كيف ستنتهي الحرب في العراق
مناضد الرمل القديمة .. والميدان العراقي !

﴿ الجزء السادس ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

كان والى وقت قريب من الصعب التكهن بالنتائج التي ستترتّب على الإجتياح الأمريكي للعراق وما تبعته من تداعيات أمنية وخسائر بشرية وأزمات إقتصادية وفقدان للمصداقية..

 

وما صاحب الغزو والإحتلال من قرارات داخلية قاتلة وسياسات وتحالفات وخاصة عندما إزدادت حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران من جراء تعنت إيران وعدم تراجعها عن مسار برنامجها النووي وتدخلها في الشان العراقي ومحاولات تصعيد الموقف من خلال قيام الزوارق الحربية الإيرانية بإستفزاز السفن والبوارج الأمريكية  في الخليج العربي..

 

كان قرار الحرب على العراق وبدايتها  حدثاً أستثنائياً لا يمكن مقارنته إلاّ بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وإنهيار الدولة العثمانية حيث كانت القوى الكبيرة تتجه لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط ..

 

وليس خافيا على أحد إن إختيار إحتلال العراق للبدء (بعملية رسم جديدة ) لخارطة المنطقة كان بسبب كونه يمثل ركيزة مهمة من ركائز الخريطة السياسية للشرق الأوسط  ..

 

(وبإنهيار) هذه الركيزة ستفتح جميع الأبواب على مصراعيها  أمام شرق أوسط  جديد وربما كبير أو قد تظهر تسمية جديدة أخرى له وستكون الخارطة مهيأة لتوازنات جديدة وسيكون أساس تكوينها عاملين ..

الأول بالإعتماد على مبدا( مَن ليس معنا فهو ضدنا) الذي طرحه بوش..

والثاني إن (الذي إحتل إفغانستان وهَزَمَ العراق بهذه السرعة قادر على الإطاحة بأي نظام في المنطقة)!..

 

وإيران كانت موجودة في قلب الحدث العراقي منذ سنوات طويلة وآخرها إشتراك ممثلي الحرس الثوري والسافاك في مؤتمر صلاح الدين قبل الغزو الأمريكي بشهور وجلوس هؤلاء الممثلين مع ممثل الولايات المتحدة الأمريكية خليل زادة وعقيد من المخابرات المركزية الأمريكية..

فالعراق يمثل بالنسبة لإيران قاعدة وجسر ..وهدف ووسيلة ..

 

لنفترض إن الهدف من الحملة العسكرية الأمريكية كان :

(أعادة تشكيل الشرق الأوسط إنطلاقاً من العراق) من خلال (الإطاحة بالنظام العراقي وإحتلال العراق ) بإستخدام القوة العسكرية لخلق (نموذج فريد لدولة ديمقراطية غنية ومتطورة ستؤدي الى تغيير طبيعة الأنظمة في الدول القائمة في المنطقة)..

 

والتغيير القادم لدول المنطقة بعد إحتلال العراق كان مخطط له أن يتم بالسياسة او بالقوة ..

والقوة هي القوة الأمريكية التي (هَزمَت العراق) وهي بهذا الزخم والعنجهية والإعتداد بالنفس والغرور .


واليوم وبعد ست سنوات من إحتلال العراق .. الحالة في الميدان العراقي أعقد بكثير مما وضع على (مناضد الرمل ) في نهاية عام 2002 وبداية عام 2003 وحتى قبل ذلك بزمن طويل!..

(منضدة الرمل ..هو إصطلاح عسكري..لمنضدة توضيحية لمخطط العمليات العسكرية وحركة القطعات في ميدان مجسم صغير لساحة العمليات وبما يخدم هدف المعركة عسكريا أو سياسيا)..

 

والميدان أثبت حقيقة مهمة وهي :

صحيح إن القوات الأمريكية إحتلت بغداد في 9 نيسان 2003 ولكنها لم تُهزم العراق لحد الآن!..

وما إرتكبته الإدارة الأمريكية من أخطاء كانت قاتلة وأفشلت كل المخطط وعرقلت حتى تنفيذ المرحلة اللاحقة الأولى منه !..

 

وغاصت القوات الأمريكية في وحل مستنقع لا قرار له ولا قاع..

ولم تكن الولايات المتحدة موفقة حتى بإختيار مَن (يَخلِف النظام العراقي الذي أطاحت به قوة السلاح المعتدي الأجنبي )!..

 

حيث حلّت (ثقافة الإنتقام الحاقد بدل العدالة الرحيمة )..

