمريكا وكندا واستراليا الأصليين للتوسع والسيطرة على الخيرات الطبيعية لتلك البلاد باسم (التحرر والديمقراطية) وربيبتهم اليوم إدارات الشر الأمريكية المتعاقبة من حزب الفيل الجمهوري أو حزب الحمار الديمقراطي! ومع انهيار طموحات حزب الفيل الجمهوري والانكسارات الاقتصادية وكره العالم لأمريكا بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003 والدعم الكامل للقاعدة الأمريكية الصهيونية المتقدمة في فلسطين، وبروز الحمار الديمقراطي وتوليه السلطة في أمريكا ضمن لعبة سياسية ذكية برئاسة بارك أوباما من أصول أفريقية، ليقولوا للعالم أنهم ليسوا بعنصريين وأنهم يؤمنون بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الإنسان، في محاولة منهم لإعادة الهيبة والاعتبار لاسم أمريكا الذي نزل دون الدون من السلبية في عهد الفيل الجمهوري بقيادة جورج بوش الصغير، عادت فرنسا لتأخذ دورها في اقتسام الغنيمة في الخليج العربي حيث أقامت قاعدة عسكرية جوية وأخرى بحرية والباقي يتوالى لاحقاً، وقد أعلن الرئيس الصهيوني الفرنسي ذلك بقوله في افتتاح القاعدة الفرنسية "المسؤوليات التي تنوي فرنسا، وهي قوة عالمية، تحملها إلى جانب شركائها المميزين في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للعالم بأسره".!! فماذا يمكن أن نتوقع من قوى الشر العالمية التي شعارها ورمزها فيل، وحمار، وديك، وصليب مدبب الزوايا.!!!


وفي المقابل نجد الضياع والتقلّب حتى النقيض بين عدد كبير من الأحزاب والتنظيمات العربية كما بين هذا هذه الجبهة وذلك الفصيل، الذين وعلى مختلف مسمياتهم يقولون أن فلسطين هي القضية المركزية دون أن يعرف المواطن ما المقصود بالمركزية. فهذا التنظيم يقول إن تحرير فلسطين هو الأولية في سلّم توجهاته، وذاك يقول أن إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني هي الأولية، وبين هذا وذاك نجد أن حق العودة والتعويض لا يمكن التراجع عنهما، وبعضهم يقول بالعودة إلى حدود 1967، والبعض الآخر يقول إن الثوابت الفلسطينية هي تلك التي أقرتها منظمة التحرير الفلسطينية في بداياتها، مع العلم أن كل مقررات منظمة التحرير الفلسطينية وثوابتها ذهبت أدراج الرياح منذ أن دخلت هذه المنظمة في مباحثات سرية ومن ثم علنية مع الغاصبين لفلسطين في "مؤتمر مدريد" عام 1991، ومن ثم في المباحثات التي نتج عنها "اتفاقية أوسلو" المشؤومة عام 1993 وتم توقيعها في واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون (الحمار الديمقراطي) زوج الست التي تحمل حالياً صفة "وزيرة خارجية أمريكا".. وكان نجوم ذلك الاتفاق "شيمون بيريز" رئيس الكيان الصهيوني حالياً ومحمود عباس "رئيس سلطة حكم الذات الفلسطيني" وشلة تلك السلطة المعروفين الذين تنازلوا عن كل أوراق التوت حتى لم يبق عندهم أي ورقة ليستتروا بها، دون أن ننسى سلسلة أمراء وملوك ورؤساء أنظمة الذل والهوان الذين يعملون سماسرة لترويج بضاعة "السلام" المزعوم إن كانوا "معتدلين"، أم "متطرفين" بحسب تعبير السيئة الصيت كوندوليسا رايس!! ودورهم في خلق الإحباط والقرف منهم، لأنهم طرف أساس في تحقيق التي تعمل على تحقيق بروتوكولات أعداء الإنسانية ضمن ما يسمى "الفوضى البناءة" بالنسبة لقوى الشر العالمية بقيادة أمريكا وبيتها الأبيض بغض النظر هن لون ساكنه أولاً، وثانياً من الموقف العربي بكافة ألوانه وأشكاله من أحزاب وتنظيمات لا تعرف سوى الرضوخ باسم الديمقراطية!!


