الجريمة والعقاب

 

 

شبكة المنصور

المحامي ودود فوزي شمس الدين

في يوم الثاني من نيسان 1990 أعلن الرئيس الراحل صدام حسين أن الدولة العبرية لو هاجمت العراق فسيكون الرد العراقي موجعاً.

 

وأحدثت الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني ضحية إعلامية كبيرة وعقد المسؤولون الأمريكيون والصهاينة اجتماعات عدة لتقييم الوضع وقد اجتمع مسؤول أمريكي كبير في مجلس الأمن القومي مع وزير صهيوني الذي قال له (إن معلوماتنا تقول إن العراق يمتلك صواريخ يمكن أن تصل إلى الأراضي الإسرائيلية وان هذه الصواريخ لها القدرة على حمل رؤوس نووية وكيماوية ونحن لو انتظرنا قيام العراق بذلك فإننا سنرد بالسلاح النووي ونحن نعرف أن أصدقائنا الأمريكيين لا يرغبون بذلك لأننا لو استخدمنا السلاح النووي فان تأثيرها لن يتوقف عند العراق بل سيصل إلى أصدقائهم في الخليج وربما مصر ونحن لا نريد أن يقال عنا أننا السبب في عدم الاستقرار والأمن في المنطقة.

 

فرد المسؤول الأمريكي بأن إدارته تخطط لاجتثاث الجيش العراقي بالأصل سلاحاً وعدداً وعدة ونخطط لعزل صدام حسين عن شعبه لأننا نرى في العلاقة التي تربطه بالشعب العراقي خطراً يهدد مصالحنا حيث أن الشعب العراقي يثق به ثقة عمياء ويراه قائداً وبطلاً وان صدام يوجه شعبه ضدنا وضد أصدقائنا وأننا نخطط لضرب العراق بالزناد العربي وإن هذه العملية ستكون بإشرافنا وسنكون كمشرط الجراح الذي يقطع الورم الخبيث من الجسم دون أن يمس الأعضاء الأخرى  ولن نترك العراق بعد عزل صدام حسين  واجتثاث جيشه قبل أن ننفذ أهدافنا بخلق عراق يفكر بالأمن الداخلي ولا يفكر خارجياً كما أننا عندما نقوم بهذا العمل لا بد أن نكون نحن أصحاب الحق في ضرب العراق ونحن مصممون على ضرب العراق وخلق حرب داخلية لينشغل عن جيرانه  ونحن نفكر باستخدام الورقة الإيرانية إضافة إلى المقيمين في  إيران ولم تبدأ الولايات المتحدة حملتها ضد الشعب العراقي إلا بعد أن رفض العراق إتباع الأجندة الأمريكية بدأ من انتهاء الحرب العدوانية الإيرانية على العراق العام 1988 وكان التعبير الأول عن هذه الحملة هو استخدام القوة ضد العراق العام 1991 في العدوان الثلاثيني وتكبيل العراق بعدد من قرارات مجلس الأمن المستندة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بلغت أكثر من 75 قراراً دولياً حتى نهاية 2008    وسنوات الحصار الجائر التي حصدت أكثر من مليون ونصف المليون من العراقيين أطفالاً ونساءً ورجالاً.

 

وفي حزيران 1990 تبنى مؤتمر اللجنة الأمريكية الإسرائيلية ­­ـ ايباك ـ مقترحات الخبير الاستراتيجي الأمريكي كيرتن التي تضمنت :

 

1ـ ضمان تواجد أمريكي دائم في الخليج والشرق الأوسط دون أن يطلب منها أحد الخروج.

 

2ـ ضمان تدفق النفط العراقي والخليجي إلى الولايات المتحدة دون الاهتمام بمقررات منظمة أوبك بشأن تحديد سقف الإنتاج والأسعار .

 

3ـ إزاحة صدام حسين ونظامه من الخريطة السياسية للمنطقة والذي يعتبر زعيم القادة الراديكاليين العرب الرافضين للتفاوض مع إسرائيل والداعين للوحدة العربية وتحرير فلسطين.

