ايران القوية مصلحة ستراتيجية امريكية – صهيونية : لماذا ؟

﴿ الحلقة الخامسة والاخيرة

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

يستطيع الشيطان أن يكون ملاكاً  لكن أمام الحمقى والسذج فقط

مثل عالمي

                                                

 

ملاحظة مهمة : كتب هذا التحليل قبل بث رسالة الرئيس الامريكي باراك اوباما التصالحية الى ايران ، يوم 20 / 3 / 2009  ، والتي جاءت لتؤكد بصورة حاسمة ما ورد فيه ، وتحديدا صواب حقيقة ان ايران الملالي هي الذخيرة الستراتيجية والاحتياطي الستراتيجي لامريكا والكيان الصهيوني الاهم والاخطر في المنطقة  قدر تعلق الامر بتفتيت الاقطار العربية ، والتحليل الاتي يثبت ذلك .

 

القاسم المشترك : لقاء الستراتيجيات العظمى

 

ان ماسبق عرضه من تطورات وستراتيجيات ومواقف يقود تلقائيا بوضوح تام الى تثبيت وجود ام الحقائق قدر تعلق الامر بالعلاقة بين امريكا والكيان الصهيوني وايران ، وهي ان ثمة تلاق كامل ، بين الستراتيجيات العظمى لكل من الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني والكيان الفارسي في ايران ، حول هدف محدد بارز وهو تقسيم وتقاسم الاقطار العربية وشرذمتها من اجل منع قيام اي شكل من اشكال الوحدة العربية ، والانتقال بعد ذلك الى تحقيق هدف نهائي وهو محو الهوية القومية العربية كليا ، واحلال علاقات ما قبل الامة وما قبل الوطنية والقومية محلها ، في مقدمتها اثارة فتن طائفية مفتعلة وتغليب الرابطة الطائفية على رابطة الوطن والامة ، تنفيذا لسايكس بيكو الثانية . ان هذه الحقيقة هي مكمن المصلحة ، وجذر العلاقة ، الستراتيجية الخطيرة ومحورها والتي تربط ايران بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني ، ومنها تتفرع ، وعليها تستند ، باقي اشكال التعاون بين هذه الاطراف الثلاثة ، وماعداه في علاقة هذا الثلاثي الشرير قضايا ثانوية مهما كان طابعها الخلافي .

 

واذا استخدمنا مفتاح هذه الحقيقة لفتح ارشيفها فاننا سنجد الصورتين الرقميتين التاليتين :

 

الصورة الاولى استنزاف الامة بواسطة ايران ، اذ تقوم ايران بدور اقليمي خطير جدا ، بالاضافة لكونه يخدمها ، فانه يخدم ايضا الاهداف الستراتيجية العظمى لامريكا والكيان الصهيوني ، واهمها هدف اشغال واستنزاف الاقطار العربية وجعلها في حالة دفاع دائم ومواجهة دائمة مع خطر اسمه ( الخطر الايراني ) ، والذي يحل تدريجيا محل الخطر الصهيوني . بهذا الدور تحقق ايران هدفا جوهريا وهو منع الامة العربية من تحقيق اي تقدم اقتصادي – اجتماعي – علمي تكنولوجي ، بالاضافة لتحقيق هدف مهم اخر وهو منع تحقيق اي خطوة باتجاه الوحدة العربية . وهنا يجب ان نتذكر ستراتيجية تفتيت الاقطار العربية عبر دعم الاقليات ، واحد اهم متطلباتها هو نظرية ( شد الاطراف ) اي اقامة الكيان الصهيوني علاقات ستراتيجية ، رسمية او فعلية ، مع البلدان غير العربية المحيطة بالاقطار العربية ، واستغلال كل القضايا الخلافية لاجل ضمان اقامة طوق يحاصر اقطار الامة العربية مشرقا ومغربا ويستنزفها ويحيدها ويمنع نهضتها وتقدمها ووحدتها القومية .

 

ان الحرب التي فرضتها ايران على العراق بين عامي 1980 و1988 نتيجة تبني خميني هدف اسقاط النظام الوطني في العراق ، تحت غطاء ما سمي ( نشر الثورة الاسلامية ) ورفع شعار زائف ومضلل وهو (تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد) كانت البوابة التي احدثت الانقلاب الستراتيجي الاخطر في الوطن العربي ودول المحيط لصالح الامبريالية الامريكية والكيان الصهيوني ، لانها حولت الجهود العربية خصوصا جهود العراق ، من التنمية والتقدم والاستمرار في بناء انموذج النهضة القومية العربية ومواصلة النضال لدعم القضية الفلسطينية ، الى مواجهة خطر شرس جدا وبدائي جدا ورجعي جدا هو الخطر الايراني التقليدي ، الذي عانى منه شعب العراق عبر الاف السنين .

 

وهنا يجب ان نسقط القصة السمجة واللئيمة التي تقول ان العراق لم يتحمل ايران ورد عليها دون محاولة اقناعها بالتوقف عن ( الاستفزازات ) ، اذ يجب ان نتذكر الموقف التصالحي والسلمي للعراق قبل اندلاع الحرب وعمله من اجل منع تحول الخلافات مع ايران الى صراع رئيسي ، وهو موقف موثق حتى لدى الامم المتحدة وثمة شهود ماتوا واخرون مازالو احياء يعرفون ان العراق تحمل مالا يمكن تحمله من اعمال ايران التوسعية حرصا على تجنيب المنطقة كوارث الانفجار ، لكن اصرار خميني على اسقاط النظام الوطني في العراق ، وبدأ عمليات غزو مسلح له ، دفع المنطقة كلها الى حرب قلبت كل الثوابت الستراتيجية في المنطقة لصالح الامبريالية والكيان الصهيوني .   

 

ان الاثار التي ترتبت على الحرب كانت خطيرة ومدمرة للجميع ، باستثناء امريكا والكيان الصهيوني ، لانها اجبرت العرب كلهم على اعادة تحديد الاهداف الرئيسية عسكريا وسياسيا وتنمويا ، واصبحت ضرورات الطوارئ هي المتحكمة بالوضع الاقليمي ، ولكنها هذه المرة طوارئ ناشئة عن خطر ايراني مباشر وحاد طغى على خطر الكيان الصهيوني ، لذلك شعر الكيان الصهيوني براحة وانفراج كبيرين لم يسبق له ان تمتع بمثله منذ عام 1948 .

