الإنسحاب الأمريكي من العراق .. مرة أخرى .. المهمة تتغير !..

 

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

(الشعارات تُترجَم بالأفعال .. )

 

قال الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما في خطابه يوم 27 شباط 2009 الذي حدد فيه خطوات إنسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق إنه :

 

( After we remove our combat brigades, our mission will change from combat to supporting the Iraqi government and its Security Forces as they take the absolute lead in securing their country ).

 

( بعد سحب ألويتنا المقاتلة سيتغير هدفنا الى دعم الحكومة العراقية وقواتها الأمنية حيث تأخذ زمام القيادة في تامين أمن العراق ).

 

و قال أيضا :

( As we responsibly remove our combat brigades, we will pursue the second part of our strategy: sustained diplomacy on behalf of a more peaceful and prosperous Iraq ).

 

(خلال القيام بعملية إنسحاب مسؤول للألوية المقاتلة سيتم التركيز على المرحلة الثانية من إستراتيجيتنا وهي : إدامة الجهود الدبلوماسية لصالح تحقيق مزيد من السلام والرخاء في العراق. )..

 

وقوله:

(The long-term success of the Iraqi nation will depend upon decisions made by Iraq’s leaders and the fortitude of the Iraqi people).

 

) وإن نجاح الامة العراقية على المدى الطويل يتوقف على القرارات التي يتخذها قادة العراق وعلى مثابرة وصمود الشعب العراقي).

 

ومن الواضح أيضا ومن المسلم به أنه سيكون لزاما على الإدارة الأمريكية الجديدة ووفق ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي  بالإستمرار بإدامة الجهود الديبلوماسية والسياسية من أجل تحقيق السلم والرخاء في العراق ..

لأن هذه الجهود الديبلوماسية ستضيف دعما (لما قامت به الحكومة من إجراءات عملية ) لتحقيق هدف بناء العراق الجديد.

 

ولذلك نرى إن الرئيس الأمريكي الجديد يوضّح أنه بموجب هذا الدعم الأمريكي والتبني الصريح لدعم الحكومة العراقية وحث الدول كافة على التعاون معها لتحقيق الدولة المرفهة والمستقرة والآمنة لتكون عامل توازن مهم إقليميا ودوليا سيحتّم  على (القادة العراقيين ) إتخاذ القرارات والإجراءات التي من شأنها إستثمار كل هذا الدعم لتحقيق هذا الهدف ..

 

(وسيكون من واجب الشعب العراقي) أن يعمل بجد وحيوية وصبر للمضي في هذا الطريق الشاق لإنقاذ العراق ..

هي إذا حلقات مترابطة ..ولا يمكن فصل حلقة عن أخرى..ومعالجة موضوع وترك آخر ..

 

وهنالك العديد من الحقائق الواجب الإشارة إليها  للتذكير بهذا الترابط وهي :

 

لم يطلب أحد من الإدارة الأمريكية الجديدة عندما تبدأ بسحب قواتها المقاتلة أو قبلها أو بعد إتمام عملية الإنسحاب بأن (لا تدعم الحكومة العراقية) وقواتها الأمنية لكي تتمكن من إستلام الملف الأمني والإداري وتنفذ برنامجها السياسي !..

لأن ذلك الدعم ببساطة هو جزء من الإستراتيجية الأمريكية التي جاءت بهم الى الأرض العراقية ..

 

وعملية الدعم تمثل أحد أهم ركائز (تبرير الوجود الأمريكي)و(بداية الحرب وإستمرارها)..وصولا الى (الإعلان عن إنجاز المهمة)!..

 

ومواصلة دعم الولايات المتحدة للحكومة كان وسيكون لإنجاز هدف محدد (معلن او مخفي)!..

والهدف المعلن اليوم هو الوصول بالعراق الى أن يكون بلدا مستقرا وآمنا ومرفها وعامل توازن مهم ومؤثر في الساحة الأقليمية والدولية وحليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة ..

 

فهذا هو محور الإستراتيجية العسكرية والسياسية الأمريكية اليوم بعد أن (وجدت نفسها ) بفعل الإدارة السابقة وقراراها المتسرع والغير مدروس بشن الحرب على العراق وتدميره (مرغمة) على تسلم مسؤولية معالجة (حالة معقدة وتدميرية وفوضوية)..وجرى تسلم المسؤولية وسط معركة محتدمة في أرض بعيدة لم تكن طرف في إشعال نارها..وللحقيقة نقول ..

