أين الشرطي المهني ؟

 

 

شبكة المنصور

عبيد حسين سعيد

 
تعتمد النظم الحديثة في تسيير أمورها وحفظ أمنها الداخلي وضبط حدودها الدولية على أجهزة الشرطة سموا شرطاً لأنهم أعدّوا إعدادا ويقال إن الشرطة سميت بذلك لان شريطاً كان يميزهم والشريط حبلٌ من الخوص,فالشرطي منسوب إلى الشرطة والجمع شرط  وسموا شرطة لان خيارهم كان الدخول في هذا المسلك الحيوي ليكونوا نخبة مختارة يعتمد عليها في تنفيذ برامج الدولة وأول نواة للشرطة كانت في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان الخليفة يقوم بمراقبة الأسواق والأسعار والمكاييل ويتفقد شؤون الرعية من خلال جولات ليلية ونهارية ونهج نهجه الخلفاء من بعده, وحديث عبد الله بن مسعود(رضي الله عنه) في وصفه الشرطة: نخب مختارة مستعدةً للموت لا يرجعون إلا غالبين, والشرطي دون غيره في حرب دائمة مع الأعداء اللذين يحادّون الله ورسوله ويقطعون طرقات الناس, وهذه المهام الخطيرة تتطلب مواصفات خاصة لا بد من توفرها في من يدخل إلى هذا المسلك (الخطير) وأهم تلك الخواص هي نظرته إلى الناس نظرةً متساوية دون التفريق بين أحد منهم على حساب اللون والانتماء القبلي والديني فقد كانت مكة والمدينة تضم الكثير من القبائل اليهودية والنصرانية إلا أنهم لا يشعرون قيد أنملة إن هناك فارق في التعامل فكل يأخذ حقه وفق ما يقدمه لدولة الإسلام فالشرطي لا بد منه لحماية الناس من الاعتداء على الملكية الشخصية والعامة والشرطي مطاع في عمله لا يتجاوزه لأنه ينفذ روح القانون دون أي شعور منه انه يمثل شريحة دون أخرى لان الأصل أن ينأى بنفسه عن السياسة, لكننا في عراق ما بعد الاحتلال أصبح لكل  تيار متنفذ  شرطته وأمنه الخاص يوجهها كيف شاء وانّى شاء ولذلك يطبق القانون وفق رؤية المسؤول لا وفق رؤية العدالة فكثر الشطط فظهرت جماعات( تتزيّا بزي الشرطة) كما يطلق عليه الإعلام- عاثت بالأمن الفساد على مرأى ومسمع من الأمريكان والمسؤولين الأمنيين فاجتاحت الساحة العراقية عمليات خطف وقتل وتهجير طالت مسؤولين ومدراء عامين وسفراء وأطباء وكل شرائح المجتمع وبقيت الحكومة عاجزة أن تعمل شيء أمام حالات (الثقب بالدريل) حادث الإمامين العسكريين والتي بلغ ضحاياه مئات الآلاف من البشر تم سحلهم في الشوارع بعد أن يقتّلوا ويصلبوا لرجال دين ومثقفين ومحامين وعلماء ورغم شعار دولة القانون اللذي رفعته الحكومة إلا أن هناك سياسيين ما زالوا يراهنون على عودة الطائفية التي رفضها الجسد العراقي فما على المسؤولين الأمنيين المحترفين من اللذين يميزون بين الدليل والقرينة إلا أن يرفعوا أصواتهم ليجتثوا هذا المرض العضال من بينهم لتعود الشرطة إلى سابق عهدها شرطة وطنية تكفر بالطائفية وتضع العراقي ضمن حدود الرقعة الجغرافية- للعراق كله- فقد كشف الحادث  الذي شهدته منطقة أبو غريب والذي راح ضحيته أكثر من مائة شهيد وجريح كشفت التسريبات الصحفية عن ضلوع قيادات سابقة في لواء المثنى التي