 

كما ان امريكا استثمرت الفرصة فاخذت تزيد من حلب الاقطار العربية ماديا باقناعها بشراء السلاح لمواجهة الخطر الايراني الذي افتعلته هي ، بمساعدة مباشرة من خميني الذي قام بتقديم افضل خدمة لامريكا والكيان الصهيوني باقناع كل العرب بان مصدر التهديد هو ايران وليس امريكا والكيان الصهيوني ، من خلال رفعه الشعار الصهيوني السيء الصيت ( نشر الثورة الاسلامية ) ، والذي ترجمته ايران رسميا على انه يعني اسقاط الانظمة العربية . اذا اخذنا هذا التغيير بمفرده ، وتعاملنا مع اثاره المدمرة ، فاننا نواجه واحدة من اعظم الخدمات التي قدمتها ايران خميني لامريكا والكيان الصهيوني منذ عام 1948 .

 

الصورة الثانية هي قيام ايران خميني بتقديم الخدمة العظمى الاخرى للكيان الصهيوني وامريكا والمتمثلة في نشر الفتن الطائفية والعمل على شرذمة الاقطار العربية ، على اسس طائفية ودينية ، من اجل تحويل الانتماء الطائفي من انتماء ثانوي الى انتماء رئيسي غالب يدفع الانتماءين الوطني القطري والقومي العربي الى الخلف ويدفنهما ويحل محلهما . وهذا الدور الايراني هو جزء مقوم ، اي جوهري واساسي ، من متطلبات سايكس – بيكو الثانية . ان نظرة الى الاحزاب التابعة لايران ، في العراق ولبنان والسعودية والبحرين وغيرها تؤكد ، بلا ادنى شك وبلا اي غموض ، ان الانتماء الطائفي قد جرها الى جعل ولائها الاول والاهم والغالب لايران وليس لوطنها او لامتها العربية .

 

ويجب ان لاننسى على الاطلاق ما طالب به الايراني الاصل عبدالعزيز الحكيم بعد الغزو وهو دفع العراق تعويضات الى ايران قدرها اكثر من 120 مليار دولار ، وجعل ، هو وغيره من ذوي التبعية الايرانية ، الدفاع بالسلاح عن ايران المهمة الاساسية عندما تعرضت لتهديدات امريكية مع ان الاحزاب الموالية لايران كلها ، بما في ذلك التيار الصدري ، قد دعمت الاحتلال وشاركت في حكوماته وماسمي ب ( برلمانه ) ، ولم تتذكر ابدا ان العراق يفترض ان يكون وطنها وان عليها الدفاع عنه ضد اي غزو خارجي .

 

وما حصل في اقطار عربية يوضح مخاطر ذلك ، ففي السعودية وقعت مؤخرا في البقيع احداث شغب طائفي توج بالاعتداء على قبور الصحابة رضوان الله عليهم ، وطالب المتظاهرون بفصل شرق السعودية عن السعودية ، ونظمت تظاهرة في لندن من قبل سعوديين اتباع لايران وغيرهم طالبت علنا بفصل مكة المكرمة عن السعودية واعتبارها منطقة دولية كالفاتيكان وهو مشروع ايراني امريكي قديم ! واخيرا وليس اخرا نجاح حزب الله في لبنان في تحويل اهم مراكز العروبة التقليدية في لبنان ، في زمن عبدالناصر بشكل خاص ، وهي جنوب بيروت وجنوب لبنان ، الى اهم بؤر العمالة لايران ، وصارت قم في ايران هي القبلة والمركز الموجه لها دينيا والمحدد لوظيفتها سياسيا ، وليس مكة المكرمة او الانتماء العربي .

 

هذه النتيجة هي اخطر ما في احلال الطائفية محل الوطنية والرابطة القومية ، وبالتاكيد فان المستفيد ليس ايران فقط بل امريكا والكيان الصهيوني ، اللذان عملا علنا ومنذ عقود من الزمن على الغاء الرابطتين الوطنية والقومية عبر التفتيت المنظم للاقطار العربية .

 

الولاء للطائفة : معناه ونتائجه ؟

 

ولاجل ان نحدد الامور بدقة وتركيز سوف نتناول اهم الملاحظات التفصيلية :

 

1 - ان الرابطة القومية العربية ، وفرعها الرابطة الوطنية لكل قطر عربي ، نتاج تطور بطئ استغرق الاف السنين في بيئة متواترة المراحل ، بدأت برابطة العائلة ثم العشيرة ثم القبيلة ثم القرية والمدينة ، ثم برزت رابطة العروبة التي جمعت قبائل وعشائر وكتل بشرية ضخمة ، ثم تبلورت الرابطة الوطنية والقومية كتتويج لتفاعلات استغرقت الاف السنين . والهوية القومية بهذا المعنى هي نتاج تفاعلات طويلة انتجت هوية محددة تجمع بين بشر يلتقون حول عوامل مشتركة ، كاللغة والثقافة والسايكولوجيا ونمط التقاليد الاجتماعية ، والدين الواحد والتواصل الارضي ( الجغرافي ) والمصالح الاقتصادية المشتركة ، اما الرابطة الوطنية في اقطار الوطن العربي فهي التعبير المحلي ( القطري ) عن خصوصية الهوية ، فلكل قطر عربي خصائص مميزة اوجدها مساره التطوري الخاص ، ولذلك فان الوطنية هي التعبير الخاص عن الهوية القومية العربية .

 

اذن الهوية القومية هي صورة الامة بين الامم ، وهي حافظة خصوصيتها الثقافية واللغوية والسايكولوجية وتراثها العام خصوصا الديني ، وتقاليدها وقيمها ، وكما ان للانسان اسما وشكلا يميزانه عن غيره فان الهوية القومية هي ما يميز العربي عن الفارسي وعن الفرنسي والروسي .  وطبقا لهذا المعنى فان الهوية القومية هي مظهر وجودي مادي ومعنوي للانسان ، وتشكل مصدر وعيه وقوته ومحدد خياراته في الحياة . وعلى هذه الهوية يبنى الاستقرار ويقوم الوجود الانساني ، ويظهر ذلك اثناء تعرض الانسان لخيارات كبرى كمواجهة تحد خارجي ، فنرى الانسان العربي يختار الوقوف الى جانب شقيقه العربي حينما يتعرض لتهديد من طرف اجنبي ، كخيار تلقائي وطبيعي بين ابناء امة واحدة حتى لو فصلت بينهم حدود سياسية وجغرافية بعيدة .

