توزعت قبور أبنائها بين ديالى وكركوك والموصل ..

( خنساء كردستان ) : شجرة الجهاد لابد أن تخضب بالدماء .! - صفحة مضيئة من صفحات المقاومة

 
 

شبكة المنصور

علي العتيبي
حاورها : حسين المعاضيدي
 
تتقد عزيمة وإصراراً وتفانيا وثباتاً على طريق الحق.. هي (أم الشهداء)، مجاهدةٌ، صابرةٌ، مهاجرةٌ في سبيل الله إلى الله ورسوله.. فقدت ثلاثة من أبنائها في معركة العراق ضد قوى الطغيان والكفر، التي عبرت المحيطات والبلاد لتستولي على مقدّرات هذه الأمة وتنهب ثرواتها وتقتّل أبنائها وتيتم أطفالها وترمِّل نسائها..

 
تركت دارها في شمال العراق، واصطحبت أولادها الثلاثة إلى بقية محافظات العراق، فكان لها يوم في ديالى ويوم في صلاح الدين وآخر في كركوك ومثله في نينوى، حسب مهام أولادها الثلاثة وتنقلت في مناطق مختلفة من العراق معهم، فأبناؤها سخّروا أنفسهم لمقاتلة المحتل، فكتب الله عليهم أن يبقوا في ترحال دائم بين هذه المدينة وتلك، حتى أزِف يوم شهادتهم ومقتلهم..

 
رفضت الجلوس في البيت وأبناؤها الثلاثة يجاهدون في سبيل الله، فاشترطت عليهم أن تذهب معهم أينما ذهبوا، وان تظل هي في جهاد ما داموا هم في جهاد في سبيل رفعة الإسلام.


تغرّبت، وقاست كثيراً، خرجت من دارها برفقتهم وهم يحيطون بها، لكنّها حينما حاولت العودة إلى دارها التي هجرتها قبل سنين، كانت هذه المرة لوحدها بعد أن قدّمت أولادها الثلاثة قرابين لله، وللإسلام، ولهذه الأمة، وللعراق الأبي.

 

قهرت كل الظروف والعادات الاجتماعية، ورفضت أن تلبي مطالب الأهل لها، ولأبنائها، إذ لطالما ضغطوا عليهم كي لا يهاجروا من شمال العراق إلى ارض القتال، بل كانت هي التي كانت تحرض أبناءها على الهجرة والجهاد ضد احتلال أمريكا لأرض الرافدين، تركت الحياة بين الأهل والأقارب، واختارت الحياة الصعبة وذهبت مع أبنائها المجاهدين تتنقل في مختلف مدن العراق، وحينما قتل أبناؤها لم يزدها ذلك إلا قوةً وإصراراً على مواصلة الدرب، لكنها هذه المرة ستجاهد بلا أولاد!

 

خنساء كردستان، وتدعى (أم رافع)، عراقية كردية، صابرة محتسبة، قوية، مرابطة، أجرينا معها هذا الحوار الذي سلطت فيه الضوء على كيفية استشهاد أبنائها الثلاثة، وهم يذودون عن حرمة هذا الدين وعن شرف العراقيات.


سألناها أولاً:
• اخترت طريق الجهاد، كيف تم ذلك؟


- في البداية دعني أهنيء الأمة الإسلامية بشكل عام وقرة عيوننا، المجاهدين في ساحات الرباط والمنازلة مع أعداء الله في سبيل إعلاء كلمته، وإخواننا وأخواتنا الأسرى وعوائلهم بشكل خاص بالعيد، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يستعملنا لنصرة دينه..


• ولكن العيد قد مضى منذ أمد، والعيد القادم لا يزال بعيداً، فعن أي عيد تتحدثين ؟!!
- على العكس، فأيامنا كلها أعياد رغم مآسي الاحتلال ومن جاء معه على ظهر دبابته، فنحن نحتفي كل يوم بعيد جديد، ألا ترى قوافل الشهداء كل يوم وهي تسير بلا توقف، شهداء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأوفوا بالوعد ونالوا الشهادة، أما النصر فهو على الأبواب بإذن الله.. لهذا فنحن في خير وفير، وعيدنا الأصغر هذا لانهاية له إلا حينما يأتي العيد الأكبر، يوم تحرر أرضنا ويتحرر شعبنا، وكل شعوب الأرض من كل أشكال الاحتلال البغيض!

