انتخابات واضطرابات
توزيع المحافظات بعد توزيع الوزارات

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

من بين السمات الفارقة للعملية السياسية الاحتلالية في العراق، هي توزيع الحقائب الوزارية على الكيانات السياسية العرقية والطائفية والليبرالية المتعاونة والحاكمة تحت حماية الاحتلال. وان لم تكفي الحقائب فلا مشكلة في استحداث وزارة او وزارات جديدة. ومعروف ان هذا التوزيع الذي شهدته حكومات الاحتلال الاربعة كانت واحدة من اهم حيثيات ومسالك الفساد المالي والاداري الذي عصف بثروات الشعب وبالخدمات الروتينية التي تقدمها كل حكومات العالم لشعوبها, وبغلق الوزارة كحصة دكانية للحزب او المليشيا الممنوحة لها ولاعضاءها ولاغراض كسب وضم عناصر من الشعب للجهة المالكة للوزارة في اغرب ممارسة حكومية يشهدها تاريخ الدول.


ويسجل لانتخابات مجالس المحافظات الاخيرة التي طبلت لها مئات الاجهزة الاعلامية ومؤسسات (دولية حكومية ومدنية) انها انتقلت بالعملية السياسية الامريكية الى مستوى جديد من مستويات تدمير العراق وانهاء وجوده المادي والاعتباري، حيث يلاحظ من النتائج الاولية المعلنة وتلك التي سبقتها من تسريبات المراكز الانتخابية وتلك التي ينتظر العالم كله اعلان نتائجها النهائية (ربما بعد ان تمنح عملية التوزيع التوازن المطلوب)، ان محافظات العراق قد تم توزيعها بين الاحزاب الحاكمة المتنفذة. كركوك معلقة, حصة الاسد لحزب المالكي الذي لم يمض على انشاءه كانشقاق من الدعوة الاسلامية سوى فترة وجيزة, محافظتين للمجلس وتفرعاته, محافظة او اثنين للاسلامي ومثلها ربما لصالح المطلك وتحالفاته المعروفة, ثلاث محافظات للاحزاب الكردية وما سيتبعها من ممكنات نتائج اللعبة العرقية ... وستكون هناك اقضية ونواحي لعلاوي والفضيلة والجعفري كدكاكين أصغر .. وهكذا .


وتأسيسا على النتائج الاولية بدات الاحزاب والمليشيات تمارس اوراق ضغطها المعهودة قبل اعلان النتائج النهائية وهي:
1- اضطرابات سياسية عجيبة وغريبة معبر عنها باضطراب حركة (التحالفات) واغرب غرائبها ان يتجه العلماني الليبرالي والبعثي السابق والذي اجتث المجلس الاعلى وبدر عددا من رؤوسه في الانتخابات البرلمانية السابقة، اياد علاوي الى مكتب السيد السستاني ومنه الى مكتب الحكيم او بالعكس لا ضير ويعلن عن اتجاه للتحالف مع هذا الطرف الذي قيل بانه قد خسر هيبته واستعلائه اللاهوتي في هذه الانتخابات. ونسمع الآن ايضا عن صعود علاوي الى واجهة التحالفات الحوتية والفيلية مع الاكراد والاسلامي لتتكون القوة المطلوبة للاطاحة بالمالكي.


2- بروز ممهدات الاصطدام بين تحالف المالكي _ الصدريين الخارجين من مقبرة صنعها لهم المالكي نفسه _ الفضيلة مع التحالف الاول في ابرز صيغة من صيغ التقاطع الذي يقع بين المعسكر الايراني والمعسكر الامريكي، في لعبة جر الحبل والحبل هنا طبعا هو العراق وشعبه.


3- احتمالات التصادم في المنطقة الغربية التي يبدو انها تُطبخ على نار اقل سخونة من طبخات الجنوب.


4- الجوانب التنفيذية للصراع والاضطراب هي تصفيات جسدية للفائزين .. تفجيرات تستهدف الابرياء .. حملات اعلامية قاسية ... اصطراع مجنون على حصة رئاسة البرلمان ..


في الوقت الذي كان الليبراليون ينفخون بصورة المالكي قبل الانتخابات ويحولوه الى الشخصية الكارزمية المطلوبة لقيادة العراق (وهي ذات الشخصية الكارزمية التي وظف الغزو لذبحها) وتكريس سلطة الدولة المركزية (التي جاءت العملية السياسية الامريكية على انقاضها وعلى قارب يمخر عباب بحر دماء ابناءها) ينقلبون فجأة عليه ويتحول الى هدف للاطاحة .. والسؤال الكبير هو .. لماذا؟ ما الجديد بعد الانتخابات ليطرح تحالف الشيطان مع الملائكة والفيدرالي مع المركزي والمجتث المتباكي مع مَن اجتثوه وهمشوه|، والاسلامي مع البعثي السابق؟ هل هي لعبة مخابرات اميركا وايران لادامة الاضطراب المؤدي الى بقاء اطول للاحتلالين؟ ربما .. وربما ايضا ان مَن سقطت هيبتهم لا يستطيعون لعن مَن اسقطها وهو الجزء من شعبنا الذي انتخب والذي لا يزيد باي حال من الاحوال عن 30% وذاك الجزء الاعظم الذي اسقطهم بعدم المشاركة ذات الدلالات المعروفة ... وما لهم من سبيل للتشبث الاّ بالهجوم على ماسك الافعى المالكي مع هواجس قد لا تكون بعيدة عن الواقع، مداها ان اميركا قد جيرت كل شئ لصالح المالكي بعد ان قدم لها ما يثبت بانه اهل لثقتها وجدير بالاعتماد عليه.


في كل الاحوال تبقى صورة هذه الانتخابات التي يتوجب على أي متناول ان لا يبتعد عنها انها لعبة جر حبل يقف في طرف منها شعب العراق بجزءه المقاد راضيا او مرغما للعملية السياسية وفي الطرف الثاني يمسك بالحبل كل من:


اولا": اميركا
ثانيا": ايران
ثالثا": مكونات العملية السياسية الاحتلالية


ولا نحتاج الى كثير ذكاء لنكتشف الطرف الخاسر الاكبر في المحصلة الاجمالية وهو جزء شعبنا المجرور تحت وطأة اجرام الاحتلال وعملاءه وخططه وجهده المخابراتي والثروات المستخدمة في شراء الولاءات للعملية الاحتلالية. ويبقى الحل الذي ستؤول اليه جميع المآلات وهو خروج شعبنا الى صف المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية التي تحمل مشاريع التحرير ووحدة وسيادة العراق من اقصاه الى اقصاه والحفاظ على هويته العربية المسلمة والتي تمتلك الشرعية الكاملة لاعادة الوضع السياسي بعد التحرير الى نصابه الصحيح باجندة تعددية ديمقراطية مدنية متحضرة نزيهة متطلعة للازدهار والتقدم في كل مناحي الحياة. ان توجه شعبنا نحو هذا الخيار والذي يمكن ان يتم بوسائل سلمية ساندة للعمل المقاوم ضد الاحتلال هو الطريق الوحيد لاصلاح ذات البين حيث يرحل الاحتلال ومن جاء معه.


ويبقى سؤال العراقيين الاكبر ... كيف يمكن للمصالح الشخصية والحزبية والفئوية الضيقة ان تعلو على سيادة الوطن ومقدرات الشعب ويريدون من العراقيين ان يصدقوا .. انهم وطنيون وليس مجرد انتهازيّون نفعيّون وعملاء؟

 

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٢٣ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٨ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م