 

ان الامم استمرت في وجودها وحافظت على هويتها ومصالحها بفضل اهم بوصلة ارشاد تلقائي للانسان وهو الانتماء القومي والرابطة الوطنية ، وبعض الامم اقامت حضارات وامبراطوريات بفضل الهوية القومية والمميزات الثقافية الخاصة ، ولذلك لدينا في التاريخ تسميات ذات دلالة مثل ( الحضارة العربية ) و( الحضارة الصينية ) و( الحضارة الفارسية ) ...الخ . ان مجرد اطلاق تسميات قومية على الحضارات هو تأكيد واضح على ان الهوية القومية هي الرابطة الاعتق والاكثر تجذرا وهي نبع وجود الامة ومصدر ابداعها وخلقها وقاعدة قوتها وتماسك شخصيتها بين الامم .

 

وفي ضوء ما تقدم فان الصراعات التاريخية العظمى ، اي تلك التي غيرت وجه التاريخ ، كانت تستخدم سلاحا فتاكا ، عبر عنه الاستعمار البريطاني حديثا بدقة بالمقولة الشهيرة ( فرق تسد ) ، وهو سلاح تمزيق الامة من داخلها باستخدام اسلحة من بينها سلاح اثارة ، او احياء او تعزيز ، ثقافات ما قبل التوحد والانصهار ، لان تلك الثقافات تتعدد فيها البوصلات وتتناقض عملية تحديد اتجاهاتها . وكانت القاعدة الثمينة لتحقيق هذا الهدف هي التالية : اذا اضعفت الهوية القومية واستبدلت الرابطة الوطنية بالرابطة الطائفية ، او اي رابطة سابقة لنشوء الامة ، تصبح لدى كل جزء منها بوصلة خاصة تختلف عن بوصلات الاجزاء الاخرى ، فتحل الانقسامات داخل الامة وينحاز الانسان الى طائفته او اصله العرقي بدل وطنيته وقوميته ،فتتفكك قوة الامة والوطن ويتشرذم الناس ، ويقع الكثير منهم في فخاخ محفورة بدقة وتخطيط تجعل من الوطن والامة في وضع خطير نتيجة الضعف والاستنزاف الداخلي .

 

2 - هل هذه نظرية مؤامرة ؟ كلا ، انظروا الى العراق بعد الاحتلال وكيف ان دستور بريمير ، الحاكم الامريكي ، الذي دعمته ايران بكل قواها ، قد قسم العرب العراقيين الى سنة وشيعة وازال كلمة العرب ، وجعل الهوية الطائفية وليس الوطنية او القومية اساسا لتقسيم العراق الى فدراليات ، ولذلك وضع الدستور تسميات السنة والشيعة والاكراد والتركمان وليس العرب ! ان الدعم الايراني لدستور بريمير يفرض طرح السؤال التالي : هل خطة ايران تقوم فقط على دعم الاحتلال الاجنبي ، وهو موقف مدان ، من اجل تقسيم الاقطار العربية والتوقف عند هذا الحد ؟

 

كلا ، ففي لبنان قام حزب الله بتحويل ولاء الكثير من شيعة لبنان من ولاء للامة العربية وللوطن اللبناني الى ولاء لايران ، عبر اسلوب قتالي عظيم وجذاب مناقض لاسلوب عملاء ايران في العراق ، وهو القتال ضد الكيان الصهيوني ، وهو لذلك مضلل ومخادع نتيجة لخدمته ليس للبنان او فلسطين بل لايران ، كما اكدت كل مواجهات حزب الله وعملياته الاستعراضية كاطلاق سراح اسرى او اعادة جثث  . في العراق اختارت ايران لاتباعها خطة تحويل الولاء من ولاء للوطن العراقي والهوية القومية العربية الى ولاء للطائفة ثم الى ايران وهو ما سمح بخدمة الاحتلال الامريكي للعراق لانه كان وحده من يستطيع غزو العراق وفسح الطريق لايران للتحكم بالعراق . لذلك كان الهدف الايراني الواضح هو ليس فقط شرذمة الاقطار العربية بل السيطرة على بعضها ومحو الهوية العربية من كلها بعد شرذمتها .

 

ولكن في الحالتين فان النتيجة واحدة ، سواء ثمرة عمل حزب الله او ثمرة عمل احزاب ايران في العراق ، وهي محاولة القضاء على رابطة العروبة ومحو القومية العربية وحعل الانتماء الطائفي هو المرجعية الاكثر تأثيرا . وهذا الاختلاف في ادوار عملاء ايران ( في لبنان معادين للصهيونية وفي العراق عملاء لامريكا الدرع الاهم للكيان الصهيوني ) هو نتاج خطة توزيع الادوار بين ادوات ايران ، فحزب الله حارب اسرائيل لاجل تأهيل نفسه ليكون محترما من وجهة نظر العرب الوطنيين ومن ثم يقوم باعظم خدمة ايران ، وليس تحرير الارض المحتلة في فلسطين ، وهي تجميل وجه ايران امام العرب بعد ان تقبّح خصوصا بفعل مشاركتها الاساسية في غزو العراق ، وامتلاكه سلاحا قويا يحمي به نفسه حينما يدافع عن جرائم الاستعمار الايراني وهو سمعته الطيبة . والاحزاب العميلة لايران في العراق دعمت الاحتلال لاجل القضاء على القوة العروبية والقومية في العراق صراحة ومباشرة لان وظيفتها هي ان تكون ( وجه قباحة ) ، كما يقول المثل العراقي ، وليس ان تكون وجه سيدة بلاط  فارس الكافرة الجمال القادرة على اغواء الكثير من الرجال ، الذين تحركهم قوة ما بين سيقانهم وليس عقلهم ، كما يريد حزب الله ان يكون .