 
• ألا ترين أن مقتل كل هؤلاء الرجال هو خسارة للإسلام؟
- ومن قال أن الحرية وحماية الأرض والعرض والدين تتم بالرايات البيض، إن الطريق وعر ولابد أن يصطبغ باللون الأحمر، بدماء الرجال، وهؤلاء الرجال لم يقتلوا إلا من أجلنا جميعاً، من أجل كل مسلم ومسلمة، بل من اجل كل من ناله ظلم الاحتلال من مختلف الأديان، والمجاهدون كالشمعة التي تحرق نفسها لتنير للآخرين دروبهم وسط الظلمات.


• أعود إلى سؤالي الأول، ميدان الجهاد كيف دخلتيه مع أولادك الثلاثة؟

- لقد نشأت بفضل الله في عائلة محبة لدين الله حيث إن الوالد والوالدة كانوا حريصين على تربيتنا تربية إسلامية وكانوا يشجعوننا على الصلاة في وقتها وقراءة القرآن وقد نشأ هذا الأمر معنا وكبر مما دفعني إلى الإطلاع بصورة أكثر على منهج عقيدتنا وتاريخ سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى هيأ الله لي أن ارتبط برجل كان له السبق في أن عرفني على طريق الجهاد ودعاني إلى الالتزام بإحياء هذه الفريضة المغيبة عن واقع المسلمين فوجدت في نفسي قبولا كبيراً قبل أن يتوفاه الله، إذ شرح الله صدري لهذا الأمر وله الحمد والرضا .

 

• ألم يقف الأهل بوجهك عندما اخترت الهجرة والجهاد مع أبنائك ؟
- بطبيعة الحال الأهل كانوا يحبون أن نبقى معهم ولا نبتعد عنهم ولكن عندما كنت مع أولادي (أسأل الله يتقبلهم) كنا نتذكر قول الله تعالى : ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين. )


فلقد اخترنا هجرة الأهل والمساكن والجهاد والبذل في سبيل نصرة دين الله تعالى، و في نفس الوقت ليس خافياً عن الجميع الوضع الفاسد الذي تمر به كردستان والقابعة تحت حكم الأحزاب المتصهينة الدخيلة على الأكراد، لأن الكرد شعب أصيل يرفض كافة أنواع الاحتلال، هذه الأحزاب التي ملأت السجون بالمسلمين وأصبح المسلم غريباً وسط أهله، والحجاب غير مرغوباً فيه، وكنا على قناعة بأن الهجرة واجبة علينا ودائماً كنا نتذكر وعيد الله سبحانه وتعالى:(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً.)..

 

• الهجرة صعبة في ظل هذه الظروف التي يعيشها العراق اليوم، فكيف تغلبت على كل هذه الصعوبات؟
- الهجرة هي الخطوة الأولى لاختبار مدى صدقنا في حبنا لله سبحانه وتعالى، أم إن الدنيا وبريقها الزائل أحب إلينا؟!، وقد ذكرت إن الهجرة صعبة حيث إنها كانت صعبة على نبينا وحبيبنا، رسول الله عندما ترك مكة، وهاجر إلى المدينة، والحمد لله الذي هدانا، وسهل لنا أن نسلك طريق السلف، ونعيش معاني الواقع الذي عاشوه، فالصعوبات التي تسألون عنها تجاوزناها باستذكارنا لله ورسوله وحبنا لهم.

 

• وغربة الأهل كيف تغلبتي عليها؟
- عندما تركنا الأهل فان الله سبحانه وتعالى عوضنا بأحسن منهم، حيث عوضنا بالعيش مع المجاهدين وعوائلهم، وهم بحق أشداء على الكفار رحماء بينهم، بل إننا والله نحس كأننا عائلة واحدة، ونرى بأم أعيننا كيف انه إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ولله الحمد .

