المعارضة العائدة .. ليست معارضة

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

مع بداية تصاعد انشطة الرئيس الامريكي الجديد, ووضوح تركيزه على الوسائل (السلمية) في تحقيق اهداف اميركا في العراق وما يتطلبه هذا المسلك من تغيير متناسب ومتناغم ومتناسق في خطاب الحكومة العراقية المنصبة امريكيا مع هذا التوجه الذي يهدف حصرا الى تقليص نفقات اميركا وخسائرها في العراق مع الحفاظ على النتائج التي تحققت ميدانيا لصالح الغزو ومن اهمها:


1- انهاء العراق كنظام عربي ذو وزن في قضايا المنطقة عموما والعربية خصوصا.
2- الهيمنة المطلقة على ثروات العراق وخاصة النفطية.


3- تفتيت البنية الاجتماعية المكونة للدولة العراقية الواحدة ارضا وشعبا وزرع بؤر توتر بركانية قابلة للانفجار في أي لحظة تجعل من وحدة العراق واستقراره وسيادته محض اسطورة وخرافة.


وحيث ان هذه الاهداف لم تتحقق بصيغة مطلقة ولن تتحقق مطلقا تحت صيغة الحرب التي قادها سلف اوباما فان الرجل وبموضوعية امريكية صرفة نحى منحى جديد في الحفاظ على المتحقق والانطلاق لتعزيزه بطريقة جديدة يدفع بها عملاء اميركا العراقيين او اشباه العراقيين الثمن المادي والعسكري لبقاءهم في السلطة الممنوحة امريكيا والواضح ان الوقود المغذي هنا لعجلة المشروع الامريكي الاحتلالي وفق صيغته الجديدة سيكون العراق والعراقيين عسكريا وماديا ويتطلب اول ما يتطلب امرين اساسيين: اولهما استخدام الاحتياطي المضموم في دهاليز المخابرات من وجوه (عراقية) يمكن لضخها ان يوصف في اطار انفتاح العملية السياسية على معارضين عراقيين او معارضة عراقية للعملية السياسية وبما يوحي بتسجيل انتصارات كبيرة بل ومضخمة للعملية السياسية ورائدتها حكومة المالكي، وهكذا جاء الايحاء الى افراد ومجاميع اشرنا الى قسم منها في مقالات (مصنع لندن) للعودة الى بغداد بهدوء وصمت باستثناء الضوضاء التي صاحبت اعلان عودة المدعو عبد الامير الركابي، ربما لانها تزامنت مع جعجعة المالكي عن الاستعداد للتصالح مع اعوان صدام المشروط بالعودة الى العراق وكأنهم يريدون ان يقولوا للعالم الاخرس: ها هم المعارضون يعودون ووفقا لاشتراطات المالكي فلماذا لا يقبل البعثيون التعامل مع ذات الظروف التي عاد بها عبد الامير الركابي وعبد الله اللامي مكللين بغار النصر وشمم الوطنيون الاحرار! وان العراق قد صار وطنا آمنا للجميع وان المالكي وحكومته قد انقلبوا بقدرة ساحر عجيب الى حكومة تحب وتتعامل مع كل العراقيين ولا علاقة لها لا بالاجتثاث المتواصل لفكر ولحياة ومعيشة اكثر من سبعة ملايين عراقي ولا علاقة لها بقوانين حل الجيش ومؤسسات الدولة العراقية بل ولا علاقة لها بالمحاصصة الطائفية وان حزب المالكي الجديد المنشق عن حزب الدعوة هو ليس له اية علاقة بالدعوة لا من بعيد ولا من قريب والله قادر على ان يحي العظام وهي رميم وقادر على ان يوقف الافلاك والنجوم والاقمار ويعكس خطوط سيرها فهو سبحانه على كل شئ قدير. واليقين ان اوباما الشاطر قد اوكل هذا الدور البليد الى المالكي ليكون جزءا من ثمن بقاءه حاكما وليكون الواجهة المتجددة لاسلوب التنفيذ الجديد لغايات الاحتلال واهدافه. والامر الثاني و الاكثر اهمية في هذه الجعجعة التي لا طحين من وراءها هو محاولة بائسة لطمس الدور الحيوي الحاسم للمقاومة العراقية الباسلة في معادلات الوضع العراقي اجمالا.