 

هنا ايران موقفها ايجابي ومغر ، وهناك موقفها سلبي منفّر ! انها الحكمة الفارسية التقليدية منذ البرامكة ومشاركة الفرس في الانقلاب العباسي بدور قيادي لاجل تدمير ملك العرب من الداخل ، وحتى الان حينما دخل حزب الله غرف نوم اعراب تحركهم قوة ما بين الساقين وشاركهم حتى اسرارهم ( الحميمة ) ، ومع ذلك لا يفتحون فمهم الا ويبسملون ، او يمتدحون المرحوم عبدالناصر !

 

3 - ولكي ندرك خطوة احلال الطائفية محل الوطنية والقومية في وطننا العربي علينا ان نتذكر ان ايران تتمسك بهويتها القومية الان ، في زمن الملالي ، اكثر من زمن الشاه ، والدليل هو اصرارها على مواصلة احتلال الاحواز ومطالبتها بالبحرين واستمرار غزوها للجزر العربية والسطو على اراض عراقية بعد غزوه ، ورفض اي حل وسط بالنسبة لتسمية الخليج العربي ( رفض خميني مقترحا بتسمية الخليج بالخليج الاسلامي واصر على تسميته بالخليج الفارسي ) ، والعمل صراحة وبنصوص في دستور ما يطلق عليها زيفا ( جمهورية ايران الاسلامية ) على خدمة مصالح ايران القومية حتى ولو كان ذلك على حساب بلدان اسلامية وعربية .

 

الم تقدم ايران لامريكا اهم شروط نجاح غزوها لافغانستان والعراق ، كما اعترف خاتمي وبررت ذلك على انه يخدم مصالح ايران الوطنية ؟ اذن مقابل تشجيع ايران للاحزاب العميلة لها كحزب الله ، على احلال الرابطة الطائفية محل الرابطة الوطنية والهوية القومية فانها تصر على التمسك بهويتها القومية وبمصالحها الوطنية التي تقوم في جانب منها على احتلال اراض عربية .

 

4 - نكرر ، ونؤكد ، مرة اخرى واخرى : ان اخطر دور قام به حزب الله هو ليس الحاق الضرر بالكيان الصهيوني ، وهو ضرر ثانوي ، بل الحاق افدح الاضرار بالاقطار العربية ، فلقد استغلال ما حصل عليه من سمعة طيبة نتيجة مقاتلة الكيان الصهيوني للنجاح في نقل ولاء كتل لبنانية كبيرة من الولاء للوطن اللبناني وللهوية العربية للبنان الى الولاء للطائفة ، وتلقائيا اصبح ولاء لدولة اجنبية هي ايران . ان تحويل الولاء عملية فقهية مدروسة ، فاستنادا الى مفهوم ( التقليد ) في المذهب الشيعي الصفوي فان المقلد يصبح تابعا بحتمية لامفر منها لمرجعيته الطائفية ، ولعل اوضح صورة للتبعية التي تصل حد عبودية المقلد لمرجعه هي صورة حسن نصرالله وهو يقبل يد علي خامنئي كلما التقاه تعبيرا دقيقا عن معنى التقليد وهو العبودية التامة .

 

العبد لا يكر

 

5 - وتقبيل يد خامنئي من قبل نصرالله ، وغيره من عهار الضمير العرب ، ينقل التبعية لايران الى حدود ممارسة نوع بدائي ومقيت من العبودية ذلك الذي يتجلى في تقبيل يد المرجع الطائفي ! ان صورة حسن نصر الله وهو يقبل يد خامنئي بطاعة عمياء تمثل قمة العبودية والاذلال لانسانية الانسان الذي تجاوز هذه العادة المنتمية لعصور العبودية والاقطاع الابوي ، والتي تسربت الى بعض العرب من مصادر فارسية وتركية . وعلى كل مثقف ان يتسائل : اذا كان حسن نصرالله بكل سمعته الطيبة وذكاءه الممتاز وشخصيته القوية مضطر لتقبيل يد خامنئي فكيف تكون عبودية وخدمة الناس البسطاء لايران ومصالح ايران ؟

 

على المستوى الاخلاقي انها كارثة لا حدود لدلالاتها الاعتبارية حينما يصبح الانسان محض عبد ذليل عليه ان يقبل يد سيده مع ان الاسلام حرر العبيد من العبودية وساواهم بمن كانوا سادة المجتمع . وانها كارثة على مستوى المصالح القومية للامة حينما يكون ولاء بعض ابناءها لبلد يشهر العداء عليها ويحتل ارضها ويعمل على محو هويتها القومية .

ان العبد لا يكر ، الا اذا وعد بالزواج من امراة ( حرة ) ، كما تخبرنا قصة عنتر بن شداد ، لكن كر العبد المحرر يحدده سيده باتجاهه وحدوده وهدفه ، ويبقى عنتر عبدا امام سيده مادامت المراة التي تزوجها ملكا للسيد ويمكن تطليقها في اي لحظة اذا تمرد عنتر .  انظروا اين اصبح صبحي الطفيلي اول امين عام لحزب الله ومعلم واستاذ حسن نصرالله ؟ لقد طلقته ( زوجته ) ، وهي حزب الله ، بامر من ( المرشد الاعلى ) ، وهو زعيم الامة الفارسية ، حالما اعترض على اوامر ايرانية ، وناقش اخرى ورفض ما عده مخالفا للضمير الوطني والقومي وللشرع . لذلك فان احد اهم دروس حزب الله هو درس ان العبد الذي يكر من اجل الزواج من امراة حرة سوف يبقى عبدا ، وان تمرد فانه سوف يطويه النسيان ، وحسن نصرالله عبد لطهران ومقيد حد الاختناق بما تقدمه من اموال هائلة تسمح لحسن ان يكون امبراطورا محاطا بعبيد مخصيين ينتمون الى قبيلة عبس ، لكن هذه الاموال هي نفسها التي تؤبد عبوديته وهو يرى استاذه الطفيلي وقد طواه النسيان .

