المقاومة حقيقة مطلقة ... والباقي زبد يذهب

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

صار جليا مشهد ما بعد حقبة اجرام بوش والصقور الصهاينة. اوباما وطاقمه يجتهدون في البحث عن مسارات الهرب من العراق كوسيلة وحيدة لاخراج اميركا من مأزقها المدمر. والاحتمال الارجح الآن، ان اوباما يلعب بالالفاظ والمسميات للتغطية على كلمة الهروب التي تؤرق دهاقنة الماكنة الامبريالية الصهيونية وتلطخ تاريخ اميركا كله بعار ووحل العدوانية والظلامية الغاشمة والاستخدام العدواني للقوة العسكرية في غير مكانها وزمانها. فاوباما يدرك بعمق مهما حاول التستر على ان الهروب من العراق هو الحل الذي قد يبقي اميركا كدولة موحدة ويبعد عنها فجيعة التفتت المناظر لتفتت المنظومة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق  بما يحمله من دلالات تؤشر ان النظام الفيدرالي هو ارتباط عنكبوتي لا يقوى على مجابهة التحديات كما تقدر على مواجهتها الدولة المركزية والتي قدمت الصين العملاقة نموذجها الامثل. وان عدم الخروج لن يضر سوى امريكا. غير ان الهرب الاوبامي لا يعني ترك العراق وثرواته المختلفة ومنها ثروة الموقع الجيوبولوتيكي.

 

الميزة المتفردة للمقاومة العراقية هي انها امتداد طبيعي وابن بار لدولة العراق الوطنية التي اغتالها الغزو والاحتلال المجرم، ولهذه الميزة معاني لا يجوز عبورها في اية عملية حساب لواقع العراق قبل وبعد الغزو. فالعمر الزمني للمقاومة غير منقطع على الاطلاق بين المرحلتين ولم ينتظر العراقيون ولا اسبوع واحد للاحتلال كي يمسك الارض وتنبثق المقاومة بعد حين، بل ان عينة من رجال العراق الغيارى من الجيش والحرس والقوات الخاصة والقوى الامنية والحزب وفدائيو صدام مضافا لهم رجال الاسلام والعروبة الذين شاركوا ببطولة وشجاعة عصية على الوصف قد تجمعوا جميعا في معركة رمزية قادها الشهيد الخالد باذن الله صدام حسين في مدينة الاعظمية البطلة يوم 11- 4 - 2003  قبل ان ينسحب الى اوكار البطولة وشرف الانتماء وصدق الوعد متحركا من اقصى العراق الى اقصاه يوزع الادوار ويضع الخطط ويقود العمليات الجسورة التي اربكت الغزاة واجبرتهم على اعادة حساباتهم غير ذي مرة. ويمكننا الجزم ان المقاومة التي تواصلت مع عمليات الصد البطولية التاريخية في معركة الحواسم الخالدة قد جعلت اميركا وقادتها وعملاءها يترنحون امام هول المفاجئة التي حسبوا لكل شئ حساب الا اياها.

 

الهرب من العراق ليس خيار اوباما ولا قوى اللوبي الضاغطة ... انه خيار بوش قبله الذي تأطر كذبا وزورا بما سمي بالمعاهدة الامنية التي كانت زبدة فحواها ان يستمر الاحتلال السياسيى والاقتصادي دون خسائر بشرية او مادية لاميركا لم يعد لها قدرة على تحملها. ومن هنا انطلق اوباما في معالجته ... تحقيق اغراض وغايات واهداف الاحتلال عن طريق تحميل الحكومة المنصبة من الاحتلال تكاليف انجازها, الامر الذي يعني ان تقوم هذه الحكومة بمقاتلة العراقيين المقاوميين، والامريكان يقدمون المشورة والاسناد. وهنا يكون لحكومة الاحتلال دور تمثيلي وواجهة تفضي الى حق موروث عن الاحتلال ومكتسب بالعمالة يمنحنا حقا مقابلا ان نعامل هذه الحكومة وكل مكوناتها المعروفة على انها ليست مكونات عراقية كما يستميت الاعلام ولاعبوا الاوراق السياسية ان يزكوها، بل هي مكون جوهري من مكونات الاحتلال وسترحل معه. اطراف العملية السياسية الاحتلالية هم اداة اميركا في تحويل العراق الى بقرة حلوب وهم الحالبون واميركا تشرب. وميزة المجموعات الحاكمة المعروفة بعرقيتها وطائفيتها تسقط عنها الهوية الوطنية لانها في واقع الحال ستكون اداة تفتيت العراق وتقويض وجوده كدولة عربية مسلمة موحدة بل انها عمليا قد فتتت العراق ومزقت قوامه الاجتماعي المتجانس.

