مسلسل حلقات أحفاد أبا رغال الذين ظهروا بعد  الاحتلال ...!

﴿ الحلقة الأولى

حكاية بلد احتلت أرضه وانتهكت محرماته ونهبت خيراته ..! 

 

 

شبكة المنصور

مــازن العبيدي

ماهي الجريمة التي أقدم العراق على ارتكابها  لكي تدمر شواخصه الحضارية  وتنتهك قيمه وسيادته ويقتل أبناءه و تستباح أرضه ، وتسرق أثاره التاريخية ومقتنياته  وتنهب مخطوطاته الأثرية النفيسة التي كانت ثمرة أبداع أبناءه عبر العصور ويمحى تاريخه الممتد عبر ثمانية ألاف سنة ، والذي كان مصدر أشعاع  الهم  الإنسانية ورسم لها دروب المستقبل حينما كانت الأمم تغط في سبات عميق يكتنفها ظلام الجهل والمرض وتتحكم بمقدراتها الخرافات والشعوذة ويقودها السحرة والدجالون . .


لقد مّن الله جل وعلا على هذه الأرض الطاهرة بخيرات لينعم أبنائها بها ، وهذا تقدير الخالق العظيم الذي يقدر أرزاق الناس بحكمته ويفضل بعض الناس على البعض الآخر ، ولكن هذه الخيرات أضحت وبالآ على أبناء العراق الذي لم يشهدوا استقرارا وازدهارا ألا لفترات زمنية قليلة قياسا ، لما قاسوه من حروب طاحنة  أتت على الحرث والنسل دفاعا عن الوطن ضد الغزاة الذين تكالبوا عليه بشكل متوال كانت أشبه بموجات عاتية لم يكن يلتقط انفاسة من  تحطيم هجمة شرسة حتى تليها أخرى اشد منها قسوة  وأكثر ضراوة ودموية ، وهكذا فقد عاش أبناء هذه الأرض الطيبة وهم بحالتي  استنفار ويقظة دائمتين تتخللهما فترات من الهدوء  النسبي ولكنه هدوء مشوب بالتحسب والحذر، فهذا هو قدر العراق وأبنائه كما يخبرنا التاريخ عنه . . .


ومع مرور الوقت تشهد الإنسانية تطورات ايجابية تتجه بشكل متسارع نحو تكوين مجتمعات متحضرة تكاد تجمع غالبيتها على نبذ الحروب والاقتتال خاصة بعد الويلات التي عانت منها معظم دول العالم نتيجة الحروب المدمرة التي لم تنج منها ألا بضعة دول ، وظهور أفكار و نظريات لمفكرين وجدت لها صدى ّ وقبولا لدى المجتمعات المدنية حول حقوق الإنسان والتعايش السلمي وحق الدول في تقرير مصيرها ورسم مسارات مستقبلها الأمر الذي فرض قيودا على الحكومات( التي لا تزال تعتنق أفكار في طياتها أوهام الهيمنة وأمجاد الانتصارات التي تصنعها الحروب والغزوات الاستعمارية  والتي عفا عليها الزمن ) وحدد من سلطاتها المطلقة ، ولكن بنفس الوقت بقت الأفكار الاستعمارية والهيمنة على خيرات وموارد الدول التى يطلق عليها تسمية الدول النامية او دول العالم الثالث ضمن أجندات الدول المتقدمة في المجال العسكري والتكنولوجي ، فالاستعمار العسكري والاحتلال لم يندثران و ينقرضان كما كانت الإنسانية تأمل وتتمنى وفق منظور التطور الحضاري ،  ولكن تبدلت أساليبهما وصيغ استخدامهما  ، تبعا للظرف والتوقيت الملائمان التي تخلقهما هذه الدول تحت ذرائع ومسميات مختلفة .  وشهد العالم ضمن هذا المنظور صراعات عدة بين دول متجاورة كانت الأسباب المعلنة هي نزاعات حول الحدود او حول الحصص المائية او الثروات المشتركة  التي تقع ضمن حدود الدولتين او ذرائع شتى ولكن الأسباب الحقيقية لمعظم هذه الصراعات كانت الهيمنة والسيطرة بمختلف إشكالها لدولة على حقوق دولة أخرى بدون وجه حق ، اي نوعا من انواع الاستعمار ولكن بشكل محدود ، ولكنه بالتالي هو استعمار سواء  أكان ينطبق عليه هذا الوصف او ذاك  .


