قراءة عراقية  لمشهد عراقي

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الجبار الجبوري / كاتب وإعلامي
بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية،أعلن الرئيس الأمريكي المجرم جورج دبليو بوش للعالم أن العراق الآن تحت الاحتلال الأمريكي وأرسل بذلك إشعارا إلى الأمم المتحدة، ونصب جي كارنر حاكما مدنيا على العراق، ثم تبعه بول بريمر  السيئ الصيت،وقام هذا (البول) بإصدار قرارات جهنمية ،منها حل الجيش العراقي الباسل واجتثاث البعث والأجهزة الأمنية والاستخبارية وإلغاء وزارتي الثقافة والإعلام وتشكيل مجلس حكم محلي طائفي  من مكونات مايسمى بالمعارضة العراقية وتقسيمهم إلى سنة وشيعة وأكراد وجعل من السنة الأقلية لكي يضمن تحكم الجناح الشيعي بمقاليد السلطة،ثم اوجد قانون إدارة الدولة الذي يمثل قمة القرارات ويؤسس لتقسيم  العراق طائفيا وعرقيا واثنيا إلى  دويلات  ودكاكين  طائفية/عرقية وعنصرية في الشمال والجنوب ، ويشعل حربا طائفية وأهلية وصراعا مذهبيا وعشائريا وحتى عائليا في عموم العراق،لإدراكهم أن العراق نسيج اجتماعي متصاهر منذ آلاف السنين وعليهم فك عرى هذا الترابط العضوي،والتمسك الاجتماعي الرصين،بين عموم الشعب العراقي وبكل طوائفه ومذاهبه وقومياته وأقلياته والتي من المستحيل فك عراها وتفكيكها بين ليلة وضحاها، وسارت الحكومة على هذا النهج الخبيث المرسوم لها وتلتها حكومات أخرى دون أن يتحقق لهم( عشر)ما خطط له،ثم جاءت حكومة الاحتلال الرابعة التي يترأسها (المالكي) ألان ، وغيرت إستراتجيتها  السياسية  مع الاحتفاظ  والتمسك بطائفية باطنه ،فحاربت الميليشيات وفرق الموت  والمجاميع الخاصة المدعومة من إيران، وحاولت فرض القانون بالقوة، فقامت بحملات عسكرية ذهب ضحيتها آلاف العراقيين الأبرياء بحجة فرض القانون وسمتها (خطة فرض القانون)جرى ذلك في البصرة وديالى وبغداد ومناطقها ونينوى  وكربلاء والنجف (أحداث الزركة)،واستطاعت أن تخرج جيش المهدي من الساحة العسكرية والذي يقوده مقتدى الصدر الذي سلم أسلحته إلى القوات الأمريكية والعراقيةوابقاؤه تحت قبة البرلمان يمارس عمله السياسي ظاهريا  ،وظلت ميليشياته تعيث في الأرض فسادا وقتلا ودمارا وتحت ستار المقاومة، فماذا حصل خلال فترة الاحتلال وتحت حكوماته  المتعاقبة، وقد لانضيف شيئا للحقيقة التاريخية  إن ماجرى للعراق والعراقيين يفوق الخيال تماما  من جرائم بشعة طائفية حد النخاع ذهب ضحيتها أكثر من مليون ونصف شهيد عراقي مغدور وأربعة ملايين مهجر ومليوني مهاجر داخل البلاد،مع تدمير شامل للبنى التحتية للدولة  وانعدام تام في الخدمات الصحية والتعليمية والمعاشية وانتشار كثيف في البطالة قدرت 70بالمئة من الشعب العراقي،وفشل مريع في خدمات الماء والكهرباء والغذاء وتفشي سرطان مزمن في البلاد ألا وهو الفساد الإداري العمودي ،من أعلى هرم السلطة إلى أدناها،ومشاركة الأحزاب والكتل الكبيرة الحاكمة في السلطة بهذا الفساد المرعب وبغطاء حكومي معلن شاركت فيه قوات الغزو الأمريكي من خلال أكذوبة أعمار العراق والتي قدرتها بعض الأطراف الرسمية بأكثر من (120) مليار دولار وهي سرقة علنية رسمية باسم الأعمار المزيف،ناهيك عن تهريب منظم ومبرمج للنفط ومنذ اليوم الأول للاحتلال الغاشم عند دخوله بغداد العباسية وسيطرتها على وزارة النفط حصرا وبحماية استثنائية كبيرة دون السماح (بحوسمتها) كما سمحت للوزارات الأخرى.