 

إن ظروف إستلام الإدارة الجديدة لملف العراق من الإدارة المنصرفة كان في أدق وأصعب صفحاتها بحيث تمت مراسيم الإستلام داخل جو المعركة بين قواتها العسكرية والمقاومة العراقية على أرض العراق من جهة وبين مكوناتها السياسية والديبلوماسية والإقتصادية والتحديات العالمية والداخلية والرأي العام الأمريكي والعالمي من جهة أخرى !..

 

لذلك وللظروف المعقدة التي رافقت هذه الحالة فليس من المعقول أن (تتخلى) الإدارة الأمريكية الجديدةعن إلتزامات الإدارة الأمريكية القديمة بهذه السرعة وفي مكان مثل العراق!..

 

ووجدت الإدارة الأمريكية الجديدة إن واجبها الأخلاقي يحتم عليها التعامل مع حالتين متناقضتين في هذه المعركة:

الأولى: هي حالة الإلتزام الأخلاقي لإحتواء ما إتخذته الإدارة المنصرفة من قرارات أوصلت الحال الى ما هو عليه الآن .

 

الثانية: وهي حالة الإلتزام الأخلاقي لضرورة (التغيير الحتمي ) ومعالجة آثار الحالة الأولى.  

 

وبالمناسبة ..

 

(لن ينتقد) الحكومة العراقية أحد عندما تستغل فعلا هذا الدعم الأمريكي للقيام بعمليات إعادة الإعمار وبناء ما تهدم خلال الست سنوات من الإحتلال.. إلا إذا إستغلت الحكومة الحالية الدعم الأمريكي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الجديد لتثبيت موقعها فقط والإيغال بإبعاد وإقصاء ورفض الآخرين من معارضيها و حلفائها .

 

و(لن يعترض) أحد على الدولة الحالية عندما تتخذ الإجراءات الفاعلة لبسط سيادة القانون وهيبة الدولة ومؤسساتها على كل الكيانات والميليشيات والجماعات وتسحب الأسلحة من كل هذه الكيانات وأن تجعل السلاح فقط بيد الدولة .. اما إذا تعاملت الحكومة بإنتقائية في تطبيق القانون وإستهدفت حزبا او جهة دون غيرها وتستخدم سيادة القانون لتكريس سياسة الحقد والإنتقام على جهات محددة ووضع التشريعات التي تتيح لها ذلك فسوف تلاقي إعتراضا كبيرا ذو أشكال متعددة من التعبير.

 

و(سيشد الجميع) على يد الحكومة العراقية التي تحضى وستحضى بالمزيد من الدعم الأمريكي إن هي أصدرت القرارات ونفذتها بخصوص منع التدخلات الخارجية وخاصة إيران للعبث بأمن العراق وتصدير الموت لشعبه وإغتيال مواطنيه وبموجب قوائم تتضمن معلومات قديمة وحديثة عن كل ضابط ومثقف وعالم ..

 

و(سيشد الشعب على يد الحكومة) إن هي طبّقت القوانين بدون إنتقائية زمنية أو مكانية او سياسية .. إلا إذا قررت الحكومة (غض النظر) عن الجرائم التي أرتكبت من 9 نيسان 2003 ولا زالت لحد الآن بحق العراقيين بحجج كثيرة منها مواقفهم من الحرب العراقية الإيرانية أو كونهم كانوا يمثلون جزء من النظام السابق أو لأنهم طيارين قاموا بقصف إيران ومنتسبين في أجهزة الدولة قبل آذار 2003 وغيرها من التصفيات والإغتيالات والإعتقالات وحرمان الحقوق وتركيز إهتماماتها على ما أشيع من جرائم للفترة من 17 تموز 1968 الى 9 نيسان 2003 ما هو إلا إنتقائية لا تعبر عن عدم  إحترام للحق العراقي  وتجزئته ليصبح الإقرار بالحق ورفض الباطل كيفيا وإختياريا.