وفي وسط القرن العشرين ابتدعت العقلية الاستعمارية ، أنماطا جديدة للاستعمار( وبدأت تغادر مفاهيم واستراتيجيات الاستعمار القديم الذي كانت وسيلته التقليدية الحرب واحتلال الأرض بالقوة العسكرية ، بعد الخسائر الكبيرة التي كانت تمنى بها القوات الغازية ، والتي أثارت سخط شعوبها وتمردت على حكوماتها  وأدت الى سقوط  تلك الحكومات لا بل طالت حتى أنظمتها  ) فظهرت هذه الأنماط بهيئة استعمار ثقافي واستعمار سياسي واستعمار اقتصادي ، ولكنها جميعا تنطوي على هدف رئيسي واحد هو الهيمنة على ثروات الشعوب ونهبها وسرقتها وحرمان شعوبها منها ، وبتعبير أدق هو استعمارا اقتصاديا ، وتعمل على تحقيقه الأنماط الأخرى ، كالاستعمار الثقافي الذي يوجد الأرضية الملائمة التي تسمح بتغلغل الشركات العملاقة الى الدول المستعمرة من خلال خلق مؤيدين وإتباع في هذه الدول وبالتالي تفادي الخسائر العسكرية جراء الأعمال المسلحة  للمقاومة الوطنية ، التي واجهتها الدول الاستعمارية جراء غزوها للدول المستعمرة سابقا  وينضوي تحت هذا المفهوم الاستعمار الثقافي ذا الطابع الديني والمتمثل بشعارات تصدير الثورة والتي استخدمتها وتستخدمها الأنظمة الحاكمة في ايران ، اما الاستعمار السياسي فهو سلب إرادات الشعوب في اتخاذ قراراتها الستتراتيجية في جميع المجالات بعلاقاتها الدولية والتي قد لا تنسجم مع مصالح الدول المهيمنة عليها ، من خلال ربطها بمعاهدات واتفاقيات بحكوماتها التي غالبا ما تكون حكومات هزيلة وذات أنظمة دكتاتورية قمعية لإرادات شعوبها ولكنها بنفس الوقت خانعة وذليلة من خلال تبعيتها للدول التي استعمرتها سياسيا  وهذا الوصف ينطبق على معظم حكومات الدول العربية  وبالدرجة الأساس حكومات الدول النفطية (وحكومات الدول الإقليمية التي لها تأثيرات على حكومات الدول النفطية لاعتبارات عديدة كالانتماء القومي او الديني او المصير المشترك . . وغيرها  ) ، والسائرة في فلك الهيمنة الأمريكية ، وبالنتيجة فهي تعتبر خاضعة للاستعمار الاقتصادي بدون شك وهذا واضح من خلال شعارات  الاقتصاد الحر واقتصاد السوق .


وقد شهد القرن الحادي والعشرين متغيرات سياسية واقتصادية عالمية كبيرة قوضت أنظمة وحكومات وأدت الى انهيار دولا عديدة لم يكن في الحسبان انهيارها بهذه السرعة وبهذه السهولة ، وهذا ما دفع الدول ذات التوجهات الاستعمارية الى إعادة النظر بحساباتها واعتماد مواقف أكثر تطرفا وعدوانية من مواقفها السابقة  وستتراتيجيات كانت معدة مسبقا ولكنها مخفية ولا تظهر للعيان فهي خطط بديلة محسوبة وجاهزة للاستخدام اذا حانت الفرصة المناسبة لها  ، أخذة بالاعتبار المتغيرات السياسية التي قد تطرأ على الساحة الدولية  في أية لحظة  تمكنها  من تدارك وضعها في الوقت المناسب وتنفذها بأقل الخسائر الممكنة .  وهذا ما حصل فعلا في عملية احتلال العراق ، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتشرذمه الى دول ضعيفة متناحرة وتائهة في هذا العالم الواسع المتلاطم الأمواج ، تحيط به العواصف والأعاصير والقوي فيه  يبتلع الضعيف ،  لا تعرف كيف ترسم سياستها ، و لا مع من تتحالف لتتجاوز أزماتها وعلى من تتعكز لتنعش اقتصادها المنهار ،  وبروز أمريكا الوحيدة المهيمنة على العالم وفق مصطلح  سياسة القطب الواحد ،الذي توصف به نفسها بكل زهو وفخر  ، والتي لم  تكن  تتوقع  حصول هذا  الحدث التاريخي  بين ليلة وضحاها و غمرتها نشوة عارمة  باعتقادها  أنها هي  السبب الرئيس في سقوط الدب الروسي الى الأبد  وأنها حققت نصرا تاريخيا على النظام الشيوعي ، العدو التقليدي اللدود للنظام ألرأسمالي التي تتربع أمريكا على قمة الهرم فيه  وجن جنونها وتصورت انها سيدة العالم بلا منازع ، فمن هو الغبي الذي سيعارض سياستها بعد الآن بما لديها من جيوش جرارة  وأساطيل تجوب البحار والمحيطات وطائرات ستتراتيجية  لها القدرة على محو أية مدينة في آية دولة من الوجود خلال ساعات قلائل ناهيك عن أسلحتها النووية والبيولوجية والكيماوية وغيرها من الأسلحة الفتاكة المتطورة ؟