تلك الديمقراطية التي يتغنون بها ليل نهار في وسائل إعلامهم المختلفة، ولا بد من التذكير هنا بـ(الديمقراطية والأخلاق والقيم الإنسانية) في أمريكا وفي استراليا على سبيل المثال لا الحصر، حدث في ستينات القرن الماضي ولا يزال يحدث حتى يومنا هذا وإن يكن بأساليب مختلفة أن "سيدة ملونة مسنة كانت تجلس في سيارة نقل عامة (باص) ثم صعد رجل أبيض وطلب من المرأة أن تترك له مكانها، فامتنعت السيدة عن ترك مكانها لرجل أقدر منها على الوقوف لأنها عجوز في عمر أنه، فاستعان الرجل الأبيض بالشرطة التي ألقت القبض على السيدة المسنة وقدمتها للمحاكمة التي قضت بإدانتها وتغريمها، وهنا ثارت نفوس الملونين لهذا الظلم الاجتماعي، وقرروا مقاطعة سيارات النقل العامة، وصاروا يذهبون إلى أعمالهم ويعودون منها سيراً على الأقدام، ولكن (الحكومة الديمقراطية العادلة) لم تسمح لهم حتى بهذا الاحتجاج الذي لا مسيرات فيه ولا اعتصامات ولا خطابات ولا بيانات فعملت (الحكومة الديمقراطية) على القبض على مائة منهم وقدمتهم جميعاً للمحاكمة بتهمة مقاطعة وسائل المواصلات العامة واعتبار ذلك مقاطعة ورفض لقرارات الحكومة فقضت المحكمة بإدانتهم جميعاً".


ومن يطالع الصحف الأمريكية حتى الآن يجدها تطفح بحوادث امتهان حقوق الإنسان غير الأبيض وتحقيره والاعتداء عليه وحرمانه من حقوقه المشروعة في الحياة لا لشيء إلا لأنه غير أبيض، وكذلك الأمر بالنسبة لأستراليا التي أبيد سكانها الأصليون حوالي 200 ألف قبل الغزو الأنغلو-سكسوني لأستراليا ولم يبق من السكان الأصليين أكثر من عشرين ألف تائهون مشردون وضائعون بين الحانات والمخدرات إلا ما ندر منهم، ومن يطالع تاريخ "الأبورجينيلز سكان أستراليا الأصليين يجد أنه عام 1977 لم يكن لهم أي حقوق تذكر وصولاً إلى بدايات تسعينات القرن الماضي حيث تم تعيين وزير منهم هللت له وسائل الإعلام  الأسترالية بكل موجاتها وطباعاتها قد استمر ذلك لفترة بسيطة من ثم احتفى ذلك الوزير عن الشاشات والمطبوعات كما تم تعيين وزبر أبيض آخر مكانته، ورغم محاولات اعتراف الحكومات الأسترالية المتعاقبة من أحرار وعمال منذ منتصف تسعينات القرن الماضي بقضية حقوق السكان الأصليين، إلا أن ذلك لم يكن عملياً سوى دعايات إعلامية لا أكثر، إلى أن اعترفت حكومة العمال الحالية بحقوق الأبورجينيلز دون أن نجد عملياً أي تحقيق لذلك على أرض الواقع، وأيضاً من يطالع تاريخ سكان أستراليا الأصليين يجد أن كافة أنواع وصنوف الأسلحة المحرمة وغير المحرمة قد استعملت لإبادتهم وأهمها رميهم بقنابل الأمراض الخبيثة والمعدية وقطع رؤوسهم حيث كان الصياد الأبيض يقبض على قطع رأس كل شخص من الأبورجينلز مبلغاً من المال من الحكام المتعاقبين، ومن تلك الأنواع أيضاً كان خطف أطفالهم وبيعهم للبيض، وأذكر أنه في ولاية نيو ساوث ويلز في بداية السبعينات كان هناك مناطق خاصة يحظر على السكان الأصليين دخولها، وكذلك كان هناك سيارات إطفاء خاصة بالبيض وأخرى خاصة بالأبورجينلز بحيث إذا نشب حريق في منزل أو في أي مكان ما في مناطق الأبورجينلز كان البيض الديمقراطيين يحظروا على سيارات الإطفاء مد يد المساعدة في الإطفاء في مناطق الأبروجينلز، وعلى الرغم من أن ذلك قد تغيّر لاحقاً إلا أنه لم يصل إلى مرحلة إعادة الحقوق الكاملة لسكان استراليا الأصليين..


