شعار التغيير وضرورة تغيير نغمة العزف ..

 

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

في خطابه الذي أعلن فيه خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق قال الرئيس باراك أوباما:

 

( You have fought against tyranny and disorder .You have bled for your best friends and for unknown Iraqis. And you have borne an enormous burden for your fellow citizens, while extending a precious opportunity to the people of Iraq.)

 

ويعني فيه:

( لقد قاتلتم ضد الطغيان والفتنة والشغب. ونزفتم الدم من أجل أصدقائكم وللعراقين غير المعروفين لديكم .وتحملتم عبئا كبيرا من اجل مواطنيكم وانتم تقدمون فرصة ثمينة لشعب العراق )

 

والرئيس الأمريكي الجديد الذي رفع شعار التغيير  يعني بالتأكيد ومن خلال ماورد في كل الخطاب من إن القوات المسلحة الأمريكية غزت العراق وخاضت المراحل التالية فيه:

 

-         مرحلة القتال ضد (الطغيان).

-         مرحلة القتال ضد الفتنة الطائفية والشغب الناتج من تطبيق شعار (الفوضى الخلاقة) الذي نادوا به وإعتمدوه بعد حل الجيش العراقي وكل الأجهزة الأمنية وتدمير ونهب وزارات ودوائر ومؤسسات الدولة .

-         مرحلة إستثمار (الفوز المتحقق) وتهيئة متطلبات بناء الدولة .

-         مرحلة تسليم السلطة للعراقيين (ليغتنموا الفرصة الثمينة ) التي وفرتها لهم القوات الأمريكية.

-         والآن وبعد (إنجاز المهمة!) على الجيش الأمريكي ان يعود لأهله بعد ان تتحول مهمته من (مهمة قتالية ) الى مهمة تدريبية وإستشارية .

 

لذلك نخاطب الإدارة الأمريكية الجديدة:

 

قبل كل شيء وكما أعلنت الإدارة الأمريكية السابقة في تحديد (المهمة) فإن القوات المسلحة الأمريكية وحلفائها كانوا قد شنوا الحرب على العراق ليس بسبب وجود (طغيان وديكتاتورية في العراق).. لسبب بسيط إذا ما إبتعدنا عن مناقشة صحة ذلك ودقته من عدمه.. وهو إن الديكتاتوريات القريبة من أرض الولايات المتحدة والموجودة في آسيا وأفريقيا أسوأ بكثير من طغيان وديكتاتورية النظام في بلد مثل العراق البعيد جدا عن أمريكا..هذا البلد الذي ( حاصرتموه وعزلتموه وانهكتموه !) طيلة 13 عام متواصلة منعتم عن شعبه حليب الأطفال وأقلام الرصاص.. العراق الذي يمتاز بالتعقيد في التركيبة والمميزات والتأريخ ..هذا من ناحية ..ومن ناحية أخرى فإن الإدارة الأمريكية السابقة حددت السبب بموضوعين واضحين هما: ( حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل وصلته بالقاعدة ) ..

 

ونذكر جيدا أنه بعد أحداث 11 أيلول كانت كل الطرق مهيئة ومعبدة لذهابكم الى أفغانستان حيث كان الهدف هو القضاء على (طالبان والقاعدة والإرهاب) التي ضربت عمق الأمة الأمريكية فما كان من دعاة الحرب على العراق إلا الإسراع بإستثمار الفوز العسكري السهل هناك للضغط بإتجاه غزو العراق وتحت نفس الشعار بعد أن تم إيهام الشعب الأمريكي بأن صلة العراق بالقاعدة وحيازته لأسلحة الدمار الشامل ما هي إلا حلقة مترابطة والإطاحة بطالبان تستوجب الإطاحة بالنظام العراقي ..

 

وهكذا تم إستسهال المهمة بدون النظر الى النتائج..

ودخلتم العراق محتلين ..

وبإحتلالكم للعراق  مع من رافقكم من العراقيين أشتعلت نار الفتنة الطائفية ..

فمن الذي أشعلها ؟..ومن أججها؟..

 

لماذا لا نعترف بأن غزو العراق وتدميره وإحتلاله وتسهيل سرقة ونهب المال العام وممتلكات الدولة أمام أنظار وإشراف وتوجيه ودعم القوات الأمريكية وبتسهيلات منهم وما تبعه من قتل وإغتيال وإعتقال وملاحقة ومطاردة وقطع أرزاق هو الذي خلق (حق المقاومة الوطنية العراقية لكم ) مثلما خلق الفتنة والشغب والإرهاب ؟..

لقد جعلتم العراق منحلا للعسل ليتجمع فيه كل دبابير العالم الراغبة بتصفية حساباته معكم على حساب شعب العراق بكل أطيافه ومكوناته !..

 

وسقط من العراقيين لحد الآن أكثر من مليون ونصف قتيل ومثلهم الضعف من الجرحى والمعوقين وتقول الإحصائيات الرسمية أن هناك اليوم في العراق مليون أرملة ومليوني طفل يتيم وأربعة ملايين عراقي مهجر داخل العراق وخارجه أغلبهم من مثقفي العراق من الكفاءات والعلماء والمفكرين ..وتعج سجونكم وسجون الحكومة بمئات الآلاف من المعتقلين أغلبهم سجنوا لأسباب طائفية او بسبب وشايات كاذبة ..

 

أنتم مَن خلق هذه الفوضى ..

وواجبكم الأخلاقي يحتم عليكم معالجتها..

ولن تكون المعالجة كاملة بدون تشخيص دقيق وصادق وصحيح..