 

4ـ اجتثاث البعث في العراق وسوريا لما يمثله من خطر بالغ على مصالح إسرائيل والولايات المتحدة ولإعطاء الفرصة لأحزاب مواليه لنا كي تتقلد مناصب قيادية لنا في العراق وسوريا والعزف على الأوتار الطائفية والقومية والأثينة في العراق وسوريا بعد العراق تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية ومحاربة الديكتاتورية.

 

5ـ إزاحة الجيش العراقي بالكامل من طريقنا وذلك بحل هذا الجيش لأن الخبرة التي اكتسبها من حربه مع إيران لا يمكن أن تمحي إلا بإزالته من الوجود نهائياً وملاحقة قياداته بالاعتقال أو القتل ومنع أية محاولة لعودة هذا الجيش واستبداله  بقوات طائفية وميليشيات موالية لنا يسهل السيطرة عليها ويسهل أزاحتها لو اقتضت الضرورة .

 

لقد كانت الأهداف واضحة وحتى قبل دخول القوات العراقية إلى الكويت في آب 1990 وأضلاع المربع المنفذ هم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وإيران وبعض الأنظمة العربية مع دور للأحزاب الموالية والعملاء.

 

لقد استغلت الولايات المتحدة هيمنتها على العالم أسوأ استغلال وذلك بفرض أرادتها على مجلس الأمن واستصدار القرارات التي تخدم سياستها ومصالحها وخاصة فيما يخص العراق الذي كان في دائرة الاستهداف الأميركي في إطار إستراتيجية الولايات المتحدة للسيطرة على منابع البترول وخطوط إمداداته وحماية أمن الكيان الصهيوني سيما أن العراق خرج من حربه مع إيران متفوقا بجيش كبير وقدرات قتالية عالية وقدرات عسكرية وتقنية متطورة مع قيادة سياسة قوية ولهذا تذرعت الإدارة الأميركية بكل الذرائع والأكاذيب من حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل إلى العلاقة مع تنظيم القاعدة ورعاية الإرهاب لتبرير قرار الحرب لدى الرأي العام الأميركي الذي كان يعيش هاجس أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وحاولت هذه الإدارة إظهار العراق وكأنه يهدد الولايات المتحدة في عقر دارها حتى أنها استخدمت التضليل والأكاذيب في مجلس الأمن قبل استصدار القرار 1441 للعام 2002 وبعد صدور القرار أعلن المندوب الأميركي لدى مجلس الأمن «ولا يتضمن هذا القرار كما قلنا لأعضاء مجلس الأمن في مناسبات عديدة أية زنادات خفية أو تصرف تلقائي».

 

أما السفير البريطاني فقال «أن الغرض الذي يرمي إليه هذا القرار هو فتح الطريق أمام حل هذه المسألة بطريقة سلمية وإن هذا القرار لا يتضمن تصرف تلقائي».

 

أما مندوب فرنسا فقال «الهدف في طلبنا نهج من مرحلتين وتطبيقه بما يكفل بقاء مجلس الأمن متحكما في العملية في كل من المرحلتين ولا يجوز اللجوء إلى الحرب إلا كملاذ أخير».

 

أما مندوب الاتحاد الروسي فقال «الحاجة إلى ترشيد توجيه عملية التسوية إلى طريق دبلوماسي وسياسي وسد الطريق إلى السيناريو العسكري».

 

أما مندوب الصين الذي كان رئيساً لمجلس الأمن في ذلك الوقت فقال «الصين تتمسك بشدة بالحل السلمي لقضية العراق من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية وضمن إطار الأمم المتحدة» وقد وافق العراق على القرار بدون أية تحفظات وفي اليومين الأولين من شهر آب 2002 عقد الجنرال تومي فرانكس اجتماعا مع كبار القادة العسكريين في تامبا لمناقشة النموذج الأخير لخطة الحرب وأعلن أن «الهدف النهائي لهذه الحملة هو تغيير النظام».

 

ورغم أن القرار 1441 لسنة 2002 لم يمنع الترخيص في استخدام القوة فإن الولايات المتحدة بنت حجتها على افتراض أن قرار مجلس الأمن 678 للعام 1991 الذي أستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قد تعرض إلى الانتهاك ولغرض إصلاح هذا الانتهاك فإن القرار 1441 للعام 2002 رخص ضمنا باستخدام القوة وذلك بإعادة تفعيل القرار 678 للعام 1990.