وإنتشرت (ثقافة النهب والسرقة والفساد بدل النزاهة والمُثل العليا)..

وسادت (الفوضى والقتل على الهوية بدل الأمن والأمان)..

وعمّت على العراق سياسات (المحاصصة والإقصاء والإستئثار والملاحقة وقطع الأرزاق بدل الديمقراطية المنشودة وتقاسم السلطة)..

وهبّت على العراق رياح ( التقسيم والتجزئة بدل الوحدة والتآخي )..

والعراق اليوم أصبح ( بلدا يهدد أمن المنطقة والعالم بدلا من أن يكون نموذج لشرق أوسط جديد)!..

وتعددت أشكال (الميليشيات وفرق الموت بدل السلطة الواحدة)..

 

ووصل الأمر اليوم بميليشيا كبيرة ساهمت بقمع الإرهاب الى القول بانها ستلقي السلاح إذا لم يدفع لهم الأمريكان أو الحكومة رواتبهم!..وسيستخدمون السلاح لتصفية من يفوز عليهم في الإنتخابات!..

وسيتذكر العراقيون لآلاف السنين حقيقة لايمكن نكرانها ..وهي إنه في حال (تحقق أي إنجازات )!..فإن ذلك كان بفضل عدوان أمريكي خارجي يفتقد للشرعية وإحتل ودمّر العراق .

وإن الولايات المتحدة سلّمت العراق الى إيران!..

 

لقد إنتصرت إيران إنتصارا حاسما في حرب الولايات المتحدة الأمريكية على العراق في كل صفحاتها بدأْ من الغزو والتدمير الى ( تغيير النظام العراقي وإغتيال قياداته وإعتقال ومطاردة من تبقى على قيد الحياة منهم.. وما صدر من قرارات وإجراءات و إنتخابات ..الى تصميم وتنفيذ وتطبيق مفردات العملية السياسية الحالية)..

وحققت إيران حلم قديم وإنتصرت في حرب لم تقدم فيه جندي إيراني واحد..وكان إنتصارها تأريخيا..

 

ويزداد يوميا حجم هذا الإنتصار الإيراني ..وبفعل هذا الإنتصار أصبحت إيران اليوم لاعب أساسي في العراق وفي لبنان وفلسطين وسوريا ودول الخليج العربي وإفغانستان ..

 

ومن المعروف إن الإنتصارات الكبيرة لطرف تقابلها هزائم كبيرة للطرف الثاني !..

 

والفشل الأمريكي في العراق واحد من أهم العوامل إن لم نقل العامل الرئيسي على الإطلاق للامة الأمريكية التي أنهت بوش والجمهوريين ونَصَرَت أوباما والديمقراطيين..

 

وننصح الإدارة الأمريكة الجديدة بعد أن سمعنا الرئيس الجديد يرغب بسحب القوات الأمريكية من العراق وإنهاء الحرب بخطابه يوم 27 شباط 2009 بمايلي:

 

-         إن نهاية الحرب تبدأ بأمر يعرف عسكريا (بوقف إطلاق النار) ..وهذا القرار قد يتخذ من طرف واحد أو بإتفاق الطرفين المتصارعين ..وقرار البدء بسحب القوات العسكرية من الميدان في حال عدم وجود وقف لإطلاق النار ما هو إلا صفحة من صفحات المعركة ولا يمثل بداية لنهاية الحرب ولا حتى إشارة لإنهاءها! ..وستكون العلامة الوحيدة للرغبة بإنهاء الحرب من خلال الإعلان الرسمي بالرغبة بالجلوس لمناقشة الإستحقاقات والمتطلبات وحل القضايا العالقة.

 

-         إن إنسحاب القوات المسلحة الأمريكية (المسؤول) من العراق غير ممكن عمليا بدون مساعدة الطرف الثاني في الصراع ..وهذا الطرف لايمكنه الوقوف متفرجا على الإنسحاب الأمريكي بدون تلبية إستحقاقاته الوطنية التي ستجعل (فعلا) من العراق بلدا موحدا وآمنا ومستقرا وفاعلا  وعاملا للتوازن في محيطه الإقليمي والدولي..

 

-          على الإدارة الأمريكية الجديدة أن لا تعتمد كثيرا على مناضد الرمل التي يعدّها أصحاب المناهج النفعية الخاصة من الجنرالات والسياسيين وضباط المخابرات الذين يقفون خلفهم..وأن لايتعاملوا مع الأفكار التي تقدم إليهم بمقياس (مَن كان معارضا للنظام ومَن كان معه أو مؤيدا له)..