 

• ضحيت بثلاثة أبناء خلال ثلاث سنوات، ما الذي انتابك في لحظة استشهادهم، وكيف هو حالك اليوم بعد استشهادهم ؟
- جاءت إجابتها مقرونة بعزيمة ندر ما نشاهد مثلها هذه الأيام، قائلة:
لما سلكنا هذا الطريق كنا على اليقين بأن شجرة الجهاد لابد أن تسقى بالدماء الزكية، وكنت كأم لهم اعرف، إن طال بي العمر سنفترق يوماً، إما شهداء بأذنه تعالى، أو مأسورين، ولكن في نفس الوقت كنا ندعوا الله سبحانه وتعالى أن نلتقي جميعا يوم القيامة، وعندما كان يخرج أبنائي لقتال المحتلين، كان همنا الوحيد النصر لهذا الدين، وتحرير أرضنا من دنس المحتلين، وكنت انتظر في أي لحظة أن يبشروني باستشهادهم، وقد تمت هذه البشرى، أسال الله أن يتقبلهم، والآن افتقد شيئا واحداً، وهو عندما كانوا يرجعون من القتال، وهم قد أثخنوا في العدو، كنت أرى وجوههم مبتسمة دوماً، وكانوا يقبّلون يدي ورأسي، فالحمد لله الذي هدانا لهذا الطريق، والحمد لله الذي هو أشفق مني على أولادي، وأرجو من الله سبحانه أن يتقبلهم فيمن عنده، وان ينصر إخوانهم فهم إن شاء الله فازوا بإحدى الحُسنيين ألا وهي الشهادة، واني باقية لعلي أرى بأذن الله النصر لهذا الدين، وأرجو من الله سبحانه وتعالى الصدق والإخلاص في عملنا هذا.

 

• نراك متفائلة بالنصر؟
- بل قولوا متيقنة، وهي ليست سوى مسألة وقت ليس إلا، وان الله سبحانه وتعالى ونبيه عليه الصلاة والسلام قد وعدونا بالنصر.

 

• كيف أستشهد أبناؤك؟
- قتل الأول، وأحسبه عند الله شهيداً، بعد اشتباك مسلح في أحد شوارع مدينة بعقوبة، وكان أبني الأوسط، ودفنته هناك، قبل أن أتجه مع بقية أولادي إلى مدينة الموصل، التي دفنت فيها ابني الثاني، وكان أكبرهم، وهو رافع، بعد أن استهدفته، مع أخوة له، طائرة للمحتلين، بعد تنفيذهم لعملية جهادية في ضواحي الموصل، ولم يتبق لي غير أبن واحد، كان من نصيب أرض كركوك، وهو أصغر أولادي الثلاثة، ولم أعثر على جثة له بعد أن تحول إلى أشلاء متناثرة نصرة لدين الله، وحباً وطمعاً بالجنة، وقد تحققت دعواه حينما كان يكثر من دعاء، ( اللهم لا تجعل لي قبراً يضمني، واجعل
 جسدي يتناثر في سبيلك).

 

• حينما تتحدثين عن أبنائك وكأنك تتحدثين عن أناس أغراب عنك وليس عن فلذات كبدك؟
- سبحان الله، والله إنهم لأحب إليّ من نفسي، وأني أرى فيهم نفسي، فهم من كانوا يمنحوني طعم هذه الحياة ولذتها، وهم أمانة في رقبتي منذ يوم وفاة أبيهم، وقد سهرت الليالي الطوال وأنا أرعاهم، وتحملت الصعاب حتى اشتدت سواعدهم، لكن ماذا أقول غداً لمن أخلفني فيهم، أأقول له أنني أخفيتهم ومنعتهم الجهاد حتى لا يموتوا، أو حتى لا أصاب بالحزن والغم، والله ما ربيتهم إلا لهذا اليوم، فاليوم دينهم بحاجة لهم، ووطنهم بحاجة لهم، وقد دافعوا عني وعن كل مسلمة حرة، فلماذا أحزن وهم سيشفعون لي غداً عند مليك مقتدر.. والله إنني لأتمنى أن لي من الأبناء ما لا يعد ولا يحصى لأفتدي بهم هذا الدين.