كان لها الباع الطولى في عمليات اختفاء وقتل واعتقال المئات من الأبرياء من سكتة قضاء أبي غريب ,وقد استغلت بعض العناصر الغير مسؤولة زيارة تجمع شيوخ العشائر إلى احد الأسواق وانفجار( حزام ناسف) أودى بحياة مجموعة من الناس لكن اللذي رفع عدد الضحايا إلى هذا الحجم هو قيام بعض الحراس يرتقون  أسطح بعض البنايات وقيامهم بإطلاق النار(عشوائيا) على التجمع الأمر اللذي فاقم عدد القتلى والجرحى ,ولو عدنا إلى الوراء إلى ما قبل الاحتلال فلم نسمع إن حادثاً مثل هذا قد حدث لان الشرطة كانت شرطة مهنية مسؤولة عما تفعل  أنها الأجندة الطائفية التي زجت الكثير من العمال والفلاحين وأصحاب  الغرض زجتهم في مديريات قوى الأمن الداخلي وحملتهم رتب عسكرية يجهلون معناها فكلمة ضابط  التي تعني ذلك الرجل الحازم اللذي يرتفع رأسه على رتبته فليس له في الدنايا حاجة, وهو يعلم علم اليقين إنّ عليه مسؤولية أخلاقية وولاء لتاريخ عظيم اسمه العراق فأين المهنية في هذا الجهاز العريق مما نراه  في جهاز الشرطة الحالي اللذي ابتلي بالمحاصصة فكانت سبباً مباشراً قصم ظهر الدليل والقرينة وبضياعهما ضاعت حياة  لما هؤلاء الضحايا ,ضابط الشرطة يجب أن يكون مسلحاً بالعلم قبل التسلح ب(المسدس) وعليه أن يتخرج من احد المعاهد والكليات الأمنية وقبوله يتم عن طريق امتحان صعب وتفتيش عن كل ما من شأنه أن يؤهله  ليكون عنصرا إيجابياً في مؤسسة عظيمة اسمها (قوى الأمن الداخلي) على خلفية حصوله على شهادة الدراسة الإعدادية بفرعيها الأدبي والعلمي تؤهله لاستحقاقات مكانه ليكون فاعلاً بين الناس, إضافة لما يتعلمه من علوم شرطوية ومسلكية ليتمكن من إدارة مسارح الجرائم بعد تأهيلهم لينالوا شهادة البكالوريوس علوم شرطة على يد خبراء قضّوا عقودا من السنين بين جنبات أجهزة الشرطة مكتسبين خبرات طويلة  في أعمال وعمليات الشرطة والأساليب الحديثة في علم التحقيق الجنائي ورفع الآثار الجرمية وكيفية الوصول إلى الاعترافات بالطرق العلمية والفنية- دون اللجوء إلى العقاب الجسدي كما هو حاصل الآن- مستعينين بمؤسسات عريقة(الأدلة الجنائية ومكتب التسجيل الجنائي والطب العدلي وغيرها من )الجهات التي تعمل في خدمة إظهار الحقائق وفك رموزها, ولننتقل إلى أحدى الصور, سألت احد ضباط الشرطة الحالية يحمل رتبة ملازم أول شرطة عن معنى الدليل المادي والدليل المعنوي وكيف يتم رفع طبعات الأصابع من مسرح الجريمة فكانت إجابته وقعت عليّ كالصاعقة قائلاً: (أنا ضابط كلك) ومعناها إنه معين من قبل إحدى المليشيات التي دفعت بآلاف منهم زجوا في جهاز الشرطة همهمت بكلمات فقال الرجل ماذا؟ قلت :الله في عون من المواطن  اللذي انتم أصبحتم أمناء على ماله وحياته ولسان حال المواطن يقول:  

 
صّبت عليَّ مصائب لو أنها      صّبت على الأيامِ صرن لياليا

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ١٩ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / أذار / ٢٠٠٩ م