 

-         على الإدارة الأمريكية أن تعي جيدا إن ما يجري على الأرض العراق اليوم ليست حرب واحدة بل حربان..

الحرب الأولى..هي (الحرب الأمريكية في العراق) ونهايتها إرتبطت منذ زمن طويل بقرار الرئيس الأمريكي بإنهائها !..

 

اما الحرب الثانية فهي( الحرب العراقية في العراق)!..وهذه الحرب لا تنتهي بقرار سحب القوات الأمريكية ورحيلها وكذلك هي صراع لايمكن إحراز نصرحاسم فيه بالقوة العسكرية بسبب الظروف الحالية!.. 

 

-         أيضا ..الحكومة العراقية الحالية هي جزء من الصراع وهي تقف الى جانب الطرف الأمريكي وإذا كان في النية توكيلها بعد الإنسحاب لتقوم بمهام التعامل مع القوى الوطنية في الطرف المقابل في الصراع لتكون هي المحامي والمدعي العام والشاهد والقاضي ومحكمة التمييز فسوف لن تنتهي الحرب وستستمر حتى لو تم إستخدام كل القوة الأمريكية والعراقية التي عجزت في السابق عن حل المشكلة العراقية..خاصة وإن (قلة مظاهر العنف) لا تعني (زواله)!..

 

-         كان يمكن أن يتحول العراق الى (ألمانيا او يابان الشرق الأوسط ) كما يعلن البعض ليكون حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة وعامل إستقرار وتوازن لو كانت الدوافع للحرب الأمريكية شرعية ومبررة وتخدم الشعب العراقي وبدون خلق ونمو (حرب عراقية ) يدعم الأمريكان طرفا فيها !..ويمارس أقسى أنواع التعسف والقتل والإعتقال والملاحقة والتشهير وقطع الأرزاق بحق الطرف الآخر !..

 

-         على الإدارة الأمريكية أن لا تتوهم بأن الحل بعد هذا الفشل يكمن في تقسيم العراق والرحيل منه بهذه الصورة ..وستكون هذه الخطوة أكبر من خطأ شن الحرب ..وسيتوسع فيها حجم وتأثير المأزق الأمريكي.. وسيغرق العراق وشعبه وسيسحب معه دولا إقليمية كثيرة وسيصل موج الغرق الى ضفاف وشواطيء الولايات المتحدة ودول العالم كافة.

 

-         الإدارة الأمريكية الجديدة وحدها التي تقيّم وفقا للمصالح الأمريكية مالذي حققته لحد الآن من مكاسب!..وتحلّل دقة وصحة وموضوعية ما كتبه (شلومو بروم) زميل معهد الدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب والرئيس السابق لدائرة التخطيط الإستراتيجي لقوة الدفاع الإسرائيلية في مقاله المنشور في صحيفة كريستيان ساينز مونيتور قبل سنة تقريبا قائلا : ( أي عراق سوف يكون أحسن من عراق يقوده صدام لأن عراق صدام كانت عنده القدرة على تهديد اسرائيل)!..وقوله: (فإن الدرس الرئيس الذي أفرزه غزو العراق هو أن أميركا لم تستطع أن تهندس مجتمعه)!..

 

في العام الماضي أصدرت وزارة الدفاع الأميركية دراسة مفصلة بدأ العمل عليها بعد الاحتلال مباشرة وإعتمدت بالتحليل والبحث في 600 ألف وثيقة حكومية عراقية قبل أن تخلص رسميا الى القول إن (عراق صدام حسين)  لم تكن له علاقة بالقاعدة  وهو ما يعرفه العالم من دون الحاجة الى دراسة وثائق وتقارير..

 

وأصدرت لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق بعد أشهر من الغزو قرارها بعدم حيازة (عراق صدام حسين ) لهذه الأسلحة ..وإعترفت الإدارة الأمريكية السابقة وأجهزتها كافة بأنها كانت تعرف ذلك ولكن هي التي صنعت المبررات وصممت الأدلة الكاذبة !..

 

والسؤال ..

 

لقد نشرت الولايات المتحدة قواتها في المانيا واليابان على مدى 63 عاما وفي كوريا لمدة 57 عاما..فهل نتوقع أن لا تبقى مثل هذه المدة في العراق ؟..

وهل سيحاكم في يوم من الأيام المسؤولين عن قتل المليون ونصف عراقي وتدمير العراق ونهب أمواله كمقدمة لبناء دولة ووطن مستقر وآمن وحليف إستراتيجي..

 

ولو بعد عشرات السنين  ؟

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٢٨ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٥ / أذار / ٢٠٠٩ م