كيف ستنتهي الحرب في العراق ؟..

﴿ الجزء الأول ﴾

 
شبكة المنصور
كامل المحمود
 

في خطابه يوم 27 شباط 2009 قال الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مخاطبا الأمريكيين والعالم ومنهم شعب العراق  قائلا:

 

( Today, I have come to speak to you about how the war in Iraq will end ).

 

( جئت إليكم اليوم لأحدثكم حول كيف  ستنتهي الحرب في العراق ).

 

بداية .. إن تعريف الحرب المتفق عليه هو: أنها الشكل المسلح للنزاعات التي تتعلق بأسباب عديدة كالنزاعات الحدودية أو الناجمة عن تقاسم الثروات الطبيعية أو النزاعات الدينية كالحروب الصليبية أو حروب التحرير أوالتهديد المعادي الذي يشكله طرف على طرف آخر وغيرها ويستند هذا النزاع  على استخدام القوة المسلحة باستخدام مجموعات مسلحة منظمة تسمى جيوش  نظامية وأحياناً جماعات شبه نظامية وتستخدم القوة المسلحة كل الوسائل لإلحاق الضرر والأذى بالطرف الآخر سواء في قدراته العسكرية أو مقدراته المدنية ويتم ذلك عن طريق التدمير المنظم والمخطط بالاستعانة بمعلومات عسكرية وإستخبارية وإقتصادية وإجتماعية عن الطرف الآخر تجمعها أجهزة الإستخبارات والاستطلاع العسكرية والأمن والمخابرات والوسائل الأخرى  وتستخدم القوات المسلحة هذه المعلومات للقيام بعمليات عسكرية منظمة لإجبار الطرف الآخر على الهزيمة أو الإستسلام.

 

ولكل حرب خطة .. وتكون هذه الخطة ذات أسلوبين تكتيكي وآخر إستراتيجي ..وكل حرب تنتهي إما بهزيمة طرف أو إستسلامه او التوصل الى إتفاق هدنة وربما صلح وإتفاقية سلام .

 

أما العدوان .. فهو سلوك يقصد به المعتدى إيذاء الآخرين وهو إستخدام القوة للإضرار وإيقاع الأذى بالأشخاص والممتلكات ..وعلى مستوى الدول والأنظمة فهو إستخدام القوة غير المقبولة لإيقاع الأذى بدولة اخرى . والعدوان العسكري هو إستخدام القوة العسكرية لتحقيق هذا الهدف.

 

وقد ظهر أخيرا مفهوم جديد وهو حق إستخدام  القوة في العلاقات الدولية سواء من الناحية النظرية أو العملية. فدخلت القوة في جميع العلاقات الدولية سواء كانت الحروب والمنافسات وكثيرا ما تسمى السياسة الدولية التي تستخدم القوة اليوم بسياسية القوة ..وكان الغرض دائما في تبرير هذا الإستخدام هو إنها  وسيلة لتحقيق قيم وطنية بغية إخضاع الأمة لطريق القبول بهذا الإستخدام .

 

وأما من الناحية العملية فهو حق استعمال القوة على الواقع الدولي بحيث أصبح هذا الموضوع إحدى الوسائل التي تستعملها الدول لفض المنازعات الدولية بالرغم من أن المجتمع الدولي حاول الحد من العدوان وتأطير الحرب وجعلها أكثر إنسانية وكل ذلك عند إقدام ميثاق الأمم المتحدة على وضع مخطط شامل لمواجهة حالات تهديد أو خرق السلم وبالرغم من هذا كله تم خرق مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية مع استئناف لحالة الدفاع الشرعي عن النفس وكان لهذا الاستعمال أثار سلبية أيضا حتى على الوضع الدولي وهذا ما يفسر أن المجتمع الدولي أصبح غير منظم وتحل مشاكله عن طريق التدخل العسكري والذي أصبح من بين الإشكالات المطروحة على مستوى العلاقات الدولية والسعي لربط ذلك بقبول وتفويض مجلس الأمن الدولي  لأن الفعل العسكري غير المشروع قد تترتب عنه أثار وخيمة على النظام الدولي.