 

اذن .. المقاومة العراقية امام واجب مزدوج هو انهاك الاحتلال وارغامه على المغادرة وباسرع وقت ممكن وطرد وتقويض كل ما انجبه الاحتلال دون الالتفات الى قرارات اميركا لانها تكتيكات لا تعنيننا ولان ما انجبته اميركا هو جزء من مشروعها الاحتلالي ولا صلة له بالعراق كوطن ووطنية. ان المعادلة العراقية برمتها يحكمها طرفين فحسب هما المقاومة الباسلة من جهة والاحتلال واعوانه وتفريخاته من جهة ثانية. ومن البديهي ان تصطرع الارادتين لتحقيق اختراقين هما الاختراق السياسي والاختراق الشعبي لتكوين وتوسيع الحاضنه الشعبية. الاحتلال وحكومته يستخدمون كل الوسائل لتحقيق الانتقال السلس من استراتيجية التحكم العسكري والاشراف الاداري المباشر الى سياسة التسيير بالرموت كونترول ومعايير الولاء التام لاهداف الاحتلال وما يتطلبه ذلك من تحريك ماكنة اعلامية غذاءها ومركبات حراكها التضليل والتلاعب بالالفاظ والمفردات وخاصة في ما يصطلح عليه جزافا مصطلح المصالحة الوطنية التي هي في حقيقتها اعلان الطرف المتصالح بقبول الاحتلال وكل تفريخاته وانبطاح للامر الواقع الذي يعول عليه مشغلوا فكرة المصالحة. الاحتلال يهدف من تشغيل هذه الماكنة تثبيت اركان الحلب المستديم للبقرة وللحالوب مقابل حماية الحالوب كحاكم شكلي لحكم شكلي ولبلد تصطرع في كيانه كل علامات الوهن والهشاشة وممكنات الانفجار اللحظوي.

 

وبالمقابل تقف المقاومة العراقية بامكانات مناورة بسيطة غير انها عبقرية وقدرات مادية متواضعة، غير انها مؤمنه وبوسائط لا ترتقي باي حال من الاحوال الى تقنيات التجسس والمراقبة والملاحقة والكشف المتقدمة غير انها ترتكز على جغرافية واسعة وامتداد شعب هائل ومبادئ ايمان تصهر الحديد وقدرات قيادية ميدانية ذات خبرات تكتيكية واستراتيجية فذة. والمقاومة تشتغل على توسيع دوائر التنافذ والانتشار الشعبي وهي قادرة على ذلك بيسر وسهولة منظورة لان دوائر القناعة بالفعل المقاوم تتسع يوما بعد يوم لعوامل عديدة موضوعية وذاتية اهمها الاخفاق المريع للاحتلال وعملاءه في تشكيل ولو غرفة واحدة من مؤسسات الدولة التي تبجحوا بكونها بديل عن عراق عمره 8 آلاف عام. ويعلو صوتها الاعلامي منتقلا من مركز دائرة نصف قطرها محدود قبل خمس سنوات الى دائرة يصعب قياس نصف قطرها الآن لعظمته وعظمة الممكنات القادمة او المتاحة امامه، الآن بعد ان بدأ التهاوي والانحدار الكبير والاستهلاك التام او شبه التام لمرتكزات عوامل البدء المرتبطة بكذب وتدليس وتهريج تآكل حبلها وانفرطت الكثير من حلقات الترابط بينها. ومحصلة القول هنا ان كل معطيات الواقع وبوصلته تنحرف بقوة متعاظمة لصالح المقاومة البطلة فقدراتها ومقومات الانتشار والتنافذ في طيات المجتمع العراقي يقابلها انحسار لن تقوى حناجر الصراخ الاعلامي على كثرتها من اخفاءه لدائرة التاثير الذي هو اصلا تاثير طارئ للقادمين تجرهم عربات الاحتلال وراءها واحزابهم وميليشياتهم. ان من الواضح ان الاحتلال واعوانه يدركون بجدية بالغة ان اهم قطارات عمليتهم السياسية المزيفة والعليلة وهي الانتخابات لا تجري اشرعتها الممزقة كما يشتهون!!. وان النفس العراقي الوطني المتوحد منذ الازل وبعوامل تداخل عضوية مع روح المقاومة البطلة قد وضع كل تفريخات وافرازات وتوجهات الاحتلال وعملاءه في خوانق ضيقة وان الشعب العراقي يحث السير بخطى وئيدة باتجاه قبر كل ما خطط له الاحتلال واذنابه، ولا يمكن لاي مراقب ان يعزل خط سير الفعل الشعبي عن اتساع دائرة العمل الجهادي المقاوم وتجذره افقيا وعموديا، الاّ اذا كان مغرضا وصاحب قصد احتلالي بغيض ومريض.

