ايران القوية مصلحة ستراتيجية امريكية – صهيونية : لماذا ؟

﴿ الحلقة الثانية ﴾

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

يستطيع الشيطان أن يكون ملاكاً  لكن أمام الحمقى والسذج فقط

مثل عالمي

 

 

ملاحظة مهمة : كتب هذا التحليل قبل بث رسالة الرئيس الامريكي باراك اوباما التصالحية الى ايران ، يوم 20 / 3 / 2009  ، والتي جاءت لتؤكد بصورة حاسمة ما ورد فيه ، وتحديدا صواب حقيقة ان ايران الملالي هي الذخيرة الستراتيجية والاحتياطي الستراتيجي لامريكا والكيان الصهيوني الاهم والاخطر في المنطقة  قدر تعلق الامر بتفتيت الاقطار العربية ، والتحليل الاتي يثبت ذلك .

 

ثمة حادثتان تنطويان على مغزى خطير :

الحادثة الاولى حصلت معي ، فقد كنت في زيارة لسوريا في صيف عام 2006 وكنت استقل سيارة اجرة  كان صاحبها قد وضع صورة حسن نصرالله على زجاجها واخذ يمتدح ايران امامي بعد ان عرف انني عراقي ، فقلت له لم تمتدح ايران وهي تقتل العراقيين وتشارك امريكا في احتلال وتدمير العراق ؟ اجاب بلغة نصف امي     ( وماذا فعلتم لنا ؟ لقد متنا من الجوع ولم تقدموا لنا شيئا ، اما ايران فقد اعطتني هذه السيارة وزوجتني بايرانية وتدفع لي راتبا شهريا قدره 300 دولار والان اعيش بشكل ممتاز ، فلماذا لا امتدح ايران ؟ ) .

 

الحادثة الثانية حصلت مع سيدة عراقية فاضلة في دمشق ايضا ، ومع سائق سيارة اجرة ايضا ، اذ مرت السيارة من امام ملهى ليلي فقال لها انظري في هذا الملهى كل الراقصات عراقيات ، وتقول السيدة ان لهجته كانت متشفية فردت عليه بغضب جامح قائلة : عاهرات العراق اللواتي انتجهن الغزو حللن محل عاهرات سوريا اللواتي ذهبن الى الخليج العربي !

 

ان مأساة امتنا العربية تتضح ، اكثر ما تتضح ، في هاتين القصتين ، فالسوري الذي عاش في قلب العروبة النابض سوريا والتي بلورت الفكر القومي العربي المعاصر وانتشر منها الى كافة الاقطار العربية ، يضطر فيها المواطن لبيع نفسه وطائفته لايران التي استغلت فقره وساومته على حريته وانتماءه ! والسيدة العراقية الفاضلة تعيّر السوري بان نساء سوريات يمارسن العهر في الخليج العربي من اجل لقمة العيش ، ردا على تعيير السوري لها بان نساء عراقيات يمارسن العهر في سوريا !!! تخيلوا حجم مأساة امة غنية جدا لكنها وجدت نفسها اسيرة فقر مصطنع اوجدته القوى المعادية لنا بالحروب وازمات والحصارات ، وتنصيب انظمة فاسدة لا هم لها الا أستغلال وجودها في الحكم لنهب الثروة وتكديسها ، وتوجيه الانفاق الى اوجه استهلاكية تحت ضغط ثقافة انانية قصيرة النظر مصدرة الينا !

 

من قام بوضعنا فوق فولاذ ساخن على نار هادئة تزداد سخونته دوريا وبانتظام من اجل جعلنا نتقافز متنقلين من سيء الى اسوأ ، ومن خيار متدن انسانيا واجتماعيا واخلاقيا وسياسيا الى ما هو اسوأ ؟ انها امريكا بالدرجة اولى التي ارادت ان تعيد تشكيل وعينا العام وتفكك تقاليدنا وقيمنا الراسخة كمقدمة لابد منها لجعلنا خدما لها ، عبر الحروب والازمات ودعم الانظمة الفاسدة ، وما تؤدي اليه سياساتها من افقار مصطنع يضاف الى الفقر الموجود نتيجة وجود انظمة تقليدية غير عادلة ، وعندها سنجد بالطبع من يقبل بايقافه فوق قطعة حديد باردة للتخلص من سخونة الفولاذ الذي يحرق قدميه حتى لو تم تبريدها بماء المراحيض الثقيل !