وهنا قد يقول قائل أن الحكومات الأميركية المتعاقبة قد أعطت للملونين وتحديداً السود من أصول إفريقية حقوقهم وقد وصل منهم الكثير لمناصب رفيعة وعالية إن في الحكومات مثل كولن باول وكوندوليسا رايس وأخيراً باراك أوباما الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، إضافة لعدد كبير من المسؤولين في عدد من الدوائر الرسمية وغيرها، أقول أن ذلك يبدو للوهلة الأولى أنه صحيح، ولكن وصول كل أولئك إلى هذه المناصب لا يعني أن حقوق الملونين في أمريكا لا تمتهن يومياً باسم الديمقراطية في أمريكا، وأن كل الذين وصلوا إلى هذه المناصب الرفيعة نسبياً لا يوجد بينهم شخص سوي ويحترم حقوق الإنسان وحرية المعتقد وحرية وسيادة كل دولة في أي مكان إلا ضمن مصالحهم ومصالح أسيادهم الذين أوصلوهم إلى تلك المناصب وأخيراً هؤلاء بالنسبة لجموع ملايين الملونين في أمريكا لا يمثلون أي رقم لا نسبي ولا غير نسبي مئوي وأن كل هؤلاء كانوا وبالاً على البشرية ولنا في كولن باول وأكاذيبه التي أدت إلى تدمير العراق ومن ثم غزوه واحتلاله مثل واحد فقط وهناك العشرات من الأمثلة التي يمكن تعدادها، وكذلك الأمر بالنسبة لكوندوليسا رايس ولنا في ما قامت به من دعم للاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة وفي العدوان الصهيوني المستمر على لبنان وكذلك الأمر على ما حدث ويحدث في أفغانستان وفي الصومال وفي أفريقيا بشكل عام خير مثال على ما قدمته هذه الكوندي للبشرية، وأن باول ورايس في نهاية الأمر لم يكونا سوى دمى أي مبشرين لسيدهم في الحكومة الخفية في إدارة الفيل الجمهوري دون أي اعتراض أو نقاش، وعندما شعر باول أنه لم ليس سوى دمية استقال من منصبه وأعلن عن الأكاذيب التي أطلقها للاحتلال العراق.


وأعتقد أن الكثير من المتابعين لمجريات الأوضاع العالمية مازالوا يتذكرون تندر الرئيس (الديمقراطي) بيل كلينتون بالتابع كوفي أنان أمين عام ما يسمى هيئة الأمم المتحدة عندما كان يهزأ به كان يلفظ اسمه مستهزأ فكان يناديه (كوفيييييي) وذلك يعني نسبة إلى لونه الشبيه بالقهوة أي بالسواد وهكذا.


أما بالنسبة لباراك أوباما فقد كتبت قبل أن يصبح رئيسا رسميا للولايات الأمريكية المتحدة في فترة ترشحه الأولى ولا زلت أكرر أنه ليس أكثر من دمية وعندما يشعر أسياده أنه غير صالح لتنفيذ مآربهم فأن نهايته في أقصى الحالات ستكون مثل نهاية جون كندي، أو سيخلقون له قضية مثل قضية (إيران-كونترا-غيت).