قد لا يمتلك كاتب هذا الموضوع سببا محددا لاختيار عبد الامير الركابي والنفر من لاعبي السيرك السياسي معه ليكون واجهة للمعارضة العائدة الى احضان الوطن الذي تحرر من الاحتلال وصار واحة للبناء والاعمار وحسبنا الله ونعم الوكيل, غير اننا نعتقد ان الرجل بما معروف عنه من تاريخ شخصي وعائلي منذ بداية التسعينات وحتى يوم امس مؤهل ليلبس لون اللحظة الآنية المطلوبة لانه مدرب جيدا على عملية سلخ الجلد وتبديل الالوان بقدرات مشهودة.


تقرأ السيرة الذاتية للسيد عبد الامير الركابي انه كان شيوعيا تقرب هو ورفيقه عزيز الحاج من سلطة البعث عام 1968. وتم توظيفه وكيلا للأمن العراقي وبراتب قدره 30 دينار في حينها لقاء تقديم معلومات تفصيلية عن قيادات وقواعد الحزب الشيوعي. ثم منح جواز سفر أوصله الى باريس مع توصية مؤثرة بتشغيله صحفيا في صحيفة السيد احمد بن بلا في الجزائر بعد ان تزوج من السيدة اللبنانية نهلى الشهال ابنة شيوعي لبناني معروف. وتمكن الركابي من اقناع احمد بن بلا للتوسط بينه وبين الحكومة العراقية وتقديمه كمعارض وطني قبيل الغزو الغاشم، وتم له ذلك باللقاء مع السيد طارق عزيز وزير الخارجية وقام بأخذ اموال على اساس انه سيستخدمها في اعادة هيكلة المعارضين في الخارج لصالح العراق وضد الغزو المحتمل، وقد استولى الركابي على هذه الاموال بعد الاحتلال. ويروي زملاء له انه حصل على اموال طائلة في القاهرة من جهات تحاول لعب ادوار معينة في العراق عند زيارته لمقر الجامعة العربية مع وفد من الشخصيات العراقية بعد الاحتلال. وبمساعدة مخابراتية فرنسية توجه الى تأسيس ما يسمى بالمؤتمر التأسيسي المعارض للاحتلال ولكن هدفه الرئيسي هو الايقاع بالقوى الوطنية العراقية، واعتماده كبديل يستخدمه الامريكان متى شاءوا. والى جانب استخدامه من قبل المخابرات الفرنسية والايطالية، الذي روج له وكشف اعلاميا فانه تعامل ايضا مع المخابرات اليابانية، وقد مارس لعبة حلب الاموال عن طريق التعاطي مع العمليات المخابراتية لاطلاق سراح رهائن ايطاليين ويابانيين بذات الطريقة سوق لقطاع الطرق وقائد عمليات التسليب في الاهوار الجنوبية والمناطق المحاذية لها كريم ماهود وصولا الى ادخاله في مجلس الحكم سيء الصيت مقابل الحصول على اموال وموطئ قدم في الوضع الناشئ بعد الاحتلال.


مارس الركابي وعلاء اللامي حملات جائرة على المقاومة العراقية ضمن خطة منسقة ومدروسة بعد ان اعتقدا انهما ثبتا نفسيهما في لائحة المقاومين للاحتلال والعولمة رياءا وزيفا، واستخدما وسائل دنيئة في محاولاتهم الاجرامية للنيل من سمعة ومصداقية ووطنية المقاومة ورجالها الشجعان.


ثمة حقائق دامغة عن الركابي الذي يترأس ما يسمى بالتيار الوطني الديمقراطي على انه رجل يتعامل مع الصهيونية والكيان الصهيوني من خلال الحقائق الاتية:


1- اعلن الركابي في جامعة جنيف ان لليهود حقوقا تاريخية في فلسطين وان الصهيونية حركة قومية وطنية.


2- كرر نفس المقولة في مؤتمر في جاكارتا كان يحضره الشيخ الخالصي ولكنه تحوط ان لا يسمع الخالصي طروحاته لكي يتجنب احراجه او رد فعل مفترض منه.


3- خرجت زوجته نهلى الشهال من مؤتمر في قاعة جامعة برلين احتجاجا على قيام السيد فادي ماضي بطرد منظمة هاشومير ازايير الصهيونية بعد ان اعلن مقولته المعروفة في تلك الندوة: لا يمكن للحق والباطل ان يتواجدا في مكان واحد.


4- تشغل زوجته والتي يعرفه الناس بها حين يشيرون اليه: زوج الست: منصب منسق المجموعة الفرنسية الصهيونية مع المجموعات العربية بما فيها المجموعة الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان وما يسمى بمجموعة السلام العربية. وقد طالبت بتقديم السيد فادي ماضي الى محكمة الجنايات الفرنسية بتهمة معادات السامية وقد وقع البيان من قبل نهلى الشهال وعبد الامير الركابي وادريس اليزامي اضافة الى منظمة هاشومير ازايير الصهيونية.