 

المؤكد ان اميركا واعوانها قد ايقنوا هذه الحقيقة وايقنوا معها ان الشعب الاصيل لا يخرج عن خط سير الاصالة حتى لو وهنت او قصرت رؤى البعض منه لزمن معين. وان مغادرة اميركا وعملاءها لاسلوب القتل العشوائي لابناء العراق لم ياتي حبا بعيون العراقيين بل لتحقيق غايات سياسية _ مخابراتية اريد لها ان تفسَّر على انها وهن في المقاومة وتقليص لعملياتها وهذه كذبة كبرى يراد منها ايضا ايهام المزيد من الناس ان المقاومة هي التي تمارس القتل الاجرامي العشوائي لشقوق القاعدة الامريكية والايرانية وفرق الموت ومجاميع القتل المليشياوية, غير ان شعبنا عموما ما عاد يستسيغ ولا يسمع هذه الاسطوانة المشروخة.

 

ان عملية التركيز الاعلامي المتزامن مع استراتيجية الادارة الجديدة في البيت الابيض قد اخذت وجهين اساسيين :

 

الاول: محاولة اظهار المالكي على انه قائد وطني خرج من بين ظهراني حزب الدعوة الطائفي بقدرة قادر ليقود حملة اعادة الحياة الى جعجعة المصالحة المتواصلة من سنوات غير ان كل ما تم الحصول عليه منها للعراقيين هو ادخال الحلفاء القدامى للمالكي واعوانه الى دائرة التوافق مع الاحتلال وخطوط العمالة له.

 

الثاني: محاولة الترويج لفكرة الانسحاب الامريكي ( المسؤول ) وهو ما يقصد به ما اشرنا له اعلاه توطين الاحتلال من خلال توطين العملية السياسية له تحت قيادات عرقية طائفية هي عنوان العراق الجديد الجالس على براكين الحرب الاهلية والتفتيت الفيدرالي.

 

طبعا كلا العاملين يتداخلان بهدف ذو شقين احدهما منظور والاخر مطمور وهو هدف زيادة التعتيم على الفعل الجهادي المقاوم الجسور الذي لم يتوقف للحظة واحدة بل ومحاولة تغييبه كعامل حاسم في اعادة ترميم العراق ليرجع عراقا موحدا عربيا  بالتحرير الناجز وطرد الاحتلالات وادواتها المجرمة.

 

التعتيم والتغييب للمقاومة .. مجرد امنيات احتلالية وعميلة ... فالمقاومة قصمت ظهر اميركا وما زالت تبعثر جسدها المتهالك في العراق. الهبوط والصعود في احصاءات العمليات الجهادية مرتبط بتكتيكات واستراتيج المقاومة .... وهنا نعود الى بدء .. فلقد كان بالامكان ان يكون ميلاد المقاومة العراقية لم يعلن بعد، فكل شعوب العالم التي احتلت بدات المقاومة بعد سنوات .. وعليه نقول ان مقاومتنا الجسور قد ولدت مبكرا وان ولادات جديدة عملاقة من احضان شعبنا تضاف لها الآن حتى لو اجتهد البعض غير ذلك فليس لهم سوى الخذلان فالمقاومة هي الحقيقة الوحيدة والباقي كله زبد.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٣٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / أذار / ٢٠٠٩ م