ونحن كشعب محتل من حقنا أن نقاتلكم ؟..

وما تحملناه من تضحيات ودم ..هو شرف لنا ونفخر به مثلما هو شرف للجندي الأمريكي الذي يقتل لتنفيذ أمر من قادته ..

والجندي الأمريكي لا يعرف لماذا يقاتل في العراق تاركا بلاده وأهله!..

كانت الإدارة الأمريكية السابقة تقول له :

(إنك تقاتل من أجل أمريكا!) ..

و(لكي لا يصل الإرهابيون الى أرض الوطن فنحن نقاتلهم في العراق !)..

فهل هي معركتكم ام معركة الشعب العراقي؟..

 

واليوم وبعد سبع سنوات على حملة إفغانستان وست سنوات على حملة العراق لماذا تستمر الإدارة الأمريكية الجديدة بترديد نفس المعزوفة  التي تقطعت أوتار قيثارة الإدارة القديمة في العزف عليها والتي إنتهت بإزاحتها من المسرح! ليحل محلها مَن يؤمن بالتغيير والصدق والصراحة ..

 

ومتى نسمع خطابا امريكيا يقول :

( لقد ذهبنا الى العراق بقرار خاطيء وعلينا أن نتحمل نتائج ذلك )..

ولابأس ان تقولوا بان قرار الحرب على العراق كان بسبب معلومات تفتقر للدقة والمصداقية ..

ولا بأس أن تقولوا : (إن قرار الرئيس بوش هو وليد مرحلة !)..

 

ولا نريد أن تقولوا بان الذي عملناه هو جريمة بحق العراق وإن هنالك دوافع شخصية وخارجية أرغمت الإدارة السابقة على تبني هذا النهج !..

 

أما ان نسمع إنكم جئتم للعراق لتحرروه من الطغيان ..فسؤالنا الذي يقض المضاجع هو:

ومتى سيأتي  دور الديكتاتوريات الأخرى في المنطقة وفي العالم لتقوموا بتحرير شعوبها التي تنتظركم  كما (حررتم شعب العراق)؟..

 

ولماذا نحن بالذات؟..

ولماذا توقف نزيف الدم الأمريكي من أجل (ديمقراطية الغير ) عند حدود العراق ؟..

ولماذا لم تستمروا بهذا النهج الذي يقدم فرص ثمينة للشعوب ؟..

 

إنه ببساطة إقرار منكم بأن هذا النهج كان نهجا خاطئا وإنتقاما مبالغا فيه ..كان قرارا مستعجلا مع إنه إنتظر 13 عاما بعد أحداث الثاني من آب 1990 لأن الإدارات الأمريكية السابقة  لم ترغب سماع كل الحقيقة وأصل الصراع وأسبابه ..لأنها كانت قد إتخذت  قرار الإطاحة بالنظام العراقي مسبقا وما كان من البقية إلا أن يرتبوا ويصيغوا (ويضيفوا ويحذفوا ويعظموا ويصغروا ويزيفوا) الحقائق والمعلومات لتبرير تنفيذ هذه الرغبة ..

 

حدث كل ذلك في لحظة غاب فيها المنطق ..

لأن الذي يعتمد المنطق والحق والعدالة يعرف جيدا إن ما من جريمة كاملة ..

وسيأتي اليوم الذي تعرف فيه كل الحقائق.

وأخيرا..

 

نسألكم :

هل أن الفرص التأريخية هي قدر للأمم الضعيفة ؟..أم إن على الأمم القوية أن تقوم بخلقها ؟..

هل هي هبات تنتظرها  من الآخرين ..ام تنتزع بإرادة الشعب ؟..

ومتى كان الشعب (المغلوب على أمره ) في كل التأريخ عاجزا عن الإطاحة بأعتى الطغاة؟..

ليأتي الجيش الأمريكي برجاله ونساءه عبر المحيطات لينزف دما من أجل هذا الشعب!..

وكيف يقبل الشعب بحرية تعطى له من الغير !..

اللهم إلا إذا كان شعبا محررا ..وجاءوا لإحتلاله ونهبه بحجج تتغير كل يوم!..

 

إن الفرصة الثمينة للعراقيين اليوم لا تتحقق فقط بتنفيذ الإدارة الأمريكية الجديدة لخطة الإنسحاب من أرض العراق وترك الحال على ما عليه ..بل ستكون قيمة هذه الفرصة في تهيئة الوسائل الوطنية المخلصة من أجل أن يكون العراق بلدا حرا عزيزا مقتدرا ليصبح بحق قوة إقتصادية وتأريخية وحضارية وثقافية ..وهذا لن يكون إلا بوجود قيادة مؤمنة بمشروع وطني حقيقي متجانس ومتوازن بعيد عن الطائفية والعنصرية والفئوية وأساليب الحقد والإنتقام والإقصاء والتهميش لتمكين العراق من أن يكون قدرة مؤثرة إيجابية في المنطقة والعالم بما يمثله من عامل توازن إقليمي ودولي مهم ..

 

وهذا لن يحدث بدون حفظ سيادة العراق كاملة ..وسيكون للإدارة الأمريكية الجديدة المؤمنة بالتغيير دور فعال إن إرادت ذلك تعويضا عن الفعل الظالم والتعسفي الذي تعرض له العراق شعبا وأرضا ودولة وإعادة الإعتبار لكل الوطنيين المخلصين المؤهلين لتبني الدور القادم في بناء العراق الحر الديمقراطي المستقل.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

السبت / ١٧ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / أذار / ٢٠٠٩ م