العدالة الجنائية الدولية الانتقائية

 

 

شبكة المنصور

المحامي ودود فوزي شمس الدين
 
وأخيراً أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم في دارفور.


ولأن المفروض أن العدالة الجنائية تبغي الاقتصاص من الجاني بفرض العقوبة المناسبة على الفعل والضرر الذي تسبب به واقتضاء حقوق المجني عليه والأضرار التي لحقت به.


إلا أن من الواجب أن يتم تطبيق هذه العدالة بشكل صارم وعادل ودون تمييز بين مرتكبي الجرائم وبغض النظر عن مراكزهم أو قوتهم أو سطوتهم أو نفوذهم.. ولكن التساؤل هل أن العدالة الجنائية الدولية تطبق بشكل عادل ودون تمييز..؟!


لقد ارتكبت الولايات المتحدة الأميركية ومن تحالف معها منذ الاحتلال الأميركي غير المشروع للعراق في العام 2003 وفق سياسة منهجية بدأت منذ العام 1991 لتدمير العراق كشعب ودولة ولم تحد الولايات المتحدة عن سياستها هذه بل واستمرت فيها بعد الاحتلال في 2003 وحتى الوقت الحاضر الجرائم الأكثر خطورة ضد الإنسانية.


إن الغزو الأميركي للعراق كان ولا يزال يشكل كارثة إنسانية نتج عنها جريمة الإبادة الجماعية.
إلا إن عجز المجتمع الدولي في الوقوف بوجه قوة وغطرسة الولايات المتحدة لمنع الغزو غير المشروع واحتلال العراق يعد وصمة عار في جبين هذا المجتمع الدولي العاجز أمام القوى العظمى والمفترس للقوى الضعيفة ولهذا لم تعد العدالة الجنائية سوى عدالة انتقائية وأداة بيد القوى الكبرى لفرض سياستها وإيديولوجيتها وهيمنتها على الشعوب الضعيفة. لتصبح منظمة الأمم المتحدة أداة قمع للشعوب بدلاًَ من أداة لفرض السلام والأمن الدوليين بسبب هيمنة الأقوياء على القرار الدولي في مجلس الأمن وهذا ما حصل فعلاً عندما شرعنت منظمة الأمم المتحدة غزو واحتلال العراق منذ القرار 1483 لسنة 2003 بدلاً من إدانة العدوان الذي يعد من أخطر الجرائم الدولية التي تهدد السلم والأمن الدوليين ويعاقب عليها القانون الدولي.


ولأن الولايات المتحدة الأميركية هي التي ارتكبت جريمة العدوان بحق العراق وما نتج عنها من جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فعلى المجتمع الدولي إن يقوم بواجباته وفقاً للقانون الدولي والعدالة الجنائية الدولية وعلى هيئة الأمم المتحدة تولي مسؤولية إنهاء احتلال العراق بجميع الوسائل التي يخولها القانون الدولي والإنساني وطبقاً للمواد 39 و41 و42 و43 من ميثاق الأمم المتحدة.


إن مبادئ نورمبرغ واضحة فيما يتعلق بالمسؤوليات التي تقع على عاتق من يرتكب الجرائم الدولية فأي فرد يرتكب أفعالاً تشكل جرائم يعد مسؤولاً عنها وفقاً للقانون الدولي ومن ثم يكون عرضة للعقاب وأن كون مرتكب الجريمة رئيساً لدولة أو حكومة لا يرفع منهما مسؤولية الجرائم التي ارتكبها الأفراد الذين يعملون تحت قيادتهم.


وحيث لا يختلف اثنان إن الولايات المتحدة الأميركية ارتكبت جريمة العدوان بغزو العراق واحتلاله هذه الجريمة التي تعتبر من الجرائم الكبرى وفقاًَ لميثاق نورمبرغ إلا أن الولايات المتحدة قامت بعد احتلال العراق بإلغاء مفهوم جمهورية العراق الموحد وإلغاء مفهوم المواطنة إلغاء العراق كبلد عربي إسلامي من خلال التشريعات التي فرضتها مثل قانون إدارة الدولة الانتقالي ودستور عام 2005 والنقل المزعوم للسيادة للعراق في حزيران 2004 فلا نقل للسيادة من محتل محارب إلى دولة هزمت بالحرب وهذا ما تؤكده الفقرة (353) من الدليل الميداني للجيش الأميركي رقم 27ـ10 لسنة 1956، إضافة إلى الهيمنة على الثروة النفطية وإلغاء كافة أشكال الإدارة العامة لصناعة النفط العراقية منذ قرار التأميم.