 

وحيث أن الحرب وسيلة من وسائل العنف تلجأ إليها الدول لفض المنازعات وخلافاتها أو سعيا وراء تحقيق غاية أو مطمع سياسي أو إقليمي، ولما كانت هذه الظاهرة قديمة قدم التاريخ الإنساني والقواعد القانونية التي تحكمها وتنظم سير عملياتها كانت محل اهتمام القانون الدولي وموضوعا لاتفاقاته فغالبا ما تكون الغايات المعلنة للتدخل غايات نبيلة وأهداف عليا تتذرع بها الدولة التي تستخدم هذه القوة ، ولذلك فالمبررات المستخدمة هي أساس هذا التدخل وعندما يتضح إن هذه المبررات كاذبة أو مفتعلة او جرى ترتيبها يصبح إستخدام هذه القوة عدوانا سافرا.

 

يستثنى الإعلان رقم 2625 الخاص بمبادئ القانون الدولي المحصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة من نطاقه الحق في التدخل ولا يتضمن لحد الآن أي نص يتعلق بالتدخل الإنساني تؤيد توصيات الجمعية العامة رقم 3314 سنة 1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على:

"ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء كان سياسيا أو إقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لإرتكاب عدوان".

 

فليس ثمة تناسب بين إستخدام القوة وبين العمل من أجل ضمان إحترام الحقوق الأساسية في الدول الأخرى فعادة ما يؤدي إستخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية محضة والذي سيؤدي الى مخاطر جسيمة لاحقة.

وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع قرار أعلنت فيه عن نيتها لمنع التدخل، وذلك في الوقف الذي كان فيه العالم يشهد فيه الكثير من حالات التدخل مثل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، ولم يكن هذا الإعلان ميثاقا جديدا ضد التدخل إذ لم يقدم أي قواعد قانونية جديدة فلم يزد عن كونه تأكيدا على المبادئ الأساسية المعروفة لعدم التدخل ولقد أشار الإعلان وفي مقدمة المواثيق المنظمة الإقليمية مثل منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كما أكد على قرارات مؤتمر باندونع، ومؤتمر رؤساء الدول عدم الانحياز المعقود سنة 1961 في بلغراد إلى أن الجزء المهم من هذا القرار ينص على:

 

( أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى ).

 

لذا فالتدخل المسلح وكافة الأشكال الأخرى المدخلات والتهديدات ضد شخصية الدولة أو ضد نظامها السياسي أو الاقتصادي والثقافي تعتبر مدانة وعلى جميع الدول أن تمتنع عن تنظيم ومساعدة تحويل وتشجيع الفعاليات المسلحة ذات الطبيعة الإرهابية أو العصيانية التي تهدف إلى تبديل نظام الحكومة دولة أخرى بالقوة أو بالتدخل في المنازعات الداخلية لدولة أخرى لا شيء في هذا الإعلان ينبغي أن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تطبيق سواء ميثاق الأمم المتحدة لإدامة السلم والأمن العالمي وخاصة تلك المواد الواردة في الفصل السادس والسابع والثامن.

 

إن جوهر هذا الإعلان تم تبنيه من قبل أكثر من مائة دولة وأخيرا لابد من الإشارة إلى المادة 52 من الميثاق، التي منحت المنظمات الإقليمية الحق في معالجة القضايا المتعلقة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في مناطقها الخاصة.

وهكذا أصبح التدخل من قبل دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع .

 

ولكن نظرا لأن التسويات وأحيانا الإكراه يبقى ضروريا إلى درجة ما في البيئة الدولية فإن الحل يكمن في فكرة الحل والتدخل الجماعي لذا فالتدخل الجماعي الذي يتم ضمن إطار منظمة دولية معترفا بها، لقيادة قوة مشتركة لصياغة السلم والأمن الدولي يمكن أن يعتبر مشروعا وفي الفقه القانوني الدولي والممارسة الدولية المعاصرة لا يعتبر التدخل مشروعا إلا إذا تم بالنيابة عن الأمم المتحدة أو المنظمات المنظمة على غرارها.

