مصالحهم وأوهامنا !!
السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط .. مكاسب لإسرائيل على حساب العرب

 

 

شبكة المنصور

سعدون شيحان – كاتب سياسي عراقي
السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط نموذج غريب يسعى لكسب المصالح القومية الأمريكية والمحافظة على مرتكزات دولة إسرائيل وإقناع العرب ببعض التنازلات التي وصفتها القوى القومية العربية بأنها أجزاء الحقوق الحقيقية ولكن الرؤية السياسية دائما تشير الى إن السياسة الأمريكية ترتكز على أفكار هنري كيسنجر دوما حيث رسم الموازنة السياسية الأمريكية اتجاه الشرق الأوسط والدول العربية تحديدا بنظرية (STEP BY STEP) خطوة . خطوة أو بمعنى أخر تقييد إعطاء الحقوق الكاملة .


دوما نجد ان ابرز المشاكل المتمثلة بالصراع العربي الصهيوني تنتهي دون تحقيق العرب نتائج ترضي الشعوب العربية وتحقق بعضا من الأهداف يلعب دورا رئيسيا في ذلك تدخل السياسة الأمريكية التي تريد بقاء الأنظمة العربية في واقعها الحالي واستمرار الأفق غير المنطقي وغير العادل لخارطة الموازين التي تأخذ بعين الاعتبار الحقائق التاريخية للشعوب والطبيعة الديموغرافية للبلدان من حيث التأثير ومساحة الوجود..


لقد عملت الولايات المتحدة وفق منهج استفرادي ينطلق من رغبات استعمارية على أن لا يتم منح أي دولة عربية إمكانية بناء قوة قد تغير من خارطة المنطقة (وهو من الأسباب الرئيسية لغزو واحتلال العراق ..خاصة بعد ان خرج العراق منتصرا في حرب الخليج الأولى ) مع فشل الذرائع التي ارتكزت عليها الحرب من وجود أسلحة دمار شامل في العراق ودعم العراق للإرهاب .


ومن هنا نجد ان الارتكاز على الولايات المتحدة سيمنح الكثيرين القدرة على توقع النتائج في الكثير من المواقف والصراعات وحتى على صعيد الخطط العربية الاقتصادية الخماسية والعشرية التي ترتبط بدعم لوبيات السياسية الأمريكية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة ..الخ


السياسة الأمريكية في واقعها تختلف عن السياسة العربية وهي ترتكز على مصالح عليا ترسم من قبل سياسيين محنكين يرتكزون على أهداف عليا للشعوب الأمريكية لذا تجد ان هناك وتيرة متصاعدة في تحقيق اغلب الأهداف المرسومة عكس الواقع السياسي العربي الذي يمكن ان يتغير بليلة وضحاها ودون أن تجد نتائج منطقية تنعكس على بناء الدول العربية وتحقيقها أي من المصالح الوطنية أو القومية .


المفارقة في الموضوع ان العرب يبحثون دوما عن حقوق إما الولايات المتحدة فإنها لا تسعى لذلك بل تعمل على فرض مفاهيم وهو يشبه كثيرا الآلية المتبعة للقضاء على الإرهاب فالولايات المتحدة رسمت مسرحا لذلك استدرجت من خلاله كل الخلايا في ساحة أخرى بعيدة تماما عن واقعها وغيرت مفاهيم الواقع من صراع المتشددين المسلمين الحانقين من السياسة الأمريكية الراعية للتطرف الصهيوني معها إلى صراع دولي ضد الإرهاب وبطبيعة الحال اندفع اغلب الدول العربية في تأييد التوجهات الأمريكية وزاد على ذلك بأنها بدءات في قتال داخلي ضد كل المعارضين للسياسة الأمريكية ووصل الحال إلى قمع حتى المسيرات الجماهيرية وتكتيم أفواه الإعلاميين .


