كيف ستنتهي الحرب في العراق

﴿ الجزء الثاني ﴾

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

في خطابه يوم 27 شباط 2009 قال الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مخاطبا الأمريكيين والعالم ومنهم شعب العراق  قائلا:

 

( Today, I have come to speak to you about how the war in Iraq will end ).

 

 

(جئت إليكم اليوم لأحدثكم حول كيف  ستنتهي الحرب في العراق).

 

في الجزء الأول عرّفنا الحرب وخطة الحرب ..والعدوان ..وحق إستخدام  القوة ..ومبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية ..وهل إن ماجرى كانت حربا بين طرفين أم عدوان سافر إستهدف تأريخ وحضارة ودولة العراق وشعبه .وما ورد في  توصيات الجمعية العامة رقم 3314 سنة 1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على:

 

(ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء كان سياسيا أو إقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لإرتكاب عدوان).

 

والجزء المهم من قرار الأمم المتحدة الذي ينص على:

( أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى ).

وكيف إن :  (التدخل من قبل دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع).

 

واليوم نتحدث عن مبرر جديد..

لقد طرحت ادارة الولايات المتحدة الأمريكية السابقة شعار جديد ظاهره الرحمة وباطنه النار،يلهب مشاعرالناس ويداعب ضمائرهم وهو: (الحرب على الإرهاب)!..

وتم القرار على إعتبار هذه الحرب (حربا عادلة ومشروعة )!..

 

وبذلك تكون (الحرب) التي شنتها الولايات المتحدة على العراق هي حرب لمكافحة الإرهاب بإعتبار إن (النظام العراقي كان نظاما يتعامل مع القاعدة وكان يمكن أن يزودها بأسلحة الدمار الشامل التي أشيع أنه يمتلكها )!..لكي يتم الترويج لهذه الحملة على أنها (حرب عادلة )!..

وأحيانا تم تسميتها (بالحرب المقدسة )!..

 

وظهرت المشكلة بكل أبعادها عندما إعترفت الجهات الأمريكية ذات العلاقة بكل صراحة بان لا وجود لأي نوع من انواع العلاقة التي تربط النظام العراقي بالقاعدة والإرهاب ولم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل وتم إغلاق هذا الملف ليتحول الهدف الى (إشاعة الديمقراطية وتأمين فرصة وصفوها بانها ثمينة للشعب العراقي بناء دولة ذات تأثير إيجابي على التوازن الإقليمي والدولي )!..

 

ولازلنا لحد الآن بالمُعلَن من الأهداف !..

 

وكان من أهم النتائج لهذه السياسة هو الإنتقاد الصريح الشعبي والرسمي العالمي وخصوصا الأوروبي لسياسة الحرب التي تخوضها الإدارة الأميركية لحد الآن ومن منطلق معارضتها لإعتبار (الحرب) حربا بين (الخير والشر) وكذلك للتفسير الذي قدمه الرئيس المنصرف جورج بوش للشعور المعادي للولايات المتحدة.  

 

كان الخوف من نشر هذه المعارضة الشديدة هو سيادة خشية الحكام والدول والمنظمات من أن ينعتوا بأنهم (ضد اميركا) وهو النعت الذي يَتهم به الاميركيون كل من كان يناهض سياسة الحرب على العراق وإفغانستان حيث يتم خنق إحتجاجاتهم وإعتراضاتهم في خضم الحملة الإعلامية الضخمة ووسط سياق التعصب  الذي هيمن على وسائل الاعلام الاميركية.

 

ومن أكثر الشعارات التي كانت ولا تزال تحتاج لتوضيح مخاطرها هو ما كان يطرحه الرئيس السابق بوش بعد أحداث 11 أيلول وهو :

(لماذا يكرهوننا)؟..

وقوله : (هناك جواب واحد: لأننا ناجحون أو أن يتم الإدعاء بأنهم يكرهوننا بسبب (قيمنا))!.

هي إذا حرب عادلة.. لأنها حرب (دفاعية عن النجاح والقيم!)..

ولكن هنالك حقيقة مهمة..

 

وهي إن معظم المواطنين الأميركيين لايدركون إن ما يخلفه إستخدام القوة العسكرية الأميركية في الخارج لا علاقة له أبدا بـ (القيم) التي يحتفى بها في الداخل الأمريكي وهي تستخدم غالبا لحرمان شعوب دول أخرى من فرصة التمتع بهذه القيم.

 

لقد حشدت الولايات المتحدة في عام 2003 كل طاقاتها وجميع إمكانات حلفائها وإتجهت نحو منطقة الخليج العربي لتعلن الحرب على العراق بعد أن تم ترويج حالة كون النظام العراقي يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي وللعالم لإقناع دافعي الضرائب والمشرعين الأمريكيين بأن الوسيلة الوحيدة القادرة على إزالة التهديد العراقي لأمن الولايات المتحدة بل لأمن العالم أجمع هي بغزو وإحتلال العراق وإسقاط نظامه من خلال شعار ( تجريده من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها )!..

