كيف ستنتهي الحرب في العراق
تنتهي الحرب عندما تنتهي تداعياتها وما نجم عنها..

﴿ الجزء الرابع ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

في خطابه يوم 27 شباط 2009 قال الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مخاطبا الأمريكيين والعالم ومنهم شعب العراق  قائلا:

 

 ( Today, I have come to speak to you about how the war in Iraq will end ).

(جئت إليكم اليوم لأحدثكم حول كيف  ستنتهي الحرب في العراق).

 

في الجزء الأول عرّفنا الحرب وخطة الحرب ..والعدوان ..وحق إستخدام  القوة ..ومبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية ..

 

وفي الجزء الثاني تحدثنا عن (الحرب على الإرهاب)!..و(الحرب العادلة والمشروعة) و(إستراتيجية الضربة الإستباقية )..وإستذكرنا في الجزء الثالث ذكرى إشعال هذه الحرب وهل ستكون (حرب أبدية ذاتية التجدد)؟!..

 

اليوم نقول إنه في صراعنا الذي تسميه الإدارة الأمريكية بالحرب ونسميه بشكل عام (المقاومة..بكل أشكالها) والكفاح من أجل تحرير وبناء العراق ليعود بلدا عزيزا ومقتدرا وقويا ومستقلا بشعب آمن ومرفه وقادر على المساهمة والتأثير كعامل توازن سياسي وإقتصادي في محيطه الإقليمي والدولي يتضح مايلي:

 

-         إن هذا الصراع كان قد فُرض علينا ..وقد تم التخطيط له من زمن طويل قبل بدايته ولم ندخله بقرارنا نحن (كطرف في النزاع ) بل أُرغمنا عليه قسرا بقرار الطرف الآخر وهو قرار أمريكي إستند على تعبئة شعبية عالمية بالترهيب والترغيب وبمبررات مضللة إعترفوا بعد أشهر من بداية الحرب بانها كانت غير صحيحة ومفبركة!..لذلك فنحن منذ اليوم الأول للحرب أو العدوان كنا مؤمنين بأن لاضروره لهذه الحرب ..ولأننا قلنا إن الحرب في العراق ستنتهي عندما تتولد القناعة لدى طرفي الصراع بأن الآوان قد آن لوضع حد لها ..ولأننا نؤمن بذلك منذ البداية وكان الطرف المتعنت في ذلك هو الطرف الأمريكي لذلك  ستنتهي هذه الحرب عندما تقتنع الإدارة الأمريكية بما كنا نؤمن ..وهذا الأمر قد تحقق الآن..وعلى الرغم من حزمة الإختلافات الجوهرية الكبيرة بيننا وبين الإدارة الأمريكية الجديدة ..لكن هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها إتفاق بين الطرفين على رؤية واحدة !..ولأول مرة تقترب رؤية الإدارة الأمريكية من رؤيتنا ..

 

-         ومع ذلك فإن المشكلة لا تكمن في توفر القناعة الآن لدى الجانب الأمريكي من إن الضرورة لوقف هذه الحرب التي أشعلها هو قد أصبح أمرا حتميا ..حيث ظهر عامل جديد الآن وهو يطفو على شكل تساؤل !..وهو: وماذا عن النتائج والمضاعفات والخسائر والحيف والظلم والتعسف والأخطاء المركّبة التي أفرزتها هذه الحرب على الساحة العراقية سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وخلال مايقارب الست سنوات ؟.. ويجرنا هذا السؤال الى سلسلة طويلة من الإستفسارات !..

 

-         إذا كان مفهوم نهاية الحرب في العراق من وجهة نظر الإدارة الأمريكية يعني إيقاف العمليات العسكرية وسحب القوات المسلحة الأمريكية وإعادة الجنود الى ديارهم فهذا يعني من الناحية العسكرية مايلي:

 

- إن المهمة الأمريكية قد أُنجزت !..وبتعريف هذه المهمة فإن كل الأطراف المتصارعة والمساندة والمتفرجة تعرف إن ذلك لم يتحقق.

 

- او إن ذلك تم بناء على إتفاق بين الطرفين !..وهذا أيضا لم يجري بعلم كل العالم !..

 

- أو إن الطرف الذي سينسحب (خاصة إذا كان هو الباديء) قد فشل في تحقيق أهدافه!.ويمكن القول (أصابه السأم والضجر من عدم قدرته على تحقيق ما كان يحلم به رغم كل الخسائر وكل الذي فعله )!..

 

-         لذلك..فإن أفضل وسيلة وأكثرها حفظا لماء الوجه للجانب المنسحب أن تتم هذه العملية من خلال إتفاق بين الأطراف المتصارعة!..حيث إن نهاية هذه الحرب ستكون  إما بإنتصار طرف على طرف آخر أو بإتفاقهما معا على إنهاء هذه الحرب.

