كيف ستنتهي الحرب في العراق ..
رياح التغيير
.. من واشنطن الى بغداد !..

﴿ الجزء السابع ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

من المواضيع الشائكة التي تم التطرق إليه بعمق وإسهاب تلك الجوانب المتعلقة بالأسباب الحقيقية التي أدت بالولايات المتحدة  لمعاداة العراق ثم قرار الإدارة الأمريكية السابقة بغزوه وتدميره وإحتلاله ..وما الذي تحقق من ( الأهداف المعلنة والمخفية لهذه الحرب ) وهل يتناسب ما تم تحقيقه مع كل هذه الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي تكبدتها الولايات المتحدة ؟..

 

وبغض النظر عما سيؤول إليه الحال مع الإدارة الأمريكية الجديدة وما سيستجد من أحداث وقرارات وإجراءات ..فالمعروف جيدا إن هذه الإدارة ركّزت في منهجها الإنتخابي على شعار التغيير ..

 

ويفترض بهذا الشعار ان تصل رياحه الى كل شاطيء وقمة هضبة أو جبل للولايات المتحدة فيها تواجد أو مصلحة ..

والعراق كان ومازال وسيبقى ساحة عمليات عسكرية وسياسية وإقتصادية كانت ولازالت الولايات المتحدة الطرف الأساسي فيها وقد كانت أسباب ونتائج هذا الصراع حاضرة يوميا في الحياة الأمريكية حيث يتواجد في ساحات المعارك في داخل وعلى اطراف مدن العراق نساء ورجال القوات المسلحة الأمريكية وهم يخوضون قتالا يوميا إتسم بالتعقيد وطول المدة وعدم وضوح الغايات !..

 

ومن المفروض أن تكون هذه الساحة هي (الأوفر حظا) لأن تنعم برياح التغيير التي ينتظر العالم هبوبها من واشنطن..

الساحة العراقية اليوم ..ساحة صراع بدأ بسلسلة من التبريرات المضللة وإنتهى اليوم بهدف (نشر الديمقراطية ) بعد (الإطاحة بالنظام الشرعي ) وبخسائر باهضة في الأرواح وأزمة إقتصادية هزّت العالم وتوشك ان تطيح بالإقتصاد الأمريكي وما نتج من تداعي وفوضى وقتل وخطف وإعتقال وغياب الأمن وتأجيج الطائفية والعنصرية المقيتة ..

ونحن لا نتوقع بأي حال من الأحوال إن رياح التغيير إذا هبّت من واشنطن سوف لن تصل بغداد..

 

ولكن من غير المعقول أن يصيبنا منها موضوع (سحب القوات المقاتلة الأمريكية كخطوة أولى لسحب جميع القوات في عام 2011 )فقط ..

 

لأن إنهاء الحرب يتطلب أكثر من ذلك!..

والإدارة الأمريكية الجديدة تعرف جيدا أن (حملتها الإنتخابية وإحتمال مجيئها الى البيت الأبيض مع شعار التغيير ) كان كابوسا مخيفا ومروعا لكل مَن  إقترح وخطط وساهم وشجّع ودعم ونفذ وساير وسكت على جريمة الحرب على العراق ..

 

وإن اكثر الذين كانوا يتمنون فشل هذه الإدارة في الإنتخابات الأمريكية ويتذرعون من أجل فوز الجمهوريين وماكين هم أولائك الذين إستفادوا من هذه الحرب ومن دمار العراق ونهبه  وسخّروا كل الإمكانات الأمريكية وإعلامها وقواتها العسكرية لصالحهم ونفذوا ما تطمح له نفوسهم وأجنداتهم حتى طافت الشوارع المهدمة في كل مدن العراق بالدم وإمتلأت جيوبهم بالدولار..

 

لذلك سيكون على القوى الوطنية في العراق تشجيع هذه الإدارة ليس فقط لأجل تنفيذ تعهداتها بل للمضي في برنامج إنهاء الحرب وتداعياتها ومعالجة نتائجها والوقوف بشجاعة أمام حقيقة تأمين إستحقاقات مّن إستهدفتهم هذه الحرب..

 

وعلى هذه القوى أن تساعد الإدارة الأمريكية الجديدة على تحقيق جزء مهم من أهدافها وهو نهاية الإحتلال وإنهاء الحرب التي كانوا هم ضحاياها..

 

وتعرف الإدارة الأمريكية الجديدة و( الجنرالات الذين عاصروا الحقبة الماضية ولازالوا في الخدمة  ) أن:

 

رحيل القوات الأمريكية لم يكن نتيجة ( للتحسن الأمني الذي يروجون له)..

ولم يكن بفعل ضغط الحكومة الحالية وأحزابها ..

وليس لأن (القوات العراقية أكملت تدريبها وتجهيزها ) لتصبح قادرة على مسك الملف الأمني ..

وليس لأن (المهمة أنجزت)!..أو في (طورها للإنجاز)!..