أذن فقد انفردت في الساحة ولا يوجد ما يحول بين تحقيق أحلامها الاستعمارية سوى حدث واحد يكون ذريعة لتنتفض كالمارد الذي كان حبيسا في القمقم ولتمحق كل من يقف إمام تحقيق هذه الأحلام ، وكان سيناريو إحداث الحادي عشر من سبتمبر الذي كان معدا وجاهزا وقد أعدت تفاصيله بكل دقة ، ونفذ بكل ذكاء أوهم العالم لفترة من الزمن ان تنظيم القاعدة كان وراء إحداثه  المأساوية ولعبت الماكنة الإعلامية الجبارة دورها في تضخيم الحدث وإثارة غضب الشارع الأمريكي و حلف شمال الأطلسي والدول الأوربية .


 وأرعدت وأزبدت الإدارة الأمريكية وأجادت دور الدولة الديمقراطية المتطورة التي لم تكن تريد ألا نشر الديمقراطية والعدل والسلام في العالم ومساعدة الجياع فيه ، ويكون رد الجميل إليها مغايرا فتتعرض الى نكبة من قبل إرهابيين متطرفين  ممتلئين حقدا وكراهية على أمريكا  كل غرضهم تدميرها لكونها تمثل العالم المتحضر بكل قيمه وأخلاقياته ، وتأتي الخطوة اللاحقة بعد سيناريوهات إعلامية مفبركة واستطلاعات مكثفة للرأي العام تبين ان غالبيتهم تؤيد ضرب أية دولة يثبت اشتراكها بالأحداث بالأسلحة النووية وتدميرها كليا ، ويظهر الرئيس الأمريكي في وسائل الأعلام ليقول بكل صراحة  ( ان من ليس مع أمريكا فهو ضدها )  وان غضب أمريكا وانتقامها  سيكون مدمرا وليس له حدود . . .


 وتبدأ مراحل الخطوة الأولى من السيناريو بغزو أفغانستان للقضاء على عناصر تنظيم القاعدة ، حلفاء الأمس  الذين عملت أمريكا بكل ما في وسعها لتدريبهم وتجهيزهم بالسلاح والمال لصد وتدمير القوات الروسية الغازية ،  ليصبحوا أعداء اليوم والغد والخطر الوحيد الذي يهدد امن وسلامة أمريكا ، واحتلت أفغانستان بعد ان قتلت القوات الأمريكية الغازية عشرات الآلاف من المدنيين العزل بحجة ملاحقة عناصر تنظيم  القاعدة والقضاء عليهم .


 وتم بذلك تحقيق المرحلة الأولى من الهدف الأمريكي وبدأت الخطوة الأولى من المرحلة الثانية بتحرك مكثف للأعلام الأمريكي يوضح بأن القضاء على الإرهاب لم يكتمل باحتلال أفغانستان وان تنظيم القاعدة بإمكانه استعادة نشاطاته الإرهابية بدعم القيادة العراقية التي تربطها به علاقات وثيقة تصل الى حد قيام العراق بتزويد هذا التنظيم بأسلحة دمار شامل لاستخدامها ضد الشعب الأمريكي  والتي تؤكد تقارير المخابرات الأمريكية ولجان التفتيش العاملة في العراق وجودها لديه ، إضافة الى وجود معلومات سرية مستقاة  من رؤساء بعض الدول العربية تؤكد هذه التقارير كما تؤكد احتمال قيام العراق باستخدام هذه الأسلحة ضد الدول المجاورة له . . . ولم تتطرق هذه المعلومات الى السبب الذي يدعوا العراق الى استخدام أسلحة دمار شامل ضد جيرانه  . . !


