المشروع العراقي وخيارات الآخرين

 

 

شبكة المنصور

كامل المحمود

بغياب قادة تأريخين ..لا قيمة للفرصة التأريخية..


أيام قليلة تفصلنا عن بداية سنة سادسة من نتائج الفوضى الخلاقة التي إبتدعتها سياسة الصقور في الإدارة الأمريكية السابقة في غزوها للعراق وإحتلاله وتدميره ..هذه السياسة التي إستندت على أكاذيب وخداع بحبال لم تصمد أيام أمام الوعي المتزايد للشعوب والأمم في عصر تداول المعلومات السريع وحريات التعبير التي تتناقلها وسائل الإعلام وشبكات الإنترنيت ..مما جعل أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية تعترف صراحة بذلك التضليل وما تبعه من تداعيات سياسية ألحقت أضرار بالغة بمصداقية الولايات المتحدة وعززت من قوة المعسكر الرافض لهذه السياسة وحجته سيما وإن البديل الذي عرض للعراقيين كحالة للحكم ونموذج للديمقراطية وحفظ لحق المواطن لم يكن في أي من صوره وممارساته بديلا مقنعا رغم الفرصة التأريخية ووسائل القوة والسلطة والتهديد والترغيب الذي إستخدمته هذه البدائل منذ تأسيس مجلس الحكم وتعاقب الحكومات ولحد الآن .


ونتيجة لهذه الحالة ووسط جو الإحتلال الذي لم يكن يعرف شيئا عن طبيعة وفهم وتصرف ورد فعل العراقيين وإستغلال النموذج البديل للسلطة السيء لعناصر القوة والبطش في الإنتقام المفرط والمغالاة في الإقصاء والإجتثاث والتهميش والملاحقة والمتابعة والتهجير وفسح المجال لنمو ميليشيات خارجة عن القانون الذي وضعوه لتبدأ صفحة جديدة من الإغتيالات والقتل والإعتقالات العشوائية التي إعتمدت على قوائم بأسماء مسؤولي وضباط وكوادر وكفاءات وشخصيات كانت مرتبطة بالنظام العراقي الذي كان سائدا قبل 9 نيسان 2003 أو محسوبة عليه بدون وجه حق أو قانون وتحت مظلة الإحتلال ورعايته..فقد ظهرت موجة قوية من الرفض الشعبي الواسع التي تناغمت مع الشعور الوطني برفض الإحتلال وكل ما نتج عنه ..


وفي المقابل ولّد هذا التوجه الحكومي والحزبي للسلطة لدى ممثليها نزعة إنتقامية ذات طابع بدأ بشعار بعيد عن المنطق وهو إجتثاث النظام وحزب البعث لينتهي بشعارات طائفية وعنصرية وحزبية ضيقة طالت حتى المتحالفين معهم في السلطة ..


لقد طغت في البداية ملامح صراع سياسي بين جهتين ..حيث كانت الجهة الأولى هي النظام السابق وأجهزته ومؤسسلته وحزب البعث ومؤيديه وأصدقائه الذين يحملون شعارات الشرعية ومحاربة المحتل الغازي ومن جاء معه راكبا على دباباته ومنفذا لمنهجه وتوجيهاته.. والجهة الثانية هي نظام جديد يحمل شعارات ( الديمقراطية ) وإحلال الحق وحفظ القانون وتوزيع الثروات الوطنية بعدالة وإنهاء الديكتاتورية والفردية والظلم والتعسف والإضطهاد التأريخي السياسي والديني والمذهبي ..


وبمرور الزمن إزدادت إمدادات المعسكر الأول بقوة الحجة والتصرف والهدف..وتراجعت حجة المعسكر الثاني الذي تحول تدريجيا لتنفيذ سياسات أشد وأعنف واكثر تطرفا من تلك التي كان يتهم فيها النظام السابق .


فبدلا من إشاعة ( الديمقراطية ) ترسخت ظواهر الإقصاء والتهميش وقتل وإسكات وغتهام وتلفيق التهم للمعارضين ..ولم يعد للقانون رجال بل أصبحت الميليشيات والحزاب الحاكمة فوق السلطة والقانون والتشريعات ..


وبدلا من تطبيق شعاراتهم بتوزيع الثروات الوطنية تقاتلوا فيما بينهم عليها !..
وبدعوى إسقاط الديكتاتورية لمس الشعب ديكتاتوريات الدين والطائفة والعائلة والقرابة !..
وشاعت في العراق مظاهر غير معروفة وغير مسبوقة طالت حتى جثث المفقودين في ثلاجات الطب العدلي ..وتعود العراقيون ان لا يكرموا الميت وأصبحوا يؤثرون عدم دفنه!..
وأصبح القتل الحكومي على الإسم !..