ولا زال العرب كل العرب ودون استثناء تائهون ما بين الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي الذين أضاعوا حقوق الإنسان في كل مكان.


بعد كل ما تقدم ألا يحق لنا أن نسأل ما هو دور المثقف الوطني والقومي؟
باختصار أقول أن ضياع الحقوق العربية بدأت مع المثقف التائه الذي يريد الحرية والديمقراطية دون أن يعرف أين يقف وكيف يمكن تحقيق مطالبه، فهو يريد الحرية والديمقراطية دون أن يبني أسس متينة ليقف عليها من خلال تعليم وتثقيف الجماهير مع العلم أن مؤسسي الأحزاب القومية العربية منذ بدايات أربعينات القرن الماضي قد وضعوا الأسس لكيفية الحصول على الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء الوطن على هذه الأسس، ولكن مع الأسف نجد أن المثقفين الجدد ابتعدوا عنها وطرحوا آراء وأفكار جديدة إذا نظرنا إليها وقرأناها بتمعن نجد أنها صيغ مختلفة لما طرحه رواد القومية العربية الأوائل وإن الرواد الأوائل في طروحاتهم وأفكارهم كانوا أوسع شرحاً وأكثر قدرة على استشفاف مستقبل الأمة العربية والإنسانية، وفي المقابل أيضاً نجد أن المثقفين الوطنيين والقوميين الملتزمين وغير الملتزمين أو المنضويين تحت لواء أي من الأحزاب الوطنية والقومية لم يقاموا بما يجب أن تكون المقاومة والرفض لطروحات القوانين التي فرضاها أنظمة الاستبداد الناطقة بالعربية. وهنا أؤكد على أم مأساة أو نكبات الأمة العربية بدأت ليس عام 1948 فقط بل بمسلسل النكبات المتلاحقة التي تلت 1948 وصولاً إلى عام 1990 حيث تم ترويض الجماهير أولاً من خلال أنصاف المثقفين الذين لا يوجد لديهم بعد نظر لا سياسي ولا اجتماعي ولا اقتصادي ومع الأسف هم الذين يقودون الآن شرذمة الأحزاب الوطنية والقومية، بينما القيادات التاريخية أو المؤسسة منها من مات دون أن يدري أحد عنهم شيئاً ومنهم من طوته الذاكرة وصفحات الإعلام الحزبي فباتوا نسياً منسيا، أما قيادات التي تلتهم إما مشردون في بلاد الله الواسعة لا تقبل سلطات بلادهم الأم عودتهم إليها فباتوا يعيشون مع آمالهم وأحلامهم وأمراض شيخوختهم في أصقاع متفرقة من العالم، وأما من عاد منهم قسراً إلى وطنه الأم فأنه يعيش قيد الالتزام بعدم التصريح أو الكتابة أو الاشتراك في أي عمل جماهيري أو ضمن أي مجموعة غير المجموعات التابعة لأنظمة الفساد والذل.


