الصراع العربي الصهيوني ... بغداد اولا ..!..

 
 
 

شبكة المنصور

الهادي حامد / تونس
الاستراتيجيات تحددها طبيعة المعارك. لا تستوحى من خيال الفلاسفة والشعراء ولا من انساق المنظرين و مهندسي الكلام.ولا تحددها موازين القوى المتغيرة والمتفاعلة بدورها. كما لا تتغيربتغير عنصر متغير في حد ذاته. إنما المتغيرات تلقي بضلالها على الخطط الفرعية والتكتيكات المرحلية ذات الأهداف القريبة بمعيار الزمن وإمكانية الانجاز. من اجل التعلق من جديد بالهدف الاستراتيجي العام. فنحن لا نختلف عن مشروعية حلم تحرير فلسطين. هذا نتوارثه جيلا عن جيل و نتقاسم أعباؤه وهمومه.لكننا نختلف عن مدى انسجام خيار السلام معه. في ضوء حساب تقتضيه المرحلة وتتطلبه المتغيرات، وفي الحساب قد نختلف و نتفارق.


منذ أن استوطنت عصابات إرهابية ممولة ومدفوعة من الحركة الصهيونية ارض فلسطين ، ونجحت في الاستحواذ على مساحة انطلاق ومضت في القتل والتهجير . ثم بدا اليهود عبر العالم في التوافد إلى الأرض الموعودة، خالقة وضعا جديدا على الأرض مهد لنشأة "دولة إسرائيل " التي نجحت في حشد الاعتراف الدولي بها واستصدار شهادة الميلاد الرسمية بقرار أممي...أصبح الوجود العربي معلقا بين الأرض والسماء، متناثرا ، متصارعا مع فنائه، من اجل فرصة للعودة إلى جغرافيته التاريخية، الفرصة التي لازلنا نلاحقها. فالصراع،شكلا ومضمونا هو بين طرفين: طرف وافد من أمم كثيرة ومن أنحاء العالم كافة ليبني وجوده على نفي وجودنا ونحن الذين يجب أن نبقى حيث وجدنا، على أرضنا التاريخية، التي صنعنا منها ثقافة وروحا وكيانا.هذا حكم الواقع. وليس حكم الايديوجيات على اختلافها التي تراه صراعا طبقيا أو بين يهود ومسلمين أو بين القوى الدولية النافذة ..وان كان حكم الواقع هذا قد لا يتناقض مع بعضها فيدمجها ضمن تفصيلاته.

 
طبيعة الصراع ، على النحو الذي بينت ، تفرض علينا التحرير كهدف استراتيجي.ووسائل التحرير بحسب وسائل العدو في نفيه وجودنا: قوة السلاح.لكن حركة التحرير تتخير الوسائل بحسب ماهو متاح ،بحسب التحالفات الممكنة والبناء التنظيمي والكفاءات البشرية المتوفرة أو التي تستطيع توفيرها. لقدلاحظنا المقاومة العراقية كيف تقاتل بالحمير و الدراجات الهوائية والجيف..وتوظف عامل المناخ و جغرافيا المكان والطيور حتى، في الاستطلاع و الاتصال...وبقدر ماتتطور إمكانياتها يتطور أداؤها. لكن الثابت هنا ، الذي لا محيد عنه ولا تردد فيه هو التحرير. اذ واقعة افتكاك الوطن وفعل شطب الوجود لازالا حاصلين.

 
إن تحرير فلسطين يحتاج إلى مجال حيوي مفتوح ومؤمن. والى دعامة رسمية توفر الفرصة لنمو إمكانيات الفعل المقاوم و لاستقباله المتطوعين العرب. كان بإمكان الدور المصري أن يتطور في هذا الاتجاه لولا وفاة جمال عبد الناصر.كان هذا اتجاهه الحتمي والتاريخي. وكان الصهاينة على وعي بذلك.وهو ماجعلهم يحققون نصرا مرحليا هو الاثمن منذ شهادة الميلاد والى حدود سنة2003 : إخراج مصر من الصراع.بحيث ضمنوا زمنا احتياطيا جديدا للبقاء. يمتد قدر امتداد زمن الحياد المصري....وفي ضوء مااصبحوا يتمتعون به من خبرة في ضمان أمنهم الاستراتيجي ، الحقوا الأردن بمصر...وهذه دولة عربية أخرىاصطفت رسميا ، وبحسب القانون الدولي إلى جانب العدو، لا ضمن علاقة عدم اعتداء فحسب بل علاقة صداقة. العلاقة التي كان من المفروض أن تكون في اتجاه حركة التحرير الفلسطينية فحسب. تحت إملاء الجغرافيا والتاريخ، ووحدة الدم. ونأمل أن تفتح هذه الأبواب من جديد ، لكن بعبء إضافي مطروح على أهلنا في هذين الدولتين الصديقتين لإسرائيل. وهي معارك أخرى فرعية وضرورية ، بل حتمية تصب في هدف التحرير كهدف استراتيجي.

 
إن حركة التحرير الفلسطينية اليوم ، تمر بمرحلة صعبة جدا ، في حالة حصار وانحسار. ليس أمامها إلا المساومة أو الترقب، أو المساومة لربح الوقت ، في انتظار متغيرات ايجابية. وهي مطالبة بالصمود و تحقيق الوحدة الوطنية والتعبئة العقائدية لشعبها. حتى لا يفلت منها الجيل الجديد أو اللاحق وتبدأ في التآكل والذوبان لا سمح الله...لا اقصد أني ادعوها إلى مهادنة العدو بل أنها فرضت عليها معطيات إقليمية وذاتية جعلتها مشدودة إلى وضعها الداخلي...لكن أي أفق ايجابي قد ينفتح أمامها..؟؟..