 

6 - وهنا يجب التذكير بان دور حزب الله هذا لا يخدم ايران فقط بل هو دور يخدم امريكا والكيان الصهيوني أيضا لان ستراتيجيتيهما العظمى قامت على تفتيت الامة العربية ، بكافة اقطارها ، ولذلك يعد حسن نصرالله ،  من وجهة نظر امريكية – صهيونية ، اخطر واهم من نجح في تحويل الولاء ، في اوساط عربية معينة ، من ولاء للوطنية والقومية العربية الى ولاء لايران ، بل يجب ان نذكّر بان احدا ، لا في عهد الشاه ولا في عهد خميني ، نجح في تحويل ولاء عرب من ولاء لامتهم الى ولاء لايران سوى حسن نصرالله هذا ، وهذا هو السر الاكبر في وجود مصلحة امريكية صهيونية في تقوية وابراز حزب الله مادام حسن قادرا على تفتيت العرب باي قدر كان .

 

 وهذه الحقيقة هي التي تفسر لغزا حير الكثيرين وهو عدم تصفية امريكا والكيان الصهيوني لحسن نصرالله مع انهما كانتا قادرتان بالتاكيد على فعل ذلك ، بل فعلتا العكس وهو دفع فضائيات عربية مهمة لتمجيد نصرالله والتركيز على دوره والمبالغة فيه ، كما فعلت قناة الجزيرة عبر الاصبع الايراني القح فيها ، وبنفس الوقت التعتيم على البطل الحقيقي للمقاومة العربية ومحاولة تشويه صورته وشيطنته ، وهو المجاهد العراقي ضد الاحتلال الامريكي – الايراني .

 

7 - وازدادت اهمية حزب الله بالنسبة لامريكا والكيان الصهيوني لان دور الخادم لايران الذي يقوم به لا يقتصر على تضليل بعض شيعة لبنان والاقطار العربية ، بل هو يمتد ليشمل تيارات دينية سنية تعادي القومية العربية والتنظيمات القومية ، كما في مصر ، واشخاص ونخب غير دينية لكنها مريضة بحب المال ، كاللوبي الايراني في المؤتمر القومي العربي ( وارجو الانتباه الى انني اعري الان اللوبي الايراني وليس المؤتمر لان نقد المؤتمر بالتفصيل سيأتي قريبا ) .

 

وحزب الله أعطى للطرفين ، وهم من عبيد قبيلة بني عبس ، ما يريدان ، فقدم للتيارات الاسلاموية ( وليس الاسلامية ) المعادية للعروبة نفسه كحزب معاد للعروبة وقواها السياسية وقادر على اضعاف العدو اللدود للتيارات الاسلاموية وهو التيار القومي العربي ، وقدم نفسه كحزب ثري ملك مالا اكثر مما ملك جده الايديولوجي يحيى البرمكي ، واغنى من الدولة اللبنانية وانه قادر ، بفضل برمكيته واريجيته وكرمه ، على تحويل اشخاص واحزاب وكتل الى تنظيمات ثرية تتلاعب بالاموال بمجرد اعلان دعمها لايران ، فسال لعاب عهار الضمير ممن يعبدون الذهب ، او يبحثون عن دور تحركه قوة ما بين الساقين ، فاصبحت لهم مكاتب وسكرتيرات وشقق او فلل في مناطق غالية جدا ، اوشركات ومعاهد دراسات واحزاب دون ان يقولوا من اين وفروا تكاليف ذلك الباهضة ، مع انهم بلا موارد وليسوا ابناء اثرياء حرب او منحدرين من طبقة ارستقراطية ؟ !

 

وهكذا وجدت خيول طروادة عربية  صنعت في طهران من وسط عبيد قبيلة بني عبس العريقة ، اخطر بكثير من حصان طروادة الساداتي الذي صنع في واشنطن وتل ابيب ، في اكثر من قطر عربي تخدم ايران بوقاحة تامة وتجمّل صورتها كلما ازداد قبحها نتيجة جرائمها في الاقطار العربية ، معتمدة على سمعة حزب الله ومختبة تحت عباءة حسن نصرالله ، التي نسجت من دماء شهداء لبنانيين ماتوا من اجل تحرير جنوب لبنان لكن تضحياتهم الغالية جيرت لخدمة ايران ومطامعها القومية في الارض العربية .

 

منذ عام 2008 حينما عقد المؤتمر القومي ( العربي ) دورته في صنعاء ، وبعد خمس سنوات على احتلال العراق والاتضاح التام للمشاركة الايرانية الرئيسية فيه ، تبلورت امامنا الصورة الاكثر بشاعة لما يجري داخل المؤتمر القومي العربي وهي صورة الدور الخطير الذي يلعبه اللوبي الايراني داخل هذا ( المؤتمر القومي ! العربي ! ) ، فقد اصبح علنا القوة الاساسية المقررة لاتجاهاته العامة ونوعية خدماته ، وخصوصا قدرته على    ( الاقناع ) بقوة البتروتومان على طرح او تبني قرارات وقحة تدعم ايران رغم جرائمها في العراق وبقية الاقطار العربية ! والمثال على ذلك هو المسودة التي قدمت للبيان الختامي وسحبت نتيجة رفض وضغط القوميين العرب الحقيقيين في المؤتمر ، والتي يشكل مجرد طرحها للنقاش من قبل اللوبي الايراني موقفا وقحا جدا ومهين لكل عربي ، وسوف ننشرها ونعلق عليها في مقال قادم ! ان الدفاع المستميت عن ايران الذي يقوم به المؤتمر القومي ، بتاثير اللوبي الايراني ، الذي لا يملك الا سحر البتروتومان ، يفوق في خطورته وتخريبه الدور التخريبي للساداتية التقليدية ، والتي كانت الاختراق الاول للامن القومي العربي .

 

والادهى والامر هو ان المؤتمر القومي (!)العربي (!) العتيد هذا فرخ اثناء دورة صنعاء لوبيا اخرا توأما للوبي الايراني ، هو اللوبي الاسرائيلي الذي شرع ممثله فورا بترأس الدورة وادارة النقاشات وتنفيذ جدول الاعمال ! ووصلت وقاحة ممثل اسرائيل الذي كان يدير الجلسة حد منع الرمز الشيعي الوطني المعادي للاحتلال اية الله احمد الحسني البغدادي من اكمال كلامه مع انه كان يفضح الاحتلال الامريكي ! لو قال لكم احد قبل عقد من الزمن ان عضوا في الكنيست الاسرائيلي سوف يصبح قياديا في المؤتمر القومي هل كنتم  تصدقون ؟ نعم اللوبي الاسرائيلي في المؤتمر القومي يمثله عضو في الكنيست الاسرائيلي لم يستقل هو من الكنيست نتيجة صحوة ضمير بل طردته اسرائيل منه ، لاسباب امنية تتعلق بدوره المطلوب حاليا وليس بما قام به .

