تاريخهم وتاريخنا

 

 

شبكة المنصور

عبيد حسين سعيد

كشفت كتب التاريخ التي أفاضت علينا بنوافذ تصلنا إلى صورة المكان والزمان اللذي كانت فيه البدايات الأولى لغرس للدولة الأعظم حاملة صولجان الحرية وشعلة النور التي أضاءت مسالك شعوب ودول بهدي أسِّ حضارة قامت على أنقاض شعوب وقبائل كانت آمنة يأتيها رزقها رغدا فجاءتها أفواج الغرباء زحفاً وعدوا فأحالوا الأخضر بلقعا نهبوا ما فيها من كامن ذهب ومعادن على حساب آلاف الضحايا علقوا على جذوع الأشجار وامتلأت بهم الوديان والغدران في فترة البدايات الأولى لعمليات السطو على مقدرات الفقراء وحقوقهم في أرضهم واجتثاث أهل البلاد الأصليين وشراء رؤوسهم بثمن بخس دراهم معدودة فقارة أمريكا ذات طابع استعمار مزدوج فقد سيطر المستوطنين الجدد من بريطانيين وأسبان وهولنديين فكان لبريطانيا مستعمرات ثلاث عشر على الساحل الشرقي وكانت تتبع سياسة قهر وسيطرة كما هي الحال في بقية مستعمراتها في الهند والصين ,وبعد استقلال الولايات المتحدة سنة 1776 ثم توسعها غربا وجنوبا وقد عمل المؤرخين على إظهار الوجه الحقيقي للمستعمرين الأوروبيين وما قاموا به من أعمال تحت عنوان (الاستيطان القهري)

 

ونأخذ هنا العلاقة بين المستعمرين الأوروبيين وبين السكان الأصليين وكيفية اعتماد صيغ (تشريعية) للقضاء على الهنود الحمر واستعبادهم وقد بدأت عملية الإبادة في الفترة (1650-1676) وأخذ صورة سلوك اعتيادي للعلاقة بين السكان الأصليين وبين الغزاة فعلى سبيل المثال أقرّ الأوروبيين في ما يسمونه الجمعية التشريعية عام 1703 منح مكافأة قدرها 40 جنيها إسترلينيا مقابل كل جلدة رأس لرجل من الهنود الحمر ولقاء كل اسيرهندي أحمر وفي العام 1720 زيدت المكافأة فأصبحت 100 جنيه إسترليني وفي العام 1744 بعد إعلان إحدى القبائل في منطقة خليج( ما ساشوستس) قبيلة متمردة عاصية أقرت الأسعار الآتية 100 جنيه لكل رأس رجل عمره 12سنة فأكثر 100 جنيه لكل أسير ذكر و55 جنيه لقاء كل أسيرة أنثى أو طفل و50 جنيه لقاء جلدة رأس امرأة أو طفل وهذا –بتشريع قانوني- ما أشبه اليوم بالبارحة فكلنا نعتز بتاريخنا وهم بالمقابل يعتزون بتاريخهم ويستحضرون الصور المناسبة ليعززوا تلك الصور العالقة في أهان العالم إلى ونحن العرب والمسلمين نعتز بتاريخنا وديننا الحنيف فبما أن لكل امة اعتزاز بماضيها فالتاريخ يعيد نفسه ولكن بتغيّر الشخوص فكما أن حمى الذهب هي التي جعلت من اللصوص سادة في أمريكا وبعض دول أوروبا بقوة النار والحديد ,لكنهم هذه المرة استخدموا الحرير للقتل بدلاً من الحديد فحبل الحرير أقوى وأكثر استساغةًً للنفس من الحديد فالزمان والمكان والشخوص لكن الهدف هو نفسه اللذي فعلوه أجدادهم فالقتل والتهجير والاجتثاث ولكن هذه المرة تغير المكان والاتجاه فمن الغرب استداروا استدارة قوية فالمكان دولة العراق تبعد عن أقرب الشواطئ الأمريكية الآلاف الكيلومترات, لم يكن لنا معها حدود مشتركة ولم يكن لنا عداء معها وكل اللذي نريده حكم أنفسنا دون تدخل أي قوة في شؤوننا الداخلية ولكن ذلك لم يرق لأمريكا ومجموعة أذنابها ليستعمروا بلدنا ففي العام 2003 دخلت القوات الغازية العراق وأعملت السيف في أهله وروعتهم( الصدمة الترويع) وفتحت كل الحواجز والموانع وإقفال البيوت والبنوك والمصانع والمتاحف و مصانع السلاح لتصبح في أيدي الغوغاء اللذين اقتتلوا فيما بينهم ليصبحوا (مليونيرية) في ظرف لحظات,