 

ومن يظن ان ستراتيجية التفتيت الامريكية مقتصرة على الامة العربية مخطأ تماما ، لان العالم بأغلب شعوبه هدف للتفتيت المنظم ، انظروا الى روسيا وارثة الاتحاد السوفيتي ، كيف كانت توفر لشعبها الغذاء الكامل والسكن وتقدم الطب والتعليم المجانيين وتخرج سنويا الاف الطلاب الاجانب مجانا ، وكيف هي الان تقوم بتصدير نساءها الى الخارج بعد ان توقفت الدولة عن تقديم الخدمات المجانية فوجد مجتمعا كاملا بمئات ملايينه نفسه امام القتل المعنوي ، وهو قتل الفقر لكل القيم الانسانية والاخلاقية !

 

ان الانسان ، بصورة عامة ، حينما لا يجد مصدرا كريما للعيش يضطر لممارسة مهن لا يرغب فيها او يحتقرها ، لذلك فانه بالتبعية يحتقر نفسه التي اذلها الفقر ، ومن ثم يحتقر المجتمع والانسانية كلها التي دفعته الى ممارسة عهر الضمير او عهر الجسد ! امريكا تفعل ذلك عمدا وتخطيطا تحت تسمية علنية وهي ( نشر نمط الحياة الامريكية ) ، والتي تعني حرفيا ترك الانسان المجرد من القوة ، بعد تحطيم حصانته القيمية والاخلاقية ، يواجه وحوشا خطيرة لاحدود لوساخة سلوكها تسيطر على الثروة ويكون عليه خدمتها ، بتقديم روحه وجسده وطاقته لها مقابل لقمة عيش !

 

وعلى عكس الخطأ الشائع ، وهو ان خطورة امريكا تكمن في ألتها العسكرية التي تستخدمها للغزو والعدوان ،  فان الستراتيجية العسكرية لامريكا تقوم بدور اقل اهمية من الستراتيجيات الاخرى ، فهي مصممة لحسم الامور في دولة ما عصيت على الاختراق الامريكي بالستراتيجيات التفتيتية والافسادية الاخرى ، وغزو العراق يقدم لنا مثالا على ذلك ، فامريكا فشلت في تحطيم صمود العراق ، شعبا ونظاما ، امام محاولات امريكا استعماره رغم كارثية الاثار الاجتماعية للحصار الذي اعاد الفقر الى العراق ، فعمدت الى غزوه عسكريا وتركت اليات التدمير المنظم تقضي على الدولة العراقية ، التي وفرت لكل عراقي مصدرا للرزق الحلال الذي كان يكفيه ويزيد هو وعائلته ، فوجد الانسان العراقي نفسه فجاة امام حالة لا احد يستطيع فيها انقاذه من الموت العشوائي والتجويع المنظم بعد القضاء على الدولة ومؤسساتها وخدماتها وحل الجيش والمؤسسات الامنية ، التي كانت تحمي المواطن وتجعله ينام وهو امن !

 

لقد جاء الشر المطلق الذي تحدثت عنه الاديان وروته الاساطير مجسدا في امريكا ليعيد تشكيل الوعي القيمي الطبيعي والسليم للعراقيين ، في بيئة الموت والعذاب والجوع والفقدان المطلق للامن ، في وطن اصبح مقرا لكافة انواع فرق الموت الامريكية والاسرائيلية والايرانية وتلك التي تتبع العصابات الاجرامية للبيشمركة الصهيونية في شمال العراق ، فوضع العراقي امام خياران مدمران : الخيار الاول هو ان يتشيطن ويعلن ولاءه لحزب الشيطان ويخرج من مملكة الرحمن ، وعندها سيجد كل ( لذائذ ) الشيطان بانتظاره ، او ان يموت ببطء وهو يرى احباءه يتساقطون تدريجيا في احضان المرض القاتل والجوع والعهر والتشرد في انحاء العالم ، ويرى وطنه الحبيب مسرحا للصوص لا حدود لسفالتهم وانحطاطهم !

 

الحالة التي خلقها الغزو اطلقت كل الشرور ، لقد فتحت امريكا ( صندوق باندورا ) في العراق ! ومن اجل ماذا ؟ من اجل نفط العراق ، والذي يشكل الكمية الاكبر والافضل عالميا ، ومن اجل ( امن اسرائيل ) ، ولمنع العرب من اكمال بناء انموذج نهضتهم القومية الحقيقي والصحيح في العراق !  

 

ومن يظن ان امريكا تكره العرب لانهم عرب او مسلمين واهم ، فامريكا ولا تحب او تكره استنادا الى عواطف انسانية او مبادئ سامية بل هي تتحرك انسياقا وراء دوافع شيطانية ، انها تعتمد ستراتيجية اقتصادية تقوم على السيطرة على مصادر الطاقة كلها لاجل التحكم في العالم ، واجباره ، بالابتزاز النفطي ، على الاستسلام للمشروع الامبراطوري العالمي الامريكي ، والنفط بكمياته الاساسية ثروة عربية ، وبما ان العرب ابناء مجتمع تقليدي عريق ، فيه ايجابيات عظمى مثل الغيرية والتماسك العائلي والاجتماعي ، مثلما فيه سلبيات خطيرة ، فان تفتيت المجتمع العربي من موريتانيا حتى عمان في اقصى الخليج العربي ، هو مقدمة لابد منها لاحكام السيطرة على النفط ، اضافة لكون الوطن العربي هو مركز اقامة دولة ( اسرائيل التوراتية ) . من لا ينتبه لهذه الحقيقة لن يفهم مانواجهه الان ومنذ عقود من الزمن . 

