من نافعاً إلى سجن سوسة

 

 

شبكة المنصور

عبيد حسين سعيد

تكاد لا تخلو دولة من الدول الحديثة من السجون فأينما توجد الشرطة لا بد أن يرافقها وجود وهذه السجون وهذه الأسس, تحاكي فلسفة القانون والقانون مرتبط بعرى النظام الاجتماعي والاقتصادي ولا يمكن فهم فحواه ,وأصوله,وتطوره,بمعزل عن الظروف التي يمر بها البلد سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والأمني فلا يمكن فهم أي قانون بمعزل عن المجتمع لان القانون لا يمكنه أن ينشىء المجتمع ولكي يتسنى للطبقات الحاكمة وهو انعكاس لها ولذلك نرى أن الإسلام في بدايات عهده لم يكن فيه سجون ولا معتقلات إلا في العصور المتأخرة من خلافة الراشد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فأنشأ سجناً من القصب سماه (نافعاً)  نقبه اللصوص وفروا منه فقال:

 

بنيت بعد نافعٍ مخـــيسا

بابا حصينا وأمينا كيسا

إلا تراني كيساً مكـــيسا ؟

 

هذا ما ذكره لنا تاريخ أول سجن بُنيَ في الإسلام وكما هو معلوم انه بُنِيَ من قصب وإنَّ القصد من بنائه الإشعار لهؤلاء على أنهم مذنبون ويمكن لهم التوبة وليس له معهم أي تحامل أو ضَغِينَة,فرغم هول الفتن والعصيان في عهد الخليفة الراشد علي أدَّت إلى استشهاده وما تبعها ورغم هذا وذاك إلاّ أن الحقيقة المرة- التي ذقنا ويلاتها- وتجرعنا غصّة الانحراف (بالنظرة ) وبالتعامل مع الآليات في تطبيق العدالة ومنها الانتقائية في التعامل مع أبناء البلد الواحد وابتلاء المواطن بثقافة بناء السجون التي تجاوزت حدود المعقول وأصبح السجن البيت الثاني بعد البيت الذي يملكه المواطن فأصبحت أعداد هائلة من الشباب والشيوخ تزدحم بها مساحات واسعة من هذه المعتقلات فأصبح العراق بمثابة(سجن كبير) للألسن والأجساد في بلد أصبح فيه كل شيء (سلبي طبعاً) فهو الأول في الفساد الإداري و في عدد ما يقتل من الصحفيين, و في عدد المغدورين و في عدد السجون, ففيه أكثر من أربعمائة سجن سري وعلني إضافة إلى سجون أخرى على شكل سجون خاصة تعود لميليشيات ولكن هناك سجون أخذت شهرة على مستوى القطر مثل سجن (الجدر )البصرة وسجن الكاظمين  وسجون الداخلية( تدار طائفيا)ً ولكن أشهر السجون التي أخذت السبق في انتهاك حقوق الإنسان ( سجن سوسة) الذي يساوم على سعر السجين فيه بآلاف الدولارات من قبل ميليشيات كردية تسيطر عليه يرزح في غياهبه ذوي أحكام طويلة وبتهم غريبة تحدثت حوله قصص وحكايات نصدق بعضها لأنها تتوافق مع المستوى الفكري( للأساتذة) لا نهم لا يتقبلون من النزيل كلمة (كاكة) والتي تعني الأخ باللغة الكردية فهم يرفضون أخوتهم للعرب حسب المسؤولين عن السجن ولابد للمحبوس أن ينادي الحرس بكلمة(أستاذ)  ولكن قصصاً سمعتها ممن أفرج عنهم يؤيد ما وصلنا من وصف لبعض حالات السجناء والأسباب التي جاءت بهم إلى هذا السجن فقد أصدرت  إحدى المحاكم في بغداد حكما بالسجن لمدة خمسة عشرة عاماً والتهمة التحرش بالسيدة (كوندي) (كونداليزا رايز) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة لو كان قد تحرش( بهيلاري) لصدقنا وليس هذا فقط فقد حكم على المواطن (ز,ع,م) بخمسة عشر عاماً والتهمة انه استفسر من إحدى دوريات الشرطة كانت متوقفة قرب داره بقوله باللهجة العراقية (خو ماكوشي؟) ناهيك عن هذا  فانتشار الأمراض المختلفة والأوبئة,  فالكيل بمكيال العنصرية هو السائد هناك فالتعامل مع الطوائف وفق انتماءاتهم الطائفية فهذه الأعمال تفصح عن انعكاس طبيعي للنسق الفكري الذي ينتهجه الحزبان المتحكمان على رقاب شعبنا الكردي المظلوم فقد أدى التعامل اللا إنساني مع النزلاء إلى وفاة العديد منهم فقد توفى السيد محمد نايل نزيل  ق7 بعد أن رفض السجانين إسعاف طلبه لقضاء حاجته الإنسانية(المرافق الصحية) وكذلك النزيل (الحاج شاكر) نزيل القاطع 8 البلوك 3 وهناك نزيل آخرهو ابن عم المغدورة (عبير الجنابي|) التي اغتصبها الأمريكان ومن ثم حرقوها مع عائلتها جيء بالرجل لأنه اكتشف إن احد أفراد الشرطة كان اشترك مع المحتل في عملية الاغتصاب فما كان من الشرطي إلاّ أن دبر قضية كيدية أدت به إلى السجن خمسة عشر عاماً أما الزيارة فلا يتعدى وقتها أكثر من (20) دقيقة فقط ولا يمكن لذوي السجناء أن يتواصلوا مع أبنائهم حتى في الصور العائلية فيتم الاستيلاء عليها وأكبر معاناة للسجناء هو وجبات الطعام التي يتناولونها مجبرين إضافة لقلتها فان اللحم المقدم لهم (نيئ) غير مطبوخ وتفشي أمراض كثيرة وأشدها إيلاما تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان تعاملاً لا يرقى لشعارات المرحلة وأهداف وجود السجون إلا للضرورة الملجئة ألا  وهو إصلاح الجانحين أو اللذين اضطرهم الظرف أن يدخلوا إلى هذه الجدران الأربعة الموحشة  لا أن يكون منبراُ للحقد والكراهية والابتعاد بالسجن من سجن نافع إلى سجن سوسٍ ينخر ما تبقى من حقوق البشر ضمنتها المواثيق والمعاهدات الدولية وهذه نقطة من بحر الإخفاقات الأمريكية والحكومية التي جعلت من العراق سجناً كبيراً لدعاة الحرية والانعتاق.

 
الخيس:يخيس فيه الإنسان
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٠٦ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / نـيســان / ٢٠٠٩ م