وبهذا يتضح ان الركابي ومن معه لا هو معارض ولا هم يحزنون بل هو رقم من ارقام الاحتياطي المخابراتي المضموم للضغط على حكومة الاحتلال عندما يراد ارغامها على اتخاذ خطوات لتدعيم مسيرة الادارة الامريكية الجديدة وخاصة تلك التي تدرك اميركا ان المالكي غير مهئ وفق جميع المعايير للخطو نحوها في اطار ما يسمى مصالحة وطنية، ومعروف ان المالكي انتقائي فيها وفقا لاشتراطات ايران من جهة ومقتضيات تعبيراته الذاتية عن مكنونات حقده وضغائنه على العراق والعراقيين من جهة اخرى.


ان المالكي حين يحتضن الركابي وبعض رموز المعارضة المزيفة القادمين من ساحات اوربا المشاركة في الغزو والاحتلال فانه يمارس تكتيكا ذو طبيعة فارسية معروفة في محاولة لامتصاص زخم الاندفاع الامريكي الرامي الى رؤية نتائج ملموسة لتوطين مصالح الاحتلال وغاياتها وفقا للمنهج الاوبامي المتذاكي والذي لا يتناسب قطعا مع تطلعات المالكي وبقية اطراف الائتلاف والاحزاب الكردية و الحزب الاسلامي لان ما تتمناه وتعمل عليه اميركا هو ليس التصالح مع الركابي واللامي فلا خصومة معهم قطعا، بل تريد سحب الاطراف العراقية المقاومة والرافضة للاحتلال الى العملية السياسية كهدف امريكي لا يتقدم عليه هدف آخر الآن لتحقيق نتائج سريعة لتوجهات اوباما التي تراهن على الاحتلال السياسي ومردوداته المالية والاقتصادية. بكلام آخر ان اوباما يحاول عقد قران لزواج مستحيل لا من جهة المقاومة ولا من جهة عملاء اميركا، وما الركابي وامثاله الاّ نوع من كومبارس عملية عقد القران المستحيلة او لنقل انهم بهارات الطبخة(المحاولة) التي تريد من خلالها اميركا الاوبامية ان تاخذ كل شئ دون ان تدفع أي شئ كجزء من علاج الجرح الامريكي المالي والاقتصادي النازف وكاعلان ديمقراطي عن صدقية توجهات اوباما في دعايته الانتخابية.


ومحصلة القول ان اللعوب المجرّب المعروف عبد الامير الركابي قد لا يطيل البقاء بين البيوت الخربة في شارع الرشيد, هذا ان تمكن كتف صاحبه الذي يتكأ عليه من حمايته من عاصفة هوجاء قد تهب من بين ساقية وتقتلعه من الجذور فيلحق بالمرحوم عزيز الياسري او المرحوم محمد باقر الحكيم او المرحوم سليم عز الدين على سبيل المثال لا الحصر, او ان تحتضنه مكيدة تنزل من السماء فيجد نفسه بين احضان مدير هيئة الاجتثاث السابق الذين طوته غيوم النسيان, او ان يحمل حقيبة دولارات جديدة تعاونه على دخول مرآب آخر من مرائب لندن او باريس خاصة بعد ان اعلن رفاق الامس تخليهم عنه في بيان توزع على الانترنيت اليوم وهددوه بكشف كل المستور في تاريخه السابق واعلنوا ايضا انه لا يمثلهم ولا يعترفون بحركته البهلوانية لتمثيل لعبة المعارضة العائدة الى ساحة المنطقة الخضراء التي ما فارقت قمامة الاحتلال ولا فارقتها سيادة اميركا المطلقة على كل الوضع في العراق بكامل تفاصيله بما فيه تصريحات دجاج القمامة الخضراء وان عودته الى العراق إن هي الاّ غدر بالتيار الديمقراطي الوطني وبالتيار العروبي.


اما نحن فنقول ... ان كل هذه المهاترات قرب قمامة المنطقة الخضراء وتحت علم اميركا المحتلة ما هي الا رفسة خنزير يتلوى تحت طعن مقاومتنا الوطنية البطلة .. فمقاومتنا حذام .. وصدق القول ما قالت حذام ... ومقاومتنا حسام والسيف اصدق انباءا من صياح ديكة المزابل.

 
 

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١٣ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٠ / أذار / ٢٠٠٩ م