 

وهكذا وضع النظام العراقي في موضع الإتهام كونه جهة مضادة للنجاح والقيم الأمريكية !..وهذه نتيجة تم تثبيتها وفقا لمعلومات وتبريرات غير صحيحة ..

 

فهل يجوز لجهة مسؤولة عن أمة كاملة برسم صورة للعدو ثم يجري البحث عن نظام يصلح (بحكم موروث محدد من الضغط والإعلام والأخطاء) ليكون هذا العدو..ثم تقوم هذه الجهة الحكومية المسؤولة بوضع سيناريو (محكم بأدلة مصطنعة) لكسب الرأي العام المحلي والعالمي لبدء حملة الإستهداف؟..

 

وقد إعتمدت الولايات المتحدة في القضاء على التهديد العراقي  على إستراتيجية جديدة في إستخدام القوة العسكرية بغض النظر عن كل القوانين والقرارات الصادرة من الأمم المتحدة ومنظماتها وهي (إستراتيجية الضربة الإستباقية ) بدلا من إستراتيجيات كانت مستخدمة سابقا مثل ستراتيجية الردع والردع المقابل أو ستراتيجية التعايش السلمي وغيرها..وإستخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية بشكل قلما عرفه التاريخ بنية إجهاض هذا (التهديد) في مهده و أبعاد الخطر والعدوان عن الأمن الأمريكي !.

 

لحد الآن لازالت الصفة التوصيفية الغالبة للتعريف الدقيق الخاص بالعدوان هي الضبابية مما جعل الدول وخاصة تلك التي تمتلك القوة وسطوة المال تجتهد وفق منظورها في تحديد المعنى وفقا لما يتناسب مع مصالحها..ودائما ما يكون رد فعل هذه الدول تجاه عدوان تقوم به دولة أخرى على دولة ما متناسب مع علاقتها وتأثرها مع فعل العدوان وفقا لمصالحها خلافا لكل المقاييس والإعتبارات التي تتحكم بالعالم المتحضر مثلما تدعي الديمقراطيات الغربية.

 

ومن هنا إستغلت الإدارة الأمريكية مرونة التفسير لمفهوم العدوان بإعتبار إن الضربة الاستباقية تسبق الأفعال المفترض حدوثها مستقبلا والتي تضر بمصلحة وامن الولايات المتحدة ..

 

أما مسألة المشروعية لتلك الإستراتيجية فحددتها الإدارة الأمريكية تحت مسمى (مصالح الولايات المتحدة أو أمنها القومي ) التي جعلت المجتمع الدولي  مثل البحر الهائج بأمواجه التي لا يلجمها عائق أو أية مواثيق أو معاهدات و لا يمكن إحتوائها في أي إطار قانوني ليلزم الولايات المتحدة أو غيرها من الدول صاحبة القوة والتي ستقف بوجه أي تشريع أو إجماع يمكن أن يحد من جموحها.

 

وهكذا تم تسويق العدوان على العراق وتناست إدارة الولايات المتحدة السابقة عن عمد أو قلة خبرة ناجمة عن الترويج المبرمج لجملة من التبريرات والمعلومات المضللة عن النظام العراقي ..نقول تناست تلك الإدارة أنه بمجرد ثبوت إن النظام العراقي لم يكن يشكل عامل خطر على الأمة الأمريكية  ستتهاوى أعمدة كل هذا البناء المُكلف الذي شكّل أكبر مخاطرة غير مدروسة بعمق في تأريخ الولايات المتحدة.

 

وفعلا حصل المحذور..وتهاوى (البناء الضخم) لمبررات (الحرب على العراق ) كما تتهاوى قطع الدومينو!..

ومن الغريب إن هذا التهاوي حدث بوقت مبكر جدا وبعد أشهر قليلة من بداية الحرب وإحتلال العراق!..

وكان يمكن للإدارة الأمريكية إستغلال ذلك فورا ..

ولكن ذلك لم يحدث مطلقا ..ولم يكن النقاش فيه مسموح !..

بمعنى آخر ..

كان التفكير بإيجاد مخرج لإنهاء الحرب محظور وممنوع منذ ذلك الوقت!..

 

وحدث عكس ما كان يجب ان يحدث..فتوالت الإجراءات الأمريكية التعسفية وأكملت الحكومات المتعاقبة في العراق بل أوغلت بشدة بتعميق حالة دقّ إسفين  كبير أمام أي فكرة للتراجع والمراجعة!..

وجعلوا الطريق الوحيد للخروج من المأزق العراقي هو بالمضي الى أمام !..وعدم النظر والإلتفات للماضي !..

 

وأغرب ما في هذه التوجهات الرسمية للإدارة الأمريكية وجوهر سياسة الذين يحكمون العراق اليوم يعتمد على (آلية العيش الماضي السحيق) !..ونقله ليكون حاضرا أمامهم ليستلهموا منه أجواء لقرارات وإجراءات تعسفية جديدة بإعتبار إن أي خطوة بإتجاه المستقبل لا تتحقق إلا بقدر صلتها بهذا الماضي!..