 

ستراتيجية تفتيت المجتمعات العالمية من الداخل ستراتيجية امريكية بامتياز ، لان امريكا دولة بلا تاريخ وبلا حضارة وبلا اصول عريقة ، لذلك فان نشر نمط حياتها ، وهو نمط تافه ووضيع أخلاقيا وانسانيا واجتماعيا ، يصطدم في الدول المستهدفة بوجود انماط حياة ايجابية في اطارها العام متجذرة وعريقة وراسخة تتناقض جذريا مع النزعة الفردية والانانية للقيم الامريكية . من هنا فان التفتيت بالقوة ( قوة التاثير الاعلامي والثقافي اولا ، والاقتصادي ثانيا ، واخيرا العسكري ) هو الحادلة التي تزيل من طريق امريكا العوائق الخطيرة وتمهد لاقامة اسوأ امبراطورية في كل تاريخ الشر الانساني . وهذه الحقية تناولها العديد من قادة الراي والدولة في امريكا بكل صراحة ، ومنهم هنري كيسنجر من اهم منظري الاستعمار الامريكي في نظريته المسماة ( نظرية النثار ) حيث قال صراحة وبلا اي تردد يجب ان نقسم الاقطار العربية كلها ونجعل منها نثارا من المستحيل جمعه .

 

ستراتيجية الكيان الصهيوني العظمى

 

تقوم ستراتيجية ( اسرائيل ) العظمى على قواعد ثابتة ومعروفة عبرت عنها وثائق صهيونية منشورة ، فمنذ اتخاذ قرار انشاء الكيان الصهيوني في مؤتمر بازل في سويسرا في نهاية القرن 19 وضعت الصهيونية ستراتيجيتها العظمى وقامت على الربط الجدلي بين النجاح في اقامة ( اسرائيل الكبرى ) وتفتيت الامة العربية كلها ، وبكافة اقطارها ، على اسس عرقية ودينية وطائفية ، وتحقيق ذلك عبر دعم الاقليات في الوطن العربي .

 

ان اوضح وربما اخر طبعة للستراتيجية الصهيونية وجدت تعبيرها الدقيق في ما كتبه عوديد ينون الكاتب الاسرائيلي ومستشار مناحيم بيجن ، في كراس عنوانه ( ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينات ) خلاصتها هي : لاجل ان تبقى اسرائيل وتتقوى وتتوسع بين الفرات والنيل يجب اضعاف او تقسيم الاقطار العربية :

 

1 - على اسس عرقية ، وذكر ضرورة زيادة دعم الانفصاليين الاكراد في شمال العراق ودعم البربر في المغرب العربي وغير العرب في جنوب السودان .

 

2 – على اسس دينية وذكر ضرورة دعم الاقليات الدينية ، مثل المارونيين في لبنان والاقباط في مصر .

 

3 – على اسس طائفية وذكر ضرورة دعم الاقليات الطائفية ، وذكر الشيعة وضرورة دعمهم ضد الاغلبية السنية .

 

4 – واشار ينون الى ضرورة تمتين او اقامة علاقات متينة مع دول الجوار العربي غير العربية ( نظرية شد الاطراف ) لاجل استخدامها ضد الامة العربية ، وذكر تركيا وايران واوغندا وغيرها ، وفي اطارها دعا ينون الى زيادة دعم اسرائيل لخميني من اجل الاسراع بتقسيم العراق من خلال وجود من اسماهم ( شيعة عراقيين ) موالين لخميني .

 

ان اهم معادلة في الستراتيجية العظمى لاسرائيل هي ان اسرائيل الكبرى والقوية والمسيطرة لا تقوم الا بعد شرذمة العرب وتقسيمهم على اسس عرقية ودينية وطائفية ، وعزلهم اقليميا ودوليا ، ومنع وحدتهم وتضامنهم وتقدمهم تكنولوجيا وعلميا ، عبر حروب استنزاف والهاء مع الكيان الصهيوني وغيره ، وتحويل الجهد الاساسي من التنمية الاقتصادية والاجتماعاية الى مواجهة الخطر الاسرائيلي وخطر دول الجوار غير العربية وخطر تمرد الاقليات واثارة الفتن الطائفية والدينية والعرقية .

 

يتبع ..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٥ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / أذار / ٢٠٠٩ م