إن إعلان الولايات المتحدة ما سميت الحرب على الإرهاب أدى إلى إحياء سياسة وإستراتيجية الإخضاع الكامل للعالم.
إن جرائم الولايات المتحدة لا تحصى في العراق منها على سبيل المثال لا الحصر:


ـ الاستخدام المفرط للقوة من دون تمييز.
ـ التدمير العمدي للبنية التحتية للماء والكهرباء والصرف الصحي.
ـ اختفاء قسري واسع الانتشار.
ـ اغتيال المحامين والأطباء والأكاديميين.
ـ القتل من فرق الموت المدعومة من إيران وبصمت من الولايات المتحدة وعدم تدخلها القيام بواجباتها الدولية في الحفاظ على الأمن في الإقليم المحتل.
ـ القتل بواسطة فرق الموت والميليشيات الطائفية المدعومة من الولايات المتحدة.
ـ إثارة الفتنة الطائفية التي أدت إلى القتل.
ـ الاستخدام الواسع لليورانيوم المنضب مما أدى إلى انتشار الأمراض السرطانية.
ـ قتل أفراد ينتمون إلى الطائفة السنية.
ـ قتل أفراد ينتمون إلى الطائفة الشيعية.
ـ قتل البعثيين بسبب انتمائهم السياسي وإصدار القوانين التي تحرمهم من الحياة الكريمة مثل قانون اجتثاث البعث وبعده قانون المسألة والعدالة.
ـ الاستخدام الواسع للتعذيب وبكل الوسائل والأساليب.
ـ النهب المتعمد الفردي والجماعي لكل مؤسسات الدولة ومواردها وتدميرها وحرقها.
ـ نهب وتدمير متعمد للآثار العراقية.
ـ إثارة الرعب والفزع العام.
ـ الاختطاف واسع الانتشار.
ـ الاعتقالات العشوائية والمداهمات واستخدام القوة وامتهان الكرامة خلالها.
ـ الاغتصاب.
ـ الفساد الإداري والمالي واسع الانتشار.
ـ اختطاف واعتقال الصحفيين وتعذيبهم.
ـ نشر الفقر والبطالة وانتشار المخدرات.
ـ تقييد الحركة والتدمير المدني والاجتماعي والميراث التاريخي والتدمير السياسي.


صحيح إن الولايات المتحدة الأميركية لم تصادق على نظام روما الأساسي إلا أن المحكمة الجنائية الدولية ومن خلال المدعي العام وطبقاً للمادة (15) من قانونها مباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه طالما أن هذه الجرائم تدخل في اختصاص المحكمة وكما حصل مع السودان في قضية دارفور. وبغير ذلك تبقى العدالة الجنائية الدولية انتقائية تفرضها الدول الكبرى على الشعوب الضعيفة للنيل من استقلالها وفرض الهيمنة عليها.


إن على العالم المناهض للهيمنة والاستغلال أن يقف بالضد من قرار المدعي العام طالما أن المحكمة الجنائية الدولية تمارس اختصاصها بانتقائية وإن العدالة الجنائية الدولية لا تطال عتاة المجرمين في العالم من أمثال بوش وبلير وكل من تعاون معهما في غزو واحتلال العراق.


إن مركزنا إذ يبين هذه الحقائق القانونية الدامغة فإنه يستنكر الانتقائية في إنفاذ القانون الدولي والإنساني كما أن المركز يؤكد مناشدته للشعب العراقي العظيم سيما من تضرر منهم إرسال شكاواهم مع مستمسكاتها القانونية وما لديهم من صور أو أقراص مدمجة بغية جمعها والعمل على مقاضاة كل من ارتكب جرائم دولية بحق العراق وشعبه، كما يناشد كل المنصفين ودعاة حماية حقوق الإنسان دعم عمل المركز لإنفاذ القانون الدولي بشكل عادل ومنصف وغير انتقائي.

 
المحامي ودود فوزي شمس الدين
مدير المركز الوطني لتوثيق جرائم الاحتلال في العراق
السادس عشر من آذار ٢٠٠٩
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٢٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٧ / أذار / ٢٠٠٩ م