 

والملاحظ لسياسة الإدارة الأمريكية السابقة وعلى مدى نحو ست سنوات من الحرب الطاحنة في العراق إن هذه الإدارة رفضت وبشكل قاطع فكرة (المراجعة)!..رفض مراجعة أي شيء!..وحتى فكرة (جدولة إنسحاب القوات الأمريكية من العراق) كانت تفسرها أنها تراجع عن (إستراتيجية المضي للامام)!..وعللت ذلك بأنها ستعطي رسالة الى (الإرهاب والمتشددين)! من إن الولايات المتحدة تعترف بخطاها في شن هذه الحرب ليتحول الشعار من الحرب الى العدوان!..

إنها ببساطة تَبنّي لسياسة عدم الإعتراف بالخطأ ..ومَن يأبى على نفسه ( ولا نقول أمام الآخرين) الإعتراف بخطأه سيكون من المستحيل ان يجد علاجا لمشكلته!..

لذلك..

قبل كل شيء كانت هنالك فرصة ثمينة جدا لوضع نهاية لهذه الحرب منذ الشهور الأولى لإندلاعها عندما تبين للعالم عدم صحة التبريرات الأساسية التي تم إستخدامها لشن الحرب ..ولكن الولايات المتحدة وبدفع من (المستفيدين الذين جمعوا هذه المعلومات الكاذبة ) رفضت مجرد التفكير في الموضوع.

 

عموما ..اليوم  تنتهي (الحرب) في العراق أو ينتهي (العدوان ) على العراق عندما تتولد القناعة الكاملة لدى طرفي الحرب بأن الآوان آن لإيقافها ..

 

وحيث أن الجانب العراقي المُستهدف في هذه الحرب لم يكن طرفا في إشعالها فالموضوع يخص الطرف الذي شن الحرب!.

 

أيضا يجب ان تتولد القناعة بأن الإستمرار في هذه الحرب إما  لم يعد ذي جدوى أو إن النتائج المطلوبة يمكن إستحصالها بطرق أسهل وأقل كلفة وحتى يمكن القول بأن تحقيقها أصبح مستحيلا في ظل ظروف مستجدة في الميدان !..

وتوفر القناعة بالسعي لإنهاء هذا الصراع يتطلب أن نعرف بأن هذه القناعة لها علاقة مباشرة بالهدف من الحرب !..

ونعود مرة أخرى لنحدد إن الجانب العراق لم تكن له أهداف في هذه الحرب قبل إندلاعها ..كان الطرف الآخر هو صاحب الأهداف فيها فقط!..

 

ولكن اليوم أصبح للعراق وللعراقيين الذين أُستهدفوا في هذه الحرب أهدافا بعد أن تعرضوا للقتل والتهجير والإعتقال والإقصاء والملاحقة والتشهير والإساءة وتبديد الثروات والإستئثار بالسلطة من قبل الحكومات التي وضعت بامر الإحتلال وإشرافه.

 

وعلينا ان نعرف هل أن للطرفين الآن هدف أم مجموعة أهداف ؟

وهل إن الترابط بين هذه الأهداف هو ترابط جدلي أم ترابط أملته مجموعة مصالح متباينة؟

وإذا كانت هذه الأهداف جدلية فمن منها مركزي ومحوري وأساسي ؟

وإذا لم تكن هذه الأهداف جدلية..فما هو تسلسل الأهمية فيها؟

وهل نقصد هنا الهدف المعلن أم الهدف المخفي ؟

هل تحقق الهدف الأمريكي من هذه الحملة؟..

هل إن المتحقق من الهدف يستحق كل هذه التضحيات؟

ومالذي تبقّى من هذه الأهداف وتحتاج الى جهد لتحقيقها وعَجَزَت القوة العسكرية الهائلة عن تأمينها؟

وأخيرا ..

علينا أن نجهد انفسنا لنعرف الإجابة على هذه التساؤلات ..

وعلينا ان لا نتوقع أن نحصل عليها من الطرف الآخر ..

لأنه سوف لن يَكشف وفي أي مرحلة من مراحل الصراع بشكل كامل عما يريد!..

وعلينا بصراحة أن لا نجهد أنفسنا ونضيع وقتنا لإقناع الاخرين مِن أن الطرف الآخر  في صراعنا على باطل ونحن على حق ..

فالحق بيّن والباطل بيّن..

 

بل علينا أن نستثمر الزمن.. ونستغل الفرصة ..ونستفاد من تفهم الإدارة الأمريكية الجديدة لجانب من قضيتنا ولا نقول كلها ..ونركز على كيفية إستثمار قدراتنا لتوضيح كل الصورة التي تعرض قضيتنا العادلة بعد أن تكشفت الكثير من الحقائق وتنحى جانبا مَن كان لايريد ان يفكر ويسمع ويتفهم مواقفنا ..

وأن نركز على تحقيق أهدافنا ..

وأهم شيء في ذلك أن تكون الوسائل لتحقيق ذلك مشروعة ومقبولة.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٢ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / أذار / ٢٠٠٩ م