 

ويجب ان نوضح مسالة مهمة جدا وهي ان العربي العضو في الكنيست الاسرائيلي ليس كالعربي الفلسطيني الذي اضطر للحصول على الجنسية الاسرائيلية من اجل تمشية اموره الحياتية ، بل هو يقسم يمين الولاء لاسرائيل بصفتها وطنه الوحيد ! هل تصدقون ذلك ؟ الم نقل ان الساداتية الجديدة اسوأ واخطر من الساداتية التقليدية  ؟ لم اذن رفضنا الساداتية وحاربناها اذا كنا سنقبل عضوا في الكنيست قياديا في مؤتمر اسمه قومي وعربي ؟ هل ترون كيف ان التلاقي الايراني الصهيوني يفرض نفسه حتى على مؤتمر اسمه القومي والعربي ؟

 

في حين كان رد الفعل الشعبي والنخبوي العربي على الاختراق الساداتي هو الرفض الواسع النطاق وتحول الساداتية الى عار فان الساداتيون الجدد في المؤتمر القومي يفعلون ما كان السادات عاجرزا عن فعله ، وهو الدعم المطلق للكيان الصهيوني حتى وهو يذبح الشعب الفلسطيني ، الساداتيون في المؤتمر القومي العربي يصفقون لايران وهي تذبح شعب العراق وتدمر الدولة الوطنية العراقية ، الساداتيون في المؤتمر القومي يدعمون بلا تردد ايران وهي تقسم العراق بالفتن والتطهير الطائفي والعرقي ! الساداتيون في المؤتمر القومي العربي يصفقون لايران وهي تعلن ان البحرين جزء من ايران ! الساداتيون في المؤتمر القومي يشربون مبتهجين أنخابا فارسية مملوءة بدم شهداء عرب الاحواز ! الساداتيون في المؤتمر القومي يتراقصون على انغام النشيد الوطني الايراني رغم ان ايران تنشر الفتن الطائفية في كل الاقطار العربية ، اخرها في المغرب الذي اضطر لقطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران  ! الساداتيون في المؤتمر القومي العربي يدافعون عن المشروع النووي الايراني بحماس مع انه مصمم لابتزاز العرب واخضاعهم وليس لضرب الكيان الصهيوني او امريكا !

 

هنا نرى بوضوح تام الجذر الشيطاني لحزب الله : ان القيمة الواقعية لحزب الله لا تتضح الا اذا لاحظنا الاقتران الشرطي بين دعم المرتزقة العرب لايران ووجود حزب الله كحزب مناهض للكيان الصهيوني ، فلولا دور حزب الله الايجابي لما تجرأ عربي واحد على دعم ايران وهي تغزو وتتعاون مع امريكا وتمزق الاقطار العربية طائفيا ، وهذه الملاحظة تحدد بدقة الوظيفة الحقيقية لهذا الحزب الشيطاني الجينات .

 

ان الدرس التاريخي لتجربة حزب الله المرة هي التالية : الولاء للطائفة كبديل للولاء للامة والوطن يصبح حصان طروادة الذي يوفر خيارات تدمير الامة العربية بكافة اقطارها من داخلها ، وهو تدمير يكمل عمل التدمير المنظم لاقطار الامة العربية من خارجها على يد امريكا والكيان الصهيوني .

 

8 - ان غزو العراق بشكل خاص قد حسم الجدل نهائيا ، وبصورة دقيقة وواضحة ، حول الاسباب التي تجعل امريكا والكيان الصهيوني ودول اوربية معروفة ترفض ، باصرار ، اضعاف ايران الملالي بضربها او اسقاط نظامها ، كما حصل للعراق ، وتتمسك بستراتيجية واضحة ولم تعد غامضة تقوم على دعم الدور الايراني التفتيتي في الوطن العربي والعالم الاسلامي . والسبب واضح جدا :  ان ايران تقوم بمهمة كان يجب على امريكا والكيان الصهيوني القيام بها ، بكل ما يعنيه ، ويؤدي اليه ، ذلك من خسائر هائلة بشرية ومادية ، لكنهما فشلا لوجود حصانة عربية واسلامية ضدهما ، فجاءت ايران خميني ، بمطامعها واحقادها التاريخية على الامة العربية ، وهي تملك المقومات التي تمكنها من تحقيق نجاحات خطيرة في شرذمة الاقطار العربية ، ومنها انها المرجعية العليا للتشيع الصفوي في العالم كله ، والتي تملك الولاء المطلق لجزء من الشيعة العرب لها ، والذي يجعلهم عمليا تابعين لايران وليس لوطنهم ومنفذين لاوامرها بطاعة عمياء كما راينا في العراق !

 

9 - ان من يدافع عن ايران ويقول يجب ان نؤجل صراعنا مع ايران الان لنركز على فلسطين ، عليه ان لا ينسى ابدا ان العراق ليس مخفرا حدوديا احتلته ايران ومن الممكن تسوية الامر بالحوار حرصا على علاقات معينة  مع ايران ، بل الامر اخطر بكثير لان العراق هو السد المنيع الذي يحمي عروبة المنطقة كلها ، وهو جمجمة العرب ومخزن وعيها التاريخي ومصدر عظمة انجازتها الحضارية الاقدم في التاريخ الانساني ، من هنا فان غزو العراق والمشاركة الايرانية فيه بدور حاسم ورئيسي ، يضع ايران في مكان لا يختلف اطلاقا عن مكان وقوف الكيان الصهيوني ، وهو انها دولة معادية واستعمارية يجب محاربتها حتى تحرير الارض والمياه وطردها واجتثاث كل احتياطياتها في الوطن العربي .