 

-         وبالعودة الى موضوع الإستحقاقات سنرى إن نهاية الحرب الفعلية وخلق عراق آمن ومستقر وفاعل في محيطه سيتحقق من خلال مفاوضات مباشرة مع الطرف المقابل في الصراع للطرف الأمريكي لتحديد هذه الإستحقاقات من خسائر ومظالم وحيف وإقصاء وغيرها من المواضيع الجوهرية والإتفاق عليها تفصيليا قبل خطوة الإنسحاب من العراق..والحكومة الحالية لا يمكنها تحقيق ذلك لأنها في معسكر الطرف الأمريكي .

 

-         وأي إنسحاب للقوات الأمريكية من العراق بدون هذه الخطوة سيكون غير مأمون!..والجنرالات الأمريكان المتخصصين يعرفون إن مثل هذا الإنسحاب من إشتباك في معركة يعني ببساطة (تقهقر وتراجع ) و(ترك مقرات ومواقع وثكنات )!..أما إذا كان للجنرالات الأمريكان وجهة نظر عسكرية بذلك كأن يقولوا : (سنقوم بتغطية قطعاتنا المنسحبة من خلال تفوقنا الجوي وقواتنا التي تمسك الأرض )!..فنقول لهم ببساطة وبعيدا عن تفسير من يملك الأرض ومن يمسكها :

 

( سيكون هذا الإنسحاب غير مسؤول وسوف لن تنتهي الحرب هكذا وسوف لن يصبح العراق ذلك البلد الآمن والمستقر والفاعل في محيطه وفي العالم وهو سبب إنسحابكم كما قال الرئيس اوباما..خاصة إذا أنطتم مسؤولية العراق وحل مشاكله للحكومة العراقية الحالية أو التي ستليها بنفس الآلية! )..

 

-         وإذا كانت نيّة الإدارة الأمريكية  تتجه الى توكيل الحكومة العراقية الحالية مسؤولية حل المشاكل الناجمة من نتائج ومضاعفات هذه السنوات الست من الإحتلال والقتل والإعتقال والملاحقة والإستئثار بالسلطة  ليكون الخصم هو الحكم وتصبح الحكومة شاهدا ومحاميا ومدعيا وقاضيا في آن واحد؟.فهذا يعني أن العراقيين سيقومون بحل مشاكلهم فيما بينهم بدون تدخل الجانب الأمريكي بإعتباره الطرف الذي خلق هذا الصراع وتداعياته ..وهذا حل نقبل بل ونطالب به ولكن على أن لا تخرج الولايات المتحدة من الباب لتدخل إلينا من الشباك!..وسيكون دخولها هذه المرة بثقل كبير لدعم وإسناد بل والدفاع عن هذه  الحكومة !..لأنها بذلك ستكون (وإن إنسحبت أو توشك على ذلك) جزءا من الصراع الجديد وسيتم إستهدافها كما تستهدف اليوم وسيتحول شعار (الإنسحاب من العراق وتركه للعراقيين ) الذي يرفعونه اليوم الى شعار آخر وبنفس المضمون وهو العودة الى  ( القتال بالنيابة ) تحت ذريعة (حماية المنجزات التي حصل عليها الشعب بفعل هذه الحرب )!..و(الدفاع عن ثمرة التضحيات )!..و(حماية العملية السياسية)!..وهذا يعني إستمرار الحرب بصفحة جديدة وهو عكس ما تنادي به الإدارة الأمريكية الجديدة ويتعارض مع غاية الإنسحاب والتي تتمثل بعراق آمن ومستقر وفاعل.

 

-         وإذا حدث هذا..( ونحن لا نتمناه ) ومع ذلك فنحن مستعدين له ..

 

فكل المؤشرات ستبين إن الولايات المتحدة الأمريكية بإدارتها الجديدة لم تستفد من أي درس من هذه المواجهة المعقدة..ولم تفهم لماذا كانت هذه الحرب طويلة ..وغير إعتيادية!.وستفسر دعوتها اليوم ببساطة بانها خطوة تكتيكية لا تخدم الإستراتيجية المعلنة ..اما إذا كانت الغاية عراق تسوده الفوضى والإقتتال والتمزق فهذا موضوع آخر!..

-         وإذا حدث الذي لا نتمناه فسيكون (الصراع الدموي الرهيب والطويل القادم بين العراقيين) نتيجة حتمية لهذا المنهج في المرحلة القادمة..صراع بين الوطنية العراقية وبين (مندوبي المحتل الذي يقول إنه رحل من العراق!).. 

 

وستستمر الحرب وستزداد خسائرها وتتعقد مع الزمن آليات الحل المتاحة اليوم والمستعصية غدا..

 

وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة أن تضع في حسابها في هذا الصراع الجديد إرادة الشعب وقواه الوطنية الحقيقية التي واجهتهم في السابق..

 

حيث ستكون نتيجة هذا الصراع الدامي الجديد .. عراق آمن ومستقر وقوي وفاعل ومؤثر في محيطه الإقليمي والدولي !..

 

ولكنه سوف لن يكون حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة كما يريده الرئيس أوباما!

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٥ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / أذار / ٢٠٠٩ م