 
هل ثمة شك في وجود دور صهيوني فيما يتعلق باحتلال العراق؟؟؟..ماهو معلن ومتداول على الأقل و معروف للجميع ، تدمير المفاعل النووي سنة 1982. اغتيال العالم النووي المصري يحي المشد ، الذي كان ضمن كوكبة من العلماء العراقيين العاملين في المشروع النووي العراقي. لكن هل كان هذا المشروع لأجل حرب قادمة مع إيران؟؟..أم لأجل استعادة الكويت..؟؟..اوالسيطرة على دويلات الخليج المتناثرة في البر والبحر!..أم أن فعل العراق العظيم في الصراع العربي الصهيوني يقتضي هكذا عناصر قوة وأوراق عسكرية وسياسية؟..ونعلم أيضا أن اليمين الإسرائيلي هو من طلب من الكونغرس الأمريكي حل الجيش العراقي وطلب الشيئ ذاته من عملائه الاكراد إذا فهمنا بعمق التصريحات الاخيرة لبريمر. لكن لماذا؟؟..هل في ذلك سرما..؟؟..هل هو حقد على جيش حاربهم خارج أرضه وشهداؤه مدفونون على مقربة منهم ؟؟..هل هو مجرد حقد أم حساب استراتيجي يتطلبه رص عوامل المناعة والبقاء ؟؟..ولعل ثمة من لاحظ العملة الإسرائيلية الجديدة ( عملة ورقية ) كيف يرسم عليها الشهيد صدام بين ذراعي عميلين سيستانيين قذرين!..أما في شمال العراق فان المشهد صهيوني بامتياز، حيث الشركات الإسرائيلية والمستثمرين الإسرائيليين ومؤسسات التخابر الإسرائيلية تعمل ليلا نهارا ، ضد مستقبل العراق العظيم ووحدته وأمنه الاستراتيجي...لماذا كل هذا...؟؟..من اجل ماذا..؟؟..هذا من اجل حرمان حركة التحرير الفلسطينية من أي متغير ايجابي محتمل، وتجريدها من مجال حيوي محتمل وإمكانيات إدارة الصراع في مستواه العسكري. من اجل قتل الفعل الفلسطيني المقاوم نهائيا أو تعطيله لأطول فترة ممكنة. ضمن هذا الإطار تتنزل السياسة الإسرائيلية كلها ، بمافيهامحاولة فصل جنوب السودان عن شماله وتوريط لبنان في الفتنة و التغلغل في إفريقيا والسكن في قلب عصابات التهريب والمافيا والمؤسسات الدولية الإقليمية أيضا.

 
إن ماتدركه إسرائيل ، وما أردت التنبيه إليه في مقالي هذا : هو أن الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد. يجب احتوائها أمريكيا أو فارسيا ،وتخريب المنظومة القيمية العربية الأصيلة. واستئصال الروح الذي يمتد إلى تاريخ طويل. الروح البابلي منذ نبوخذ نصر، في الزمن القديم،مرورا بالدولة الاسلامية ووصولا الى قمة المجد بقيادة القائد الشجاع، قاهر الموت ، صدام حسين المجيد. لايمكن أن تطمئن إسرائيل وتبني الحياة على الأرض التي سرقتها ، والعراق العظيم خارج السيطرة....لذلك أيها الإخوة ، فان دعم المقاومة العراقية اليوم ، بشريا وماديا ومعنويا ، حاجة ملحة استراتيجيا كي يتوفر وضع جديد لحركة التحرير الفلسطينية وللأمة في استئناف الصراع مع العدو على قاعدة جديدة وإمكانيات جديدة. وقد تلاحظون أني لا اكتب عن فلسطين بل عن العراق ومقاومته لأني منسجم مع هذه الرؤية. واني لأعجب من الأخوة الفلسطينيين الذين فضلوا الاستيطان في كندا أو أمريكا أو السويد بعد أن فقدوا الملاذ في العراق المحتل، لان البلد الذي احتضنهم ومكنهم من خيراته يستحق منهم أن يدافعوا عنه ، وأكيد أن الكثير منهم استجابوا لهذا الواجب.وبعضهم في الطريق إليه خصوصا في ظل التقدم الحقيقي ، لقوى المقاومة،على خط التحرير الشامل والناجز .


يجب أن تحشد قوى الأمة كافة ، في الصراع من اجل استعادة العراق، باعتباره ساحة رئيسية اليوم كما أشار الأستاذ صلاح المختار في إحدى حلقات الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة.وهو الصراع الذي يتحكم في مصير الصراعات الأخرى المتفاوتة في أهميتها وفي ثقلها التاريخي، وإننا نحث المؤسسات الأمنية العربية على يقظة ضمير ، وعلى الحساب من جديد ، قبل فوات الأوان. وان تساعد قوى المقاومة الممثلة في الهيكل القيادي الذي ينتمي إليه عزت إبراهيم الدوري ، وان تجمد عملية التطبيع مع حكومة البرتقالة الصفوية ...وان تستعد لمغادرة المحتل الأمريكي مهزوما مدحورا بإذنه تعالى.أن تحدد من الآن موقعها في الخارطة القادمة. وتكف عن ملاحقة الأحداث والمتغيرات... في الأخير ، اختزل الطرح الذي اجتهدت في التأسيس له في هذه النص : إن مهر مدينة المدائن هو سحر دار السلام. بغداد أولا...من اجل القدس. والله وعدكم أيها المسلمون بالنصر، وهو لا يخلف وعده.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٧ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م