 

• وأين سيستقر بك المطاف بعد استشهاد أبنائك الثلاثة؟
- لا أستطيع العودة إلى كردستان اليوم، فهم بالتأكيد سيقومون باعتقالي بعد معرفتهم باستشهاد أبنائي الثلاثة، ولهذا بقيت في إحدى المدن ولا أريد ذكرها، وسأعيش ما تبقى من عمري في جهاد وهجرة إلى الله مادمت حية.

 

• لقد عايشت المجاهدين والمقاومين طيلة فترة جهادك مع أبنائك الثلاثة، ووقفت على الكثير من بواطن الأشياء، فما الذي لفت نظرك خلال تلك الفترة؟
- أقول للمسلمين وللأثرياء منهم بشكل خاص، واذكرهم بأمر الله سبحانه حينما يقول تعالى : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).


فالمسلمون فيهم فئات فمنهم من سخر ماله ونفسه لهذا الأمر فذلك معلوم منزلته عند الله، ومنهم من سخر ماله كله لله، ودعم الجهاد والمسلمين، وذلك أيضا له منزلته عند الله، وأريد أن أوجه نصحي لمن فر من المسلمين، من أصحاب القدرة، سواء بالنفس أو بالمال، أن يسألوا أنفسهم، ما يكون جوابهم لله سبحانه وتعالى، عندما يسألهم، أين كنتم والمجاهدين بأمس الحاجة لاستمرار قتالهم، وأين كنتم تصرفون ما أعطاكم الله، وما هو جوابكم لله سبحانه وتعالى في الوضع الصعب لعوائل الشهداء والمأسورين وإخوانهم المجاهدين، ونسألهم هل تخليتم عن هدفكم بدخول الجنة، ورضيتم بالحياة الدنيا ؟!

 

فقد رأيت عائلات كثر ذهب معيلوها، بين اعتقال، وقتل، وبقيت بلا معيل، فإن لم تتمكنوا من مد المجاهدين بالمال، فهلا خففتم من حمل عائلاتهم، خصوصاً المعتقلين منهم والشهداء، فقد لمست عوزاً لدى بعض عائلات الشهداء والمعتقلين، ولا تحوي دورهم سوى النزر اليسير من شظف العيش، ورغم ذلك هم صابرون، محتسبون أمرهم إلى الله، فكونوا لهم ومعهم!!

 

وأقول لهم، والله ما سلكنا هذا الطريق، إلا لأننا نعرف انه طريق العزة للإسلام والمسلمين، ولسنا طلاب دنيا، ولكن من حرصنا على إدامة الجهاد نقول لكم، اتقوا الله، وسوف يأتي يوم لا ينفع مال فيه، ولا بنون.

 

• هل من رسالة توجهينها إلى أمهات ونساء المقاومين والمجاهدين؟
- أقول لهن، أنكن المدرسة الأولى في تربية الأجيال، وأعلمن أن على عاتقكن أمانة عظيمة، فالله الله في أبنائكن وبناتكن، ربوهم على حب هذا الدين، وأقول لهن لا تتركن إخوانكن، وأزواجكن، وأولادكن بدون ظهير وسند في هذه المواجهة، فاشددن أزرهم، فأن الأمانة التي على كاهلكن صعبة، وثقيلة بلا شك، وفي نفس الوقت أقول لهن، أحفظن لسانكن، وإياكن وكشف أسرار أهل الجهاد، وأسالن الله الثبات، وأكثرن من الدعاء بالنصر، والتمكين لهذا الدين، فقد تكون دعوات أحداكن مجابة، وان الدعاء سلاح لا يستهان به.

 

تركت خنساء كردستان، التي زفت بيديها إلى ربها جثامين أبنائها الثلاثة، من اجل نصرة دينها، واحترت في كيفية صياغة قصة عن هذه المرأة المسلمة العراقية الكردية ، فكيف سيصدق من لا يؤمن بالقصص الواقعية، ممن لا يدركون أن في الأمة ألف خنساء وخنساء؟! 

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٠٦ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م