العلاقة بين مفهومي الثورة والدولة

 

 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي
إن ممارسات الرجال العملية واليومية تختلف وهي انعكاس لصفاتهم ,وهذا ينبع من المبادئ والأخلاق التي يؤمن بها أو تكون مرادفة لتلك الصفة ,ومن المؤكد إن الإيمان لا يكفي إذا لم يقترن بالممارسة اليومية لمفردات تلك الأخلاق والمبادئ,ومن هذه الصفات ما يطلق على البعض بأنهم من رجال الثورة أو الثوريين وعلى آخرين ,بأنهم من رجال الدولة وذلك لوجود اختلاف بين الاثنين قد يصل إلى حد التناقض في بعض الأحيان أخلاقيا أو مبدئيا وعلى الأغلب فان الخطر هو عندما يتقصد رجال الدولة الادعاء بأنهم من رجال الثورة,أو يخفون تحولهم إلى رجال دولة من خلال إتباع أساليب مضلله لا توضح حقيقتهم أو تفكيرهم بادعاء نفس الأخلاق الثورية,إن الفرق بين الثورة والدولة هي الفرق بين المبادئ والمصالح والمقصود بالمصالح هي مصالح الدولة في الحفاظ عليها وعدم التفريط بها حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ ,وبمفهوم آخر هو الفرق بين المبادئ والسياسة ,إن هذا الاختلاف ما بين الثورة والدولة أو السياسة ينعكس على الأفراد فيتحول الثوري بعد استلام السلطة من خلال انتقال أمراض السلطة إليه ومن الطبيعي أن تلعب درجة حصانته عامل أساسي وهذه تأتي من مدى الإيمان بالفكر,إضافة إن ظروف النضال السري وصعوبة اكتشاف أمراض الرفاق الاجتماعية نتيجة قلة اللقاءات مما يسهل على المريض التغطية على أمراضه بسهولة ولا تظهر إلا بعد استلام السلطة ,فمنهم من يسقط مباشرة ومنهم من يتكيف مع الأوضاع لأطول فترة ممكنة ليأتي الزلازل, مثل الاحتلال الأمريكي ليكشف من لم تستطع الحركة الثورية كشفه ورغم ذلك فان حالات الهجرة قد استغلها البعض للاستمرار في نهجهم,وكانت منقذ للبعض من هؤلاء ليبقوا متخفين عن أعين القيادة بانتظار فرصة نجاح الحركة الثورية في العودة إلى السلطة ليقفزوا مرة أخرى إلى مركب الثورة لممارسة نفس دورهم .


إن الصعوبة لا تكمن عند استلام السلطة من ظهور مثل هذه العناصر ولكن الصعوبة هي أن الكثير من المناضلين, بعد ترهل جسم الحزب لطول فترة بقائه في السلطة,قد أصابتهم أمراض السلطة مثل البيروقراطية


وإذا ما أضفنا أليها انتقال كثير من الثوريين المعدمين إلى حالة الرخاء المادي وما تتصف به أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية الجديدة من مصالح والتي تكونت عبر سنوات طويلة ليس من السهولة الحفاظ معها على أخلاق وقيم الثورة في نفوسهم ,أي إن خسارة السلطة ستفرز الكثير ولذلك تراهم مستعدون للتضحية بحياة غيرهم وبأموال غيرهم وبأولاد غيرهم وبكل شيء لا يخصهم من اجل المبادئ ولكنهم غير مستعدون التضحية بأي مكتسب حصلوا عليه ماديا أو معنويا بل حتى إنهم يطالبون وبوقاحة بدرجاتهم الحزبية ومناصبهم السابقة لأنها حق مكتسب من وجهة نظرهم,بل وصل الحد ببعضهم اتهام المجاهدين الذين ضحوا بدمائهم وبأموالهم وبأولادهم ولم يتخلوا عن العراق ولا لحظة و لم يتخلوا عن الحزب ولا عن المبادئ بأنهم سرقوا مراكزهم الحزبية التي حصلوا عليها  قبل الاحتلال ,ليتهموا بعض الشباب بان بعضهم غير مثقف أو لم يحصل على الدرجة أو المنزلة أو المنصب الفلاني سابقا وليكونوا في القيادة الفلانية وان الماضي النضالي لهؤلاء وسنواته قليله, ونسوا أن الحزب هو ملك للمبادئ وملك للرجال المضحين لهذه المبادئ ومازالوا مستمرون بالتضحية والعمل من اجل هذه المبادئ وفي اللحظة التي يتخلون عنها يتخلى الحزب عنهم ,والمقصود بالتخلي هو فقدانهم لمركزهم القيادية وليس التخلي عنهم كمناضلين سابقين ,وكل ما حصل فهو شيء طبيعي بل اقل من الطبيعي في أي حركة ثورية تعرضت لجزء بسيط مما تعرض له الحزب,ولولا إيمان البعثيون الحقيقيون بمبادئهم وقوة هذه المبادئ لما بقي شيء اسمه حزب البعث بل ولولا جهاد هؤلاء ضد قوات المحتل لأصبح البعث مجرد اسم لحزب كان ثوريا يوما ما,فالمبادئ تتجسد من خلال نضال الرجال والأهداف تتحقق بعمل يومي ودءوب ومن قبل الجميع وباكورة هذا العمل هو التقدم نحو تنفيذ الأهداف ,إذا من يترك العمل في مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة والبلد والحزب والتي تعتبر أهم مرحلة في تاريخنا,أو يبتعد عن ساحة المنازلة لأي سبب عدا تكليف القيادة فانه يسقط و ابسط ما يوصف به هو خيانة المبادئ ,فليس هناك وصف آخر يستحضرني وخاصة إن خمسة سنوات وأكثر كافية لأي مناضل إذا صدق نضاله أن يرتب أموره ويعود للقيام بدوره بجانب رفاقه,ليعود إلى صفوف الثورة والثوار وليتخلص من أمراض السلطة والنظرة الفوقية إلى الجماهير وقد أنذركم القائد أكثر من مرة . فالأيمان والمبادئ ليس إلا مجرد كلام إذا لم تقترن بالحد الأدنى المطلوب وهو العمل الثوري والجهادي ,وكل حسب ما يستطيع ويتمكن ,فالمسيرة مستمرة بوجودكم أو بدونكم .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٢٩ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٥ / نـيســان / ٢٠٠٩ م