وإذا قامت الحكومة بمساواة (القتلة في كل زمان ومكان ) وأقامت عليهم الحد بمهنية ووفق القانون فسيقف الشعب الى جانبها ..

 

و(سيقف مع الحكومة الجميع) إن هي لاحقت هؤلاء القتلة وتابعت شبكاتهم وإقتصت منهم وأعادت الحق الإعتباري والمادي لمن سلبت منه الحياة والحرية والممتلكات..أما إذا حمتهم ورعتهم وأكرمتهم وأشادت بأفعالهم بدون حساب فستجد هذه الحكومة نفسها وحيدة ويحيط بها هؤلاء القتلة والمزورين والسراق فقط.

 

(وإذا أشاعت) الحكومة الأمن والإستقرار والعدل والمساواة (ونجحت) في نشر ثقافة التسامح ونبذ ثقافة الحقد والإنتقام وحاسبت بشدة من يخرج عن ذلك في كل أنحاء العراق ومدنه وقراه ..(وأصدرت) قوانين وتعليمات الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين (وألغت) المحاكمات التي جرت بحق الوطنيين العراقيين وأعادت لهم حقوقهم وإعتبارهم!..

 

و(إذا إعترفت) بالمقاومة العراقية ممثلا شرعيا للشعب (وألغت) القوانين الجائرة بحق ملايين العراقيين و(أعادت) الجيش العراقي الأصيل ومؤسسات الدولة المنحلة و(أعادت النظر) بجدية بكل العملية السياسية بهدف إشراك الجميع فيها بدون إستثناء أو تمييز أو إقصاء..

 

فسوف (لن تجد هذه الحكومة من يقف ضدها) من كل التيارات الوطنية المحبة للعراق. أما إذا بقيت هذه الحكومة ومؤسساتها جزءا من ثقافة الحقد والإنتقام والإقصاء والملاحقة والإيغال في نبذ التسامح والمصالحة وعدم إعادة الإعتبار لأصحاب الحق والمطالبين به وإستمرت بحملات الإعتقال والإجراءات التعسفية الإنتقائية وعدم الإعتراف بالمقاومة الوطنية وعدم إعادة الجيش العراقي الأصيل ومؤسسات الدولة المنحلة وأبقت على ركائز العملية السياسية الحالية كما هي..

 

فسوف تبقى الحكومة ومؤسساتها وأشخاصها لوحدهم في الميدان..

 

ولو كانت الحكومة العراقية جادة في في بناء نظام ديمقراطي يحترم إرادة وإختيار المواطن فكرا وتحليلا ومواقف وتطبيق مصالحة حقيقية لا تستثني أحدا ولا تستبعد كيانا ولا تقصي حزبا أو تيارا بحيث يكون شعار الجهات المشاركة في هذه المصالحة هو التنازل من أجل رفع مصلحة العراق ..فسيكون الطريق نحو العراق الآمن المستقر المرفه (معبدا وجاهزا) ..

 

ولكن عندما يَشترط الممسك بزمام السلطة شروطا مجحفة بحق مَن يريد التصالح معهم ومن ضمنها التخلي عن الفكر والمعتقد وذم المرحلة التي كانوا فيها فهم بهذه الإجراءات لا يريدون طرفا مفاوضا بل طرفا مستسلما ..والمستسلم ليس لديه مادة يناقشها مع المنتصر ..وهذا سيسحب العراق الى نفق أكثر ألما وظلمة من نفق المشكلة الحالية ..

عندها سوف لن يشكل الدعم الأمريكي للحكومة وقواتها الأمنية أي إضافة نوعية وكمية بقدر عدم تشكيله أي أهمية للطرف المقابل!..

 

لذلك نرى إن من واجبنا الإشارة الى أنه:

 

على الحكومة الحالية أن تعرف بأن الدعم الأمريكي مشروط بالنتيجة!..

 

وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة أن تعرف أنه بعدم قيام الحكومة العراقية بما يستوجب عليها من أفعال فسينحرف مجرى  (نهر الدعم الأمريكي ) عن مساره ..

 

وسيقوم هذا الدعم (الهادر ) بإغراق المدن والنواحي والقصبات العراقية ..بدلا من إرواء الأراضي القاحلة والجرداء وإحياءها!..

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٠٦ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / نـيســان / ٢٠٠٩ م