 

ولكن مافعلته الحكومات المتعاقبة على الأرض هو اشد خرابا ودمارا من خلال  هيمنة النفوذ الإيراني على القرار الحكومي في المجالين الديني والعسكري ونفوذ بعض المراجع الدينية المرتبطة بولاية الفقيه (الخامنئي) نتج عن ذلك صراعا حزبيا دمويا بين الكتل والأحزاب الحاكمة داخل الائتلاف الشيعي حول المناصب والمكاسب الحكومية وهذا ماحصل بين التيار الصدري والمجلس الأعلى وبين التيار الصدري وحزب الدعوة  ،ثم بعدها انفرط عقد التحالف الشيعي  وانسحب حزب الفضيلة والتيار الصدري وحزب الدعوة جناح إبراهيم الجعفري وجرت معارك كسر العظم بين قسم من هذه الأحزاب والتيارات لتصفية حسابات وصراع كراسي،فضلا عن نشوب حرب أهلية حقيقية في عموم العراق مستغلين حادثة تفجير مرقدي الإمامين العسكريين عليها السلام،وما تبعها من قتل على الهوية  وإحراق المساجد والحسينيات والجوامع والاعتداء على المصاحف الكريمة واغتيالات واختطافات بالجملة كالذي جرى  من قتل فريق التيكواندو وخطف رئيس اللجنة الاولمبية وأعضاء اللجنة وكادر البعثات الدراسية في وزارة التعليم العالي وعددهم (120) شخصا وفيهم مسئولين ومدراء عامون كبار،

 

كل هذا جرى على مسمع وإشراف  وتواطؤ حكومي واضح ومعلن بل وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري وبسيارات حكومية للميليشيات وفرق الموت والمجاميع الخاصة، في وقت كانت الحكومة منشغلة في إعداد مؤتمرات وهمية وخادعة للمصالحة الوطنية فعقدت مؤتمرات في القاهرة واليابان وكوريا الجنوبية  وعمان ولندن واربيل  وكلها مؤتمرات يشوبها التمويه  والمراوغة  والخداع لكسب الوقت والتسويف مع قوات الاحتلال الأمريكي التي تضغط بقوة على الحكومة لتحقيق المصالحة المزعومة وإعادة الحياة الطبيعية للعراق،إلا أن الحكومة الحالية  مررت هذه الكذبة /المصالحة على إدارة( بوش)واستخدمتها ورقة رابحة تنفيذ مآربها  من ثارات وأحقاد قديمة انتقامية ذهب ضحيتها مئات الكفاءات العلمية والرموز الدينية والعشائرية المناهضين للاحتلال والعملية السياسية،لكن الحكومة بالمقابل استطاعت أن تمرر أهدافها الشريرة الطائفية على مجموعة قليلة ممن لفظهم حزب البعث والشعب ودخلوا في العملية السياسية باسم البعث لتحقيق مصالح شخصية ضيقة وانية سرعان ما انكشفت عورتهم وطردوا خارج الحكومة،وحتى هذا لم يتحقق لهم منها شيء لان حكومة المالكي ورموز كتلة الائتلاف الشيعي،استحوذت على جميع المناصب الحكومية الحساسة والسيادية هي والتحالف الكردي ،بما في ذلك مواقع الأجهزة الأمنية والمخابراتية،إلى هنا كانت الحكومة قد اطمأنت على فرض سلطتها ولو بقوة الاحتلال، لكن ما لم تحسب حسابه وتتوقعه،ماتلقته من صدمة مروعة في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة حيث انقلب السحر على الساحر وأظهرت نتائج الانتخابات حقيقة الوضع الهش للحكومة واثبت الشعب حسه العالي ووعيه اللامحدود ونظرته الثاقبة لمجريات السياسة العرجاء للاحتلال وحكوماته ، فقال كلمته الفصل  في رفض الاحتلال والعملية السياسية برمتها ورموزها،في الشمال والجنوب والوسط وقبر أحلام الغزاة والعملاء في تقسيم العراق وتجزئته وتفتيت نسيجه المتين إلى الأبد،واثبت العراقيون ولاءهم المطلق لتراب العراق وتاريخه وحضاراته ودماء شهدائه البررة،ولكن من كان وراء هذا الموقف الأصيل هو المقاومة العراقية الباسلة التي واجهت اعتى طواغيت الأرض  وأجهضت المشروع الأمريكي الشرق الأوسط الكبير المنطلق من العراق إلى دول الجوار كما أفشلت المشروع الطائفي البغيض الصهيوني-الإيراني –الأمريكي ..

 

والآن العراقيون يتطلعون إلى الانتخابات البرلمانية القادمة لتسجيل مأثرة أخرى ودق آخر مسمار في نعش  الاحتلال والطائفية معا ، وطرد الغرباء والمحتلين عن ارض الرافدين والحضارات والبطولات والمآثر التاريخية ، والى ذالك الحين القريب لا سبيل إلا بالمقاومة المشروعة وإسقاط المشاريع العدوانية الطائفية العنصرية، وتحرير العراق العزيز الأبي .....

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ١٤ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٠ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م