 

ونعود مرة اخرى ..

هل هي حرب ام عدوان؟..

لقد شغلت مشكلة تعريف العدوان الكثير من القانونيين والمفكرين والحكماء والفلاسفة على مدى القرون العديدة وقد انبثق مفهوم العدوان منذ أيام روما القديمة ويعيد مؤرخو القانون مصطلح العدوان إلى الكلمة اللاتينية Aggressio أي الاعتداء..

 

ولعل من أكثر وأقدم وأبلغ  التعاريف الظاهرة والمتداولة لمصطلح العدوان هو الاعتداء الذي يقع من دولة أقوى على دولة أضعف لتحقيق مكاسب ومصالح محددة ..

 

وفي الماضي كانت الغاية الأساسية هي  التوسع في الأرض والمساحات والحدود والثروات والقوة .. مع العرض إن عدوان الجماعة كان قد سبق عدوان الدولة .

 

وبموجب هذا التعريف  يعتبر إستخدام القوة من جانب إحدى الدول على دولة أخرى دليلا أوليا على العدوان.

وبموجب التعريف الدولي وبغض النظر عن وجود إعلان الحرب أم لا، فإن الأعمال التالية تعتبر أعمالا عدوانية :

 

- غزو أو هجوم دولة ما بقواتها المسلحة على أرض دولة أخرى أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتا ناجم عن هذا الغزو.

 

- قصف دولة ما بقواتها المسلحة أراضي دولة أخرى أو استخدام أية أسلحة من قبل دولة ضد أراضي دولة أخرى.

 

- حصار موانئ أو سواحل دولة ما من جانب القوات المسلحة التابعة لدولة أخرى.

- أي هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة على القوات البرية أو البحرية أو الجوية لدولة أخرى.

- إستخدام القوات المسلحة لدولة ما الموجودة داخل أراضي دولة أخرى بموافقة الدولة المستقلة على نحو يناقض الشروط المنصوص عليها في الاتفاق أو أي تحديد لبقائها في هذه الأراضي إلى ما بعد إنتهاء الاتفاق.

 

والأمور التي تحتاج الى توضيح الان هي :

 

1.    إذا كان الذي حصل على العراق هو حالة حرب بين طرفين.. الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية والطرف الثاني هو العراق فما هي أسباب هذه الحرب ؟..وإذا لم تكن هذه الأسباب إقتصادية أو حدودية او خلاف في المعتقد السياسي فماهي إذا؟..إن الذي أعلن في حينه كان (بسبب إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ) ولوجود (صلة للعراق بالقاعدة والإرهاب ) ..وتبين بعد غزو وإحتلال العراق إن هذه الأسباب غير صحيحة وكاذبة وملفقة!..وبذلك بَطُل السبب ..ولكن بقيت الحملة العسكرية ونتائجها مستمرة على العراق وشعبه .

 

2.    إن الحملة العسكرية التي تسمى (حرب ) على العراق تمت بدون موافقة وتخويل وسماح المجتمع الدولي بل وبمعارضته وإتخذت الولايات المتحدة قرار (الحرب) بشكل منفرد .

 

3.    ثم تغيرت أهداف ومبررات هذه (الحرب) لتتحول الى : (التخلص من النظام الديكتاتوري ! وإحلال الديمقراطية!).

 

فهل يحق لدولة قوية أن تبحر البحار والمحيطات وتتحمل التضحيات لتغير نظام حكم في دولة في قارة بعيدة عنها؟..أليس هذا عدوانا سافرا أم حربا لها خطة وأسباب ..(حرب ) بدأت بهدف وأصبحت اليوم تحمل هدفا جديدا وقد يتغير غدا!..

 

والغريب أن هذه (الحرب ) شنّها وجيّش لها ووضع أهدافها طرف واحد فقط..

ونفس الطرف اليوم يبحث عن نهاية لها!..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ١٩ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / أذار / ٢٠٠٩ م