 

ان غزو العراق وتدميره ومحاولة ايران تقسيمه بدعم امريكي كامل ، قضية مركزية في المرحلة الراهنة وكل تجاهل لها او الحط من قيمتها يخدم الكيان الصهيوني اولا ، لان تدمير العراق وتقسيمه ينهي بقية الامل العربي بتحرير فلسطين ، ويكمل عملية دفن الامة العربية . المنطق القومي يقوم على تساوي الاقطار العربية في القيمة ، لذلك فان تقديم فلسطين على العراق في معيار الاولويات موقف خطير ويفضي الى الوقوع في الفخ الاكثر ارتباطا بالساداتية .

ولو كانت ايران في حالة انسجام وتوافق مع العرب لكان بالامكان تفهم ، وليس قبول هذه الظاهرة المرضية الخطيرة ، ولكن حينما تكون ايران رسميا وعمليا دولة قومية وليس دينية او طائفية ، وتعمل من اجل احتلال اراض عربية جديدة مثل العراق والبحرين ، بعد ان احتلت الاحواز والجزر العربية واراض عراقية ، فانها في ظل هذا الواقع تعد دولة معادية واستعمارية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .

 

10 - ان هذه الصورة البانورامية للدور الايراني الخادم لامريكا والكيان الصهيوني والمتخادم معهما ، هو الذي يفسر احد اهم ( اسرار ) سياسات الغرب والصهيونية تجاه الامة العربية والمتمثل في السؤال المنطقي التالي : لم قامت الستراتيجيات العظمى لامريكا وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني على التحطيم الثابت والمنظم والمستمر للرابطة القومية العربية واسقاط رموزها القوميين كعبد الناصر رحمه الله ، الذي اغتيل بعد حروب قيدته ثم استنزفته وافشلت تجربته ، والشهيد صدام حسين الذي تعرض لحروب ومؤامرات لاتعد ولا تحصى انتهت بغزو العراق واغتياله بصورة لا انسانية ، في حين ان هذه القوى ذاتها الغربية والصهيونية تدعم اما مباشرة او بصورة ضمنية ومموهة التيارات الاسلاموية الطائفية وفي مقدمتها التيار الخميني ؟

 

اذا وضعنا الصراعات الثانوية بين الغرب والصهيونية من جهة وتيارات اسلاموية من جهة ثانية جانبا مؤقتا ، فان الخط العام للغرب هو دعم التيارات الاسلاموية – مرة اخرى ليس الاسلامية - والعمل على تغليبها على التيارات القومية العربية ، لانها تيارات طائفية بالاصل والجوهر ، وهي عاجزة عن التلاقي فيما بينها ، فالطائفي الشيعي عاجز موضوعيا عن التلاقي ستراتيجيا مع الطائفي السني ، وكل منهما يكفّر الاخر علنا او سرا ، ولهذا فان التيارات الاسلاموية تيارت تفتيتية في طبيعتها وجوهرها ، تفرق الامة واقطار الامة ولا توحدها ، رغم ان الاسلام دين توحيد ، وهذه الحقيقة هي التي تجعل الغرب والصهيونية يدعمان التيارات الاسلاموية ويحميانها ويعملان الان على ايصالها للسلطة .

 

اما القومية العربية فهي على العكس تقوم بالاساس على التوحد والتوحيد في اطار هوية واحدة تتسامى فوق مكونات ما قبل الامة ، وانتجها تطور الاف السنين ، وهي هوية اقدم من الدين بكثير ، وفي الهوية القومية تذوب او تدمج ، كمكون ثانوي ، ثقافات ما قبل القومية ، التي فقدت القدرة على القيام بذاتها فاصبحت لاتقوم الا على قاعدة الهوية القومية ، الامر الذي يجعل الرابطة القومية العربية رابطة توحيد لكل العرب بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والطائفية واصولهم العرقية والاثنية ، وهذا هو السر الحقيقي في معاداة الغرب والصهيونية وايران للقومية العربية .

 

ان التجربة الحاسمة التي اكدت ما ذهبنا اليه هي التجربة الكارثية في العراق والتي اقنعت الراي العام العراقي بغالبيته الساحقة بان كارثة العراق لم تكن نتاج الاحتلال فقط بل كانت نتاج تعاون الاسلامويين الشيعة والسنة مع الاحتلال من جهة ، ومحاولة عناصر اسلاموية معينة مناهضة للاحتلال جعل مقاومة الاحتلال مشروعا طائفيا صرفا ، وهي محاولة تعني ، في نهاية المطاف ، تشتيت القوى المناهضة للاحتلال واحتواء بعضها وخدمته من جهة ثانية . من هنا فان التيار العام والمزاج السائد في اوساط الشعب العراقي خصوصا منذ عام 2006 هو التيار القومي العربي الذي كان الضمانة الاساسية للمحافظة على وحدة العراق شعبا وارضا ، وهو الان الطاقة المتجددة والضخمة التي يعتمد عليها في انقاذ الامة العربية كلها وليس العراق فقط .

 

ليست تجربة العراق فقط تقدم الدليل على ان الطائفية بكافة اشكالها هي السم الزعاف الذي يهدد الوجود العربي والهوية العربية ، بل هناك تجارب اخرى في الوطن العربي تؤكد ذلك ، منها تجربة مصر ، ففي عصر عبدالناصر بهويته القومية العربية ، كانت مصر وطنا للجميع ولم نسمع حصول خلافات قبطية – اسلامية ، وكنا لا نعرف من هو القبطي ومن هو المسلم من بين رجالات عبدالناصر ومن بين رجالات مصر ، اما الان فاننا نسمع العجب نتيجة طغيان الطائفية الاسلاموية ورد فعلها الطبيعي الطائفية القبطية ، ومسارعة امريكا والكيان الصهيوني لنفخ النار في الرماد من اجل فتن مدمرة لوحدة مصر شعبا وارضا وهوية .

 

ان استهداف مصر والعراق بالفتن الطائفية لم يكن صدفة ابدا ، فنهضة الامة العربية لا تتم كما تثبت التجربة التاريخية الا بوجود مصر قوية وعراق قوي متحدين ، ولذلك فان تحييد مصر والعراق هو الخطوة التمهيدية التي لا بد منها لسحق الامة العربية ومحو الهوية العربية . ان امريكا وايران والكيان الصهيوني يقفون الان سوية منسجمين من اجل تدمير العراق ومصر شعبا وارضا وحضارة .