بل إن ذلك حصل بفعل المقاومة العراقية البطلة والقوى الوطنية الرافضة للإحتلال ومنهجه والتي أجبرت المحتل على إتخاذ هذا القرار بعد أن وصل الى قناعة راسخة بأن هذه الحرب سوف لن تحقق الهدف الذي وضعوه!..

 

ونحن نقول لأن هذه الحرب هي صراع بدأ وإيتند على باطل وسوف لن يحصد الذين مهدوا له ونفذوه غير الخيبة ..

 

لذلك ..

مع إن قرار الإنسحاب هو قرار أمريكي ..

إلا إنه كان من صنع المقاومة وقوى العراق الوطنية..

وعلى الرغم من إن هذا القرار يحتاج الى  الكثير من الوسائل والإستحضارات لتحقيقه خاصة وإن الرئيس الأمريكي أراد لهذا الإنسحاب ان يكون مسؤولا وهذا لن يتم إلا من خلال التعامل الجدي مع إستحقاقات  ومتطلبات وحق العراق ..

 

نقول على الرغم من ذلك فقرار الإنسحاب هو إنعطاف هام في السياسة الأمريكية في العراق ويمثل مدخلا لإنهاء الحرب فعلا إذا تم تطويره لكي يكون بداية للإقرار بالنتائج الوخيمة والمدمرة التي لحقت بالعراق من جراء قرار الغزو والتدمير والإحتلال وما نجم عن ذلك من قرارات وإجراءات ومنها العملية السياسية برمتها..

 

والإدارة الأمريكية الجديدة تحتاج لمن يرشدها بصدق وإخلاص ويعرض الحقائق كاملة أمامها بلا تضخيم أو تجزئة لكي يشهد العراق مرحلة قادمة قريبة للتوصل الى حقيقة (عدم ضرورة الحرب ) بعد الفهم الدقيق للدوافع والمبررات ..وبعد الإطلاع التفصيلي على أسباب تعنت الإدارة السابقة في تمسكها بموقفها الحاقد والبعيد عن الواقع وإصرارها على تبديل الأهداف في كل فصل من فصول السنة ..

 

وهذا سيعطي للإدارة الأمريكية الجديدة الحق بإتخاذ إجراءات تزهق الباطل وتنتصر للحق..

كيف؟..

 

نقول للرئيس الأمريكي الجديد ..

 

عندما إستلمتم مقاليد السلطة  كانت أولى توجيهاتكم وقراراتكم توحي بالمصداقية في ذلك ..والساحة العراقية اليوم تعج بالتصريحات والتحليلات والشعارات وهي بأمس الحاجة لأفعال..

 

وسيكون إصرار الإدارة الأمريكية الجديدة على (التغيير ) في التعامل مع المشكلة العراقية تأكيدا لهذه المصداقية وإعادة إعتبار للأمة الأمريكية التي عانت منذ بداية الحصار على العراق عام 1990 ولحد الآن من تأنيب الضمير قبل إشارات وإستهجان ورفض الآخرين على لما قامت به الإدارات المتلاحقة حيث قضى من جراء الحصار الجائر على العراق منذ عام 1990 ولغاية آذار 2003 أكثر من مليوني ونصف المليون عراقي بينهم مليون ونصف مليون طفل بسبب شحة الدواء وسوء التغذية .. ثم ما تعرض له العراق من دمار وهدم ونهب بعد 20 آذار 2003 ولحد الآن حيث قتل أكثر من مليون ونصف عراقي وتشير الإحصاءات الرسمية للمنظمات العالمية بوجود أكثر من مليون إمرأة أرملة ومليوني طفل يتيم وما يزيد عن أربعة ملايين عراقي مهجر داخل وخارج الوطن عدا سياسات الملاحقة والمتابعة والإعتقالات العشوائية والخطف والقتل في الشوارع وقطع الأرزاق عن آلاف العوائل بحجة كون معيلهم الوحيد من رجال النظام السابق!.

 

وعندما  سترحل الولايات المتحدة بقواتها المقاتلة عام 2010 وتتبعها بقية القوات الأمريكية التي تنهي مهماتها في التدريب والتجهيز وتقديم الإستشارة للقوات العراقية عام 2011 وتترك العراق بدون أن تعالج فاتورة إستحقاقات الطرف العراقي في الحرب وتتركه لمواجهة من ناصبه العداء والحقد والإيغال في الإنتقام والإغتيال والإعتقال والإقصاء والإساءة والملاحقة ..

 

وإذا بقيت هذه المشاكل من دون حل جذري فهذا يعني إن التغيير كان مجرد شعار براق لحملة الحزب الديمقراطي للوصول للرئاسة الأمريكية وإن رياحه الباردة لن تصل الساحة العراقية الساخنة وقواها الوطنية التي تم إستهدافها في هذه الحرب.

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٩ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / أذار / ٢٠٠٩ م