 

إن هذا الموقف يتناقض كليا مع ميثاق الأمم المتحدة حيث أن المواد من الميثاق بينت الآلية لتنفيذ الفصل السابع من الميثاق ويتناقض مع موقف الولايات المتحدة على لسان سفيرها في مجلس الأمن آنف الذكر.

 

وفي يوم 20 آذار 2003 صعدت الولايات المتحدة عدوانها ضد العراق بأن شنت هجوماً مسلحاً شاملاً ضد الشعب العراقي وقد اعترفت الولايات المتحدة وعلى أعلى المستويات الحكومية بمسؤوليتها عن هذه الهجمات وبررت ذلك بأنها ضربة استباقية لحيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل.

 

إن الهجوم على العراق واحتلاله في العام 2003 بحسب تقديرات وإحصائيات يمكن الاعتداد بها سبب مقتل أكثر من مليون ونصف المليون من العراقيين وتشريد أكثر من أربعة ملايين من أبنائه وهجرتهم قسرا بسبب هذا العدوان. وبالتالي تكون الولايات المتحدة قد ارتكبت جريمة العدوان المعاقب عليها في القانون الدولي هذه الجريمة التي وصفتها محكمة نورمبرغ «إن الحرب من حيث الجوهر هو عمل شرير وأن عواقبها لا تقتصر فقط على الدول المتحاربة ولكنها تطال العالم بأجمعه ولذلك فإن شن حرب عدوانية لا يعتبر جريمة دولية فحسب بل إنه الجريمة الدولية الأولى في العالم لا تختلف عن غيرها من جرائم الحرب إلا من حيث أنها تنطوي في داخلها على الشرور المتراكمة كلها».

 

وبالتالي فإن الولايات المتحدة كدولة مارقة لا بد أن تنال العقاب على  جريمة العدوان هذه وأن تتم محاكة قادتها وفقا للقانون الدولي إذا كان العالم يريد لهذا القانون أن يحترم.

 

ونحن نستذكر  الذكرى الأليمة السادسة للغزو والاحتلال وبعد أن اتضحت معالم المخططات التي أدت إلى احتلال العراق وانكشاف أضلاعها الأربعة وما اقترفته قوات الاحتلال من جرائم يندى لها جبين الإنسانية فهل يجب أن نرى أن هناك من لا يزال في المنطقة الرمادية. إن المقاومة العراقية الوطنية والقومية والإسلامية ومنذ انطلاقتها المتكلة على الله لقنت العدو المحتل الضربات الموجعة أجبرته على الإعلان عن الانسحاب المجدول من العراق.

 

إن الشارع العراقي خصوصا والعربي عموماً ينتظر اليوم الذي يجد فيه الفصائل المقاومة للمحتل وقد تحالفت وفقا لبرنامج سياسي وعسكري موحد لتوجيه المزيد من الضربات لقوات الاحتلال لتعجيل رحيلة من أرض الرافدين كما يأمل أن تعيد القوى البعثية التي تحاول شرذمة الحزب النظر في مواقفها وتعمل على توحيد صفوف البعث كقوة قومية وطنية فاعلة لتعجيل التحرير وتترك كل خلافاتها وملاحظاتها خلف ظهرها وأن تلتف حول مقاومتها الوطنية وتدعمها بكل ما أوتيت من فقرة أما الأشقاء في الخليج العربي فقد أصبحت الرؤية واضحة لديهم بأن العراق عربي الاتجاه والهوى هو السند الحقيقي لهم من الأطماع القادمة من شرق الوطن العربي وعليهم عدم المراهنة على السراب الأميركي إنما المراهنة على إرادة الشعب الرافض للاحتلالين الأميركي الإيراني والمقاومة لوجودهما، إن التاريخ سوف لن يرحم أحداً.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

« واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا »

صدق الله العظيم

 

ملاحظة : لمزيد من الأدلة والوثائق يرجى الرجوع إلى كتاب الحرب على العراق ـ مركز دراسات الوحدة العربية وكتابنا المرسوم سقوط أميركا ـ دمشق 2008.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٢٨ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٥ / أذار / ٢٠٠٩ م