وتدريجيا تحول الصراع هذا الى عدة صراعات وبشعارات جديدة منها ما هو طائفي تماما ..ومنها ماهو قومي ..ومنها صراع بين حاكم يمتلك السلطة والمال وبين محكوم يفتقر الى أبسط الخدمات والحقوق وهو يتزاحم مع الاخرين لينقل تدريجيا شكل الصراع الطائفي والعنصري الى محيطه الذي يعاني من تخلف مطبق في كل مناحي الحياة بحجة إستغلال ( الديمقراطية ) التي إنتشرت في العراق بدون ضوابط وحدود..


ووسط هذه الأجواء إنقسم الشعب العراقي الى تيارات كثيرة منهم من إستمر بدعم وتأييد البعث والنظام السابق أو تعاطف معهما وحمل سلاح المقاومة الوطنية التي تعتبرها كل القوانين حقا مشروعا للشعوب في مقاومة المحتل ومن ينفذ مهمته ومشروعه..


ومنهم من إنخرط في مقاومة إسلامية بفعل الشعارات التي تجعل من مقاومة الإحتلال ليس حقا وواجبا وطنيا بل واجبا دينيا والذي سرعان ما تحول الى عمليات مسلحة إستهدفت المدنيين والأبرياء وتحولت تدريجيا لتكفير الطائفة الأخرى ولتساهم في تاجيج الحرب الطائفية والأهلية..حتى إنقلب المتهم كحاضن على المحضون وتشكلت قوات الصحوة التي بدأت بمحاربة القاعدة وإنتهت بأخذ الرواتب من الحكومة والمحتل.


والبعض ونتيجة لظرف الإحتلال وإغراء السلطة تحول الى كفة الطائفة وتحول الى قلب الصراع سياسيا وعقائديا وإعلاميا.. والبعض الآخر توجه بكل ثقله للعشيرة التي شعر بانها خيمة أكثر ضمانا له وحماية.. والبعض من العراقيين أيضا وبحكم الحاجة أصبح جزءا من منهج الدولة ومنظوماتها ..وجرت كل هذه الصراعات والقناعات بوجود المحتل بقواته وتدخله ومسؤوليته .


وعندما شعرت هذه التيارات المتصارعة بان الغاية الأساسية لكل هذه المتناقضات هو الشعب تحولت الى إصطفافات جديدة ولدت منها معسكرات تضم نفس التيارات ولكن بتسميات وشعارات جديدة ..فولد إئتلاف للقوى والتيارات والأحزاب الطائفية لكلا الطرفين ..وتولدت جبهات متعددة للمقاومة العراقية وتنتهج طريق السلاح للتحرير وهي تحمل منهجا واضحا ومحددا.


وفي المقابل وجد البعض نفسه يقف بين مفترق الطريق بين أن يختار طريق المقاومة ورفض العملية السياسية وبين ان ينخرط بها ..
 

فتشكلت جهات برؤية مشتركة تحمل في منهجها سياسة تتبنى خطا مستقلا وشاملا ينادي بتحرير العراق ويرفض سياسة التهميش والإقصاء والإستبعاد لأي طرف مهما كان ويؤمن بوسائل التغيير النزيهة وتحت مراقبة دولية شديدة للوصول الى حكومة وطنية بعيدة عن الطائفية والعنصرية والمحاصصة ويتعامل بشكل واقعي مع حالة الإحتلال للوصول الى حل يخدم الشعب العراقي ويؤمن إستقلاله وحريته وإزدهاره ..


وفي ظرف الإعلان الأمريكي عن بداية إنسحاب القوات الأمريكية من العراق الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الجديد أوباما يوم 27 شباط 2009 وبضوء التعهدات الأمريكية الجديدة التي إعترفت صراحة بان هذه الحرب كانت طويلة ومكلفة وقد حان الوقت لسحب القوات من العراق وتركه لشعبه ولحكومة وقوات مسلحة غير طائفية وضرورة عودة اللاجئين العراقيين للعراق لأنهم جزء مهم من عراق آمن ومستقر .. إزدادت أهمية ودور هذا التيار .


ومن الطبيعي ان يؤيد هذا التيار من يؤمن بالوطنية العراقية ولكنه يحمل ملاحظات على مساره ومنهجه وبعض هذه الملاحظات جوهرية ..


وأيضا هناك من يحارب هذا التيار ..ليس لإختلافه معه في المباديء ولكن خوفا من فقدانه لكل مكاسبه التي ربحها في معارك جانبية بعيدة عن الميدان..


فهل ينتظر العراقيون مشروعا وطنيا حقيقيا يجمع تحت مظلته المقاوم والرافض والمعارض والعاقل والمحب للعراق ..مشروع لا يتنازل عن ثوابت العراق الأساسية وتتوفر فيه كل عوامل القوة في الميدان والسياسة ..مشروع يحوي كل الأهداف الوطنية للعراقيين ويتعامل مع الواقع العراقي بوطنية الولاء والإنتماء والتضحية للعراق ..ويتصدى لكل خيارات الآخرين التي نمت وتوسعت على حساب آلام ودموع ودم العراقيين ؟!..


وللحديث بقية ...

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٠٧ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / أذار / ٢٠٠٩ م