هذا من جانب أما الجانب الأخطر فهو قبول القوى والأحزاب والتنظيمات والفصائل والجبهات وكل النقابات العمالية والمهنية وكل الفصائل الفلسطينية دون استثناء، وكل رجال الدين أيضاً دون استثناء، وكل ما له علاقة بالعمل وتواصل مع الجماهير عام أم خاص، قبول كل أولئك بإلغاء كلمات مثل الصراع  العربي الصهيوني، والكيان الصهيوني، واستعمال بدلاً منها كلمة (الصراع العربي-الاسرائيلي)، و(حل الدولتين)، و(الدولة العبرية)، و(الدولة اليهودية)، و(الشرق الأوسط) حتى كلمة (اسرائيل) مع الأسف لم يعودوا يضعوها بين قوسين، والكثير من الكلمات التي كانت سائدة في لغة الأحزاب والمنظمات والسياسيين قبل غزو العراق واحتلاله، ولا يعني ذلك أن العراق كحكم وحكومة وطنية وقومية لم تستعمل لفظة (إسرائيل) خلال فترة أبشع حصار في تاريخ البشرية الذي وصل إلى أكثر من اثني عشرة سنة، ولكن ذلك كان له ما يبرره آنذاك بسبب التهديدات الأمريكية والبريطانية منذ ما قبل وبعد الحصار من أجل توجيه الرسائل السياسية الخطابية إلى غير العرب وتحديداً إلى إدارات الشر المتعاقبة في أمريكا، كما أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر استعمل تلك الكلمة، وهنا يجب أن نفرّق بين الحكم وبين القوى والأحزاب الوطنية والقومية في استعمال تلك الكلمات، وهذا له بحث آخر، ولكن المهم هنا أن الكثير من الكلمات التي كانت سائدة ذكرت بعضها أعلاه، إنما مسحت من التداول إن في قاموس الأحزاب الوطنية والقومية، أو في لغة التداول الجماهيري منذ عام 2003 نهائياً، حتى أن الذين يقال لهم مفكرين وباحثين وما أكثر تلك الألقاب أيضاً بدأوا يستعملون تلك الكلمة، وقد انسحب ذلك على وسائل الإعلام دون استثناء، حتى عند أولئك المثقفين والإعلاميين الوطنيين والقوميين الذين نجد في أي مقالة أو تحليل أو حوار متلفز أن كلمة (اسرائيل) ترد في كلماتهم وعلى لسانهم مرات ومرات، دون أن يستعملوا أي من الكلمات السابقة! وهنا مكمن الخطر، حيث أنهم في كتاباتهم أو في حواراتهم إنما يكرسون مع الأسف وجود الكيان العنصري الغاصب لفلسطين العربية.


أكتفي بما ذكرته أعلاه لأنتقل إلى موضوع آخر هام له علاقة بأسباب نكبات الأمة ودور المثقفين أيضاً ألا وهو العلاقات التجارية مع دول الغرب بشكل عام، لأقول أن الأنظمة التي أولت قيادة بنائها وتجارتها إلى أعداء الإنسانية، وأقاموا العلاقات التجارية مباشرة أو غير مباشرة وفتحوا مكاتب تجارية أو علاقات وما إلى هنالك من تسميات مع الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ومع الولايات المتحدة الأمريكية كذلك من خلال الشركات المتعددة أو من خلال منظمة (الغات) وغيرها ويتفاخرون  بها، فأن الراسخين في علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع يرونها دليلاً على انهيار الأمم، لأنهم أسلموا قيادة بلدانهم لمن قالوا عنهم أي عن العرب عموماً وتحديداً أنظمتهم في بروتوكولاتهم: "عمياناً، وكلاء، أجراء، أغبياء..." ومن يرد المزيد عليه بالعدوة إلى قراءة البروتوكولات مجدداً، وما حدث مؤخراً من انهيارات اقتصادية عالمية ليس إلا طرفاً من مؤامرات الصهيونية العالمية.. وهذا لا ريب يدل على واقع وحقيقة ما ورد في تلك البروتوكولات، إضافة إلى أن أنظمة الذل والعار الناطقة بالعربية كما ذكرت أعلاه إنما هم خَدَمْ للصهاينة لتحقيق مقولاتهم في هدم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، لأنهم رعيان، والرعيان لا يأبهون من أن تأكل مواشيهم ما تأكل.