لقد مرت السياسة الأمريكية بفترات ذهبية أبان سبعينيات القرن الماضي مالبث ان غير ثمالة الرؤوس التي شربت كؤوس الانتصار بزعامة العالم خاصة مع هرم الدب الروسي وخوار قواه ...لقد اعتقد ابرز منظري السياسة الأمريكية هنري كيسنجر ان الاستحواذ على النفط كفيل ببقاء الولايات المتحدة زعيمة مطلقة على العالم دون ان يعي جيدا ان العالم العربي حتى وان فقد مصدر قوته (النفط) يبقى يشكل نقطة جوهرية ومعادلة صعبة في خارطة العالم تتمثل بقوة (الايديولوجيا القومية ) والتي املتها االطبيعة الديموغرافية وتركز المنطقة بشعوب عربية خالصة حتى وان امتزجت اقليات اخرى معها الا انها انصهرت داخل المكون العربي ..ان منطقتنا العربية ستكون حافلة بالمغامرات الكابوية لرعاة البقر خاصة مع الطموح الشرقي لروسيا في استعادة الهيبة الدولية وما قد يشكله ذلك من استعادة العالم قيمته من خلال نشوء توازن دولي وخير دليل على ذلك ما فعله بوتين عندما ركل مؤخرة بوش بضربة جورجيا وتهديد مصالح الولايات المتحدة .


ان الطموح الشيوعي بالعودة الى خارطة موازين القوى من أهم أسباب تكالب الولايات المتحدة وتمسكها بالشأن العربي سيما وان العرب يمتلكون ابعاد ستراتيجية مستقبلية جوهرية في مسار المصالح الامريكية القادمة ....أن إخراج ليبيا من الدول الراعية للإرهاب وتصفية قضية لوكربي كان من أسبابه كون ليبيا مستمالة اتجاه المعسكر الاشتراكي والحال ينطبق أيضا على كوريا الشمالية التي أرغمت بوعود دعم اقتصادي على تفكيك منشأتها النووية .
مع كون السمة الابرز للولايات المتحدة هو الظهور بقوة والتعامل بجد اتجاه أساسات الفكر القومي إلا أن الأمريكان في السنوات التسعين عرفوا سلسلة من المواقف والأزمات المتعلقة بإستراتيجية الاعتدال والتي كانت تهدف إلى إقامة تنازلات للعرب وكهدايا نظيرة للشريك العربي مثل ما حصل عليه أنور السادات وهي العودة إلى الخط 4 يونيو 1967 ولكن كما بينا أن هذا أجزاء من الحقوق توهم العرب بأن الولايات المتحدة شريك حقيقي يمكن الارتكاز علية في المواقف المصيرية ...


إن أكثر المتشائمين في التحليل لمستقبل السياسة العربية كان يرى أن سياسة الاعتدال الأمريكي قد تستمر طويلا ربما لغاية تصفية الصراع العربي الصهيوني عندها تتم رسم سياسة جني ثمرة ذلك وكان الشارع العربي يخشى من المرحلة المستقبلية خاصة مع البوادر الأولى المتمثلة بفتح سفارات إسرائيلية كما حصل في عمان والقاهرة ومكتب لرعاية المصالح الاقتصادية الإسرائيلية في الدوحة والزيارات المكوكية للساسة الإسرائيليين لأبرز العواصم العربية وحذرنا في وقتها من التكالب العربي دون أن ينعكس ذلك على الشأن الفلسطيني .


لكن عودة المحافظين الجدد الذين يلعبون دوراً مهماً في السياسة الأمريكية وذلك بإقناع مناضلي الحرب الباردة بإقامة برنامج ديمقراطية العالم الثالث ، والذي انتهى بفشل ذريع إذ رأينا أنصار النظام الأمريكي من الديكتاتوريات بالشرق الأوسط المتبنية برنامج الديمقراطية قد انهارت أيضا .


بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حصل انتقال ونقله كبيرة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث أصبحت هذه السياسة قائمة على تحليل المحافظون الجدد والقائلين بأن تبني الديمقراطية هو العامل الوحيد الذي سيؤدي إلى بروز الديمقراطية .وفي خطاب المحافظين الجدد لا تظهر الوطنية الأمريكية ، فليس هناك شيء يشير إلى السيادة بل كلام يشير إلى الإرهاب .


وفي الوقت الحاضر نرى أن السياسة الأمريكية تزداد شراسة بالمنطقة العربية ونحن نعول على إعادة التوازن الدولي وعلى دور أوروبي يكون مبنيا على الشراكة الحقيقية التي ترعى تحقيق مصالح الطرفين لأننا بتنا في وعي كامل لما تريده وتخطط له أمريكا في المستقبل القريب والبعيد ..


إن الولايات المتحدة باتت تخشى ذلك من خلال تصديها لأي تحالف ثنائي وثلاثي في السياسة الشرق أوسطية ..إن الصراع والحرب على الإرهاب افرز جملة معطيات أجلت تماما الأوراق المتداخلة في التفسير وطفا للسطح مؤشرات ودلالات أكيدة إن المصالح العربية لا يمكن إن تكون ذو أولوية خاصة بعد إن فتحت كل الأبواب للكيان الصهيوني لتدمير غزة وتهميش الثقل العربي الذي في أحسن أحواله لازم الصمت خشية انكشاف الحقيقة المرة التي تدفعه للتفكير بإيجاد بدائل منطقية للشراكة السياسية .


هناك من المحللين من يرى إن تغيير الزعامة الأمريكية قد يفضي إلى إعادة مسار السياسة الأمريكية إلى مسارها الصحيح مع استلام باراك أوباما وبدورنا لا نود إن نرى الكأس من نصفه الفارغ ولكن في حال إن السياسة الأمريكية كانت جادة في تكوين شراكة حقيقية تحمل شفافية اتجاه القضايا العربية .


أننا نعول على دوما على السياسة الأمريكية من منهج متزن أحيانا وننظر إلى الماضي ونتمنى إن نجدة ينعكس على عهد اوباما .. في عهد الرئيس ترومان وتحت إدارته كان هناك مد وتوتر بين اتجاهين للسياسة الأمريكية ، حيث كانت هناك مجموعة ضغط كبيرة جداً يمثلها العرب الموجودين في الإدارة الأمريكية ، وعلى مستوى وزراء الدفاع .... وكان ذلك من أسباب الاستقرار السياسي في اتخاذ القرارات خاصة التي تتعلق بالمصالح العربية .


وإدارة إيزنهاور حاولت إنشاء أو العمل على توفير برنامج عام للمصالحة بين العرب وإسرائيل ، ومن جهة أخرى لتوضيح أن الأمريكيين يعنيهم أمر المصالح العربية .


الأمريكان أدركوا ووعوا أن تكوين دولة إسرائيلية يكون رد فعل معادي للوجود الأمريكي بالمنطقة ...الصراع الإسرائيلي العربي أصبح عنصراً رئيسياً ومهدد للسياسة الإستراتيجية الأمريكية .


مسار السياسة الامريكية كما اوضحنا فشل في خلق توازن عبر العقود الطويلة من التغيير الرئاسي الامريكي ولكن هذا الفشل كان له سببين اوضحنا احد جوانبة والمتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي ولكن هناك جانب اخر ..يتعلق بفهم الواقع العربي !!...