 

متى يتعمق اللقاء الامريكي الصهيوني – الايراني ؟

 

11 - ان ما دفع امريكا لتعزيز تعاونها مع ايران ووجود اتجاه لتقاسم المنطقة بينهما هو الادراك الواضح لحقيقة ان الوضع العراقي قد تجاوز كل مشاريع التفتيت الطائفي والعرقي ، وان اجتثاث عروبة العراق قد فشلت وصمد التيار القومي بوجه اشرس حملة فاشية دموية تعرض لها في تاريخه ، بل ان القوميين العرب في العراق امسكوا بقوة بزمام المبادرة التاريخية وشرعوا بالاعداد لتحرير العراق وبناء كيان سياسي مرشده الخط العروبي الذي يمثل كل العراقيين . وهذا التطور ان حصل فانه ينسف كل الترتيبات الامريكية والصهيونية التي وضعت في العقود الماضية في الوطن العربي ، لذلك وجدت امريكا وايران نفسيهما امام تحد خطير لمصالحهما الاستعمارية في المنطقة ، فاتفقا على تعزيز التعاون بينهما ضد صعود القومية العربية واكتساح تيارها الاصيل للشارع العراقي بجدارة واقتدار عاليين ، وتعبيد الطريق الان لعودة القومية العربية بصفتها القوة الاساسية المحركة للجماهير العربية وقواها الحية في كل الاقطار العربية .

 

ان اللقاءات العلنية والرسمية بين السفيرين الامريكي والايراني في بغداد في اعوام 2007 و2008 واللقاءات السرية وغير المعلنة بين ايران وامريكا ، والتي تمحورت حول الوقوف بصورة مشتركة وقوية ضد صعود القومية العربية في العراق كان عنوان التطورات السياسية في العراق منذ عام 2007 وتوجت باتفاق امريكي ايراني على تقاسم المغانم في العراق والخليج العربي والجزيرة العربية ، مقابل الوقوف المشترك ضد القومية العربية وتصفية قواها خصوصا في المقاومة العراقية .

 

الان الصفقة الايرانية الامريكية ، المدعومة اسرائيليا ، فرضها الخوف من يقظة القومية العربية في العراق والخوف من انتشار اليقظة في كل الوطن العربي عند ذاك سوف تتلاشى جهود امريكية – صهيونية - اوربية دامت حوالي القرن ، وقامت على العمل على محو القومية العربية ، لذلك فان الصفقة تقوم على مواصلة دعم ايران في دورها التفتيتي والطائفي الذي يمزق الامة العربية ويحل الولاء الطائفي محل الولاء القومي العربي مقابل الاعتراف لايران يدور اقليمي وبمنافع محددة في الارض العربية .

 

ما دامت القومية العربية موجودة وحية وقوية فان التلاقي والتحالف الامريكي - الصهيوني مع ايران سيبقى ويتعزز ، ومن الخطأ الاعتقاد بامكانية فك التلاقي هذا بوجود تيار قومي قوي وفعال في العراق وغيره . ان ايران هي موضوعيا وفعليا الرافعة الاساسية والحادلة الاقوى التي تخصصت ، وربما انفردت ، بالقدرة على اثارة الفتن الطائفية في الاقطار العربية لذلك تبقى ايران ذخيرة واحتياطي ستراتيجي امريكي صهيوني جوهري واساسي ، مهما بلغت الخلافات بين هذه الاطراف الثلاثة .

 

 

مسك الختام

 

اذن : هذه الحقائق العيانية والواقعية تجعل من السذاجة وضع ترتيب يحدد ايهما اخطر امريكا والكيان الصهيوني ام ايران ، لان للعملة ، اي عملة ، وجهان وليس وجه واحد ، وعملة القوى المعادية للامة العربية وتحتل اراضيها فعليا وتريد احتلال المزيد لها وجهان ، احد الوجهين هو الوجه الامريكي – الصهيوني ، والوجه الاخر وليس الثاني هو الوجه الايراني ، لذلك لا مجال للقيام بتفضيل امريكا على ايران او ايران على امريكا ، كلاهما عدو مادام يحتل ارضنا وينشر الفتن الطائفية في اقطارنا ، ويعمل على تدمير مقومات حياتنا ووجودنا وهويتنا .

 

ان دفاع بعض العرب المستمر عن ايران بعد غزو العراق ، رغم ان مشروعها القومي الفارسي التوسعي الامبراطوري لن يقوم الا على انقاض الامة العربية وعلى حساب هويتها وارضها ووحدة اقطارها تماما كالمشروع الاستعماري الصهيوني ، هو خيانة للامة ومصالحها المشروعة . بل ان الدفاع عن المشروع النووي الايراني ، المصمم اصلا لابادة العرب او ابتزازهم واجبارهم على الرضوخ للمطامع الايرانية في الارض والثروة العربية ، وليس موجها ضد الصهاينة او الامريكيين ، نقول ان هذا الدفاع هو في الواقع اعلان رسمي وواضح عن الانحياز لايران ضد حقوق الامة العربية في الحياة الحرة والاستقلال والوحدة وهو دفاع لايختلف على الاطلاق عن دعم انشاء الكيان الصهيوني والاعتراف به .

 

الاحتلال هو احتلال سواء كان امريكيا او صهيونيا وا فارسيا ، ومن يميز بين احتلال واحتلال اخر لا يمكن ان يكون الا جزء من ادوات الاحتلال . الساداتية يجب ان تدان سواء كانت تخدم الكيان الصهيوني او ايران ، فهي رمز للخيانة والعمل لصالح العدو ، وعدونا اليوم مثلث الراس : امريكا وايران والكيان الصهيوني . ايران خط احمر كالكيان الصهيوني ، وعلى من لم يفهم هذه الحقيقة ، بعد ستة اعوام على غزو العراق وما انتجه من مأس وكوارث كان الدور الايراني اساسيا في صنعها ، ان يتوقع من الجماهير ومن المثقفين القوميين العرب رد فعل قوي قادم تجاه الساداتيين الجدد وهو اقوى من الرد على السادات .

 

فقط انتظروا بزوغ الشمس .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٠٢ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٩ / أذار / ٢٠٠٩ م