وأخيراً أرجو من جميع المثقفين الوطنيين والقوميين لحظة تأمل منهم بلوحة الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج، تلك اللوحة الفسيفسائية من المشرق إلى المغرب العربي التي تروى بأنهار الدماء المتدفقة في العراق وفي فلسطين وفي الصومال وفي موريتانيا وفي السودان وفي اليمن وفي الجزائر وفي لبنان وباقي أرجاء البلاد العربية منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، أكرر فقط أريد منهم التأمل بما تبثه فضائية "الجزيرة" وعلى أي أخبار تركّز، وكذلك على الفضائية الإٌيرانية المسماة "العالم"، لأقول مذكّراً بأن ما تسعى له الصهيونية العالمية وعلى لسان المسؤولين الأمريكيين من ديمقراطيين ومن جمهوريين دون استثناء، حول مخطط ما أسموه (الفوضى البناءة) التي هي في واقعها فوضى هدامة، وأن ما نراه الآن من أحداث في اليمن وفي مصر وفي لبنان وفي موريتانيا وفي فلسطين وفي عدد آخر من الأقطار العربية، إنما يصب في خانة ذلك المخطط البغيض، وكذلك ما نشاهده في الفضائيات الناطقة بالعربية، وما ينشر في بعض وسائل الإعلام وفي مواقع في الانترنيت، من حوارات وكلمات وبرامج أيضاً تصب في مخطط الخانة الهدامة، وكذلك ما نسمعه في غرف (البالتوك) وغيرها، أيضاً إنما يخدم ذلك المخطط الهدام، بمعنى أن الصهاينة يعملون على تنفيذ مخططاتهم القديمة وتوسعهم على حساب طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وطرد العراقيين من أرضهم واستقبالهم في دول الغرب دون استثناء بحجة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، ليتم تفريغ أرضهم وتوطين آخرين غرباء عنها، وفي الوقت نفسه ليستفيدوا من المهاجرين العرب في كافة المجالات إن كخبراء أو علماء أو عمال أو من خلال أولادهم وأجيالهم، تماماً كما حدث مع اللبنانيين الذين هاجروا من وطنهم منذ منتصف سبعينات القرن الماضي بسبب الحرب المؤامرة التي ساهم في إشعالها ليس القوى الانعزالية فقط بل كل القوى في لبنان دون استثناء من خلال الرد والرد المضاد بدعم صهيوني وعربي وأوروبي وأمريكي، وهذا أيضا يحتاج لبحث آخر، المهم هنا أنه بينما الكيان الصهيوني ينفذ مخططاته التي لا يمكن ينسوها في الأدراج كما يفعل العرب الذين يتلهون في الردود والردود المضادة، كما يتلهون في مقاومة بعضهم البعض، وتكفير هذا وذاك باسم الإسلام الذي هو منهم بريء، وما الكلمات التي نسمعها مع الأسف من العراقيين واللبنانيين ومواطني الخليج العربي والجزيرة العربية عن المذاهب والفرق وتكفيرها، سوى خدمة الصهيونية العالمية التي تريد تشتيت وتفريق العرب والمسلمين تحقيقاً لمخططاتهم، - ومن يعود لقراءة ما كتبه السيء الصيت "هرتزل" يجد أن تلك المخططات كلها تم تنفيذها تقريباً – وأهمها تهديم المجتمعين العربي والإسلامي، وإعادته إلى عصور الجاهلية، التي برأيي ليست إلا ضمن مسلسل الفوضى الهدامة.


وأن ما تبثه فضائية "العالم" التي هي الوجه الآخر لفضائية "للجزيرة" إنما تخدم مشروع ما أسماه اللعين جورج بوش الصغير "إعادة رسم خارطة المنطقة العربية" التي تعني صراحة تقسيم البلاد العربية إلى كانتونات، كما هو حاصل الآن في العراق، إضافة إلى تقسيم البلاد العربية إلى طوائف ومجموعات مذهبية، وما يحصل الآن في اليمن تمهيد لإعادة تقسيم هذا البلد العربي بعد اقتتال اليمنيين فيما بينهم، ولنا في ما حدث ويحدث في الصومال وفي موريتانيا وفي السودان برهان ساطع لا يحتاج إلى الجدل حوله.


على أمل أن يعود المثقفين العرب الوطنيين والقوميين إلى إعادة النظر في فسيساء الوطن العربي وما يجري فيها، فأن الأجيال لن ترحم أي منهم، كما لأنها لن ترحم أنظمة الذل والهوان الناطقة بالعربية.. اللهم استر من الآت..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٠٣ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٩ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م