تختلف الولايات المتحدة الامريكية في فهم الوضع العربي ونجد ان الاتحاد الاوربي والبلاد الاوربية اكثر دراية ومقدرة بالتعامل مع الواقع العربي خاصة ونحن نطالع تاريخيا ادوار ايطاليا وفرنسا مثلا في المغرب العربي حقبة الاستعمار لتلك البلاد مع ان الطرفين قد فشلوا في حسم صراعهم لاحتلال البلاد العربية ولكن افرازات تلك المحاولات اذا ما قورنت الفرنسيون قضوا أربعين سنة في اجتياح الجزائر وخمسة وعشرين سنة لاحتلال المغرب وظلوا هنا عشرين سنة لاحتلال ليبيا وتتعامل الدول الاوربية الان مع الواقع العربي باعتدال لتحقيق مصالحها بعد ان ادركت حقيقة وطبيعة الايديولوجيا العربية عكس الامريكيين الذين غامروا عام 1980 باجتياح الفلبين وقد ظلوا خمسة وعشرين سنة للمراقبة والسيطرة على كافة الفلبين وهذا قد تناسوه واستخدموا مراجع ليست لها أية علاقة بالواقع في العراق وهي مرجع اليابان وألمانيا سنة 1945 وهي غير قابلة بالتطبيق على الواقع العراقي ولم تصمد القوات الامريكية سوى خمس اعوام سيما مع وجود تكنولوجيا اكثر تقدما في الحروب تتعلق بالدعم اللوجستي من فضاء ومراصد واليات متطورة والان بات الحديث عن انسحاب تدريجي مؤكد فرضته تشابكات التعقيد في البنية الاجتماعية العراقية إضافة الى قوة المقاومة العراقية(وهذا سنورده بالتفصيل والادلة بعد ان ترحل جيوش الاستعمار من العراق ) ...


ان المصالح الامريكية في الشرق الاوسط مع قدوم( باراك اوباما )في محك اختبار عسير ومفترق طرق بين الاستمرار في الارتكاز على مفاهيم خاطئة تضعف المصالح الامريكية او تعيد لها الهيبة ...ولكن على السياسة الامريكية اولا ان تعيد النظر في مفاهيمها التي رسمت بعد الحادي عشر من ايلول خاصة المفاهيم التي حاولت ترويجها في الشرق الاوسط والتي تتعلق بالديمقراطية فلا يمكن ان تقوم ديمقراطية دون سيادة ودون كرامة وهذة المفاهيم لم تجد تفسيرا في السابق لدى اغلب الزعامات في البيت الابيض اما جوهر المشاكل التي دولت بعد هجمات ايلول هو مفهوم الارهاب والذي نعتبره مصطلح سياسي وليس قانوني وهناك صعوبات كثيرة في تعريف الإرهاب من الناحية القانونية فهو ليس مفهوم يمكننا من تحليل الوضع بصفة عامة خاصة مع تباين القوانين في البلدان هناك ايضا حالة تجلت في احتلال العراق وهي ايضا حاضرة في فلسطين حيث غالبا ما يوصف رجال المقاومة بالإرهاب أقول بأن هذا الشيء يدعوا إلى التعجب من اصرار الولايات المتحدة على تطبيق الديمقراطية على شعوب لا تمتلك حرية لان الديمقراطية هي وليدة الحرية والرجال الذين يقاتلون من اجل حرية شعوبهم هم بطبيعة الحال يبحثون عن اسس صحيحة للديمقراطية ولكن هنا تتباين التفسيرات لان الولايات المتحدة لديها مفهوم اخر لديمقراطية الشرق الاوسط .


إذن سوف لا نعود إلى مشكلة تحديد تعريف الديمقراطية ولكن سوف أذكر فيما قلته لا يمكن قيام ديمقراطية بدون كرامة وبدون سيادة والتحليل الأمريكي لا يأخذ بعين الاعتبار الكرامة الوطنية ولا سيادة الدول وعلى الرئيس اوباما ان ينتبه جيدا للواقع العربي والقانون الدولي وان يعيد الهيبة للعدالة الدولية والا اصبح رقما اخر للرؤساء الذين توالوا على البيت الابيض واكملوا مسيرة التخلف الفكري وقصور النظر اتجاة الشعوب العربية والشرق الاوسط عندها ليس غريبا ان يودع بتحية تشبة التي ودع بها الرئيس بوش من يد رجل عربي اخر !! .

 

هذا المقال نشرناه في صحيفة العرب الأسبوعي ..وهو تحليل سياسي لمستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٢ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / أذار / ٢٠٠٩ م