وبعد التصعيد ألأعلامي الكبير ابتدأت مرحلة تصريحات رموز الإدارة الأمريكية الخطيرة والتي بدأت تتوضح بشكل لا يقبل التأويل ان نوايا الغزو الذي أعدت سيناريوهاته على الورق  في دهاليز البنتاغون ، بدأت بخطوات تنفيذه  الفعلي على الأرض  فبدأت حاملات الطائرات والبوارج الحربية تتقاطر على الخليج العربي مجتازة قناة السويس العربية بمباركة السلطات المصرية وكأنها ذاهبة لمقاتلة عدو مشترك ، يتمنى الاثنان تدميره  والقضاء علية ، وليست دولة عربية شقيقة قدمت الكثير من الشهداء من طياريها دفاعا عن الأرض المصرية ومعها مليارات الدولارات لدعم الصمود المصري في الحروب التي خاضتها ضد الكيان الصهيوني ، ونحن نذكرها ليست كمنة فالعراقيين عرب اولآ واخرآ وهم جزء من هذه الأمة العظيمة ولكن لتذكير من نسي عروبته ، وتحالف مع الأعداء ضد أشقائه ، كما نرى من العدل ان نذكر دور تركيا التي لم تكن عربية ولكنها دولة مسلمة وجارة ، فأدت ما يملي الإسلام عليها من حقوق المسلم على إخوانه وحقوق الجوار فمنعت العدوان الأمريكي من استخدام الأراضي التركية لغزو العراق .


وشاركت دولا عربية أخرى في العدوان وجعلت أراضيها منافذ لدخول قوات الاحتلال وسمحت باستخدام مطاراتها لانطلاق ألطائرات الحربية الأمريكية لتقذف بآلاف الأطنان من القنابل المدمرة على رؤوس أشقائهم العراقيين ، لله درك يا أمة العرب فكم ذبح العرب بسيوف أشقائهم العرب . . !

 
وحصل ما حصل وسقطت بغداد أسيرة الاحتلال الأمريكي الغاشم  الذي عمل سيفه برقاب العراقيين ذبحا وقتلا بدون رحمة ولا وازع من ضمير ، وكأنما التاريخ يعيد نفسه ليذكر بالمجازر التي رافقت سقوط بغداد بيد هولاكو والتي كنا نقرؤها ونحن صغارا في كتب التاريخ ونتعجب بين مصدق ومكذب ، بحجم قسوة ووحشية الغزاة  التتار وكيف انعدمت الرحمة في قلوبهم ولكننا شاهدنا الوحشية الحقيقية بأم أعيننا من أناس ابتدؤا تاريخهم بإبادة الهنود الحمر السكان الشرعيين لأمريكا وما هؤلاء ألا أبناء أولئك القتلة المجرمون ، ومن شابه أباه فما ظلم ، وهذا ليس بغريبآ  من جيش معظمه مرتزقة حرفتهم القتل والأجرام .

 
ولكن الذي ألم العراقيين هو غدر من عاش على ارض العراق وتنعم بخيراته ونال حقوقا وامتيازات  أكثر مما كان يتوقع فقد غدرت القيادات الكردية ومليشياتها مما يسمون أنفسهم بالبيش مركة ( او القتلة )  بالعراقيين الذين فتحوا بيوتهم لهم وقبلها قلوبهم وقاسموهم لقمة عيشهم فعاثوا بالأرض فسادا وأمعنوا بالخراب والدمار لمدن العراق وللأماكن التي لم يطالها تخريب الأمريكان ، وشاركهم حاقدون نكروا أصلهم وأصبحوا كلابا سائبة تجري وراء كل من يرمي لها عظمة  ، وتآخوا مع اعدء تقليديون يضمرون حقدا ازليأ يمتد الى تاريخ الفتوحات الإسلامية ، التي نشرت الدين الإسلامي بين أقوام كانت ديانتهم عبادة النار والشيطان ، وتحالفوا لإبادة أبناء العراق المفعمين بالوطنية  والتي تجري في عروقهم الدماء العربية الأصيلة  ، دماء أجدادهم المسلمين العظماء  حملة لواء الرسالة المحمدية     ( وهذا سبب من أسباب استباحة دمائهم ) .


فكانت المجازر تجري على قدم وساق ، وهذه المذابح التي طالت العراقيين بمختلف طوائفهم وأعراقهم كانت أشبه بالمذابح التي جرت على الفلسطينيين من قبل العصابات الصهيونية ، لا بل اعتبرتها غالبية المنظمات الإنسانية الدولية أكثر وحشية وقسوة وأكثر دموية .


وهيمنت مجموعات من قطاع الطرق واللصوص والعملاء وكثير من الأراذل  وشذاذ الآفاق على مقاليد الحكم  ، ولما كانوا يتمتعون جميعا بصفة واحدة تجمعهم ، ألا وهي دناءة النفس والوضاعة ، فقد كان من السهولة بمكان انصياعهم لأوامر المحتل وتنفيذ رغباته في تقسيم العراق وتفتيته ونهب ثرواته طالما كان يسمح لهم بسرقة فتات مايسقط من موائده . . . 


وبذلك يسدل الستار على مأساة درامية ، إبطالها سراق دوليون وعملاء أراذل وشعب منكوب وأرض كانت منارة الدنيا وحاضرتها .

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاحد / ١٨ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٥ / أذار / ٢٠٠٩ م