 

فأدارت كاميرات فضائيات مدفوعة الثمن ومعروفة التوجه لتصور العراقي ذلك الإنسان المتذبذب التفكير المسلوب الإرادة الضعيف أمام إغراءات المال الحرام المتحيِّن الفرص يحمل شحنات الحقد لا بد له من تفريغها حتى وان أدّى به الأمر أن يقتل أخوه, أبوه, أمه وقد حدث ولكن ليس هذا هو العراقي فرغم عمليات التجويع التي استمرت لا ثـنتي عشر عاماً منع عنه الطعام والشراب والدواء وحتى قلم الرصاص خوفاً (استخدام مزدوج) لكنه خرج من بين الأنقاض نافضاً الغبار عنه ليبرز جوهره الحقيقي مدافعا عن وطنه وقد اتخذ من المقاومة المسلحة طريقاً للخلاص ...

 

لكن الاحتلال آثر استخدام هؤلاء اللذين عبدوا الدولار والدرهم والتي أصبحوا بين الناس ندبة سوداء في المجتمع العراقي آثروا جمع المال حتى ولو كان ثمنه القتل فاستغل الاحتلال هؤلاء وجعل منهم قتلة بالأجرة - بعد يأسوا من رحمة الله والتوبة- إلى أن وصل الأمر بهم أن يوزعوا قوائم محددة تحتوي أسماء لعشرات من المطلوبين من وجهة النظر الأمريكية ومن المعارضين للاحتلال فكان ثمن الواحد منهم نفس ثمن الهندي الأحمر (مائة دولار) وأصبح القتل في عرف أمريكا تجارة رابحة ولإفراغ البلد من أهله الشرعيين وعلى صيغ جديدة واطر ملونه كان سنامها الاجتثاث وتاجها حل المؤسسة العسكرية العراقية والذي أدّى بالعراق إلى الوصول إلى حالة شلل إداري مخيف مستخدمين كل الطرق السالبة للحرية والقتل والتهجير والزج بالآف المتهمين يرزحون في سجون أمريكا نتاج وشايات مدفوعة الثمن وجيش من العاطلين عن العمل اضطرتهم الحاجة أن يكون البعض منهم أدوات رخيصة لقاء ثمن كثمن البغي ليصبح مصدر رزقهم شهادة الزور وتلطيخ سمعة الناس وكل هذا بـــ20 دولار!!!؟

 

في زمن وقف القانون الدولي عاجزاً عن قول كلمة واحدة بحق المجرم بوش رغم ضجيج الأرض والسماء ورغم تصاعد المطالب الدولية بمحاكمته عن جرائمه في قتل أكثر من مليون ونصف المليون من العراقيين وتشريد ثمانية ملايين آخرين لكن المحكمة أرادت أن تغطي على جرائم أمريكا في العراق وجرائم إسرائيل فسلكت أقصر الطرق فأصدروا مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني البشير ومن نفس المحكمة التشريعية الأوروبية التي وضعت (تسعيرة قتل الهنود الحمر)

 
 

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١٤ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١١ / أذار / ٢٠٠٩ م